أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ: الْجَارُّ أَحَقُّ بملاصقه١ من دَار جَاره.
و"الصقب" الدُّنُوُّ بِالْمُلَاصَقَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كُوفِيَّةٌ نَازِحٌ٢ مَحِلَّتُهَا ... لَا أَمَمٌ دَارُهَا وَلَا صَقَبُ
يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: "لَا أَمَمٌ دَارُهَا" أَيْ: لَا قَرِيبٌ، "وَلَا صقب" أَي: لَا مُلَاصَقَةٌ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: "إِنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، فَلَا شُفْعَةَ".
كَأَنَّ رَبْعًا فِيهِ مَنَازِلُ، وَهُوَ لِأَقْوَامٍ عَشَرَةٍ مُشْتَرِكِينَ فِيهِ، فَإِنْ بَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حِصَّةً مِنْ تِلْكَ الْمَنَازِلِ، كَانَتِ الشُّفْعَةُ لِجَمِيعِهِمْ فِي الْحِصَّةِ وَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تُسْعُهَا، فَإِنْ قُسِّمَتْ تِلْكَ الْمَنَازِلُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ بِعَيْنِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَبِيعَ مَنْزِلَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ شُفْعَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِجَارِهِ الْمُلَاصِقِ لَهُ.
فَدَلَّنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إِذَا وَقَعَتْ، زَالَ حكم الْمشَاع.
١ وَفِي نُسْخَة: بِمَا لَا صقه، وَلَعَلَّ هَذَا أصح.
٢ نازح: أَي بعيد.