كل صاحب رادّ لا يَسمع وحده، بل يُسمع أربعين جارًا، وكانت الأصوات لا تنقطع طول الليل، والمسحّر يجيء من الساعة الواحدة، وهؤلاء الموسيقيون الفاشلون الذين عجزوا عن أن يكونوا رجال فنّ فأسبغوا على غنائهم ثوب الدين (والدين يبرأ منهم) وتغزلوا بالرسول ﷺ بدلًا من التغزل بليلى وسلمى! والبيّاعون يأتون من طلوع الشمس: مصلح البوابير وبياع الحليب و«اللي عنده سجاد للبيع» ... والأولاد الذي يتخذون الحارات والجادات ملاعب للكرة؟
وكيف يشعر بوجود رمضان من يركب الترام فيرى أمامه من يدخن وينفخ في وجهه الدخان، ويرى المطاعم مفتَّحة والأكَلَة يأكلون، ويرى الناس إن صاموا عن الشراب وعن الطعام لا يصوم إلا القليل منهم عن الكذب والغش والغيبة والبذاءة والحلف بغير الله، أو الحلف كاذبًا بالله، ولا يصوم إلا القليل عن الغضب والبطش والأذى؛ وليس الصيام -في الحقيقة- إلا تدريبًا خُلُقيًا، ليس الصوم جوعًا وعطشًا فقط.
خلق الله ملائكة، وخلق شياطين، وخلق وحوشًا وسباعًا، فالمَلَك خير كله، والشيطان شر كله، والسبع طبيعته البطش لولاه ما عاش، وخلق الإنسان من الثلاثة جميعًا: ففي الإنسان مَلَك وشيطان وسبع، المَلك له الإيمان والرحمة والطاعة والخشوع والسموّ النفسي، والشيطان له الشهوة المحرَّمة والكذب والاحتيال والإفساد، والسبع له الغضب والبطش والقهر. والصيام في الحقيقة صيام عن السبعية والشيطانية، لتخلص النفس في هذا الشهر للمَلَكية، فإذا لم تظهر على الصائم أخلاق الملائكة، وإذا