كالموظف الذي مُنح إجازته السنوية شهرًا كاملًا، إذا قضى فيها عشرة أيام يكون قد خسر منها عشرة أيام فصار الشهر عشرين، فإذا مرَّ عشرون صار الشهر عشرًا، فإذا تم الشهر انقضت الإجازة فكأنها لم تكن.
أتظنون أني «أتفلسف»؟ لا والله، بل أصف الواقع. نحن كلما ازداد عمر الواحد منا سنة في العَدّ نقصت من عمره سنة في الحقيقة، حتى ينفد العمر ويأتي الأجل، ونستقبل حياة أخرى تبدأ بالموت.
فتحت كتابي «من حديث النفس» فقرأت فيه فصلًا نشرته في العدد الممتاز من مجلة الرسالة في مطلع سنة ١٩٣٨، عنوانه: «على أبواب الثلاثين»، لو تصورت يومئذ أني سأقرؤه في مطلع سنة ١٩٦٦ لتراءى لعيني دهر طويل. ثمان وعشرون سنة، أنظر إليها الآن بعدما مَرَّتْ فأراها كأنها يوم وليلة. ولو نظرت الآن إلى ما بعد ثمان وعشرين سنة، إلى سنة ١٩٩٤، لرأيتها بعيدة جدًا، ولكن من يقرأ هذا الفصل يومئذ سيرى سنتنا هذه كأنما كانت بالأمس.
فنحن نوسع المستقبل بالأمل.
* * *
وما هذا المستقبل الذي نسعى إليه ونَكِدُّ من أجله؟
لما كنت طالبًا كان مستقبلي في نيل الشهادة، فلما نلتها صار المستقبل في الوصول إلى الوظيفة، فلما وصلت إليها صار
1 / 9