تعد النظرة القرآنية في الحدود الإلهية للمال ومقوماته، وسبل جمعه وخصائصه، ومقومات وجوده، والهدف منه، نظرة تجعله سبيلًا لا غاية ولا هدفًا، بل إن كثيرًا من آيات القرآن الكريم تحضّ على عدم الالتهاء والانغرار بالمال، وتجعل المال في الوقت نفسه مما يلهي، ومما ينسب للذين نسوا الله ﷿.
ولا ريب في أن للمال في القرآن الكريم مفهومًا ماديًا يجعله مما يلهي ويعجب أو يبعث على الحسد، وأحيانًا يزيد من طغيان الطاغية، وتجبر المتجبر «١» .
ونلاحظ في سورة القصص التي حللنا كافة مضامينها في هذه الرسالة أنها أشارت إشارات متعددة للمال تصريحًا، أو مجازًا، أو ضمن مفهوم سياق النص على أنه من الأشياء المذمومة التي تبعث على الابتعاد عن الله ﷿، ولكن آيات سورة القصص في الوقت نفسه حضت على عدم نسيان نصيب الإنسان من الدنيا: (وهو ما يشمل المال بأنواعه المتنوعة) «٢»، لذلك كانت لسورة القصص مجموعة من المفاهيم (عن المال)، ودعوه لمجموعة من الغايات (للمال نفسه) يمكن إيجازها في النقاط الآتية استنادًا إلى تحليلنا وتفسيرنا للآيات:
الوراثة الإلهية للمستضعفين ماليًا ضمن كل أنواع الإرث من خلال وعد الله ﷿: ﴿وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ﴾ «٣»، فهاهنا موقف وسط غير رافض للمال في حد ذاته كونه مالًا، وإلا لم يوعد به كلّ هؤلاء المستضعفين من الله ﷻ مع التمكين في الأرض وإنما المرفوض ما كان من تصرف فرعون بماله حتَّى:
﴿علاَ فِي الأَرْضِ﴾ «٤» كما قررت سورة القصص.
(١) ينظر في الاقتصاد الإسلامي. د. عمر شقرا. الطبعة الثالثة. دار الحكمة. لندن. ١٩٩٤ م: ص ٢٧٧ – ٢٧٨.
(٢) ينظر المصدر نفسه: ص ٣١٠.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان ٥ – ٦.
(٤) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٤.
1 / 167