في هذه الرسائل يدعو سينيكا تلميذه إلى الرواقية، وإلى أن يترك الترف الأبيقوري ويأخذ نفسه بشيء من التقشف الرواقي، وأن ينصرف عن الآراء الشائعة بين الدهماء، ويعتزل المجالس والمجتمعات والمنتديات والشئون العامة، ويخلو إلى نفسه ويظل رغم ذلك من أهل المدينة الكبرى، مدينة العالم، وهي أحق المدن بالحكيم.
لم يقدم سينيكا ميتافيزيقا واضحة المعالم، ولم يكن يولي الطبيعيات أهمية إلا ما كان منها ذا صلة بالأخلاق. وفي أخلاقه كان انتقائيا يوفق بين الآراء المختلفة، ويتجنب التطرف في أي اتجاه؛ فالطبيعة تكره الإسراف؛ فلننصرف عن شئون الدنيا، ولكن في بساطة ومن غير ضجة ولا إعلان؛ فإن فضل المجاهد لا يقاس بتجهم الملامح وقذارة الأسمال. ولنحسن إلى الغير ولكن الإحسان في السر لا يعدله أي ضرب من الإحسان الظاهر. ولنصبر على الحياة، ولكن لنختر الموت طوعا إذا كان الموت هو آخر معقل للحرية وآخر ملاذ للكرامة. ولننصرف عن عبادة المال، ولكن إذا جاءنا المال فليس من الحكمة أن ننبذه؛ فهو ابتلاء علينا أن نحتمله. وإنه لمن الضعف أن يعجز المرء عن احتمال الثروة.
31
ولنصبر على موت الأحباب، ولكن ليس من الممكن دائما أن يمسك الأب دموعه عند فقد ولد عزيز. ولنغبط عيش الأكواخ التي عاش فيها آباؤنا الأولون، ولكننا لا نستطيع أن نحمل سريا من سراة الناس على أن يعيش في برميل. ولنعتدل في الشراب ولكن «كاتو» كان يدعونا أن نغرق فيه أحزاننا من حين إلى حين.
وقد حظي سينيكا في العصور اللاحقة بما هو أهل له من التمجيد والتشريف. وصار اسمه مرتبطا بمبادئه النبيلة وكتاباته الآسرة أكثر من ارتباطه بممارساته العملية التي لا تخلو من أشابة. وقد زعم العديد من آباء الكنيسة أنه مسيحي، وقيل إنه كانت هناك مراسلات بينه وبين القديس بولس، ويسلم بذلك رجال من طبقة القديس جيروم.
32
إبكتيتوس
يوناني ولد في هيرابوليس بآسيا الصغرى حوالي عام 50م (وقيل 60م). وأرسل إلى روما ليكون عبدا لرجل من خلصاء نيرون هو إبافروديتوس
Epaphroditus ، ومن هنا جاء اسم «إبكتيتوس»
Epictetus
ناپیژندل شوی مخ