Scenes from the Lives of the Companions
صور من حياة الصحابة
خپرندوی
دار الأدب الاسلامي
شمېره چاپونه
الأولى
ژانرونه
عَلَى أَنَّ الهِجْرَةَ إِلَى اللَّهِ، وَمُفَارَقَةَ الأَهْلِ وَالوَطَنِ فِي سَبِيلِهِ، لَمْ تَكُنْ أَمْراً جَدِيداً عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، فَقَدْ هَاجَرَ هُوَ وَبَعْضُ ذَوِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى (( الحَبَشَةِ )) .
لَكِنَّ هِجْرَتَهُ هَذِهِ المَرَّةَ كَانَتْ أَشْمَلَ وَأَوْسَعَ، فَقَدْ هَاجَرَ مَعَهُ أَهْلُهُ وَذَوُوهُ، وَسَائِرُ بَنِي أَبِيهِ رِجَالاً وَنِسَاءً، وَشِيباً وَشُبَّاناً، وَصِبْيَةً وَصَبِيَّاتٍ، فَقَدْ كَانَ بَيْتُهُ بَيْتَ إِسْلَامٍ، وَقَبِيلُهُ قَبِيلَ إِيمَانٍ .
فَمَا إِنْ فَصَلُوا(١) عَنْ مَكّةَ حَتَّى بَدَتْ دِيَارُهُمْ حَزِينَةٌ كَئِبَةٌ، وَغَدَتْ خَوَاءٌ خَلَاءٌ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنِيسٌ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يَسْمُرْ فِي رُبُوعِهَا سَامِرٌ.
وَلَمْ يَمْضِ غَيْرُ قَلِيلٍ عَلَى هِجْرَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى خَرَجَ زُعَمَاءُ قُرَيْشٍ يَطُوفُونَ فِي أَحْيَاءِ مَكّةَ؛ لِمَعْرِفَةِ مَنْ رَحَلَ عَنْهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ.
فَنَظَرَ عُتْبَةُ إِلَى مَنَازِلِ بَنِي جَحْشٍ تَتَنَاوَحُ فِيهَا الرِّيَاحُ السَّافِيَاتُ(٢) وَتَخْفِقُ(٣) أَبْوَابُهَا خَفْقاً وَقَالَ:
أَصْبَحَتْ دِيَارُ بَنِي جَحْشٍ خَلاَءً تَبْكِي أَهْلَهَا ...
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَمَنْ هَؤُلَاءِ حَتَّى تَبْكِيَهُمُ الدِّيَارُ؟ !! .
ثُمَّ وَضَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ عَلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، فَقَدْ كَانَتْ أَجْمَلَ هَذِهِ الدُّورِ وَأَغْنَاهَا، وَجَعَلَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا وَفِي مَتَاعِهَا كَمَا يَتَصَرَّفُ المَالِكُ فِي مُلْكِهِ .
فَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ بِدَارِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ:
(١) فصلوا عن مَكّة: خرجوا عن مَكّة. (٢) السّافيات: الَّتِي تثير التراب. (٣) تخفق: تَقْرَعُ.
84