ثمن الكتابة
الملخص
شخصيات التمثيلية
الصورة الممزقة (1)
الصورة الممزقة (2)
الصورة الممزقة (3)
الصورة الممزقة (4)
الصورة الممزقة (5)
الصورة الممزقة (6)
الصورة الممزقة (7)
ثمن الكتابة
الملخص
شخصيات التمثيلية
الصورة الممزقة (1)
الصورة الممزقة (2)
الصورة الممزقة (3)
الصورة الممزقة (4)
الصورة الممزقة (5)
الصورة الممزقة (6)
الصورة الممزقة (7)
الصورة الممزقة
الصورة الممزقة
رواية تمثيلية
تأليف
نوال السعداوي
ثمن الكتابة
مقدمة قصيرة
لا أجيد كتابة المقدمات، يمكن أن أكتب قصة من ألف صفحة، ولا أستطيع كتابة مقدمة من نصف صفحة، أما رفيقة عمري فهي شخصية عصية على الفهم، تكتب في النوم كما تكتب وهي صاحية، لا تهتم بدورة الأرض حول نفسها، أو دورتها حول الشمس.
تضحك وتقول: نحن أحرار، ندور كما نشاء؛ حول أنفسنا، أو حول غيرنا، أو لا ندور.
لكن عقلي يدور، رغم مشيئتي، في النوم كما في اليقظة.
أصحو من النوم كل صباح على رنين الجرس، صوتها يأتيني من حيث تكون، في أي مكان فوق كوكب الأرض، هي تعشق السفر منذ كانت طفلة، لا تعود إلى الوطن حتى ترحل، مهما ابتعدت وطال الغياب، أراها أمام باب بيتي، بحقيبتها العتيقة بلون النبيذ الأحمر، حرقتها الشمس وأغرقتها الأمطار في الجنوب والشمال، أصبحت أقل حمرة مما كانت، وإن ظلت حمراء اللون، متينة العجلات قوية العضلات، أقل قوة بمرور الزمن، تجرها من خلفها وهي تجتاز المطارات والمحطات، تنزلق وراءها بخفة فوق الشوارع المرصوفة الناعمة، وتغوص بثقلها في الأزقة حيث الحفر والمطبات، مليئة بالكتب وملابسها وأوراقها، مقبضها متين لا ينخلع، يحمل اسمها، داخل قطعة من البلاستيك الأبيض بحجم كف اليد.
اسمها الثلاثي كان مسجلا في أقسام وزارة الداخلية والشئون الاجتماعية ومصلحة السجون وإدارات الرقابة على النشر والكتابة والمصنفات الفنية.
يحملق ضابط الشرطة بمطار القاهرة في اسمها الثلاثي، يتأمل صورتها في جواز سفرها، يبتسم في وجهها: حمد الله ع السلامة يا أستاذة. يدق بالمطرقة على جواز سفرها فتدخل. وإن وصلت القائمة السوداء إليه قبل عودتها، يعتذر لها برقة ورثها عن أمه، يناولها كرسيا لتستريح وكوب ماء: آسف يا أستاذة، عندي أوامر لازم أنفذها. وإن كان عضوا بحزب الجهاد أو داعش أو حزب الحكومة، يكشر عن أنيابه مبرطما بصوت غليظ، ويحجزها مع حقيبتها في غرفة الحجر الصحي؛ حيث تلتقي بأنواع مختلفة من البشر، بعضهم مرضى بالجذام وإنفلونزا الخنازير، وبعضهم مصاب بالجنون أو الكفر، منهم الكوافير سوسو، كان شهيرا في الحي الراقي بجاردن سيتي، اكتسب ثقافة نادرة من الحلاقة للنساء والرجال، أصابعه ماهرة تدرك أفكارا مدهشة في الرءوس التي تغوص فيها، يأتي سكان الحي الراقي إلى محله الأنيق بشارع التنهدات، نساء ورجال من المثقفين أو الطبقة العليا، يؤمنون أن الإنسان تطور عبر ملايين السنين من فصيلة الثدييات على رأسها الشمبانزي الأم الكبرى، وأن الأرض كروية تدور حول الشمس وليس العكس، وأن الكون نشأ بالصدفة البحتة حين حدث الانفجار الكبير وانتشرت في الفضاء ذرات، تناثرت وتجمع بعضها لتكوين أول مادة أو أول كتلة مادية في الوجود.
وكان من زبائن الكوافير سوسو، أيضا، البوابون والطباخون في قصور الباشوات القدامى والجدد في جاردن سيتي، منهم الحاج منصور الشهير باسم طباخ الباشا؛ رجل سمين مملوء بالسمن البلدي والطعام الفاخر الذي يبتلعه سرا.
وبينما هو يترك رأسه بين يدي الكوافير سوسو، يحكي الحكايات القديمة عن المماليك والأتراك، كيف عاشوا في الأناضول، ولا بد أن يذكر الأسلاف من أجداده وعلى رأسهم جده الكبير، الذي حكى له وهو صغير أن الله خلق للثور قرنين؛ لأنه يحمل الأرض فوق قرن، وإن تعب من ثقلها حرك رأسه ونقلها إلى قرنه الثاني.
ويضحك الكوافير سوسو: مش معقول يا حاج منصور. - لا، معقول يا سوسو، أمال الزلازل والبراكين والبرق والرعد بييجوا منين؟ - منين يا حاج منصور؟ - لما الثور يحرك الأرض على راسه من قرن لقرن يحدث البرق والرعد، والزلازل تهز الأرض.
يضحك الكوافير سوسو: مش معقول يا حاج منصور. - لا، معقول يا سوسو. - الكلام ده كان زمان قبل جاليليو. - جاليليو خواجة يهودي نصراني ما يعرفش ربنا. - لازم تعرف حاجة عن جاليليو يا حاج، اسمعني. - سامعك يا خويا. - جاليليو أمه ولدته في إيطاليا بعد العدرا مريم ما ولدت المسيح بألف وخمسميت سنة أو أكتر، وكانت إيطاليا وأوروبا كلها محكومة بالكنيسة وعايشة في الجهل والظلام، درس جاليليو الطب والهندسة والفلك، واكتشف أخطاء العلماء اللي قبله في اليونان، منهم أرسطو. - أرسطو كان مؤمن بربنا يا سوسو؟ - أرسطو كان مؤمن بالكنيسة يا حاج منصور وبينشر أفكارها في كتبه، واعتبرته الكنيسة الفيلسوف الأعظم وأغدقت عليه الأموال والمناصب، لكن جاليليو عمل منظار جديد واكتشف خطأ أرسطو، وإن الأرض بتدور حول نفسها وحول الشمس، غضبت منه الكنيسة واتهمته بالكفر والإلحاد والخيانة؛ لأنه بيعارض الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة ونظرية أرسطو عن إن الأرض ثابتة لا تتزعزع ولا تتحرك أبد الدهر، قدموا جاليليو للمحاكمة وأدانوه، ومات فقير مسكين معزول في بيته. - مين قال لك الكلام ده؟ - الباشا اللي باحلق له شنبه ودقنه. - الباشا بنفسه يا سوسو؟ - أيوة يا حاج منصور. - لازم كلامه صح مية المية، لكن أنا مش حاسس إن الأرض بتدور يا سوسو! - لأنها بتدور بسرعة كبيرة يا حاج، وانت جزء منها وبتدور معاها. - مش معقول يا سوسو. - مثلا وانت راكب جوة القطر يا حاج، لا يمكن تحس إنه بيجري بسرعة. - لكن القطر غير الأرض يا سوسو، ولا إيه؟ - إيه يا حاج!
وينفجر الكوافير والحاج منصور في الضحك.
تخرج هي، رفيقة العمر، تجر حقيبتها الحمراء ذات العجلات، من غرفة الحجر الصحي بالمطار بعد عدة ساعات، أو عدة أيام حسب مزاج الحكومة والمخابرات، ثوبها مكرمش وشعرها منكوش، نامت على الكرسي وإلى جوارها الحقيبة، تلمسها بيدها إن أفاقت في الظلمة فجأة، تخشى أن يسرقها أحد وهي غارقة في النوم، أو غائبة عن الوعي من شدة التعب، وفي أحد الصباحات، دون سابق إنذار، يأتي الضابط مبتسما، ويقول: مبروك يا أستاذة، صدر العفو الرئاسي عن بعض المعتقلين والمعتقلات بمناسبة العيد. - أي عيد؟
الأضحى الكبير، أو العبور العظيم، أو شم النسيم في بداية الربيع، يصحو الناس في الصباح الباكر ليشموا البصل والرنجة والفسيخ، يتمشون على شاطئ النيل، الأغنياء منهم يشمون النسيم في المنتجعات الجديدة على شاطئ البحر الأبيض بالساحل الشمالي، أو في الغردقة وسواحل البحر الأحمر.
لكن يظل الفسيخ اللذيذ من نبروه، مع أصناف الطعام الفاخر ومعه البصل الأخضر والملانة والرنجة من ضرورات العيد، لإعادة الذاكرة الطفولية والخصوصية الثقافية وتاريخ الأجداد.
كنت أحب الفسيخ وهي لا تطيق رائحته، لا تزورني أبدا في المواسم، لا تحتفل بالأعياد، وعيد ميلادها لا تذكره، إن ذكرتها به تمط شفتها السفلى وتنهمك في الكتابة. - كم عمرك؟ - مش فاكرة. - مش معقولة انتي. - انتي اللي مش معقولة. - ازاي؟ - إيه يهمك من عمري؟ - عاوزة أعرف انتي عشتي كام سنة. - ليه؟ - مش عارفة. (انتهت المقدمة)
1
نوال السعداوي
القاهرة
22 مارس 2017
الملخص
محمود وسعاد زميلان في كلية الطب جمع بينهما الحب والتقدير والحماس لتحرير الوطن من الاحتلال الأجنبي والحكم الملكي الفاسد. يترك محمود الكلية وينضم إلى الفدائيين في القنال يحارب الإنجليز، إلا أنه يعود مهزوما مكسور القلب بسبب تآمر الإنجليز مع الملك والحكومة ضد الفدائيين. يعاني حالة نفسية شديدة الوطأة تؤدي به إلى محاولة للنسيان عبر تعاطي «الماكستون» وهو منبه ضار جدا بالصحة النفسية والجسمية.
لكن سعاد تحاول مساعدته وتضحي بأهلها من أجله، تصبح زوجة له تساعده على الشفاء دون جدوى، أخيرا يصبح خطرا عليها فتهرب بطفلها منه وتعيش من إيرادها فهي طبيبة، ثم تتزوج تحت ضغط أمها والمجتمع، لكن زوجها الثاني يقسو على طفلها، كما أنه يتذمر من انشغالها في عملها الطبي، وينتهي الأمر بالانفصال. ويكون محمود قد شفي في ذلك الوقت بعد أن اقترب من الموت وترك الطب وأصبح صحفيا لامعا. يتم اللقاء بين محمود وسعاد في النهاية.
الصورة الممزقة
تمثيلية
قصة، سيناريو، حوار
الدكتورة نوال السعداوي
شخصيات التمثيلية
سعاد: (البطلة) فتاة شابة جميلة قوية الشخصية. تظهر في المشاهد الأولى صبية صغيرة لها ضفائر طويلة.
محمود: (البطل) شاب قوي الملامح وسيم، نافذ العينين.
والد سعاد:
رجل في الخمسين طيب الملامح، تاجر ميسور الحال، متوسط الثقافة.
والدة سعاد:
امرأة في الأربعين، قاسية الملامح، قليلة الثقافة.
الدادة أم علي:
امرأة بنت بلد في الخامسة والأربعين، مرحة الملامح.
والدة محمود:
امرأة في الخمسين ، قوية الملامح، امرأة مكافحة رقيقة الحال.
أخت محمود عزيزة:
فتاة خرساء لا تسمع ولا تتكلم، ذكية الملامح.
فوزية محمد:
زميلة سعاد في المدرسة، فتاة ناضجة عادية.
ضابطة الداخلية: (أبلة فهيمة)، عانس في الأربعين، قاسية الملامح، متصابية.
ناظرة المدرسة:
عانس في الخامسة والأربعين قاسية الملامح، متصابية.
أبلة ليلى:
مدرسة الرسم، امرأة شابة حلوة.
د. شكري:
رجل ناضج في الأربعين، وقور الملامح والشخصية.
رفاعي:
رجل في الخامسة والثلاثين، قاسي الملامح.
سعد:
شاب عادي، زميل محمود.
عزيز:
زميل محمود، شاب.
توفيق:
ابن عم سعاد، شاب طويل نحيل.
خالد:
طفل صغير في السادسة من عمره.
شخصيات أخرى ثانوية :
كالبنات في المدرسة والطلبة في الجامعة والأطباء والحكيمات ... إلخ.
الصورة الممزقة (1)
الافتتاحية
تصوير سينمائي:
تملأ الكادر صورة وجه محمود (البطل) وقد مزقت إلى نصفين بالطول، فظهر وجهه منقسما بالطول إلى نصفين متساويين.
يتحرك نصفا الصورة مقتربين ومبتعدين تصحبهما الموسيقى المناسبة.
موسيقى تعبر عن معنى التمزق النفسي واليأس، ثم تعبر عن معنى التحدي والكفاح والعمل، ثم تعبر عن معنى البعد والصراع، ثم تعبر عن معنى القرب والهدوء.
تختفي صورة وجه محمود وتظهر صورة سعاد (البطلة) تملأ الكادر أيضا وقد مزقت بنفس الطريقة إلى نصفين بالطول.
نصفا الصورة يقتربان ويبتعدان أيضا كالسابقة، يختفي نصف وجه سعاد ويحل مكانه نصف وجه محمود.
تتردد الموسيقى بين هذه المعاني جميعا بما يتفق والصورة الممزقة التي تظهر على الشاشة.
نصفا الوجهين يقتربان ويبتعدان، ويقتربان، ثم يبتعدان بقوة وبسرعة، لحظة صمت مطبق.
موسيقى عنيفة تعبر عن الانفصال والعنف.
تصوير داخلي:
يملأ الكادر باب مغلق (باب بيت)، لحظة صمت مطبق.
تسمع من خلف الباب المغلق صوت امرأة تصرخ صرخة عالية جدا تنم عن الرعب: آه!
يفتح الباب بقوة وبسرعة وتندفع منه سعاد.
البطلة، تظهر شابة ناضجة مهملة الملابس تحمل طفلها الرضيع على كتفها وقد لف في بطانية صوت صغيرة.
موسيقى مناسبة.
سعاد تجري على السلم وهي تحمل طفلها في فزع وخوف. لا تنظر خلفها.
موسيقى مناسبة.
الكاميرا تصعد إلى الباب وقد أصبح نصف مفتوح . يظهر من خلفه في الظلام الدامس قدمان لرجل يمشي بخطوات ثقيلة.
يسمع صوت وقع القدمين على الأرض ثقيلة مخيفة.
تسمع صوت ضحكة رجل مجنونة: ها! ها! ها!
تتوقف الضحكة فجأة.
لحظة صمت.
تظهر يدا الرجل مكبرتين وهما تمسكان بشيء مدبب طويل (يشبه الحقنة ولكن لا يظهر بوضوح في الظلام). اليدان تتحركان في عصبية وترتعشان. يد منهما تظهر فقط، موسيقى تعبر عن معنى التمزق، وتختفي الأخرى. تظهر اليد وهي ممسكة بالإبرة في الذراع الممدودة.
تسمع صوت صرخة رجل مكتومة تعقبها لحظة صمت: آه!
ثم يسمع نشيج رجل يبكي في يأس.
نشيج رجل مكتوم.
تصوير خارجي:
تظهر سعاد وهي تجري في الشارع وطفلها على كتفها ... تتلفت وراءها في خوف، ثم تجري بسرعة كالمجنونة.
يبدو على وجهها الذعر.
الشارع طويل في الظلام الدامس.
تجري فترة من الوقت.
تصوير داخلي:
سعاد تتوقف لاهثة أمام باب مغلق.
تقف أمام الباب مترددة.
تنظر إلى نوافذ البيت المغلقة في تردد.
تدق الجرس مرة أخرى في حذر.
لا أحد يرد.
تدق الجرس مرة ثانية.
لا أحد يرد.
تدق الجرس بقوة وعنف وخوف.
لا ترفع يدها عن الجرس حتى يفتح الباب. يفتح الباب ويظهر رجل كبير السن بملابس النوم (والد سعاد) على ملامحه الفزع والدهشة والذهول.
سعاد تلقي بنفسها على صدره وتنفجر في النشيج: بابا! بابا!
يضمها الأب في لهفة وهو يرتعش ويقول: سعاد! بنتي! بنتي!
الدموع تظهر في عيني الأب، سعاد تبكي وهي على صدره. الأب يربت عليها في حنان ويداه ترتعشان.
الأب :
أنا كنت عارف إن ده حيحصل!
سعاد :
معلهش يا بابا ... كان لازم اعمل كده!
الأب :
ليه بس كده يا بنتي؟! ليه تعملي كده؟ شوفتي النتيجة إيه؟
سعاد :
معلهش يا بابا! غصب عني!
الأب :
طيب يا بنتي. اطلعي استريحي. اطلعي أودتك استريحي وريحي ابنك. ربنا يفرجها الصبح. (سعاد تصعد السلم إلى حجرة نومها وعلى كتفها ابنها. تدخل حجرة نومها القديمة (حجرة نوم تلميذة في الجامعة لأسرة ميسورة الحال؛ سرير، دولاب، تسريحة، مكتب، كرسي، شماعة ... إلخ).) (سعاد تتأمل الحجرة لحظة وقد غابت عنها طويلا، ثم تضع ابنها على السرير وتغطيه. تترك الطفل وتدور في الحجرة تتأمل كل شيء في شرود. تنظر إلى نفسها في المرآة. ترى شعرها شعثا وملابسها مهملة. تترك المرآة وتعود تتمشى في الحجرة.) (تعثر على عروسة صغيرة. تمسك العروسة في يديها وتتأملها. تجلس على كرسي مريح بجوار السرير وفي يدها العروسة.) (تنظر بإمعان إلى وجه العروسة وتستعيد ذكريات قصتها منذ كانت طفلة تلعب بنفس هذه العروسة التي تمسكها الآن.) (فلاش باك.)
تصوير داخلي:
تظهر أم سعاد في حجرة الطعام.
حجرة طعام في منزل تاجر من تجار بنها ميسور الحال.
أم سعاد تجهز الأطباق على المائدة.
أخو سعاد، ماجد (لا يزال صغيرا أصغر من سعاد بعام واحد) يجلس على أحد كراسي المائدة في كبرياء.
الأم تنادي على سعاد التي في المطبخ.
الأم :
سعاد! سعاد! هاتي الشوربة! (يسمع صوت سعاد وهي ترد من المطبخ.)
سعاد :
أيوه خلاص يا ماما! حاجبها حالا! هه!
الأم (في شدة) :
يالله بسرعة! أخوكي جعان! (سعاد تدخل إلى حجرة الطعام تحمل سلطانية كبيرة من الشوربة.) (تبدو سعاد طفلة في العاشرة لها ضفائر طويلة، تضع سلطانية على السفرة.) (تنظر سعاد إلى أمها في غيظ، ثم أخيها الجالس في غيظ. تمسح العرق من فوق جبهتها.) (الأخ يمد يده بطبق فارغ ويشير إلى سعاد بحركة آمرة أن تغرف له الشوربة.) (سعاد تنظر إليه في غيظ ولا تطيع.)
ماجد (في لهجة آمرة لأخته) :
اغرفيلي شوربة! (سعاد تنظر إليه في غيظ.)
سعاد (في غضب) :
كمان عاوزني أغرفلك! حضرتك طول النهار تجري وتلعب في الجنينة، وأنا طول النهار اشتغل في المطبخ، وبعدين تيجي تقعد زي الملك!
سعاد (تقلد لهجته الآمرة) :
اغرفيلي شوربة! يا دمك يا أخي!
الأم (في شدة) :
إيه يا بنت يا سعاد الكلام اللي بتقوليه لاخوكي ده؟
مش عيب تكلمي اخوكي كده؟
سعاد :
ومش عيب إنه يلعب طول النهار. وبعدين بيجي يقعد ويتأمر؟
الأم :
أمال عاوزاه يعمل إيه؟
سعاد :
يبطل لعب شوية ويدخل المطبخ يساعدني!
الأم :
يدخل المطبخ؟ وهو بتاع مطبخ يا بنت يا سعاد؟
سعاد :
أمال انا اللي بتاعة مطبخ؟! (ماجد ينظر إلى سعاد ويخرج لها لسانه.)
الأم :
أيوه انتي اللي بتاعة مطبخ!
سعاد :
ليه يعني؟ هو أنا أقل منه؟ والا هو أحسن مني؟!
الأم :
هو ولد وانتي بنت! فاهمة يعني إيه بنت؟
سعاد :
لا مش فاهمة!
الأم :
بنت يعني لازم تدخلي المطبخ وتعرفي تطبخي لأن دي حتبقي شغلتك لما تتجوزي وتبقي مسئولة عن بيتك وأولادك.
سعاد :
الطبيخ عمره ما حيبقى شغلتي أبدا. وإذا كان الجواز يعني إني أطبخ مش حتجوز أبدا. (تدخل الدادة تحمل سلطانية كبيرة من البامية وتضعها على السفرة.)
الدادة :
جواز إيه اللي بتتكلموا فيه دلوقت؟ هو وقت جواز والا وقت أكل؟
الأم :
أديكي عارفة الغلبة بتاعة الست سعاد؟
الدادة :
والنبي الست سعاد ما في حد زيها أبدا! إنتي دايما تزعليها كده يا ست سنية! (الدادة ترفع يديها وتدعو الله.) (الأم تغرف الصحون وتضعها على السفرة. الدادة تشير إلى سعاد. يظهر على سعاد السرور والفرح، وتنظر إلى ماجد، وتخرج له لسانها.)
الدادة :
عقبال ماشوفك يا رب يا ست سعاد وانتي دكتورة أد الدنيا والناس كلها تشاور عليكي وتقول أهي الدكتورة سعاد!
ماجد (في سخرية) :
دكتورة! ها ها! ابقي قابليني يا دادة أم علي؟
سعاد :
غصب عنك حبقى دكتورة وبكرة تشوف! على الأقل أنا باطلع الأولى كل سنة. دور على اللي مش بينجح الا لو لحقوه بالملحق!
ماجد (في غضب) :
سامعة يا ماما بتقول لي إيه؟
الأم :
أولى إيه يا خايبة ياللي مش بتعرفي لغاية دلوقت تطبخي البامية! (ماجد ينظر إلى سعاد في تشف.) (يدخل الأب إلى حجرة الطعام ويجلس.) الدادة تخرج ومعها بعض الأطباق.
الأب :
إيه الهيصة دي يا سنية؟ هو ماجد وسعاد دايما يتناقروا كده زي الديوك؟ (ماجد ينظر إلى سعاد في تشف.)
الأم :
أيوه يا سيدي. الست سعاد دايما تجر شكل اخوها.
سعاد :
أنا اللي جريت شكله والا هو دايما علي زي ما اكون خدامته!
الأب :
خدامته؟ إزاي يا ولد يا ماجد تتأمر على أختك؟ (سعاد تنظر إلى ماجد في تشف.) (ماجد ينظر إلى سعاد في تشف ويخرج لها لسانه.) (أم علي الدادة تدخل ومعها طبق الحمام وتضعه أمام الأب، ثم تخرج.)
الأم :
اسكت يا زغلول ما تشخطش في الولد كده. وما له اما يتأمر عليها؟ مش اخته؟! هاتي يا أم علي طبق الحمام بالفريك معاكي من المطبخ!
الأب :
الله! أيوه كده. أنا مش عارف ليه مش بتعملي يا سنية طبق الحمام بالفريك ده كل يوم؟ مش عارفة اني باحبه طول عمري؟! (الأب منهمك في أكل الحمام.) (الأم تكدس اللحم في طبق ماجد. صورة مكبرة لطبق ماجد مليء باللحم. صورة مكبرة لفمه الممتلئ بالطعام على آخره. يمضغ بسرعة ثم يشرب الشوربة بصوت عال.)
الأم :
عارفة ... لكن الولية بتاعة الحمام لها أيام تقطع ما تجيش. خد يا ماجد. كل يا حبيبي. إنت ما بتكولش ليه؟ (الصوت الذي يحدثه ماجد وهو يشرب الشوربة.) (صورة مكبرة لطبق سعاد وفيه قطعة صغيرة من اللحم، وصورة مكبرة لها لفمها وهي تأكل برقة وتمضغ بهدوء. ثم تشرب الحساء بلا صوت.)
الأم (لابنها) :
كل يا ماجد يا حبيبي! ليه ما بتكولش؟ (سعاد تنهض وتغادر حجرة الطعام. الأب ينظر إليها وهي تخرج.)
الأب :
هي سعاد لحقت خلصت أكل؟
الأم :
لازم. البنات أصلهم زي البلاليع. ياكلوا بسرعة!
الأب :
يا شيخة حرام عليكي! لازم برضه تراعيها زي ما بتراعي ماجد. صحيح طول عمرك بتحبيه أكثر منها، لكن سعاد بنت حساسة ولازم تشعريها بأنها زيه تمام.
الأخ :
لا يا بابا. هي مش زيي!
الأب :
مش زيك ازاي يا ولد؟
الأخ :
أنا ولد وهي بنت!
الأب :
وما له؟
الأم :
وما له ازاي يا زغلول؟! الولد غير البنت طبعا! البنت بنت مهما راحت ومهما جت! بنت!
صوت الراوية:
بنت! بنت! بنت!
تصوير داخلي:
سعاد بضفائرها الطويلة تجلس في حجرتها إلى جوار نافذة مفتوحة وفي يدها كتاب تنظر فيه وهي حزينة (النافذة تطل على حديقة البيت).
منظر سعاد تجلس وأمها تمشط شعرها. صورة مكبرة لرأس سعاد وشعرها وأمها تشد شعرها وتضفره في ضفائر بشدة. وجه سعاد مكبر وهي تتألم وشعرها يشد ويضفر.
بنت، تلك الكلمة البغيضة التي كنت أسمعها من أمي كل يوم، بل كل ساعة.
ولم يكن لكلمة بنت في نفسي إلا معنى واحد هو أني لست ولدا. لست مثل أخي!
أخي يقص شعره ويتركه حرا لا يمشطه، وأنا شعري يطول ويطول، وتمشطه أمي في اليوم مرتين، وتقيده في ضفائر، وتحبس أطرافه بأشرطة.
صورة مكبرة لسعاد وهي تنفض ملاءة سرير بقوة. وهي واقفة أمام الحلة في المطبخ تقلب فيها على النار. صورة ماجد وهو يلعب مع زملائه في الحديقة.
صورة مكبرة لفم ماجد مليء بالطعام يمضغ بسرعة.
وصورة مكبرة لطبقه ملئ باللحم. صورة مكبرة لفم سعاد وهي تأكل ببطء شديد وطبقها يحتوي على قطعة صغيرة من اللحم.
سعاد :
أخي يصحو من نومه ويترك سريره كما هو، وأنا علي أن أرتب سريري وسريره أيضا. أخي يخرج بلا إذن ويلعب وأنا لا أخرج وأشتغل في المطبخ والبيت. أخي يأخذ قطعة من اللحم أكبر من قطعتي ويأكل بسرعة ويشرب الحساء بصوت مسموع وأمي لا تقول له شيئا. ويأكل بسرعة ويشرب الحساء بصوت مسموع وأمي لا تقول له شيئا.
أما أنا. أنا بنت. علي أن أراقب حركاتي وسكناتي. علي أن أخفي شهيتي للأكل فآكل ببطء وأشرب الحساء بلا صوت. (صورة مكبرة لساقي ماجد وهو يقفز ويلعب ويتشقلب.)
أخي يلعب، يقفز، يتشقلب. وأنا إذا جلست وانحسر الرداء عن سنتيمتر من فخذي فإن أمي ترشقني بنظرة مخلبية حادة فأخفي عورتي. (منظر مكبر لساقي سعاد مضمومتين وهي جالسة وقد ارتفع الفستان قليلا عن ركبتيها.) (منظر وجه أمها تنظر إليها نظرة حادة.) (منظر مكبر ليد أمها وهي تشد الفستان لتخفي ركبتي سعاد.)
عورة! كل شيء في عورة وأنا طفلة في العاشرة من عمري! (منظر سعاد وهي تغلق باب حجرتها عليها وتجلس وحدها تبكي.)
أغلقت باب غرفتي علي وجلست أبكي وحدي.
لم تكن دموعي الأولى في حياتي لأنني فشلت في مدرستي، أو لأني كسرت شيئا غاليا، ولكن لأني بنت. (وجه سعاد مكبر وعيناها مليئتان بالدموع.)
فتحت عيني على الحياة وبيني وبين طبيعتي عداء. بكيت على أنوثتي قبل أن أعرفها. وقبل أن أعرف أي شيء عن نفسي وجنسي وأصلي. (صراخ أطفال مرح وضحك وتهليل ولعب.)
تصوير داخلي:
تظهر سعاد وهي جالسة في حجرتها بجوار النافذة يصل إلى سمعها صوت ماجد وأصحابه وهم يلعبون في الحديقة. تغلق الكتاب الذي في يدها وتقف تنظر اليوم وهي حزينة.
تترك النافذة وتمشي إلى السرير وتلقي نفسها عليه في غضب وتجهش بالبكاء. (صوت بكاء.)
تتوقف عن البكاء، ثم تجلس على السرير تفكر في غضب.
تدخل الدادة أم علي وهي تغني.
الدادة :
الحلو زعلان ليه؟ ليه؟
ما لك يا ست سعاد؟ ما لك يا حبيبتي؟ (تنظر إلى سعاد الحزينة.)
سعاد :
ما فيش حاجة يا دادة!
الدادة :
ما فيش حاجة ازاي؟ ده إنتي عنيكي حمر زي كاسات الدم!
سعاد :
أعمل إيه للست ماما؟!
الدادة :
إيه تاني!
سعاد :
عاوزة تقعدني في البيت وما تودنيش المدرسة الثانوي!
الدادة :
ازاي الكلام ده؟
سعاد :
بتقولي كفاية عليكي الابتدائية. وأنا عاوزة أروح ثانوي والجامعة كمان! اشمعني ماجد حيروح ثانوي؟!
الدادة :
وانتي كمان تروحي، ما فيش حد أحسن من حد. إن جيتي للحق انتي أشطر منه وأنبه منه. والنبي أنا كنت بشوف النباهة كده بتنط من عنيكي وانتي لسة في اللفة! خسارتك يا بنتي في قعدة البيت. خسارة! (سعاد يظهر عليها الفرح وتجري إلى الدادة وتمسكها من يدها في حماس وأمل.)
سعاد :
والنبي يا دادة تخلي ماما توافق!
الدادة :
لا ياختي، ما فيش فايدة للكلام مع مامتك. أنا حخلي بابا هو اللي يوافق. (سعاد تعانقها وتقبلها في سعادة.)
سعاد :
والنبي يا دادة تخلي ماما توافق! (الدادة تخرج. سعاد تقفز في حجرتها من الفرح ثم تقف على باب حجرتها تتسمع ما تقوله الأسرة.)
تصوير داخلي:
صالة البيت والأب والأم وماجد يجلسون يشربون الشاي ويتحدثون.
الأم :
ما دام البلد ما فيهاش مدارس ثانوي يبقى ماجد يعمل أبونيه في القطر ويروح المدرسة الثانوي اللي في مصر ويرجع لنا كل يوم.
الأب :
وبدل التعب ده ما يروح المدرسة الداخلية اللي في حلوان.
الأم :
لا يا اخويا. يرجع كل يوم نشوفه ونطمن عليه.
الأب :
تعب عليه يا سنية السفر كل يوم.
الأم :
دي فركة كعب من مصر لبنها. هو ده اسمه سفر؟
ماجد :
أنا عندي فكرة يا ماما!
الأم :
إيه يا حبيبي؟
ماجد :
بلاش أروح الثانوي واقعد مع بابا في المحل.
الأم :
محل إيه يا ماجد؟ ده انت لازم تروح الثانوي عشان تدخل الجامعة وتبقى دكتور أد الدنيا.
ماجد :
مش عاوز أبقى دكتور ... أنا عاوز اقعد معاكم هنا! (ماجد يشرع في البكاء.) (تظهر صورة سعاد وهي على باب حجرتها تسمع وتضحك على ماجد وهو يبكي.)
الأب :
إخس عليك! كده تعيط زي البنات!
الأم :
بنات إيه؟! لا يا اخويا هو مش زي البنات! (يظهر وجه سعاد غاضبا لكلام أمها.) (الدادة تدخل.)
الدادة :
والبنات ما لهم بس؟! دول البنات زينة البيت، دول حبايب أمهم وأبوهم!
الأب :
هو احنا قلنا حاجة يا أم علي، أمال فين سعاد؟
الدادة :
سعاد في أودتها زعلانة. (يظهر وجه سعاد وعليه الاهتمام والأمل.)
الأب :
ليه؟
الدادة :
عاوزة تروح المدرسة الثانوي.
الأم :
أهو ده ناقص!
الأب :
بقى الولد زعلان عشان رايح الثانوي والبنت زعلانة عشان مش رايحة؟! والله دي الدنيا مشقلبة خالص! (سعاد يبدو عليها الغضب.)
الأم :
دي بنتك هي اللي عقلها مشقلب وعاوزة تبقى زي الولد!
الدادة :
مشقلب ليه يا ست سنية؟ كل البنات بقوا بيروحوا الثانوي والجامعة وبقوا ما شاء الله دكتورات ومهندسات ومفتشات والفاتنات السابحات!
الأب (يضحك) :
ها ها! والله دمك خفيف يا أم علي طول عمرك. (يبدو على وجه سعاد الغضب وتجز على شفتيها في غيظ من أمها.)
الأم :
اسكتي يا أم علي البنت كبرت وكلها سنة والا اثنين ونجوزها ونطمن عليها ونستريح، وأنت عارفة أن توفيق ابن عمتها قايل عليها من زمان.
الدادة :
لا يا ست سنية لا! أنا مش معاكي أبدا! (يبدو على وجه سعاد البشر وتهز يدها في الجو مشجعة الدادة دون أن تراها.) (يبدو على الأم الغضب وتهز يديها في يأس.)
الأم :
اسكتي يا أم علي! حنبعت البنت مصر كمان؟! ولاد الحرام كتير! نجوزها لابن عمتها وهو راجل طيب وكويس ويبقى زيتنا في دقيقنا!
الدادة :
لكن. (يبدو على سعاد الضيق.) (وتشد شعرها في غيظ.)
الدادة :
وانت إيه رأيك يا سي زغلول؟
الأم :
ما لكنش! بلا تعليم بلا وجع قلب. ما هو مسيرها للجواز تتجوز وهي صغيرة أحسن ما تكبر وتبور! (الدادة تنظر إلى الأب في استنجاد.)
الدادة :
وانت إيه رأيك يا سي زغلول؟ (سعاد تقف منتظرة مرهفة السمع لما ينطقه أبوها. الأب ينهض من جلسته قائلا):
الأب :
والله هي أمها، وهي حرة فيها! (يظهر على سعاد اليأس.) (سعاد تجري وتلقي نفسها على السرير وتضرب الوسادة في غيظ. تهز رأسها في ثورة. وتخبط رأسها في السرير وتبكي.) (تنهض بعد لحظة. تجفف دمعها ويظهر على وجهها التحدي والقسوة. تكلم نفسها.)
سعاد :
مش ممكن! مش ممكن اقعد في البيت! وإيه ده كمان اللي حيجوزهولي اللي عامل زي زعزوعة القصب! مش ممكن حتجوزه! مش ممكن. لازم أروح ثانوي! يا موت نفسي! أيوه، والله ماني عايشة لهم! لازم أموت نفسي! (تفكر لحظة وتنظر ناحية الدولاب.)
أيوه! حاشرب إزازة الصبغة يود اللي في دولابي عشان الست ماما تنبسط قوي! وكفاية عليها سي ماجد! يبقوا يجوزوه هو للأستاذ توفيق! (تجري سعاد إلى الدولاب وتخرج زجاجة صبغة اليود. تدخل الدادة. سعاد تقف مذعورة. الدادة تفزع. سعاد تخفي الزجاجة وراء ظهرها.)
الدادة :
بتعملي إيه يا ست سعاد؟
سعاد (في تحد) :
ما فيش؟
الدادة :
ما فيش إيه؟ وإيه ده اللي مخبياه ورا ضهرك؟ (الدادة تقترب من سعاد. سعاد تظهر لها الزجاجة وتقول في ثورة):
سعاد :
حاموت نفسي! أيوه! والله ماني عايشالهم! لازم أموت! لازم! (ترفع الزجاجة إلى فمها. الدادة تصرخ في فزع وتجري نحوها. الأب والأخ يدخلون إليهما مهرولين فزعين؟!) (موسيقى مناسبة.)
تصوير خارجي:
منظر مكبر لجرس مدرسة كبير. يدق الجرس دقات متكررة.
دقات الجرس.
منظر فناء في مدرسة بنات. البنات سمعن الجرس فيجرين ويتجمعن في طوابير. طابور منهم يسير ويدخل فصلا من الفصول. البنات يجلسن. سعاد ترى جالسة في الفصل منتبهة جدا. زميلة إلى جوارها تلعب بصورة في يدها. تظهر صورة رجل مكبرة.
زميلة أخرى تضع على حجرها كتابا عنوانه: الحب الأول.
صوت الراوية:
وانتصرت على أمي، وعرفت أنني لا أستطيع أن أنال حقي إلا بالقوة، وأصبح هدفي في حياتي أن أنجح لأصبح قوية وأثبت لأمي أنني قوية.
وفي المدرسة الثانوية الداخلية صممت على أن أكون في المقدمة دائما. وكانت البنات من حولي يلعبن ويلعبن، لكني كنت وحدي دائما، مع الكتاب!
زميلة أخرى تأكل في آخر الفصل. المدرسة تشير إلى سعاد. سعاد تقف وترد على سؤال المدرسة. المدرسة تصفق لها والبنات يصفقن لها.
الجرس يدق. منظر الجرس وهو يتحرك.
منظر البنات وهن يجرين في الفناء ويلهون ويلعبن الكرة. الضابطة تمر عليهن وتأمرهن بعدم القفز عاليا. يظهر على البنات الخوف من الضابطة. الضابطة تسير بينهن تلقي عليهن الأوامر.
الجرس يدق. منظر الجرس وهو يتحرك. البنات يقفن طوابير. الطوابير تدخل المطعم. البنات يأكلن. الضابطة تمر عليهن وتلقي عليهن الأوامر بشأن آداب الأكل.
الجرس يدق، منظر الجرس وهو يتحرك.
البنات يجرون ويصعدون إلى عنابر النوم.
تصوير داخلي:
يظهر عنبر نوم في مدرسة بنات داخلية.
تظهر أسرة كثيرة صغيرة. ودواليب صغيرة، بنات كثيرات. فتاة تغني وحولها بعض البنات.
صوت فتاة تغني أغنية مرحة. موسيقى.
سعاد تجلس على سريرها تذاكر في كتاب الكيمياء. يظهر عنوان الكتاب مكبرا. «الكيمياء».
بنت أخرى تجلس على سريرها وإلى جوارها بنت أخرى تتهامسان وتضحكان بصوت مكتوم. واحدة منهما تمسك كتابا، ويظهر عنوان الكتاب مكبرا، الحياة الجنسية.
ضحك مكتوم.
فتاة ترقص أمام المرآة وحولها بعض البنات يضحكن ويرقصن.
ضحكات. صراخ. تهليل بنات.
تدخل الضابطة.
البنات يجرين إلى الأسرة وكل واحدة تدخل في سريرها وتغطي رأسها باللحاف. الضابطة تمر عليهن وتفتش على الأسرة وتكشف الغطاء عن رءوس بعض البنات للتأكد أن كل بنت في سريرها وحدها. تخرج الضابطة.
سعاد تخرج رأسها من تحت الغطاء من السرير وتمشي حافية على أطراف أصابعها وتخرج إلى الشرفة.
تظهر فوزية (زميلة سعاد) واقفة في الشرفة ومعها صورة. تظهر الصورة مكبرة لشاب. فوزية تلتفت خلفها فترى سعاد.
فوزية :
مين؟ سعاد؟
سعاد :
أيوه يا فوزية. (سعاد تقترب من فوزية وتقف إلى جوارها.)
فوزية (في سخرية) :
يا ترى إيه اللي مطير النوم من عنيكي؟
سعاد (في شرود) :
مش عارفة يا فوزية! كل ما احط راسي على المخدة أحس انها سخنة وثقيلة! زي ما يكون فيها نمل!
فوزية (في سخرية) :
ده مش نمل!
سعاد :
أمال إيه؟
فوزية :
الفكر!
سعاد :
أيوه صحيح.
فوزية :
ومين بقى السعيد الحظ؟
سعاد :
مش فاهمة. تقصدي إيه؟
فوزية :
هي دي حاجة عاوزة فهم؟ هي نظرية فيثاغورس؟ دي حاجة طبيعية خالص كل الناس عارفاها، واحدة تشوف واحد يقوم قلبها يدق! يدق! يدق! وبعدين تيجي تنام ما تعرفش!
سعاد :
لا والله فوزية. عمري ما قلبي دق لواحد. (تظهر البنتان اللتان كانتا تمسكان بكتاب الحياة الجنسية ومعهما الكتاب يقرآن ويضحكان.)
فوزية (في دهشة) :
مش معقول! توصلي للسن دي وقلبك ما دقش؟
سعاد :
أصلي مش بفكر في الحاجات دي!
فوزية :
أمال بتفكري في إيه؟ في أنشتين؟ طبعا الناس الأوائل اللي زيك ما عندهمش وقت للحب. (تظهر البنت التي معها كتاب «الحب الأول» تقرأ فيه باهتمام شديد.)
سعاد :
الحب؟
فوزية :
أيوه الحب! والا أظن حتقولي لي عيب!
سعاد :
لا، مش عيب ولا حاجة. بس أنا مش عارفة ليه عمري ما فكرت فيه؟ عمري ما شغل بالي؟
فوزية :
أمال اللي كان شاغل بالك؟
سعاد (شاردة) :
حاجات كثير.
فوزية :
زي إيه؟
سعاد (شاردة) :
عاوزة أطلع ...
فوزية :
الأولى؟
سعاد :
لأ.
فوزية :
تطلعي فيها؟
سعاد (في حماس) :
لا. عاوزة أطلع دكتورة! عاوزة انجح وأدخل الجامعة وأبقى حاجة كبيرة خالص. زي الرجالة! وأحسن منهم كمان!
فوزية (تضحك ضحكات طويلة) :
ها ها هي! زي الرجالة! أتاريكي عاملالي راجل! لا يا أختي أنا ما حبش أبقى زي الرجالة أبدا ! أنا أحب أبقى زي الستات!
سعاد :
ستات! إخس! (تظهر صورة فتاة في العنبر تقف أمام المرآة تتحسس الفستان الضيق على جسدها وخصرها.)
فوزية :
أصلك عبيطة. دي أحلى حاجة في الدنيا أن الواحدة تحس انها ست، وست حلوة! وكل الرجال بيجروا وراها، وعاوزين ياكلوا منها حتة!
سعاد :
غريبة! وانتي يا فوزية كان فيه رجالة بيجروا وراكي؟
فوزية (في غرور) :
في أووهوه! كتير، كتير قوي! بالكوم. لكن أنا ما لقتش غير واحد بس! زي القمر! بصي!
سعاد :
ده شاب وجيه قوي! (فوزية تعطي صورة الشاب لسعاد تتأملها لحظة.)
سعاد :
ده شاب وجيه قوي! (فوزية تقبل الصورة في حب.)
فوزية :
ياختي عليه! باموت فيه! أنا باعبده!
سعاد :
وحتتجوزيه يا فوزية؟
فوزية :
طبعا!
سعاد :
غريبة!
فوزية :
إيه اللي غريب؟ كل الناس بتتجوز!
سعاد :
عمر الجواز ما كان هدف حياتي!
فوزية :
أصلك عبيطة. ما جربتيش.
سعاد :
إيه؟
فوزية :
الحب! نار الحب! ساعتها تعرفي إن الراجل هو كل حاجة في حياتك، وترمي الدكتوراة بتاعتك من الشباك وتركعي تحت رجليه وتقولي له (فوزية تركع على ركبتيها في مشهد تمثيلي للغرام): إنت حياتي، وما ليش حياة من غيرك!
سعاد (تضحك) :
ده يظهر واخد عقلك خالص! يا ترى بيحبك زي ما بتحبيه؟
فوزية :
بيحبني؟ ده بيموت في!
تعالي! تعالي اقرأ لك جواباته اللي كلها حب وغرام وهيام. تعالي. (فوزية تشد سعاد من ذراعها إلى داخل العنبر وهي تقول. يدخلان العنبر.) (سعاد تذهب إلى سريرها. فوزية تخرج من دولابها رزمة جوابات زرقاء وتجري على أطراف أصابعها وتدخل في السرير بجوار سعاد. تمد يدها وتضيء نور السرير وتقرأ لها الخطابات في همس.)
فوزية :
اسمعي يا ستي. ده أول جواب. حبيبتي فوفو. حياتي وروحي و... (تسمع أقدام الضابطة. يبدو الذعر على فوزية وسعاد.)
فوزية :
يا خبر اسود! دي أبلة فهيمة!
سعاد :
اطفي النور! (فوزية تمد يدها وتطفئ النور.) (وتدخل في السرير بجوار سعاد. تغطيان رأسيهما.) (الضابطة تدخل. تضيء النور. تفتش كعادتها على البنات في أسرتهن.) (يأتي دور سرير سعاد. تكشف الغطاء عنها . ترى فوزية نائمة إلى جوارها في السرير. تبدو الدهشة على وجه الضابطة.)
الضابطة :
عال خالص! عال خالص! إيه اللي مخليكم تناموا في سرير واحد؟ (البنات يخرجن رءوسهن من تحت الأغطية على صوت الضابطة.) (فوزية وسعاد مضطربتان. لا تردان على الضابطة.)
الضابطة :
اتكلموا! انطقوا!
فوزية (في خوف) :
أصلي، أصلي، أصلي يا أبلة سمعت خربشة في البلكونة.
حسيت إني خايفة يا أبلة. (البنات يضحكن بصوت مكتوم.) (البنات يضحكن بصوت عال.)
الضابطة (في غضب) :
خربشة!
الضابطة (تلتفت إلى فوزية) :
اخرسي يا بنت انت وهي! خربشة إيه يا ست فوزية؟
فوزية :
أيوه خربشة والله يا أبلة.
الضابطة (تلتفت إلى سعاد) :
ده كلام ما يدخلش عقلي.
وانتي؟ إنتي كمان يا سعاد اللي فاكرينك بنت كويسة؟ (البنات يضحكن.)
سعاد :
أيوه يا أبلة سمعنا خربشة.
الضابطة :
اخرسي! مش عاوزة اسمع كلمة خربشة دي تاني!
فوزية :
والله يا أبلة ما كنا بنعمل حاجة في السرير! (البنات يضحكن بشدة.)
الضابطة :
أمال يعني نايمين سوا ليه؟ أنا عارفاكي يا فوزية وعارفة انك بنت مستهترة وأخلاقك مش كويسة. وطبعا أثرت على سعاد وخلتيها زيك.
بكرة الصبح ان شاء الله انتم الاثنين تيجوا معايا لحضرة الناظرة.
ودلوقت كل واحدة تروح سريرها ... بسرعة! يالله! بلا مسخرة وقلة حيا! (كل بنت تذهب إلى سريرها.) (الضابطة تمر عليهم في صرامة. تطفئ النور وتخرج.)
تصوير داخلي:
حجرة مكتب حضرة الناظرة. الناظرة امرأة صارمة عانس. تجلس على مكتبها وتجلس على كرسي إلى جوارها أبلة ليلى مدرسة الرسم تتحدثان حول الموضوع.
الناظرة :
البنات في السن دي عاوزين شدة، العقاب لازم يبقى شديد! ثم إن البنت الفاسدة لازم تنفصل وإلا تفسد بقية البنات. لما تلاقي يا ست ليلى تفاحة فاسدة وسط قفص تفاح سليم، تعملي إيه؟ مش ترمي التفاحة الفاسدة في الشارع علشان تحافظي على الباقي؟
أبلة ليلى :
لا يا أبلة. أنا آخد التفاحة الفاسدة من القفص وأشوف الحتة الفاسدة فين وأقطعها. وبعد كده تفضل بقية التفاحة سليمة وممكن آكلها واستفيد بيها. كذلك البنت اللي تغلط. أحاول أعالجها وأصلحها بدل ما افصلها واضيع مستقبلها.
الناظرة :
لا يا ست ليلى! ده كلام نظري. أنا بقى لي عشرين سنة ناظرة وعاجنة البنات وخابزاهم. البنت الفاسدة فاسدة ولا يمكن تتصلح أبدا. (تدخل الضابطة تجر سعاد وفوزية.)
الضابطة :
عشرين سنة إيه يا أبلة؟ مش عارفة أبلة مفيدة دايما تحب تكبر نفسها مع إنها لسة في عز شبابها؟
الناظرة :
شباب إيه يا بت؟ أنا متهيألي إنه خلاص قرب يروح. (الناظرة تضحك في سعادة.)
الضابطة :
يروح؟ يروح إيه كفى الله الشر! ده لسة ولسة ولسة! (الناظرة تضحك في سعادة ضحكة طويلة، ثم تلتقي عيناها فجأة بعيني فوزية وسعاد الواقفتين بباب الحجرة. تتقلص ملامحها الضاحكة بسرعة ويرتسم على وجهها تكشيرة مخيفة.)
الناظرة (في صرامة) :
هم دول البنات بتوع فضيحة ليلة امبارح؟ اللي ضبطتيهم في سرير واحد يا ست فهيمة؟
الضابطة :
أيوه يا أبلة. (الناظرة تشير إلى فوزية بإصبعها.)
الناظرة (في شدة) :
تعالي هنا يا بنت! تقدري تقوليلي يعني إيه بنتين في سرير واحد بالليل؟
فوزية (خائفة) :
ولا حاجة يا أبلة. أنا سمعت ...
الناظرة :
بس اخرسي! الحجج الفاضية اللي اخترعتوها! (الناظرة تنظر إلى سعاد.)
الناظرة :
وانتي كمان يا سعاد؟ البنت اللي دايما الأولى تعمل كده؟ لكن والله أنا عمري ما حسيت إنك بنت كويسة ... طول عمري باشوف الشراسة في عنيكي!
أبلة ليلى :
لا يا أبلة مفيدة، سعاد تلميذتي من سنين، دي مش شراسة اللي في عينيها، ده ذكاء وحيوية.
الناظرة :
ذكاء! وهي البنت الذكية تعمل الأعمال الدنيئة دي؟
سعاد (في غضب) :
أنا ما عملتش حاجة دنيئة!
الناظرة :
بس اخرسي؟ (تلتفت الناظرة إلى الضابطة.)
الناظرة :
يا ست فهيمة، فوزية دي معروف عنها إنها بنت مش مؤدبة، عشان كده أنا قررت فصلها نهائي من المدرسة.
وإنما سعاد فحديها فرصة أخيره عشان دي أول غلطة لها. اخصمي منها يا ست فهيمة عشر نمر أخلاق من نمرة الفترة الثانية. (سعاد يبدو على وجهها الألم والحزن، فوزية يبدو على وجهها الفرح.)
الضابطة :
حاضر يا أبلة. (الضابطة تسوق سعاد وفوزية أمامها كالمتهمين في جريمة.) (تخرج وراءها أبلة ليلى.) (الفراشة تدخل.)
الفراشة :
ست مفيدة.
الناظرة :
أيوه.
الفراشة :
الأستاذ رمزي بره. عاوز سيادتك في كلمة صغيرة.
الناظرة :
خليه يستنى شوية.
الفراشة :
حاضر يا ست الناظرة. (الناظرة تقف وتذهب إلى مرآة في الحائط. تنظر إلى نفسها. تصفف شعرها. تخرج قلم الروج من حقيبتها وتطلي شفتيها اليابستين. تجلس في وقار على المكتب.) (تدق الجرس. تدخل الفراشة.)
الناظرة :
خلي الأستاذ رمزي يتفضل.
الفراشة :
حاضر يا ست الناظرة.
تصوير داخلي:
سعاد تقف في شرفة العنبر التي تطل على حديقة المدرسة. الدنيا ليل. سعاد تتطلع إلى السماء شاردة تفكر. تتمشى في الشرفة وحدها وهي وحيدة تفكر. تقف وتتكئ بمرفقها على سور الشرفة، وتنظر تحت حديقة المدرسة. تبدو الدهشة والذعر على وجه سعاد.
تصوير خارجي:
تظهر الضابطة وهي تمشي بحذر في الحديقة في الظلام. وتتلفت حولها حتى لا يراها أحد. تسرع الخطى نحو شاب يقف خلف شجرة صغيرة. الشاب يقترب منها، ويعانقها، ويلف ذراعيه حول خصرها.
تصوير داخلي:
وجه سعاد يظهر مكبرا وقد ارتسم عليه الذعر والدهشة. تتسمر في مكانها لحظة، ثم تدخل مسرعة إلى العنبر.
العنبر مليء بالصخب والعناق وقبلات الوداع؛ فالليلة هي آخر ليلة للبنات في المدرسة وقد أدين امتحان التوجيهية وبدأت إجازة الصيف.
واحدة تجهز حقيبتها وتدس فيها ملابسها من الدولاب.
واحدة تكتب في أوتوجراف أخرى.
واحدة تهدي صورتها للأخرى.
واحدة تكتب عنوانها للأخرى.
واحدة تعانق الأخرى وتقبلها، وتبكي. واحدة تضحك.
صخب. ضحك. بكاء. وداع.
سعاد تدخل إلى العنبر شاردة وحدها تفكر. تذهب إلى المرآة. وتقف أمامها.
فتاة أخرى تقف أمام المرآة ترتدي ملابسها. يظهر صدرها من فتحة الفستان.
وتشد الحزام على خصرها.
سعاد تنظر إلى نفسها وإلى الفتاة وترى الفرق بينها وبين الفتاة كبيرا.
صورة مكبرة لشعر سعاد المنكوش وشعر الفتاة المصفف عاليا.
صوت الراوية:
كنت أحس أنني أختلف عن البنات. ملابسي غير ملابسهن. وشعري غير شعرهن. وحذائي غير حذائهن.
نعم، لم أكن مثل البنات. كنت أحاول أن أخفي مظاهر أنوثتي.
صورة مكبرة لصدر الفتاة البارز من الفستان وصورة مكبرة لصدر سعاد وهي تبططه تحت فستان مقفول حشمة له زراير مغلقة. صورة مكبرة لقدمي الفتاة في حذاء بكعب عال.
صورة مكبرة لقدمي سعاد في حذاء منخفض. الفتاة تتحسس جسدها في إعجاب. عينا سعاد مكبرتان تنظران إليها. يدا الفتاة مكبرتان على خصرها.
الفتاة تنتهي من اللبس وتجري إلى باقي البنات.
سعاد تقف وحدها أمام المرآة. صورة مكبرة لكتفيها وصدرها.
تمد يدها المرتعشة، وتفك بعض أزرار فستانها، وتخرج كتفا من كتفها.
تظهر أمامها مرة أخرى صورة الضابطة والشاب يحوطها بذراعيه ويقبلها من شفتيها قبلة طويلة.
سعاد :
لماذا؟ لم أكن أدري، ولكني كنت أخجل من نهدي وقد أخذا يكبران فوق صدري فأخفيهما وأبططهما! ... لماذا كنت أخجل من أنوثتي؟ لم أكن أدري. لكني كلما كنت أنظر إلى نفسي وأتأملها أكثر وأكثر أجد في أعماقي شيئا يشبه البنات. وأجد في قلبي حنينا إلى الحب يشبه حنينهن! وكأنما اكتشفت داخل نفسي واحدة أخرى غيري. سعاد أخرى غير تلك التي تقف أمام المرآة ويشبه مظهرها مظهر الصبيان. سعاد أخرى تشبه البنات وتحن إلى الرجل!
اهتزت أعماقي للكلمة.
لا! لا! لست مثل الفتيات! لا أومن بشيء اسمه الرجل!
لن أكون كالبنات! لن أستقبل أنوثتي! لن أصادق طبيعتي! سأثور عليها!
سأحطمها! سأكون شيئا آخر غير البنات. لن أعيش حياة أمي! لن أتزوج! لن أكون أنثى وسط ملايين الإناث!
إن القطط والأرانب تتزوج وتنجب. (تظهر صورة مكبرة لأصابعها وهي ترتعش وتلمس كتفها العاري.) (يظهر وجه سعاد وهي تنتبه إلى نفسها فتغلق أزرار الفستان وتقف أمام المرآة وتفكر. في عينيها نظرة قوة وتحد!) (تدخل الناظرة إلى العنبر. يهدأ العنبر فجأة وتسكت كل البنات.) (تتجه الناظرة إلى سعاد في صرامة وتعطيها ورقة مطوية (خطابا).) (تنظر الناظرة إلى البنات، ثم تستدير وتخرج من العنبر.) (سعاد تفتح الورقة وتقرؤها ثم تصرخ بصوت عال):
مش معقول! مش معقول!
الصورة الممزقة (2)
تصوير داخلي: (الجزء الأخير من الحلقة السابقة.)
سعاد تقف وحدها أمام المرآة في عنبر النوم في المدرسة الداخلية. يظهر صدرها وكتفاها وقد ارتدت فستان حشمة مغلقا من أمام بأزرار حتى أسفل الرقبة.
صورة مكبرة لكتفيها وصدرها. صورة مكبرة ليدها وهي ترتفع من جوارها وتمتد مرتعشة وتفك بعض أزرار صدر الفستان وتخرج كتفا من كتفيها، وتتأملها. تظهر أمامها مرة أخرى صورة الضابطة والشاب يحوطها بذراعيه ويقبلها من شفتيها قبلة طويلة.
تظهر صورة مكبرة لأصابعها وهي ترتعش وتلمس كتفها العاري.
يظهر وجه سعاد وهي تنتبه إلى نفسها فتغلق أزرار الفستان وتقف أمام المرآة تفكر. في عينيها نظرة قوة وتحد!
تدخل الناظرة إلى العنبر. تهدأ البنات فجأة. تتجه الناظرة إلى سعاد في صرامة وتعطيها ورقة مطوية (خطابا). تنظر الناظرة إلى البنات ثم تستدير وتخرج من العنبر.
سعاد تفتح الورقة وتقرؤها بسرعة ثم تصرخ بصوت عال.
صوت الراوية:
لماذا كنت أخجل من مظاهر أنوثتي؟ لم أكن أدري. لكني كنت كلما نظرت إلى نفسي وأتأملها أكثر وأكثر أجد في أعماقي شيئا يشبه البنات، وأجد في قلبي حنينا إلى الحب يشبه حنينهن!
وكأنما اكتشفت داخل نفسي واحدة أخرى غيري! سعاد أخرى غير تلك التي تقف أمام المرآة وتشبه البنات وتحن إلى الرجل!
لا! لن أكون كالفتيات! لن أومن بشيء اسمه رجل!
لن أستقبل أنوثتي! سأثور عليها!
سأحطمها!
لن أعيش حياة أمي! لن أتزوج!
سأصنع في حياتي حياة كبيرة لم تعشها امرأة من قبلي!
سعاد :
مش معقول! مش معقول! (زغرودة عالية.)
تصوير داخلي:
صورة مكبرة لفم مكبر يزغرد.
تظهر الصالة في بيت أسرة سعاد.
شبه حفلة في بيت أسرة سعاد. الأم تجلس وسط الضيوف. الأخ جالس وتوفيق ابن عمتها العريس جالس (شاب نحيل عادي) والأب جالس. الدادة أم علي تروح وتجيء. الكل مشغول بالضيوف. صخب. حركة. صخب. زغاريد.
تصوير داخلي:
حجرة نوم سعاد. سعاد على سريرها تبكي. ترفع وجهها من فوق الوسادة. يبدو على وجهها الإصرار والغضب. الدادة تدخل. تتحدث معها وتلاطفها. سعاد تهز رأسها ويديها في ثورة وغضب. الدادة تخرج.
يدخل الأب. يحاول إقناع سعاد. سعاد ترفض. تحاول أن تقنعه برأيها. تثور. وتبكي.
الأب يربت عليها في حنان . الأم تدخل. تحاول إقناع سعاد بالشدة بالخروج لمقابلة العريس.
سعاد ترفض بشدة.
الأم تثور أيضا.
الأب يأخذ الأم من يديها ويخرجان إلى الصالة. يبتعدان عن صخب الضيوف ويقفان يتكلمان.
الأب :
سيبيها يا سنية هي حرة.
الأم :
يعني إيه حرة يا زغلول؟
الأب :
حرة يعني حرة! هي مش عاوزة تتجوز توفيق!
بتكرهه! مش بتحبه؟ (الدادة ترى الأب والأم يتكلمان.) (فتدخل مسرعة تطمئن سعاد.)
الأم :
ما له توفيق؟ ده شاب ممتاز.
الأب :
والله هي رأيها مش كده. وهي اللي حتجوزه مش انت! (سعاد تقف على باب حجرتها تتسمع كلامهما. تقف معها الدادة تسمع أيضا.) (يظهر وجه سعاد متهللا وكذلك الدادة.)
الأم :
لكن ليه مش عاجبها؟ أيوه! لازم عرفت واحد في مصر! أنا مش قلت لك البنت نحكمها؟
الأب :
سعاد مش بتاعة الكلام ده. هو لازم يبقى فيه حد تاني ما دام توفيق مش عاجبها؟
الأم :
أمال إيه يعني اللي مالي دماغها ما دام ما فيش راجل تاني؟
الأب :
دماغها مليانه علم. مليانه طموح. هي عاوزة تدخل الطب وتبقى دكتورة! وواحد زي توفيق مش ممكن يرضي واحدة زي سعاد. (يظهر وجه العريس توفيق وهو جالس. وجه نحيل غبي.) (تبدو عليه البلادة.) (سعاد تقفز من الفرح في حجرتها وتبتسم في سعادة.) (الأم تنظر ناحية توفيق.) (الأب يقفز ناحية توفيق. توفيق يقف. الأب يمسكه من يده ويأخذه إلى حجرة جانبية.)
الدادة :
يسلم بقك. والنبي كلامك شهد!
الأم :
شهد إيه يا أم علي؟ إنتم عاوزين تميلوا بخت البت. دي عمرها بقي سبعتاشر سنة وبكرة تكبر وما فيش راجل يبصلها؟
الدادة :
بكرة لما تبقى دكتورة مليون راجل يترمي تحت رجليها. وعلى الأقل يا ست سنية تعالجنا ببلاش ... وتعالجلي ركبي اللي دايما وجعاني.
الأم (تكلم الأب) :
ما ليش دعوة يا زغلول بالبنت. أهو انت أبوها وحر فيها. اوعي يا زغلول تلوموني أنا. توديها الجامعة وتخليها تقعد جنب الرجالة انت حر. أنا عملت اللي علي. لكن أقول إيه لتوفيق دلوقت؟ أقوله بنتنا ممشية كلامها علينا؟
الأب :
ما تقوليش له انت حاجة. أنا اللي حقوله. خليكي انت يا سنية. (الأب يمسكه من يده. ويأخذه إلى حجرة جانبية.)
تصوير خارجي:
تظهر جموع الطلبة والطلبات وهم يحملون حقائبهم ويسيرون في شارع الجامعة متجهين نحو الجامعة.
سعاد (بدون ضفائر وقد قصت شعرها وبدت فتاة ناضجة).
تسير في شارع الجامعة بنشاط متجهة نحو الجامعة.
صوت الراوية:
فرحت بحياتي الجديدة في الجامعة. شعرت أنني أخرج من عالمي الضيق الحدود إلى عالم واسع كبير.
يظهر على باب الجامعة بعض ضباط البوليس والجنود وهم يفتشون الطلبة وينظرون في بطاقاتهم وكارنيهاتهم. الضابط ينظر في كارنيه سعاد ويقارنه بين وجهها وبين صورتها في الكارنيه.
سعاد :
وشعرت برهبة أول الأمر. لكن سرعان ما تعودت هذه الحياة الجديدة. وكان كل شيء في هذه الحياة جميلا شيقا إلا ذلك الضابط الكئيب الذي ينظر إلى وجهي ثم إلى صورتي في الكارنية كأنني واحدة من المشبوهين. (سعاد تنظر إليه شذرا، ثم تدخل الجامعة.)
ومنظر هؤلاء الجنود الذين يحيطون بالجامعة وكأنها سجن حربي عتيد. وأحببت العلوم. وبدأت افتح عيني على عالم كبير ليس له حدود. عالم الطب. ذلك العلم الغريب. الذي يجمع بين الرحمة والقسوة. بين الراحة والعذاب. بين الابتسام والأنين. (تظهر سعاد وهي تجلس في المدرج وسط الطلبة منتبهة للمحاضر جدا. صورة مكبرة لسعاد وهي تجلس تكتب باهتمام وإلى جوارها شاب يختلس النظر إليها وهي لا تشعر به.) (صورة مكبرة لوجه سعاد وهي تشرح ضفدعة، ثم يظهر وجهها ويبدو عليها الاهتمام والتألم.)
كان عقلي يفكر لكن قلبي كان يتألم لكل قطع أضعه بمشرطي، ولكل أنة مريض تصل إلى أذني. (تظهر سعاد وهي تجلس إلى جوار هيكل بشري كامل معلق على حامل تتحسسه بأصابعها.)
كنت أفكر. وكنت أتألم.
وكنت من خلال أفكاري وآلامي أحس أنني أكبر وأكبر وأكبر.
ومرت السنوات وأنا أعيش في عالم الطب العميق، وحولي رجال، رجال كثيرون يجلسون إلى جواري ويتحدثون إلي. لكني لم أكن أشعر أنهم رجال. لماذا؟ لم أكن أدري. (صورة مكبرة ليدي سعاد وهي تمسك بالسماعة وتضعها على صدر مريض. يظهر من حولها الطلبة والطالبات والأستاذ في درس على أحد المرضى بالمستشفى. يبدو على وجه سعاد الألم.) (صورة مكبرة للطالبات وكلهن يلبسن الكعوب العالية. صورة مكبرة لحذاء سعاد المنخفض.) (صورة مكبرة لأقدام الطالبات بالكعوب العالية وهن يمشين في استرخاء ودلال. قدما سعاد تمشيان بسرعة في نشاط واستقامة.)
لم أقف مرة واحدة أمام المرآة لأتطلع إلى سعاد الأخرى الكامنة في أعماقي. لم أدر لماذا. ولم أفكر في أن أسأل نفسي لماذا.
تصوير داخلي:
يظهر مدرج من مدرجات كلية الطب. الطلبة والطالبات جالسون يستمعون.
مكتوب على السبورة اسم محمود زكي زعيم الطلبة. محمود (البطل) يقف مكان الأستاذ على المنصة يتكلم. طالب يمر على الطلبة والطالبات يوزع مجلة اسمها «الأبطال».
سعاد تفتح المجلة وتقرأ اسم محمود زكي - رئيس التحرير. سعاد تقلب المجلة ثم تنظر إلى محمود وهو يتكلم. وتستمع في اهتمام إلى محمود.
محمود ينتهي من كلمته. الكل يصفق له في إعجاب وحماس. سعاد تصفق أيضا.
محمود ينظر من فوق المنصة بين تصفيق الطلبة ويتجه نحو مقعده في المدرج.
يمر بسعاد وهو يصعد سلالم المدرج. عيناهما تلتقيان أولا.
موسيقى مناسبة.
صورة مكبرة لعيني محمود تنظران إليها في دهشة. محمود يقف أمامها لحظة. ثم يسير مرة أخرى متجها إلى مقعده في آخر صف المدرج إلى جوار زميله سعد.
سعد يلتفت.
محمود :
مين الطالبة دي؟
سعد :
أنهيه؟ (محمود يشير ناحية سعاد.)
سعد :
دي سعاد زغلول يا أخي. إزاي ما تعرفهاش؟
محمود :
أول مرة اشوفها. (الطلبة والطالبات يخرجون من المدرج تدريجيا.)
سعد :
أصلك مش بتيجي الكلية كتير يا محمود.
محمود :
إنت تعرفها يا سعد؟
سعد :
باسمع عنها بس. بيقولوا انها شاطرة قوي في الدروس طبعا. بطلة التنس في الكلية. دي بنت غريبة خالص.
محمود :
غريبة ازاي؟ (يظهر وجه سعاد وهي تجلس منهمكة. صورة مكبرة لعينيها.)
سعد :
مش زي بقية البنات. لكن انت ليه مهتم بيها كده؟
محمود :
مش عارف! عينيها فيها حاجة غريبة.
سعد :
عينيها؟ ما تبطل خيال بقى يا أخي. خيالك ده اللي حيودينا في داهية.
محمود :
ليه داهية؟
سعد :
حضرتك متخيل إنك بطل. وإني كمان بطل. وعاوز ترمينا في حرب القنال.
محمود :
حنرجع نخاف تاني. (المدرج أصبح خاليا إلا من محمود وسعد.)
سعد :
وما نخافش ليه؟ اشمعنى أنا اللي حدافع عن الوطن. هو الوطن بتاعي أنا بس؟
محمود :
يعني مش حتروح معانا القنال؟
سعد :
لا حروح طبعا. (محمود يضرب كفا بكف.) (سعد يأخذ حافظة كتبه ويقف.)
محمود :
على فين؟
سعد :
رايح البوفية. تيجي؟
محمود :
لأ، أنا قاعد شويه. (سعد يخرج من المدرج.) (محمود يجلس وحده شاردا. يقف وينزل سلالم المدرج. يصل السبورة. يرى اسمه مكتوبا عليها. محمود زكي زعيم الطلبة. يتأمل اسمه لحظة. ينظر إلى الأرض. يرى نسخة من مجلة الأبطال على الأرض ويلتقطها من فوق الأرض، وينفض عنها التراب. يفتحها على المقال الذي باسمه. محمود زكي. يبتسم لنفسه في هدوء. يضع المجلة على منضدة الأستاذ. ويهم بالخروج من المدرج. تدخل سعاد فجأة. ترى محمود فتقف مندهشة لحظة.)
محمود :
اتفضلي يا سعاد. فيه محاضرة دلوقت؟
سعاد (في حياء) :
أيوه يا دكتور محمود. محاضرة الرمد.
محمود (ضاحكا) :
دكتور محمود؟
سعاد (باسمة) :
مش انتم بتنادوا بعض كده من أول يوم تدخلوا الكلية؟ (سعاد تجلس. محمود يقف بجوارها.)
محمود :
ده صحيح. لكن مش عارف ليه دايما باحس أن اللقب ده غريب علي. زي ما يكون بدلة مش بتاعتي. (لحظة صمت.)
سعاد :
ضيقة والا واسعة؟
محمود :
لا ضيقة ولا واسعة. إنما شكلها غريب. مش بتاعتي أنا.
سعاد :
جايز لأنك حاسس ان مش كفاية انك تبقى دكتور زي كل الطلبة. (محمود ينظر في عينيها طويلا.)
محمود :
مش عارف. (يدخل الطلبة والطلبات لحضور محاضرة الرمد مندفعين. يدخل الأستاذ. محمود يخرج من المدرج. الطلبة والطالبات يفتحون الكشاكيل ويمسكون الأقلام وينتبهون إلى الأستاذ.) (الأستاذ يمسك بقطعة من الطباشير بأطراف أصابعه ويستدير إلى السبورة. يرى اسم محمود زكي مكتوبا عليها. فينظر إليه شزرا ثم يمسحه وينفخ في اشمئزاز الطباشير من يده وبدلته. يكتب على السبورة موضوع المحاضرة باللغة الإنجليزية.) (Detachement Of The Retina.) (انفصال شبكية العين .) (ويضع على المكتب الذي أمامه عين إنسان مكبرة من الجبس.) (يخرج من جيبه ورقة ويبدأ يقرأ منها. الطلبة والطالبات يكتبون. سعاد تجلس شاردة. عيناها تتعلقان باسم محمود زكي المطبوع في المجلة التي في يدها. تحاول أن تقرأ بعض السطور من مقاله. تنظر إلى الأستاذ، ثم إلى العين التي على المكتب أمامه. تظهر عينا محمود مكان العين الحجرية. تنظر إلى الأستاذ. يظهر محمود واقفا أمامها مكانه يخطب والطلبة يصفقون له. سعاد تتنبه إلى نفسها فيظهر الأستاذ أمامها يقرأ المحاضرة. تمسك القلم وتنهمك كالطلبة في كتابة المحاضرة.)
تصوير داخلي:
حجرة نوم محمود في بيته. الحجرة تحتوي على مكتب أيضا. في الحجرة المجاورة له يسمع صوت ماكينة خياطة تدور. محمود يجلس على مكتبه وأمامه عدد كبير من المجلات والأوراق والأقلام.
أمامه مجلة الأبطال وقد فتح الصفحة عند المقال الذي يذيل بإمضاء.
محمود زكي.
محمود يقرأ اسمه وينظر إليه بإمعان. يكتب بجوار كلمة محمود زكي كلمة دكتور، ثم يشطبها، ثم يكتبها.
يكتب كلمة سعاد.
تصوير داخلي:
تظهر قدما امرأة وهي تحرك ماكينة خياطة. ثم تظهر أم محمود وهي تشتغل على ماكينة الخياطة وإلى جوارها تجلس أخت محمود (عزيزة) الخرساء. تشتغل بالإبرة بعض الخياطات.
الأم تتوقف لحظة عن الخياطة وتفكر وتضع رأسها بين يديها من التعب والإرهاق، ثم تقف وتسير إلى حجرة محمود.
تدخل الأم فتجد محمود جالسا على المكتب وأمامه المجلات.
الأم تتنهد من الحسرة.
الأم :
هو انت مش حتبطل شغل السياسة وشغل المجلات ده بقى؟ ابن عمك عبد العال، الواد ابن امبارح، اتخرج من الحقوق وبقى وكيل نيابة أد الدنيا. وانت مضيع وقتك في الكلام الفارغ ده؟
محمود :
هو انتي بتسمي الوطنية كلام فارغ يا ماما؟
الأم :
وطنية إيه وكفاح إيه يا خويا؟ إنت حتطلع دكتور ولا حتطلع ضابط بوليس ولا جيش؟ هم بيعلموك في كلية الطب ازاي تعالجوا العيانين والا ازاي تحاربوا؟
محمود :
لا دي ولا دي! (تدخل الأخت الخرساء وتضع فنجان الشاي على مكتب محمود. يظهر وجهها وهي تنظر إليه في حب وعطف. محمود يبتسم لها ويشكرها بإشارة بأن يضع يده على صدره وينحني في تحية باسما.) (وجه الأخت الخرساء يبدو سعيدا وترد عليه التحية برأسها ويديها.)
الأم :
أمال بيعلموكوا إيه يا خويا؟
محمود :
بيعلمونا ازاي نكشف على جيوب العيانين وننفضها؟
الأم :
اسكت يا خويا اسكت وانت طالع خايب زي المرحوم ابوك. كان برضه ماسكلي حكاية الناس الفقرا والناس الغلابة لما ضيع فلوس أطيانه كلها على ما فيش! يضمن ده! ويفك أزمة ده! ويسلف ده! ومش عارف إيه ده! لما بقينا على الحديدة. ومات وهو مش لاقي حد يقولوا انت فين! (وجه الأخت الخرساء يظهر وكأنها تفهم الكلام. يبدو على ملامحها الألم والحزن.) (محمود يكتب على الورقة التي يكتب فيها دون أن يرفع رأسه.)
الأم :
كنت لسة يا دوب بتمشي وعزيزة اختك كانت على كتفي! وكنت أنا شابة صغيرة. وياما زنوا على دماغي عشان اتجوز قلت مستحيل محمود وعزيزة بالدنيا! (وجه عزيزة يبدو متألما. وتقوم وتعطي محمود كوب الشاي. محمود يأخذ ويشرب منه رشفه ثم يضعه.)
الأم :
ده لو واحد غيرك يا محمود وشايف شقايه من يوم موت ابوك عشان ما اقصرش في حاجة من ناحيتك انت واختك. كان اشتغل واتجدعن! (محمود يبدو على وجهه الغضب والألم.)
محمود :
كفايا يا ماما! كفاية! الكلام ده بيمسني! بيعذبني! (الأخت يبدو عليها الألم الشديد والدموع تظهر في عينيها.)
الأم :
أنا خلاص تعبت. وحاسة ان آخرتي قربت. لازم تفوق لنفسك ومستقبلك. واختك عزيزة مش حيبقى لها حد غيرك!
محمود (في ثورة) :
كفاية! كفاية! تفتكري يعني أنا مش حاسس. تفتكري اني مش عارف؟ أنا حاسس. وعارف. وشايف. وده اللي بيعذبني ويموتني! (محمود يقفز ثائرا والأخت تقف إلى جواره وتربت عليه في حنان.)
محمود :
صوت ماكينة الخياطة بيجنني! منظر عزيزة بيقتلني! (عزيزة تربت على أخيها في حنان والدموع في عينها. محمود تهدأ ثورته قليلا. يضع يده على كتفها في حنان ويربت عليها.) (الأم تنظر إليها وتخرج من الحجرة وهي تمسح دموعها في صمت. يبدو أن الأم تعرج قليلا من فرط الإعياء والتعب.) (محمود يمسك أخته الخرساء من ذراعها ويبدو على وجهه الصرامة والجدية.)
محمود :
اسمعي يا عزيزة يا حبيبتي! أنا عارف مش سامعاني لكن حقولك. يمكن اللي مشجعني إني اقولك انك مش سامعاني! (وجه عزيزة يبدو وهي تنصت إليه ولا تسمعه ولكنها تحاول أن تفهم وتحاول أن تعبر بعينها أنها تفهم. الدموع في عينها مرة.) (والفرحة في عينها مرة.) (والألم في عينها مر.)
أنا يا عزيزة مش خايب زي ما ماما بتقول. وعبد العال ابن عمتي ما يملاش عيني مهما طلع ومهما نزل. كل الكلية بتقول اني زعيم الطلبة، وكل الطلبة عارفين إني بطل. حتى سعاد. شوفت في عينها نفسي. شوفت في عينها صورتي الحقيقية اللي عاوز اكونها. (تتابع كلام محمود بتعبيرات وجهها. وتربت عليه في حنان.) (ومحمود حين ينطق بكلمة سعاد عيناه تشردان بعيدا عن أخته في تفكير وحب.) (في ألم وأسى):
لكن. لكن أمي! عمري ما حسيت انها بتثق في! (يمسك رأسه بين يديه في ألم وأخته تواسيه. وقد أخذ صوته يضعف حتى أصبح كالبكاء.) (يرفع رأسه في أمل وصوته يقوى قليلا.)
عمري ما حسيت انها مؤمنة بي! مع إني حاسس اني أحسن من أي واحد!
سعاد! سعاد الإنسانة الوحيدة اللي شافت حقيقتي ... اللي حاسة أنا إيه؟ عينيها قالتلي كده! عينيها الحلوة! (يبتسم لنفسه في سعادة وحب.) (عزيزة أيضا تبتسم في أمل له.) (يكلم أخته)
عزيزة! حبيبتي! خليكي واثقة في وخليكي حاسة بي!
أنا اللي؟! وانتي اللي لي! (أخته يبدو عليها الفهم وتشير برأسها دليل الموافقة، ثم تعانقه في حب وحنان. يعانقها في حب وحنان. يعانقها.)
يا حبيبتي يا عزيزة لو كنت بتسمعي! آه لو كنت بتسمعيني! (الدموع في عينيه وعينيها تظهر.)
تصوير داخلي:
سعاد تجلس على مكتبها في حجرة نومها وأمامها كتاب الطب وعظام لرجل إنسان. سعاد شاردة لا تنظر في الكتاب سارحة.
الدنيا ليل وإلى جوارها نور مكتب.
الدادة تدخل ومعها فنجان ينسون.
الدادة :
فنجان الينسون أهو اللي بتحبيه يا ست سعاد!
سعاد :
مرسي يا دادة. حطيه على المكتب. (الدادة تضع الفنجان على المكتب فترى عظام الإنسان.) (تظهر العظام مكبرة إلى درجة أن الدادة تنظر إليها فزعا. الدادة تتراجع إلى الوراء في ذعر وهي تبصق في عبها.)
الدادة :
يا نهار اسود! إنتي جايبة عضم بني آدم في البيت! يا دي الليلة اللي مش فايتة! ده عفريته حيطلع لنا! (سعاد تضحك.)
سعاد :
عفريت ايه يا دادة! هو فيه حاجة اسمها عفاريت؟
الدادة (وقد هدأت قليلا) :
أمال! ده أنا شفتها بعيني!
سعاد :
شفتيها بنفسك يا دادة؟
الدادة :
أيوه بنفسي!
سعاد :
إزاي؟
الدادة :
الولية جارتي شافتها وقالتلي!
سعاد :
تضحك وتلقي برأسها إلى الوراء.
سعاد :
دمك خفيف يا دادة! (سعاد يبدو عليها التفكير وتنظر إلى العظام في تألم.)
سعاد :
تصوري يا دادة إن حتة العضمة دي كانت في يوم من الأيام إنسان زيي وزيك!
الدادة :
يا مصيبتي! يا مصيبتي! ده جسمي اتلبش خالص. أنا ياختي مروحة مش بايتة الليلة دي في البيت ده خالص! هو العمر بعزقة! يا مصيبتي! (الدادة تجري وتخرج من الحجرة.) (سعاد تضحك.) (تتوقف سعاد عن الضحك. وتنظر أمامها شاردة.)
تصوير سينمائي:
تظهر صورة محمود أمامها وهو يقف في المدرج يخطب في الطلبة. الطلبة يصفقون له.
تظهر عينا محمود مكبرتين وهما تنظران إليها.
تصوير داخلي:
تظهر سعاد وهي شاردة تفكر. تغلق الكتاب. تضع العظام في الدرج. وتطفئ نور المصباح.
تقوم وتذهب إلى السرير وتحاول النوم لا تستطيع. تنظر إلى سقف الحجرة وهي تفكر. تنظر إلى جسدها ونهديها وهي مستلقية على السرير.
صورة مكبرة ليديها وهي ترتفع بحذر وخوف وتحاول أن تتحسس كتفها وصدرها. ترتعش اليد ثم تعود إلى جوارها مرة أخرى.
صورة مكبرة لوجه سعاد المضطرب.
تصوير سينمائي:
صورة مكبرة لساقيها وهي طفلة مضمومتين والفستان يرتفع عن الركبة قليلا. ويد أمها وهي تشد الفستان لتغطي الركبة.
تصوير داخلي:
سعاد تمسك اللحاف وتغطي جسمها وتخفي رأسها.
تمتد يدها من تحت اللحاف وتطفئ النور الذي بجوار السرير.
تصوير داخلي:
مشهد لشجرة كافور كبيرة تحتها منضدة وكرسيان . المكان يمثل أرض الملاعب في كلية الطب، محمود يجلس على أحد الكرسيين وأمامه بعض الأوراق، يكتب في انهماك.
تصوير خارجي:
من بعيد يظهر ملعب التنس وسعاد تلعب أمام أحد الزملاء مرتدية بنطلونا طويلا.
صورة مكبرة لها وهي تلعب.
المباراة تنتهي، سعاد تنتصر وتصافح زميلها. الطلبة يصفقون لها.
سعاد تغير ملابسها وتتجه ناحية شجرة الكافور.
ناحية محمود وهو جالس.
تصوير داخلي:
محمود يقف ويصافح سعاد.
صورة مكبرة لأيديهما وهي متلامسة في أول مصافحة بينهما.
موسيقى مناسبة.
صورة مكبرة لوجه سعاد ووجه محمود وهما ينظران إلى بعض.
سعاد تجلس إلى جواره. ومحمود يجلس.
محمود :
مبروك. المباراة.
سعاد :
مرسي.
محمود :
نمت امبارح كويس؟ (لحظة صمت.) (سعاد يبدو عليها الخجل بعض الشيء.)
سعاد :
امبارح؟ أبدا! سهرت اقرا شوية جراحة. (محمود صامت شارد.)
سعاد :
وانت عملت إيه امبارح؟
محمود :
ولا حاجة! كتبت شوية.
سعاد :
كتبت إيه؟
محمود :
مقال العدد الجاي.
سعاد :
يا ترى مقال كويس زي اللي كان في العدد اللي فات؟
محمود :
أبدا! مش عاجبني! عمري ما كتبت حاجة عجبتني.
سعاد :
ازاي؟
محمود :
عمري ما كتبت اللي أنا عاوز اقوله.
سعاد :
عاوز تقول ايه؟
محمود :
مش عارف! تيجي نتمشي سوا.
سعاد :
يالله. (ينهضان ويمشيان متجاورين في أرض الملاعب.)
سعاد :
مش عارف ازاي؟
محمود :
ساعات ابقى عاوز اقول حاجات كتير قوي لدرجة اني ما اعرفش اكتب. (سعاد تنظر إليه وتبتسم. هو يبتسم لها أيضا.)
محمود :
لأول مرة في حياتي احس ان فيه إنسان فاهمني ... فاهمني من جوه! مش كده يا سعاد؟ (سعاد تومئ برأسها دليلا على الموافقة.)
محمود :
مش عارف. أول ما شفت عنيكي حسيت انك حيكون لك شأن كبير في حياتي. يا ترى انتي حسيتي كده برضه؟ (سعاد تومئ برأسها دليلا على الموافقة.) (محمود يصمت وينظر في عينيها.) (سعاد صامتة.) (محمود يقف. وسعاد تقف.)
محمود (في رقة) :
اتكلمي يا سعاد!
سعاد :
أقول ايه؟
محمود :
قولي أي حاجة. عاوز اسمع صوتك. (سعاد تمشي ويمشي إلى جوارها محمود.)
سعاد :
الحقيقة مش عارفة اقول إيه يا محمود . لكن أنا برضه أول مرة في حياتي احس براجل. مع أني بقى لي سنين عايشة في الكلية وسط الرجالة. لكن عمري ما حسيت بواحد فيهم. كأنهم كلهم ستات. (سعاد تقف ومحمود يقف أمامها.)
سعاد :
تصور يا محمود، إنت أول راجل يخليني أحس إني بنت!
محمود :
عمرك ما حسيتي يا سعاد إنك بنت؟
سعاد :
ماما كرهتني في الكلمة دي. كنت باحسد اخويا انه ولد. وكنت باتمني اني اكون ولد عشان تبقى لي نفس حريته. (سعاد تجلس. ومحمود يجلس في نفس المكان السابق تحت شجرة الكافور. لحظة صمت وتفكير.)
محمود :
تعرفي انتي كمان خلتيني اشوف إيه لأول مرة في حياتي؟
سعاد :
إيه؟
محمود :
أشوف نفسي. صورة نفسي. كنت باستمرار حيران بدور عليها مش لاقيها. وبعدين فجأة بصيت في عنيكي. ومش عارف ازاي شفت نفسي فيها! (ينظر إليها في حب.)
محمود :
سعاد. إنتي الوحيدة اللي حسيت انك فاهماني وشايفاني من جوه! (يحاول أن يمسك يدها. سعاد تتردد لحظة في أن تعطيه يدها. لكنه يأخذ يديها ويمسكها بحنان.)
سعاد :
أيوه يا محمود. أنا حسيت انك إنسان غير عادي وانك مش زي بقية الناس.
محمود :
لكن يا سعاد. أنا خايف.
سعاد :
خايف من إيه؟
محمود :
خايف ما قدرش ابقى زي الصورة اللي جوه عينيكي. أنا مش عارف مستقبلي إيه. جايز اروح القتال ومارجعش. جايز اموت. جايز أشوه. جايز.
سعاد :
مش ممكن! مش ممكن يا محمود. ليه بتفكر في الحاجات دي؟
محمود (في شرود) :
مش عارف. (لحظات صمت.)
محمود :
سعاد.
سعاد :
أيوه يا محمود.
محمود :
أنا باحبك. (صورة مكبرة لوجه سعاد المضطرب.) (سعاد تطرق وتسكت.)
محمود :
باحبك يا سعاد. باحبك من سنين كثيرة فاتت. باحبك طول عمري من أول ما تولدت.
كنت بدور عليكي يا سعاد بين كل الناس. ليل ونهار بدور عليكي. يا تري يا سعاد إنتي بتحبيني؟ (سعاد صامتة. لا ترد. مطرقة.)
محمود :
قوليها يا سعاد. قوليها. عاوز اسمعها.
سعاد :
أقول إيه يا محمود؟
محمود :
قولي انك بتحبيني.
سعاد (شاردة لا تنظر إليه) :
مش عارفة!
محمود :
مش عارفة إيه؟
سعاد :
مش عارفة اقولها؟
محمود :
ليه يا سعاد؟ صعبة قوي؟! (الدموع تظهر في عيني سعاد من شدة التأثر. محمود ينظر إليها ويأخذ يدها ويقفان معا متجاورين.)
سعاد :
أصل. أصل. عمري ما قولتها أبدا. عمر ما لساني نطقها لكن أنا عاوزة اقولها. عاوزة أقولها لك يا محمود! (صورة مكبرة لقدميها ورجليها وهما واقفان متجاوران.) (موسيقى تانجو هادئة (كومبارسيتا).) (تتحرك قدمها شيئا فشيئا على نغمات الموسيقى. يرقصان التانجو معا.)
مشهد داخلي:
يظهر أنهما لا يرقصان وحدهما وإنما وسط رجال ونساء كثيرين. في صالة منزل سعاد مشهد لحفل خطوبة سعاد ومحمود. أبو سعاد جالس بين الزوار يتكلم. أم سعاد ترحب بالضيوف. الدادة توزع الشربات. أم محمود تجلس وأخته الخرساء. يبدو عليها الفرح.
الموسيقى. والرقص. الصخب والزغاريد.
الأم تجلس بجوار الأب.
الأب :
افرحي بقى يا ستي اهي بنتك بقت زي كل البنات وبقالها عريس.
الأم :
أعمل إيه يا زغلول؟ ما هي كانت عاملا لي راجل! (تظهر سعاد ومحمود وهما يرقصان ويضحكان معا.) (تظهر قدما سعاد وقدما محمود وهما يرقصان بنشاط وحماس وقد أصبحت الموسيقى سريعة (فالس).)
الأب :
راجل إيه يا شيخة؟ إنتي اللي كرهتيها في الرجالة والجواز!
الأم :
دلوقت بقي الجواز حلو؟ غير ان بنتك دماغها ناشفة وتحب تمشي رأيها.
طول عمرها كده حتى وهي لسة في اللفة!
الأب :
اللفة؟ يا شيخة حرام عليكي. كانت بتمشي رأيها وهي في اللفة ازاي بقه؟
الأم :
كانت كل ما الفها ترفس برجليها وتفكها. كل ما الفها تفكها. كل ما الفها تفكها.
الأب (يضحك) :
ها! ها! والله يا شيخة انت طول عمرك نقرك بنقرها. زي ما تكونوا ضراير!
الأم (تبتسم) :
يا خويا! إنت اللي طول عمرك تحبها وتعزها عن ماجد. مع إنه اسم النبي حارسه ما فيش ولد زيه.
الأب :
أهو إنتي اللي بتحبي ماجد أكثر منها طول عمرك. حتي من وهو في بطنك لسة.
الأم (تضحك) :
أي والنبي يا زغلول. باحبه عنها من وهو في بطني. (يظهر محمود وسعاد يرقصان، ثم يخرجان إلى الشرفة وحدهما.)
تصوير داخلي:
يقف محمود وسعاد في الشرفة ينظر في عينها وهي تنظر في عينه. يعانقها قبلة طويلة وقوية.
محمود :
سعاد!
سعاد :
محمود! (يعانقها مرة أخرى.) (الدادة تدخل في خوف.)
الدادة :
سي محمود. (محمود وسعاد ينظران إليها بدهشة.)
الدادة :
فيه واحد بره عاوز حضرتك دلوقت حالا، وباين عليه مستعجل قوي! (موسيقى مناسبة تنم عن المفاجأة والفزع.)
محمود (في دهشة) :
مين؟
الدادة :
بيقول اسمه سعد؟
محمود (في فزع) :
سعد؟ (محمود يغادر الشرفة بسرعة وسعاد وراءه والدادة من ورائهما.) (موسيقى مناسبة.)
الصورة الممزقة (3)
تصوير داخلي:
حجرة جانبية في منزل سعاد.
سعد (زميل محمود في الكلية) يقف منتظرا.
محمود يدخل بسرعة إليه ومن ورائه سعاد. سعد يتقدم إليه.
محمود :
فيه إيه يا سعد؟
سعد :
اللجنة مجتمعة دلوقت في الكلية وعاوزينك حالا.
محمود :
ليه؟ وصلكم أنباء جديدة من القتال؟
سعد :
ممدوح انقتل، والكتيبة بتاعته اتنسفت كلها الا اثنين رجعوا النهارده.
محمود (في ألم) :
ممدوح! (محمود يطرق ويفكر في صمت.) (ينظر إلى سعاد وسعاد تنظر إليه في ألم.) (تمر لحظة صمت. الثلاثة مطرقون إلى الأرض في حزن صامت عميق.) (محمود ينظر إلى سعاد.)
محمود :
أنا مضطر يا سعاد انزل دلوقت اروحلهم في الاجتماع.
سعاد :
أنا جاية معاك يا محمود
سعاد :
لازم اشترك معاكم.
سعد :
طبعا يا سعاد. أنت عضو في اللجنة.
محمود :
أنا عارف. بس.
سعاد :
بس إيه؟
محمود :
طيب يلله بينا. (يخرجون.)
تصوير داخلي:
مدرج كلية الطب.
يجلس في صفوفه الأمامية حوالي عشرين طالبا من مختلف الكليات هم أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للطلبة. أحد الطلبة واقف (عزيز) يتحدث. الباقي يستمعون في اهتمام شديد. يبدو على وجوههم الألم أيضا. بعض الطلبة يناقشون المتكلم.
الطالب :
احنا كنا معتمدين اعتماد كلي على ممدوح والكتيبة بتاعته.
الواقف (واسمه عزيز) :
الفدائيين في القنال دلوقت ضعفوا. لازم نبعث لهم كتيبة قوية ثانية.
طالب آخر :
ده شيء ضروري. الكتيبة جاهزة. بس المهم نبعث مين رئيس الكتيبة؟
عزيز :
لازم واحد جامد قوي نعوض بيه ممدوح.
طالب :
تفتكر مين يا عزيز ؟
عزيز :
محمود زكي.
طالب :
فعلا! هو ده!
طالب :
بس احنا محتاجينله هنا. (الطلبة يناقشون فيما بينهم.)
عزيز :
هناك أهم من هنا.
طالب :
فين محمود؟
عزيز :
زمانه جاي. بعتنا له سعد بيته.
طالب :
لا. بيت سعاد زغلول.
طالب :
بيت سعاد ليه؟
طالب :
يا أخي ما تعرفش ان خطوبتهم الليلة؟
طالب :
والله؟ أتاريني كنت باشوفهم سوا اليومين الأخرانيين! (يدخل محمود وسعد وسعاد.) (الطلبة يسلمون على محمود وسعاد ويهنئون بالخطبة في وجوم.) (محمود وسعاد وسعد يجلسون بين الطلبة.)
عزيز :
أظن يا محمود انت عرفت الأخبار الأخيرة السيئة؟
محمود (في ألم) :
عرفت يا عزيز.
عزيز :
البقية في حياتك يا محمود. أنا عارف ان ممدوح كان عزيز عليك.
طالب :
كان عزيز علينا كلنا.
عزيز :
معلهش. الموت مكتوب علينا كلنا واحنا فدائيين ولازم نجهز نفسنا للموت.
ودلوقت يا محمود احنا قررنا نبعت كتيبة بكرة القنال بدل كتيبة ممدوح.
محمود :
كويس.
عزيز :
وكنا لسة بنفكر مين مننا يروح مع الكتيبة.
محمود :
أي واحد فينا مستعد يروح.
عزيز :
تروح انت يا محمود؟
محمود :
أروح.
طالب :
أيوه محمود هو اللي يروح.
طالب :
أنا رأيي نبعت حد غيره. احنا محتاجين لمحمود هنا. إنت عارف يا عزيز انه ماسك معظم أعمال اللجنة والطلبة كلهم بيحبوه. زائد المجلة! مين اللي حيطلعها وهو في القنال؟
عزيز :
أنا حامسك المجلة مكان محمود لغاية ما يرجع. إيه رأيك يا محمود؟
محمود :
موافق.
سعد (في هدوء) :
وأنا حروح مع محمود.
عزيز :
كويس. إيه رأيك يا محمود.
محمود :
سعد كويس. وينفعني هناك. (سعاد تقف. الكل ينظر إليها.)
سعاد (في هدوء) :
وأنا حروح معاهم. (لحظة سكوت.)
عزيز :
إيه رأيك يا محمود؟ سعاد مش أول مرة لها تشترك معانا في الكفاح. لكن مسألة السفر دي هي اللي صعبة شوية؟!
محمود :
سعاد لها هنا دور أهم.
محمود :
ينظر إلى سعاد. سعاد تنظر إليه. لحظة صمت.
طالب :
لا. مش من رأيي إن أي طالبة تشترك مع الفدائيين في القنال. دي بهدلة مش ممكن واحدة تقدر عليها.
محمود :
سعاد مش أي طالبة ! (سعاد تنظر إليه حين يقول هذه الجملة.) (صورة مكبرة لوجه سعاد تعبر عن السرور والفرحة لكلمة (مش أي طالبة).)
محمود :
سعاد مش أي طالبة. وأنا واثق انها تقدر أكثر تسافر. لكن احنا محتاجين هنا لها أكتر. مش كده يا سعاد؟
سعاد :
والله إذا كنتم شايفين ان دوري هنا أهم استنى هنا! (سعاد تنظر إليه وتطرق إلى الأرض.) (محمود يفكر لحظة في صمت ويطرق إلى الأرض. الطلبة ينظرون إليهما في استطلاع.)
سعد :
وحنسافر امته يا عزيز؟
عزيز :
بكرة الصبح الساعة خمسة.
سعد :
أهو ده عيبه.
طالب :
ليه؟
سعد :
ألذ نومة عندي من خمسة لتسعة الصبح. (الطلبة يضحكون.) (يقفون ويصافحون محمود وسعد في وداع ويعانقونهما بشدة.)
عزيز :
مع السلامة يا محمود شد حيلك. مع السلامة يا سعد.
خلي بالك من نفسك.
محمود :
الله يسلمك يا عزيز.
سعد :
الله يسلمك.
مع السلامة.
الله يسلمكم ... إلخ. (المدرج يخلو تدريجيا من الطلبة. لا يبقى بالمدرج سوى محمود وسعد وسعاد.)
سعد :
والله يا سعاد أنا عارف اني طول ما أنا ماشي ورا محمود حاروح في داهية!
سعاد :
داهية؟
سعد :
أيوه داهية! هو فيه أكثر من كده داهية! دانا زي اللي بيرمي نفسه تحت القطر. بانتحر يعني. ده انتحار مش كفاح ووطنية!
سعاد :
ليه يا سعد بس؟
سعد :
ليه؟ كده! حرب إيه وإنجليز إيه؟ بقى احنا شوية العيال حنطلع الإنجليز من مصر؟
سعاد :
حاجة غريبة! ازاي حتروح تحارب في القنال، وفدائي كمان، وانت مش مقتنع بالحرب أبدا؟ (محمود يتابع الحديث بينهما.)
سعاد :
أمال رايح ليه يا سعد؟ (وهو يعبث بمجلة في يده.) (وهو مطرق إلى الأرض.)
سعد :
أهو رايح! رايح مع محمود! (محمود ينظر إلى سعد.)
محمود :
لا يا سعد. أنا عاوزك قبل ما تسافر تكون مقتنع بالفكرة. وإلا خليك هنا أحسن!
سعد :
يعني حخليني اعمل ايه؟
سعاد :
ما فيش حاجة تعملها؟ تشترك معانا في الكفاح هنا، أو تحضر في الكلية وتذاكر وتتخرج.
سعد :
أتخرج؟ ليه؟ ده أنا باخد من ابويا مصروف جيب قد الماهية اللي حاخدها لما اتخرج. (محمود وقف وأخذ يتمشى في المدرج مطرقا مفكرا.)
سعاد :
طيب ورايح تنتحر ليه؟
سعد :
وحاعيش ليه؟ كل حاجة في عيني ما لهاش معنى. البيت ما لوش معنى. والكلية ما لهاش معنى. والشارع ما لوش معنى. يمكن الحرب تكون لها معنى. أهي حاجة جديدة. أهي تغيير هوا!
محمود :
يقف ويكلم سعد.
محمود :
اسمع يا سعد، إنت عارف اني مش باحب الهزار وقت الجد. احنا مسافرين بكرة الفجر ولازم نحضر نفسنا. اعمل كل الترتيبات واتصل بكل واحد في الكتيبة واديني خبر في البيت. اعتبر إن ده أمر! مفهوم! (سعد يضم قدميه ويخبطهما محدثا صوتا بحذائه، كما يفعل الجنود عند تلقي الأوامر، ويضرب بيده سلاما كالجنود.)
سعد :
مفهوم يا فندم! تمام يا فندم!
محمود :
انصراف! (سعد يكرر التحية وخبط القدمين ثم يستدير ويغمز لمحمود بعينه ويخرج من المدرج.) (سعاد تضحك وهي تراقب سعد. تظل تضحك بعد أن يخرج وتنظر إلى محمود. محمود واقف صامت لا يبتسم وهو ينظر إليها في شوق.) (يتبادلان النظرات في صمت وإطراق.) (سعاد تقترب من محمود.)
سعاد :
خلاص يا محمود. حتسافر بكرة الصبح صحيح؟ (محمود يومئ برأسه دليل الإيجاب.)
سعاد :
وحتقعدوا أد إيه في القنال؟
محمود :
مش عارف! ما حدش يعرف!
سعاد :
تصمت شاردة. محمود ينظر إليها في حب.
محمود :
سعاد.
سعاد :
أيوه يا محمود.
محمود :
حتوحشيني قوي يا سعاد! (سعاد تطرق والدموع في عينيها.)
محمود :
لكن دايما حتكوني جنبي. قصاد عيني. بتشجعيني. بتشديني عشان ارجع تاني للحياة. إنتي مش عارفة يا سعاد وجودك في حياتي بيعمل إيه! (يسكت لحظة.)
إنتي يا سعاد اللي خليتي الحياة لها معنى في عيني ... تعرفي أنا باقسو على سعد ليه لما بيقول ان الحياة ما لهاش معنى؛ لأنه بيقول الكلام اللي في نفسي من جوه ومش قادر اقوله ... كنت باقسو عليه عشان أداري عذابي. لكن دلوقت انت خليتي لحياتي معنى يا سعاد. حسافر احارب مع الفدائيين وارجعلك تاني يا سعاد ... حتكوني جنبي يا سعاد؟ (محمود يمسك يدها ويقبلها. الدموع في عيني سعاد.)
سعاد :
دايما يا محمود! دايما! حكون جنبك دايما! (يقبل يدها في حب.) (لحظة صمت.) (سعاد تخرج من حقيبتها صورة لها وتعطيها لمحمود.) (محمود يتأمل الصورة وهو يبتسم.)
سعاد :
عشان كل ما تشوفها تفتكرني.
محمود :
حافتكرك يا سعاد من غير الصورة. (يتأمل الصورة طويلا.)
سعاد :
وانت مش تديني صورتك يا محمود؟
محمود :
حافتكرك يا سعاد من غير الصورة.
الصورة حلوة بس هي مش انت. أنا باحب عنيكي دول يا سعاد! عنيكي الحلوين. (سعاد تبتسم.)
محمود :
مش عارف معايا صورة والا لأ. أظن معايا صورة الكارنيه. أيوه اهه! (يعطيها صورته. سعاد تتأملها وتنظر إليه وتبتسم.) (يتأهبان للخروج من المدرج.)
محمود :
اوعديني يا سعاد انك حتكوني لي طول عمرك.
سعاد :
أوعدك يا محمود اني أكون لك طول عمري. أوعدك من كل قلبي. (يمسك يدها بكلتا يديه في حب وحنان.) (ويقبلها. يخرجان معا.)
محمود :
سعاد حبيبتي!
سعاد :
ربنا يرجعك بالسلامة يا محمود!
تصوير خارجي:
لقطات تصور بعض مشاهد من حرب الفدائيين وحرب العصابات. فدائي يفجر قنبلة يدوية.
أصوات انفجارات وحرائق. وصراخ أصوات الحرب بما فيها من بشاعة.
مجموعة من الفدائيين يفجرون الألغام. ويجتازون الأسلاك الشائكة.
فدائي يأسر بيديه جنديا إنجليزيا.
فدائي يقتل جنديا إنجليزيا بسكين.
مناظر الجري وتسلق الحواجز وإطلاق الرصاص والرعب والفزع وجو الحرب المخيف.
تصوير خارجي:
سعاد تسير في الشوارع ليلا تجمع التبرعات من المنازل.
سعاد تجتمع ببعض الطالبات والطلبة.
سعاد تحمل حقيبة كبيرة وتسلمها لأحد الفدائيين بملابس الحرب.
سعاد تجري في الشارع ومعها بعض المنشورات. تختفي من المطاردين في مدخل بيت.
سعاد توزع المنشورات على بعض الناس. سعاد وسط مجموعة من الطلبة تخطب فيهم. في مدرج الكلية.
سعاد تجلس في اجتماع اللجنة التنفيذية العليا للطلبة. تشترك في المناقشة.
منظر أرض ملاعب كلية الطب والطلبة يتدربون على حرب العصابات وتفجير القنابل اليدوية. وقد لبسوا ملابس حرب الفدائيين. سعاد تقف بينهم.
صوت الراوية:
أيام عشتها. كيف عشتها؟
أيام لا يمكن أن أنساها. كيف أنساها؟
أيام الكفاح والسعادة والخوف والقلق. أيام مليئة بالحياة . أيام لها معنى. ولها طعم ولها لون. ليست كباقي أيام الحياة.
كنت أخرج من البيت صباحا فلا أعود إلا بعد منتصف الليل. وحينما تسألني أمي أين كنت أقول لها: كان عندنا سهرة ولادة! كان الألم يدمي قدمي من كثرة المشي والجري ودخول البيوت وجمع التبرعات وتوزيع المنشورات. وكان الخوف يعصف بي أحيانا حين تشتد الظلمة في الشارع أو حين يطاردني أحد. لكن السعادة كانت تملأ قلبي. كنت أحس أنني أفعل شيئا خطيرا. كذلك الذي يفعله الطلبة الفدائيون. لم أكن أحس أنني مجرد فتاة أو بنت كما كانت تسميني أمي.
وكنت كلما أجلس على مكتبي لأذاكر. تتراءى لي صورة محمود. بملامحه القوية النبيلة.
أحبه! نعم أحبه بكل ما أحس وأفهم وأعي الحب. لكني لم أحبه أبدا كما أحببته حين قال إنني لست كالفتيات. (صدى صوت محمود: سعاد مش أي طالبة!)
تصوير داخلي:
سعاد تجلس على مكتبها في حجرة نومها وأمامها كتاب الجراحة تذاكر.
تشرد بأفكارها لحظة (صدى صوت محمود: سعاد مش أي طالبة).
تخرج صورة محمود من درج مكتبها وتتأملها في شوق وحب.
تدخل الدادة ومعها فنجان ينسون دافئ.
الدادة :
فنجان الينسون اللي بتحبيه يا ست سعاد.
سعاد :
مرسي يا دادة.
الدادة :
اشربيه وهو دافي وقومي نامي بقه ... حرام عليكي عنيكي! عنيكي الحلوين دول! (لقد سمعت الدادة تقول نفس عبارة محمود عنيكي الحلوين!)
سعاد :
قولي تاني يا دادة!
الدادة :
أقول إيه يا ست سعاد؟
سعاد :
عنيكي الحلوين! (الدادة تقول في مكر شديد):
الدادة :
وهو أنا قوالتي تنفع يا ست سعاد؟!
سعاد :
فهمتيها ازاي بقه يا دادة؟ (سعاد تنظر إليها وتبتسم في سعادة وتقف أمامها في دهشة.)
الدادة :
إلا أفهمها! ده أنا افهمها وهي طايرة! (سعاد تعانقها وتقبلها.)
سعاد :
ياختي عليكي يا دادة! باحبك قوي! باموت فيكي! باعبدك!
الدادة :
يوه! يوه! اسما الله عليكي. ده انا دادة ام علي! مش حد تاني! (سعاد تضحك والدادة تضحك. تعود سعاد لتجلس على المكتب. لكن يدها تخبط كوب الينسون فيقع على الأرض وينكسر محدثا صوتا .) (موسيقى تصور الكسر والفزع.) (وجه سعاد يبدو فزعا مضطربا.) (موسيقى تصويرية.)
تصوير داخلي:
صوت انفجار.
تظهر صورة مكبرة لمحمود وهو منبطح على الأرض (في الحرب) تنزف الدماء من ذراعه. وقد انفجرت قنبلة إلى جواره. يزحف على بطنه فيجد زميلا له يلفظ أنفاسه الأخيرة.
محمود يحتضنه ويحاول إسعافه دون جدوى. الزميل يموت بين ذراعي محمود. صورة مكبرة لوجه محمود تعبر عن الأسى والألم والدموع، ثم يترك الميت ويهب كالملسوع ويجري ويقذف بقنبلة يدوية تحدث حريقا كبيرا.
صوت انفجار قنبلة يدوية.
صورة مكبرة لمحمود وهو يجري. يقابل إنجليزيا. يهجم عليه ويقتله بالمطواة. الإنجليزي يموت بين يديه.
صورة مكبرة لوجه محمود تعبر عن الأسى والألم أيضا. والدموع.
صورة مكبرة لمحمود وهو جالس على الأرض وحده. ذراعه ينزف دما. وهو يلهث من الإعياء. يخرج من جيبه صورة سعاد. يتأملها. الدموع تظهر في عينيه. يهمس بصوت ضعيف خائر.
سعاد! سعاد!
تصوير داخلي:
منظر محمود يربط ذراعه وهو بملابس الحرب وزميله سعد يعرج قليلا وهما ينزلان من القطار الذي حملهم من منطقة القنال إلى محطة القاهرة.
يندفع نحوهما بعض الجنود المصريين ويسوقانهما إلى المعتقل.
تصوير داخلي:
محمود وزميله سعد جالسان كل منهما على سرير من أسرة المساجين في حجرة عارية من حجرات المعتقل.
سعد :
أنا مش فاهم حاجة خالص! ليه بقه جابونا هنا في المعتقل؟ ده احنا كنا بنحارب الإنجليز؟
ده كنت متصور إنهم حيحطوا أسامينا في لوحة الشرف مع الأبطال يقوموا يسجنونا؟ شيء غريب خالص!
محمود (في غيظ) :
شيء مش غريب عليهم!
سعد :
مين؟
محمود :
الخونة اللي في القاهرة! (سعد يقرب فمه من أذن محمود.)
سعد (هامسا) :
الملك؟
محمود (بصوت عال) :
والحكومة بتاعته!
سعد :
وطي صوتك! أحسن نخرج من هنا على حبل المشنقة!
محمود :
إحنا شوفنا الموت بعينينا. خلاص ما فيش حاجة حتخوفنا!
سعد :
لا والنبي. أنا لسة بخاف!
محمود :
بتخاف من إيه بعد كل اللي حصل؟
سعد :
بخاف ليفرجوا عني وبعدين أخرج تاني لحيرتي بتاعة زمان. تعرف مش أنا كنت وسط الحرب والنار والموت لكن اهو كنت حاسس اني عايش. حاسس ان الدنيا حوالي دنيا. فيها دوشة وحركة. كانت الحياة لها معنى في عيني. مش انا محبوس دلوقت لكن والله وأنا بره عايش حر في الكلية وفي البيت وفي الشوارع كنت باحس اني محبوس أكثر من هنا. على الأقل هنا لما باحس اني محبوس باقتنع واستريح!
محمود (تأثرا) :
كفاية يا سعد! كفاية! مش عاوز اسمع الكلام ده. سيبني شوية! سيبني افكر!
سعد (ساخرا) :
تفكر؟ هئ! ده أنا عاوز ما فكرش أبدا. عاوز أنسى كل حاجة حتى نفسي! تعالى. تعالى انسى نفسك معايا! (سعد يشد محمود من يده إلى ركن في الحجرة فيه حقيبة سعد.)
محمود :
إيه حتعمل إيه يا سعد؟ (سعد يخرج من الحقيبة علبة حقن.)
محمود :
إيه دي؟
سعد :
دواء! دواء يريح الأعصاب ويلين المفاصل ويمنع الإمساك ويزيل الهموم من القلب. (يضحك ساخرا.)
ها! ها!
محمود :
والله انت رايق وفايق. وراك ايه؟
سعد :
وانت يعني وراك ايه؟
محمود :
سعاد هي اللي مخلياني حريص على حياتي وحريتي! (سعد يخرج حقنة ويعطيها لنفسه في ذراعه في الوريد.)
سعد :
سعاد؟ هئ! زمانها اتخرجت وبقت دكتورة عظيمة. تفتكر انها حترضى تاخذ طالب فاشل زيك ومحبوس كمان!
محمود (ثائرا) :
اسمع! أنا أقبل منك الهزار في كل حاجة الا دي! (محمود ينظر إلى سعد وقد أخذ الحقنة.)
محمود :
إنت بتاخد الحقن دي صحيح؟
سعد :
أمال هزار يعني؟ أهو أنا اهزر في كل حاجة الا دي؟
محمود :
حقن إيه دي؟ (محمود يأخذ علبة الحقن من سعد ويقرؤها ويضعها في جيبه.)
محمود :
مين اداك العلبة دي؟
سعد :
زكريا. عارفه؟ كان في الكتيبة بتاعتنا. كان دايما سعيد ومش خايف من الحرب وأنا عمال باترعش. وكل ما اسأله يقول لي البركة في الحقنة!
محمود :
مسكين!
سعد :
ليه؟! عشان مات؟! اهو استريح. يعني احنا ما كأننا متنا أهوه. ده حتى الموت مش طايلينه.
محمود :
لا. مش عشان مات.
سعد :
أمال مسكين ليه؟ (محمود لا يتكلم. ينظر شاردا. سعد يبدو عليه الإعياء والتعب. العرق يتصبب من جبهته. يغمض عينيه ويستلقي على سريره. محمود يجلس وحده شاردا يفكر.) (تظهر له صورة أمه وهي تضربه وهو طفل في السابعة من عمره.) (ثم صورتها وهي تنهره وهو شاب وتقول له إنت خايب.) (موسيقى تصويرية مناسبة. تتابع الصور التي يتخيلها ويستعيدها من الماضي.) (صورة الطلبة في الكلية وهم منهمكون في الدراسة والتحصيل.) (صورة لزميله الذي مات في الحرب بين يديه.) (صورة للإنجليزي الذي قتله في الحرب.) (صورة للجنود وهم يقبضون عليه.) (صورة للطلبة وقد أصبحوا أطباء وارتدوا البلاطي البيضاء والسماعات في آذانهم.) (صورة سعاد بالبالطو الأبيض والسماعة متعلقة برقبتها.) (موسيقى مناسبة.) (صورة مكبرة لوجه محمود وقد اهتزت عيناه بالاضطراب وتصبب العرق من وجهه.) (يقوم ويمشي في الحجرة بعصبية. يتحسس جبينه. يخرج علبة الحقن. وينظر إليها. يضعها في جيبه ويجلس يفكر. يخرجها من جيبه مرة أخرى وينظر في داخلها.) (موسيقى تصويرية.) (يتحسس ذراعه في خوف.) (يرجعها إلى جيبه مرة أخرى. أخيرا يفتح علبة الحقن.) (ويسحب منها واحدة ويذهب إلى سعد النائم ويوقظه.)
محمود :
سعد! سعد! سعد! (سعد يفتح عينيه في بطء نصف فتحة.)
سعد :
إيه؟ فيه إيه؟
محمود :
قوم اديلي حقنة. أما اجربها كده! وانا متأكد انها مش حتعملي حاجة! (سعد ينهض متثاقلا.)
سعد :
مش حتعمل لك حاجة! هئ! هئ! لو كنت حاسس انها مش حتعمل لك حاجة يا بطل ما كنتش تفكر أبدا انك تاخذها! (محمود يكشف ذراعه الأيسر. سعد يعطيه الحقنة في الوريد.) (محمود يغمض عينيه قليلا، ثم يفتحها.) (يبتسم لنفسه. تبدو عليه الحيوية والنشاط.) (يقوم ويمشي في الحجرة في نشاط وقلق.) (سعد يتأمله قليلا ثم يقول):
سعد :
إيه؟ ما لك مش على بعضك كده؟
محمود :
أفكار! أفكار كتير قوي جاتلي دلوقت! عاوز اكتب. آه لو كان هنا ورق يا سعد! راسي مليانة أفكار. خايف لتطير مني.
سعد (في برود) :
طيب اقعد. استريح. الأفكار مش حتطير يا بطل الأفكار. دي حتجيلك دايما. والحارس بتاعنا زمانه جاي. نديله البقشيش بتاعه يشترلنا الحقن ويشترلنا الورق. (ساخرا):
أيوه يشترلنا الحقن ويشترلنا الورق. أمال! يشترلنا الحقن ويشتر لنا الورق. هو احنا ورانا إيه يعني؟ (يسمع وقع أقدام الحارس الثقيلة. يظهر الحارس على باب الحجرة. سعد يعطيه بعض النقود ويهمس في أذنه ويغمز بعينه. الحارس يأخذ النقود ويبتسم في مكر. وينصرف.)
تصوير داخلي:
منزل أم محمود. أم محمود جالسة إلى ماكينة الخياطة.
تظهر قدماها أولا. الأخت الخرساء. تجلس إلى جوارها تعاونها. يبدو عليهما الحزن والألم لفراق محمود.
الجرس يدق. الأخت تنتفض فرحة والأم تتوقف عن الخياطة متهللة وقد ظنا أن محمود هو الذي جاء. الأخت الخرساء تفتح الباب.
تظهر سعاد. الأخت تعانقها وتسألها بالإشارة عن محمود. سعاد ترد بأنها لا تعرف.
الأخت تتألم.
الأم تنهض وتستقبل سعاد.
الأم :
أهلا سعاد بنتي! أيوه! الدكتورة سعاد! مبروك يا حبيبتي النجاح والتخرج! ألف مبروك.
سعاد (في حزن) :
مرسي يا تانت. (الأم تمسح دموعها وقد تذكرت محمود.)
الأم :
يعني لو كنت واخد بالك من كليتك يا محمود مش كان زمانك بقيت دكتور؟! (سعاد تجلس والأم تجلس.)
سعاد :
يا ترى ما عندكيش أخبار عن محمود يا تانت؟
الأم :
ده أنا كنت لسة حسألك يا بنتي. هو مش بيبعت لك جوابات؟ (الأخت تقف. تحاول فهم ما يدور بينهما.)
سعاد :
أبدا. بقى له كام شهر ما كتبليش كلمة واحدة. والحروب انتهت من زمان والفدائيين كلهم رجعوا! (وجه الأخت الخرساء مكبرا. يبدو عليه الفزع والألم.)
الأم (في خوف) :
رجعوا؟! أمال هو فين؟ يا خوفي ليكون جرى له حاجة! يادي المصيبة اللي جايالي! يادي الكارثة!
سعاد :
لا يا تانت ما تخافيش. اطمني. محمود عايش وبخير. الطلبة اللي اتقتلوا في القنال عارفاهم واحد واحد. (وجه الأخت وهي تحاول أن تفهم.)
الأم :
واسمه مش فيهم يا سعاد يا بنتي؟ قوليلي والنبي. طمني قلبي، ربنا يطمن قلبك.
سعاد :
لا يا تانت اسمه مش فيهم. (وجهها يعبر عن القلق والهم والألم.)
الأم :
أمال يعني ما رجعش ليه؟ ليكون متعور والا حاجة ومش قادر يرجع. أو مرمي هنا والا هنا رمية الكلاب. آه يا غلبي ياني! كده يا محمود توريني المر طول عمري! مش كفاية العذاب والشقا اللي انا فيه؟! (الأم تنشج بالبكاء.) (الأخت تبكي معها وتربت عليها.) (سعاد تحاول تهدئة الأم.)
سعاد :
مش كده يا تانت! محمود بخير وإن شاء الله حيرجع بالسلامة. يمكن بيصفي الكتيبة بتاعته. إنتي عارفة انه كان زعيم. مش مجرد فدائي. (الأم هدأت وبدأت تثور.)
الأم :
زعيم إيه وفدائي إيه! هو حياكل والا حيشرب الزعامة دي؟ أنا عارفة هو طالع خايب كده ليه؟
سعاد :
خايب ازاي يا تانت؟ ده أحسن واحد عندنا! ده الطلبة كلهم جنبه عيال. (الأخت تفهم كلام سعاد ويظهر وجهها معبرا عن الأمل.)
بكرة محمود يبقى بطل وكل الناس تتكلم عنه وتفخر بيه!
الأم :
بطل؟ بطل إيه يا سعاد؟ فيه واحد يبقى بطل من غير ما يذاكر ويسهر؟
سعاد (في حماس) :
المذاكرة مش كل حاجة يا تانت. معظم العباقرة والأبطال كانوا يسقطوا في مدارسهم. ويعني عملوا إيه الطلبة اللي ذاكروا واتخرجوا وبقوا دكاترة؟ (وجه الخرساء مكبرا تتابع بعينيها كلام سعاد في اهتمام.)
أهو اللي راح فيهم الأرياف عشان يعمل له ثروة من عرق الفلاحين الغلابة. أو اللي قاعد في مصر في وظيفة بخمستاشر جنيه في آخر الشهر. أو اللي قاعد في بيتهم مستني لما وزارة الصحة تحن عليه بشغل. (وجه الأم معبرا عن عدم الفهم والدهشة.)
تفتكري يا تانت الحياة دي ممكن تعجب واحد زي محمود؟ (وجه الأخت معبرا عن الفهم والتشجيع لسعاد.)
لا يا تانت، محمود مش ممكن يعيش حياة خاملة. مش ممكن يبقى هدفه إنه يعمل ثروة من عرق الفلاحين. محمود اتخلق عشان يبقى إنسان عظيم. عشان يجدد! عشان يخلق!
الأم :
يخلق؟ يخلق إيه يا سعاد يا بنتي؟ هو ربنا؟ أما صحيح اللي قالوا الأمثال ما كدبوش!
سعاد :
أمثال إيه يا تانت؟
الأم (تبتسم) :
اللي قالوا مراية الحب عامية! (الأخت تبتسم أيضا.)
سعاد :
أبدا! ده الحب بيخلي الواحد يشوف اللي الناس مش شايفاه!
الأم :
المهم يا بنتي هو فين دلوقت؟
سعاد :
اطمني يا تانت. أنا لازم حسأل واعرف هو فين وآجي أطمنك.
الأم :
أي والنبي يا سعاد يا بنتي. اسألي عليه وطمنيني. ربنا يطمن قلبك. (سعاد تقف.)
سعاد :
حاضر يا تانت (الأخت تقترب منها وتحاول أن تفهمها بالإشارات أن تطيل بقاءها.)
الأم :
اوعي تتأخري علي يا سعاد. ده إنتي والنبي بقيتي في غلاوة محمود تمام.
سعاد :
مرسي يا تانت. أنا حاجي دايما اشوفكم واقعد معاكم. (سعاد تعانق الأم وتقبلها.) (وتعانق الأخت وتقبلها.) (الأخت تشير إليها بأن تزورهم مرة أخرى. توصلها إلى الباب.) (سعاد تخرج.)
الأم :
يا ترى انت فين يا محمود يا بني؟! يا مين يطمني عليك! ده أنا قلبي انفطر عليك! (الأم تبكي. الأخت تراها تبكي. تجلس إلى جوارها وتبكي معها.)
تصوير داخلي:
محمود وسعد يجلسان في حجرة المعتقل.
محمود قد طالت لحيته وبدا عليه التعب.
وسعد أيضا يضحك باستهتار. ومحمود أمامه رزمة من الورق يكتب ويقطع.
وأمامه صورة سعاد يتأملها قليلا ويتركها.
يمسك القلم ويكتب كلمة سعاد ويكتب كلمة محمود.
يضيف لها كلمة دكتور. يشطب.
يكتب دكتورة. ويشطبها. يمزق الورقة إثر الورقة.
إلى جواره كوم من الورق الممزق.
سعد يتأمله ويضحك باستهتار.
سعد :
إنت مش حتبطل كتابة بقه؟ ها! ها بقى لك عشرين يوم بلياليهم وانت قاعد قعدتك دي. يظهر ان الحقن بتطلع في دماغك وتنقلب حبر! ها! ها! (محمود يكتب ولا يرد ولا يرفع رأسه.)
سعد :
ما ترد! إنت يابكم!
محمود :
لا يرد. كأنه لا يسمعه. (سعد يقف ويذهب إلى محمود ويهزه من كتفه هزة خفيفة يقع محمود من أثرها على الأرض في إعياء شديد.) (يتنفس بصعوبة على الأرض.) (ويستريح لحظة ثم يهب ثائرا كالأسد.) (ويمسك سعد من ملابسه.)
محمود :
أنا قلت ميت مرة ما تلمسنيش! إيدك دي ما تلمسش جسمي! (سعد ينتزع نفسه منه ويترنح ساخرا.)
سعد :
يعني حالمس شباك النبي يا أخي!
على فكرة. أنا حلمت امبارح حلم غريب قوي. (محمود يجلس إلى الورق مرة أخرى ويمسك القلم.)
سعد :
حلمت اني بقيت نبي! (محمود ينظر إلى سعد في دهشة.) (سعد ينظر إليه في دهشة أيضا.) (ثم ينفجران في الضحك والقهقهة العالية.) (ثم يتوقفان عن الضحك فجأة.) (يصمتان ويشردان ويطرقان إلى الأرض في حزن.) (محمود يقف مضطربا. يمشي في الحجرة قلقا.) (ثم يذهب إلى الحقيبة ويفتحها ويخرج علبة الحقن.) (ويعطي نفسه حقنة في ذراعه الأيسر. سعد ينظر إليه في دهشة.)
سعد :
لا! ده انت زودتها خالص! حقنتين في اليوم؟
محمود :
أيوه اثنين، وبكرة حيبقوا تلاتة، وبعده أربعة، وبعده خمسة، لغاية ثلاثين!
سعد :
ده انت غلبتني. طول عمرك تغلبني. حتى في الإدمان! (محمود يسمع كلمة إدمان فيبدو وجهه مكبرا مضطربا. عيناه تبرزان في فزع.)
محمود (غاضبا) :
إيه الكلمة اللي انت قولتها دي؟!
سعد :
كلمة إيه؟
محمود :
الكلمة الأخيرة!
سعد :
الأخيرة أنهيه!
محمود (ثائرا) :
الأخيرة! الكلمة الأخيرة! مش عارفها؟ الكلمة اللي قولتها! قولها تاني! قولها! قولها! انطق!
سعد :
لا ماقولهاش. قولها أنت! (محمود يمسك بخناق سعد في ثورة شديدة.)
محمود :
يا جبان! يا رعديد! طول عمرك طفل! أنا حقولها! أيوه أنا حقولها! إدمان أيوه! إدمان! (في شدة وعنف.)
أنا مدمن! مدمن! مدمن! مدمن! (يمسك رأسه بيديه في قوة. يترنح وصوته ينقلب إلى نشيج ويقع على الأرض محدثا صوتا.) (موسيقى تصويرية. تعبر عن سقوط شخص إلى الأرض.) (يهذي بكلمة سعاد!)
سعاد! سعاد!
تصوير خارجي:
حقيبة سعاد تقع منها على الأرض وهي تجري في الشارع.
تترك الحقيبة وتجري كالمجنونة وهي تلهث والدموع في عينيها وهي تقول كالمجنونة.
محمود! محمود!
تجري في الشارع نحو المعتقل وتدخله.
الصورة الممزقة (4)
تصوير داخلي:
محمود راقد على سريره في المعتقل.
وسعد راقد على سريره غارق في النوم.
محمود يهذي بكلمة سعاد.
سعاد!
تظهر سعاد على باب الغرفة ومعها الحارس. الحارس يتركها وينصرف.
سعاد تنظر إلى محمود والدموع في عينيها والألم. تقترب من الباب وتمسك حديد الباب بيديها.
سعاد :
محمود محمود! (محمود يهب من نومه واقفا مذعورا لحظة ثم يجري إليها ويمسك يديها من الباب.)
محمود :
سعاد! سعاد! حبيبتي!
سعاد :
محمود! حبيبي!
محمود :
سعاد!
سعاد :
ليه يا محمود ما بعتليش جواب؟ ليه ما قولتليش انت هنا؟ ده أنا كنت بدور عليك في كل حتة! (محمود يقبل يدها في حب وشوق.)
محمود :
سعاد! مش معقول! مش مصدق عيني! كان متهيأ لي اني مش حشوفك تاني!
سعاد :
ازاي يا محمود تقول كده؟
محمود :
مش عارف! كان متهيأ لي إنك ضعت مني خلاص!
سعاد :
مش معقول يا محمود! إنت نسيت اللي كان بينا؟
محمود :
أنا ما نسيتش حاجة أبدا. لكن قلت يمكن انت اللي تنسي.
سعاد :
أنسى؟! ده انا أنسى عمري وما انساكش يا محمود! (يقبل يديها الاثنتين. سعاد تضع وجهها بين كفيه وتبكي.)
محمود :
سعاد.
سعاد :
الحمد لله إنك بخير يا محمود!
محمود :
أنا بخير يا سعاد طول ما بحس إنك جنبي!
سعاد :
جنبك يا محمود دايما! (يهدآن. سعاد تنظر إلى زميله النائم.)
سعاد :
مين ده؟
محمود :
سعد. (تنظر إليه في ألم.) (محمود يومئ برأسه دليل الإيجاب.)
محمود :
إيه الأخبار؟
سعاد :
البلد كلها بتغلي من جوه. والبوليس السياسي نازل مطاردة للفدائيين اللي رجعوا. والغريب إن احنا ما نعرفش مين مسكوه ومين لسة. الاعتقالات كلها بتتعمل في السر.
محمود :
الحكومة خايفة من الطلبة قوي!
سعاد :
دول خلاص فقدوا عقلهم وعمالين يهبشوا زي المجانين. والبلد بقت عايشة في رعب وأحكام عرفية وطوارئ زي ما تكون حرب. (سعاد تنظر إلى محمود والدموع في عينيها. محمود يمسك يديها في حب وحنان.)
محمود :
سعاد! ازيك يا سعاد؟
سعاد :
الله يسلمك يا محمود. وانت يا محمود ازيك؟ وعامل إيه؟
محمود :
صورتك أدام عيني.
سعاد :
وانت كمان يا محمود. إنت كمان صورتك معايا على طول. (يتبادلان النظرات في حب.) (يقبل يديها الاثنتين.)
سعاد :
لكن لازم يفرجوا عنكم! لازم.
محمود :
مش باين. على الأقل مش دلوقت. لما الناس تهدأ شوية. (تسمع أقدام الحارس تقترب.) (محمود وسعاد يصمتان.) (محمود يمسك يديها في قوة وعنف.)
الحارس (يظهر ويقول بصوت غليظ): :
الزيارة انتهت يا ست هانم! (سعاد تمسك يدي محمود في يديها وتنظر إليه في حب.)
سعاد :
محمود! مش معقول اسيبك هنا! مش معقول! (تبكي وتضع وجهها بين كفيه.)
سعاد :
مش قادرة اسيبك يا محمود! (محمود يقبل رأسها وشعرها.)
محمود :
سعاد! حبيبتي!
الحارس :
الزيارة انتهت يا ست هانم! (سعاد ترفع وجهها الدامع الحزين.) (محمود ينظر إليها في ألم.)
سعاد :
أنا حامشي يا محمود. لكن حجيلك تاني.
محمود :
امتى يا سعاد؟
سعاد :
على طول. بكرة! على فكرة أنا زرت مامتك واختك وبيسلموا عليك كثير يا محمود وهم بخير. عاوز حاجة منهم؟
محمود :
سلميلي عليهم يا سعاد لغاية مارجع.
سعاد :
حاضر يا محمود. خلي بالك من نفسك (يقبل يدها. تنظر إليه؟. تتركه وتبتعد عن باب الحجرة وهي تتلفت وراءها إليه والدموع في عينيهما.)
سعاد :
مش عاوز حاجة كمان أجيبها لك معايا المرة الجاية؟
محمود :
عاوزك انتي. يا سعاد!
تصوير داخلي:
حجرة مكتب مدير المعتقل. ضابط بوليس برتبته لواء يجلس على مكتبه الفخم في كبرياء. يقف أمامه شاب يبدو أنه طالب جامعي. بين اثنين من الجنود. أمام اللواء على مكتبه بعض منشورات. اللواء يمسك بأحد المنشورات في غضب.
اللواء :
عاوز تقول إيه يا ولد؟ البوليس قبض عليك ومعاك شنطة فيها منشورات ضد الملك والحكومة! تعرف تقولي عاوز تقابلني ليه؟ التهمة ثابتة عليك!
الطالب :
المنشورات كانت في الشنطة صحيح، لكن الشنطة دي مش بتاعتي!
اللواء :
أمال بتاعة مين؟
الطالب :
مش عارف، أنا لقيتها في الشارع وكنت رايح اسلمها في القسم للبوليس لما جم يقبضوا علي في الشارع.
اللواء :
لا والله ذكي يا واد! الكلام ده تقولوه لحد غيري! أنا عارف إيه اللي بيجرى في البلد! أنا صاحي كويس! لكن والله العظيم أنا لازم اربيكم يا كلاب! شوية عيال عاملنلي زيطة في البلد! (يكلم الجنديين الواقفين):
خدوه! ارموه في الزنزانة بتاعته! (الطالب ينظر إليه نظرة حقد وغضب شديدين. الجنديان يشدان الطالب خارج الحجرة.) (يدخل شرطي يؤدي التحية للواء.)
اللواء :
فيه إيه؟
الشرطي :
فيه واحدة برة اسمها الدكتورة سعاد زغلول عاوزة تقابل سعادتك!
اللواء :
خليها تدخل؟ (تدخل سعاد في كبرياء وتجلس.)
اللواء :
أفندم يا دكتورة؟
سعاد :
أنا خطيبة الطالب محمود زكي المعتقل ، وعاوزة اعرف إيه التهمة الموجهة ضده؟
اللواء :
محمود زكي؟! دي مش تهمة واحدة يا هانم دول تهم! محمود زكي ده ولد خطير. خطير جدا. الدوسيه بتاعه مليان نقط سودة. تقارير حرس الكلية عنه إنه طالب خطير متزعم الطلبة وبيحرضهم على الإضراب. وتقارير البوليس السياسي في القنال بتقول إنه بيحرض الفدائيين ضد الوطن.
سعاد :
ضد الوطن؟ ضد الوطن ازاي وهو ضحى بحياته ومستقبله وراح يحارب الانجليز؟
اللواء (في شدة) :
إنجليز إيه؟ هم شوية العيال دول هم اللي حيخرجوا الانجليز من مصر؟ فيه حكومة وفيه جيش وفيه بوليس. مش طلبة المدارس والجامعة. دول شوية عيال مأجورين!
سعاد (واقفة في غضب) :
مأجورين ازاي؟! أنا ما سمحش لحضرتك أبدا إنك تقول عن الفدائيين إنهم مأجورين. دول أشرف ناس في البلد؟!
اللواء :
والله عال خالص! حضرتك جاية تقوليلي إيه اللي اقوله وإيه اللي ما قولوش. (اللواء يضرب جرسا. يدخل الشرطي. يؤدي التحية).
اللواء :
خد البنت دي ارميها في أودة جوه، لغاية ما نادي عليها. (سعاد تقف كالنمرة الناثرة. تنظر إلى الوراء في احتقار.)
سعاد :
قبل ما اروح معاه عاوزة اقولك انكم انتم اللي مأجورين وانتم اللي بتخونوا الوطن! وكل الناس عارفة ده وبتغلي من جوه!
اللواء :
اخرسي!
سعاد (في جنون) :
لأ مش حاخرس! لازم اقول! إنتم اللي خونة انتم اللي خونة! خونة! (اللواء يصفع سعاد على وجهها صفعة قوية يسمع لها دوي). (موسيقى تصويرية تصور الثورة والرغبة في الانطلاق.) (يسمع في نفس اللحظة دوي في الخارج يشير إلى انفجار شديد.) (تعقبه أصوات مدافع وأصوات ناس تهلل وتصفق في حماس عجيب. سعاد تجري نحو الباب.) (يبدو وجهها مكبرا يعبر عن الدهشة والأمل.)
تصوير داخلي:
باب المعتقل وهو يفتح على مصراعيه. باب حجرة محمود يفتح. الحارس يفسح الطريق لمحمود.
محمود يقف على عتبة الغرفة بملابس الحرب البالية القديمة وعلى كتفه حقيبة الحرب. يلتفت خلفه إلى الغرفة في ألم وحزن كمن يفتقد شيئا عزيزا.
يخرج من الغرفة في خطوات واهنة حزينة. يطرق إلى الأرض وهو يمشي في أسى وقد طال شعر ذقته.
تصوير داخلي:
محمود يطرق باب بيته. أخته الخرساء تفتح. تعانقه الأخت وهي تبكي وتعبر له بالإشارات عن فرحتها.
صورة مكبرة لوجه الأخت الخرساء وهو يعبر عن معاني الفرح والألم.
تظهر الأم. صورة مكبرة لوجهها معبرا عن الفرحة مختنقة بالدموع.
الأم :
محمود! ابني! حبيبي! الحمد الله اللي انت بخير! (تعانق محمود. محمود يعانقها في حب وشوق. الأم تبكي وتتحسسه في لهفة وحب خشية أن يكون مصابا بشيء.)
محمود :
أمي! أمي!
الأم :
كده يا محمود تغيب الغيبة دي كلها؟ طيب مش كنت تبعث تطمنا عليك! الحمد الله! ما فيش تعويرة جت لك هنا والا هناك؟
محمود :
لا يا ماما ما فيش!
الأم :
طب ادخل يا حبيبي استريح شوية. والا تحب تغير هدومك الأول؟ أحضر لك الحمام؟ يوه! إنت ما لك سايب دقنك كده؟ هو ما كنش فيه امواس حلاقة في اللي اسمها القنال؟! (محمود يدخل إلى حجرته. الأخت تجري وتفتح دولابه وتحضر له غيارا نظيفا.)
الأم :
والا تحب تاكل لقمة الأول؟ أظن ما انت يا بني جعان؟!
محمود :
لأ. أنا حغير واستريح شوية الأول. (محمود يخلع ملابسه ويرتدي قميصا نظيفا وبنطلونا نظيفا. الأخت ترقبه وترتب دولابه. محمود يجلس على مكتبه ويكتب ويمسك الورق والقلم.)
الأم :
مش تستريح لك الأول شوية يا محمود؟
محمود :
حاكتب شوية وبعدين استريح.
الأم :
إنت وكيفك. نسيبك شوية؟
محمود :
أيوه يا ماما! (الأم تأخذ عزيزة وتخرج.) (محمود يكتب على الورقة بعض الخطوط والمثلثات. يكتب كلمة.) (بطل. حرب. خونة. لصوص. قتلة.) (بطل. حرب. خونة. لصوص. قتلة.) (يضع القلم في إعياء. يتصبب العرق من جبهته.) (يمسك القلم ثانيا. يكتب محمود زكي، يكتب أمام محمود): (دكتور محمود زكي.) (كلمة دكتور ثم يشطبها. يكتب سعاد. يكتب كلمة دكتورة.) (سعاد. دكتورة سعاد.) (يضع القلم. يمسك رأسه بيديه في إعياء شديد.) (يمزق الورق في اضطراب. يقف يمشي في الحجرة قلقا.) (ينظر في مرآة دولابه. يرى وجهه الناحل وشعره المنكوش ودقنه الطويلة.) (يدور في الحجرة كالمجنون. يفتح أدراج المكتب كلها ويبحث عن شيء.) (يبحث في الدولاب أيضا. يقلب السرير. العرق يتصبب من وجهه.) (يخرج مندفعا من باب حجرته.) (يدخل على أمه وهي تجلس على الماكينة وبجوارها أخته.)
محمود (في اضطراب) :
ماما! اديني جنيه!
الأم (في دهشة) :
جنيه؟ ليه يا محمود؟ الأكل موجود في البيت. أحضر لك لقمة بدل ما تاكل بره؟
محمود :
لأ. أنا مش جعان.
الأم :
أمال رايح فين؟ وعاوز الجنيه ليه؟
محمود (في قلق) :
بعدين اقولك! بس هاتي بسرعة! (الأم تنظر إليه في قلق. وتبحث في جيوبها عن نقود.) (الأخت أيضا تبحث في جيوبها. الأم تناوله جنيها.)
الأم :
ومال لونك مخطوف كده؟ اوع تكون رايح هنا والا هنا تاني! أنا ما صدقت انك رجعت بالسلامة! (محمود يأخذ النقود ويسرع إلى الباب مهرولا. الأم والأخت تنظران إليه.)
محمود (في قلق وفي ألم شديد) :
لأ. ما تخافيش يا ماما! (الأم تعود وتجلس على الماكينة في إعياء. الأخت تجلس إلى جوارها وتضع يديها على خدها.)
الأم :
يا ترى رايح فين تاني يا محمود؟ اللهم ما اخزيك يا شيطان! ربنا يهديك يا محمود! (الأم تمسح دموعها. والأخت تسمح دموعها في حزن.)
تصوير خارجي:
محمود يدخل حجرته بسرعة. يغلق الباب من خلفه. يجلس على مكتبه. يفتح علبة الحقن. يعطي لنفسه حقنة في ذراعه الأيسر. يغمض عينيه لحظة. يتصبب العرق من جبهته. يفتح عينيه. ويبتسم. يعبس. ينظر لنفسه في المرآة. يعود إلى المكتب. يمسك الورقة والقلم. ويرسم طبيبا بسماعة في أذنيه. يكشف على مريض عريان فقير راكعا على الأرض.
تجهز رسوم كاريكاترية تظهر كأنها من رسم يده.
سعاد. دكتورة سعاد.
يرسم قتيلا بملابس الحرب يحتضر. يرسم سجينا في المعتقل. يرسم وجه أمه. يرسم أخته الخرساء. يمزق الورق. ويكتب اسم سعاد. دكتورة. يكتب محمود. دكتور. ثم يشطبه.
محمود. دكتور.
أمه تطرق الباب.
محمود :
ادخل! (أمه تدخل.)
الأم :
أنا قلقت عليك قوي يا محمود؟ إنت رحت فين؟ ما لك كنت مكروش كده؟
محمود :
أبدا ولا حاجة!
الأم :
ولا حاجة ازاي؟ ده لونك كان مخطوف قوي زي اللي عيان بقه له سنه. (محمود يواصل رسوماته وكتاباته.)
محمود :
ما انا عيان بقه لي سنة!
الأم (في فزع) :
بقه لك سنة عيان؟ يا مصيبتي؟ وليه ما قولتش عشان واحد دكتور يشوفك؟ (تدخل الأخت يبدو على وجهها القلق أيضا.) (معها صينية عليها بعض الأطباق تضعها. محمود يشكرها برأسه ثم ينظر إلى أمه ويكلمها. ويأخذ فنجان الشاي ويشرب.)
محمود (في سخرية) :
دكتور؟! هو الدكتور بيفهم في العيا؟
الأم :
أمال بيفهم في إيه يا ابني؟
محمود :
بيفهم ازاي يعمل ثروة. ويشتري عربية فخمة. ويعلق يافطه طول كده! (محمود يفتح ذراعيه على آخرهما.) (الأخت تنظر إليه باهتمام.)
الأم (في ألم) :
هو انت لسة بتقول الكلام ده؟ ما كافكش اللي حصل؟!
واحد غيرك كان يشيل عني الحمل ويريحني! مش عارفة إية اللي راكب دماغك؟ زي ما يكون حد عاملك عمل!
محمود :
ساخرا عمل؟! (يظهر وجه الأخت معبرا عن كلام الأم.)
الأم :
أيوه! كل الناس منتبهة لشغلها الا انت. اللي اتخرج اتخرج واللي اشتغل اشتغل. اشمعنى انت بس؟ إيه اللي مش عاجبك في الدنيا؟
محمود :
الدنيا!
الأم :
ما لها الدنيا يا ابني؟!
محمود (في غضب) :
مش عاجبني! الناس والكلية والشارع. الكبار والصغيرين. كل حاجة! حتى نفسي مش عاجباني! (الأم والأخت يتبادلان النظرات الحزينة. الأم تربت على محمود في حنان.)
الأم :
يا ابني! يا حبيبي! قوم ارجع كليتك وشوف شغلك خليك تتخرج. قوم ربنا يهديك يا محمود. عشان خاطري. وعشان خاطر اختك عزيزة اللي مش حيبقى لها حد غيرك. عشان خطيبتك سعاد اللي بتحبك. قوم يا حبيبي. قوم ربنا يفتح عليك! (الأم تمسك محمود من ذراعه. محمود يقوم من جلسته إلى مكتبه ويضع الأوراق في الدرج.) (الأخت الخرساء توصله إلى الباب وهي تلاطفه. تسأله بالإشارات إذا كان يريد نقودا. تضع يدها في صدرها وتعطيه بعض النقود.)
تصوير خارجي:
الدكتورة سعاد وهي ترتدي البالطو الأبيض وتعلق السماعة في رقبتها. تمر مع الحكيمة والممرضة على المرضى بعنبر من عنابر المستشفى. تكشف على مريض. تغير جرح مريض. تواسي مريضا ... إلخ .
عمل متواصل في العنبر. تدخل حجرة العمليات.
تساعد أستاذا لها في عملية جراحية، ثم تخلع الكمامة عن أنفها وفمها. وتخلع البالطو، وتخرج من المستشفى.
تتمشى قليلا في فناء المستشفى.
تسوقها قدمها إلى أرض ملاعب كلية الطب المجاورة للمستشفى. تقف تشاهد مباراة بين طالب وطالبة.
تتذكر نفسها منذ كانت طالبة. تتذكر محمود.
تخرج صورته من جيبها وتنظر إليها والدموع في عينيها.
تنظر ناحية شجرة الكافور المعهودة. ترى محمود جالسا تحتها. يظهر وجهها مكبرا معبرا عن الدهشة والفرحة. تتسمر لحظة في مكانها ثم تجري نحوه في سعادة.
سعاد :
محمود! محمود!
محمود :
سعاد!
سعاد :
مش معقول يا محمود! مش معقول! أنا مش مصدقة عيني! (يعانقها ويقبل يديها في شوق.)
محمود :
سعاد! حبيبتي!
سعاد :
خرجت امته يا محمود؟
محمود :
النهارده بس.
سعاد :
مبروك! مبروك يا محمود!
الحمد لله! الحمد لله! (الدموع تملأ عينيها في سعادة.) (محمود يقف إلى جوارها شاردا جامدا كالتمثال.) (سعاد تنظر إليه في دهشة وتتأمل عينيه قليلا.)
سعاد :
إيه ما لك يا محمود؟ إنت متغير خالص! عنيك مش زي الأول. (محمود يشيح بوجهه بعيدا عنها.)
محمود :
أبدا مفيش حاجة يا سعاد. بس حاسس اني تعبان. (سعاد تقترب منه.)
سعاد :
طبعا يا محمود. ده شيء طبيعي بعد اللي شفته في الحرب والمعتقل. (يجلسان.)
لكن الحمد لله. حصل خير يا محمود. وانت ما تأخرتش كثير. وشوية مذاكرة صغيرين يخلوك تعدي وتأخذ الباكلوريوس. (محمود ينظر في عينيها طويلا.)
محمود :
لسة ما غيرتيش رأيك فيه يا سعاد؟
سعاد :
مش ممكن أغيره أبدا. إنت عملت اللي عليك يا محمود. إذا كنتم انهزمتم في القنال فده مش ذنبكم.
الحرب مع الانجليز كانت خدعة! وإذا كانوا اعتقلوكم شوية فده مش ذنبكم برضه وإنما ذنب الخونة! واهو الحمد لله الدنيا اتصلحت والملك راح في داهية!
محمود :
الدنيا اتصلحت صحيح! لكن أنا اتعورت واتجرحت!
سعاد :
ليه يا محمود؟ إنت ترجع الكلية تاني وتتخرج وكل حاجة تتصلح!
محمود :
ما افتكرش؟
سعاد :
ليه يا محمود؟
محمود :
الجرح اللي جوه قلبي غويط قوي لدرجة انه مش ممكن يخف! والكسر اللي جوه نفسي كبير قوي لدرجة انه قسمني نصين!
ما فيش فايدة أبدا! ما فيش فايدة!
سعاد :
ما تقولش كده يا محمود. إنت طول عمرك إنسان قوي وما فيش حاجة تخليك تفقد الأمل. (تمر لحظة صمت طويلة.)
سعاد :
وسعد خرج معاك من المعتقل؟ (محمود يهز رأسه بالنفي.)
سعاد :
ليه؟ ليه ما أفرجوش عنه؟
محمود (في حزن) :
مات قبل قرار الإفراج بيوم واحد.
سعاد (في ألم) :
مسكين! ربنا يرحمه!
محمود :
ربنا ريحه! كل اللي ماتوا في الحرب أو المعتقل استريحوا! (سعاد تتأمله في دهشة.)
سعاد :
انت لهجتك متغيرة خالص يا محمود! ليه بتقول كده؟
محمود :
لأنهم ماتوا. بحق وحقيقي. هم عرفوا انهم ماتوا. إنما أنا؟ أنا اللي عايش ومش عارف اني عايش! أنا اللي مت ومش عارف اني مت! (يمسك رأسه بيده.) (وجه سعاد مكبرا بالدموع والألم.)
سعاد :
معلهش يا محمود. كل شيء حيتصلح. وأنا! أنا حكون جنبك على طول! (محمود يرفع رأسه.)
محمود :
صحيح يا سعاد؟
سعاد :
طبعا يا محمود. إنت مش عارف كده؟
محمود :
مش عارف. ما بقتش اعرف حاجة خالص.
سعاد :
ما تقولش كده يا محمود. الكلام ده مش بتاعك.
محمود :
حتفضلي جنبي يا سعاد؟
سعاد :
طبعا يا محمود!
محمود :
حتى ولو شفتي دراعي؟
سعاد (في فزع) :
ما له دراعك يا محمود؟ اتعور؟
محمود :
يا ريت يا سعاد!
سعاد :
أمال إيه يا محمود وريني دراعك ما له؟ (محمود يكشف عن ذراعه الأيسر.) (موسيقى عنيفة مناسبة.) (يظهر ذراعه وقد انتشر على جلده نقط سوداء من جراء الحقن الكثيرة التي أدمن عليها.) (موسيقى مناسبة تصور الفزع والعنف.) (وجه سعاد مكبرا يعبر عن الفزع والدهشة.) (وجه محمود مكبرا معبرا عن التحدي والجنون.) (سعاد تمسك رأسها بيديها.)
سعاد :
مش معقول يا محمود! مش معقول! (لحظة صمت طويلة.) (محمود يجمع أوراقه ويضع قلمه في جيبه ويقف ويتركها ويمشي.) (سعاد ترفع رأسها. تجد محمود وهو يبتعد عنها. سعاد تقف وتذهب إليه مسرعة وتتعلق به وتعانقه في حب.)
سعاد :
محمود محمود! أنا بحبك يا محمود! وعمر ما في حاجة في الدنيا حتقلل من حبي لك يا محمود! أرجوك يا محمود! اسمعني اسمعني يا محمود! (محمود كالتمثال لا يرد ولا يتحرك.) (محمود ينظر بعيدا شاردا. يبتعد عنها في غضب مفاجئ.)
محمود :
سعاد، إنتي لازم تسيبيني! لازم! أنا لا يمكن اقبل منك أي شفقه أو عطف! (سعاد تعانقه في حب وتبكي على صدره.)
سعاد :
ازاي تقول كده يا محمود؟ أنا بحبك يا محمود! (محمود كالتمثال لا يتحرك.)
محمود (في غضب) :
مش ممكن تحبي إنسان فاشل ضايع محطم مد... (سعاد تضع يديها على فمه لتمنعه من أن يقول كلمة مدمن.)
سعاد :
ما تقولهاش يا محمود! ما تقولهاش!
محمود (في غضب) :
ما قولهاش ليه؟ هي دي الحقيقة! أنا مدمن! أيوه مدمن! مدمن! (يجلس ويمسك رأسه بيده في إعياء.) (سعاد تقبل رأسه وتربت عليه.)
سعاد :
معلهش يا محمود. دي مجرد أزمة بسيطة وتمر، وأنا واثقة انك تقدر تتغلب عليها.
محمود :
ما فيش داعي يا سعاد تربطي حياتك بحياة واحد زيي. أنا بحررك من وعدك لي.
سعاد (في شدة) :
مش من حقك يا محمود انك تحررني من وعدي! ده وعدي أنا لك. أنا اللي أخذته على نفسي وأنا اللي أحرر نفسي منه! (في حب):
وأنا يا محمود متمسكة بوعدي لك.
محمود :
حتى بعد ما عرفت؟
سعاد :
دي مجرد أزمة يا محمود. طبعا نكسة الحرب وصدمة المعتقل مش هينة عليك. لكن أنا متأكدة انك قوي. وانك حتتغلب عليها. ما فيش حاجة في الدنيا يا محمود تقدر تسيطر عليك أو تغلبك! (محمود يمسك يديها ويقبلهما في حب.)
محمود :
سعاد! إنتي بترجعيني تاني للدنيا. بتشديني تاني للحياة. أنا يا سعاد ححاول أعيش تاني عشانك. ححاول بس يا سعاد أنا خايف!
سعاد :
خايف من إيه يا محمود؟
محمود :
خايف تتخلي عني يوم!
سعاد :
مش ممكن يا محمود. حافضل جانبك على طول!
محمود :
سعاد! أنا عاوزك جنبي ليل ونهار. كل ساعة وكل دقيقة. أنا محتاج لك يا سعاد. محتاج لوجودك جنبي!
سعاد :
حبقى جنبك يا محمود ليل ونهار، وكل ساعة، وكل دقيقة! (يعانقها في حب وينظر في عينها.)
محمود :
مش عارف اقولك إيه يا سعاد! إنتي بتزرعي الأمل تاني في حياتي.
أوعدك يا سعاد بإني حاحقق أملك في. وأثبت لك اني محمود اللي شوفت صورته في عنيكي أول يوم! أوعدك يا سعاد! أوعدك! (يقبلها في حب.)
تصوير داخلي:
منظر الصالة في بيت أسرة سعاد.
الأم تودع بعض الضيوف (رجل كبير السن وزوجته).
والدادة تحمل أكواب الشاي الفارغة.
الأم :
مع السلامة يا حبيبتي. ده انتم شرفتوا ونورتوا.
الضيفة :
الله يشرف مقدارك يا سنية هانم.
الأم :
إن شاء الله نرد لكم الزيارة قريب قوي، إن شاء الله.
الضيفة :
ده يكون لنا الشرف يا ست سنية.
الأم :
مع السلامة. (الضيوف يخرجون. الأم تغلق الباب وتأتي إلى الصالة وتجلس الدادة.)
الضيفة (في سعادة) :
الله يسلمك يا حبيبتي.
الأم (للدادة) :
تعرفي يا أم علي إنهم ناس أمرا خالص!
الدادة :
أي والنبي صدقت. دول يتحطوا على الجرح يبرد.
الأم :
أهي فرصة من السما يا أم علي. ده ابنهم الدكتور محفوظ شاب زي الورد يشرح القلب، مش زي بسلامته سي محمود الخايب اللي عامللي بتاع إضرابات وعصابات وكلام فارغ!
الدادة :
يا ستي احنا لسة على البر. وفسخ الخطوبة حاجة سهلة.
الأم :
ايوه. أنا رأيي كده. الولد اللي اسمه محمود ده ما ينفعش بنتنا أبدا.
الدادة :
اسما الله عليها بقت دكتورة دكتورة أد الدنيا، وهو قال إيه لسة تلميذ!
الأم :
والنبي أنا ما كنت موافقة على الخطوبة دي أبدا. تعرفي الست أم محفوظ قالت إيه؟
الدادة :
إيه؟
الأم :
قالت لي انهم مستعدين للمهر والشبكة وكل حاجة. أهم جيراننا وعارفنهم. والدكتور محفوظ دكتور ناجح، وصيته واصل لغاية طنطا، وعيادته على بعضها. وكمان يا أم علي أيوه عنده عزبة في ميت البيضا.
الدادة :
والنبي أنا شايفة انه عريس ما فيش زيه أبدا. (الأب يدخل إلى الصالة بملابس البيت ويجلس في الصالة معهما.)
الأم :
إيه رأيك بقه يا زغلول في الزيارة بتاعة النهارده؟
الأب :
والله راجل كويس. بس المهم رأي سعاد.
الأم :
رأي سعاد إيه؟ عشان ما بقت الدكتورة يعني؟ ما عندناش بنات لها رأي!
تدخل :
سعاد ومعها حقيبتها. يبدو عليها الإعياء والتعب.
الأب :
أهلا سعاد.
سعاد :
أهلا بابا.
الأب :
إنتي رايحة فين يا سعاد؟ (سعاد تهم بالطلوع إلى حجرتها.)
سعاد :
طالعة أودتي استريح شوية. طول النهار شغل في المستشفى والليلة دي عندي نوبتشية.
الأم :
أهي كل يوم كده! شغل في شغل. لا بنشوفها لا ليل ولا نهار.
الأب :
تعالي يا سعاد يا بنتي اقعدي مع ابوك وامك شوية. بقى لنا زمان ما تكلمناش معاكي.
سعاد :
حاضر يا بابا.
الدادة :
أما اقوم اعملك فنجان قهوة. (سعاد تجلس معهم.)
سعاد :
بلاش قهوة. شاي يا دادة.
الدادة :
ليه يا ست سعاد؟
سعاد :
القهوة مش بتخليني انام. (الدادة تنظر إليها وتخرج.)
الأب :
ازاي حال الشغل في المستشفى؟
سعاد :
الحمد لله. كويس.
الأب :
ومحمود؟ أخباره إيه؟ اتخرج؟
سعاد :
حيتخرج السنة دي ان شاء الله.
الأم :
لسة حيتخرج! ده ولاده اتخرجوا واشتغلوا واتجوزوا وخلفوا كمان!
الأب :
اسمعي يا سعاد. أنا شايف إن محمود ده لا يصلح انه يكون زوج ورب أسرة وأولاد. وده ولد مستهتر. فيه حد يسيب كليته ويروح يحارب في القنال؟ والجواز يا بنتي مسئولية كبيرة عاوزة راجل عاقل متزن. (لحظة صمت طويلة.)
الأب :
أنا رأيي يا سعاد انك تفسخي خطبتك منه. (صورة مكبرة لوجه سعاد يعبر عن الدهشة والفزع.)
سعاد :
ازاي يا بابا اعمل كده؟!
الأم :
إيه اللي ازاي؟ ابوكي بيكلمك عن مصلحتك! الست لواحظ جت النهارده هي وجوزها عاوزين يخطبوكي لابنهم الدكتور محفوظ. وانتي عارفة هو شاطر أد إيه! وغني أد إيه! وعندهم عزبة في ميت البيضا.
سعاد :
دكتور محفوظ إيه؟ وغني إيه؟ هو الجواز ده إيه؟ مزاد؟ اللي يدفع أكثر هو اللي يكسب؟ (الدادة تدخل بفنجان الشاي. وتعطيه لسعاد وتجلس.)
سعاد :
أنا ما يهمنيش واحد غني! أو حد ناجح!
الأم :
أمال يهمك ايه؟ سي محمود! تلميذ افندي اللي ما يعرفش يوكل نفسه!
سعاد :
إنتي عارفة يا ماما اني ما حبش حد يتكلم عن محمود كده. معقول اكون مخطوبة لواحد وبعدين يتأخر شوية أو تحصله أزمة اقوم اسيبه واخد واحد تاني عشان غني وسليم وناجح؟ بدل ما أقف جنبه واساعده واضحي عشانه؟
الأب :
الكلام اللي انت بتقوليه ده كلام نظري. كلام الواحد يقراه في الكتب بس. انما الواقع غير كده. لازم الراجل يكون كفء للجواز. ويكون كفء كمان للست اللي يجوزها. زائد ان الجواز مش بس الراجل. لازم يتبني على العقل والتفكير مش العواطف وكلام الكتب والخيال!
الأم :
إيه المناقشة الطويلة دي يا زغلول؟ إنت طري قوي مع البنت. ما فيش حاجة اسمها محمود. لازم الخطوبة تنفسخ. والدكتور محفوظ هو اللي حيجوزها. ما عندناش بنات يمشوا رأيهم! الناس تقول علينا إيه؟
سعاد (في غضب) :
أنا مش بنت! أنا دكتورة! مش معقول اني ما يكونش لي رأي في الراجل اللي حتجوزه. مش معقول ما اخترش أنا الراجل اللي حيكون شريك حياتي! أنا رأيي اتجوز محمود! وأنا باختار محمود! ومش حاختار حد غيره أبدا!
الأب (في شدة) :
الكلام ده مش عاوز اسمعه منك. سعاد! التعليم مش معناه انك تخالفي أهلك بالشكل ده!
الدادة :
اصبر بس عليها يا سي زغلول وهي تروق دلوقت!
الأم :
تروق إيه؟ مش قلتلك يا زغلول إن التعليم حيخليها تفتح عينها وما تقدرش تحكمها؟ يا دي الفضيحة! حنقول إيه بس للست لواحظ وجوزها؟ يا دي الفضيحة! الناس حاتقول إيه علينا؟ مش قادرين نحكم بنتنا؟
الأب (في صوت عال) :
مش قادرين ازاي يا سنية؟ ما فيش كلام فارغ من ده! الخطوبة لازم حتنفسخ!
الأم :
وطي صوتك يا زغلول. الجيران تسمع. (الأم تقف وتغلق النوافذ حتى لا يسمع الجيران.)
الأم (تلطم) :
يا دي الفضيحة! الناس حاتقول علينا إيه؟
الدادة :
هدي نفسك يا ست سنية. ست سعاد ما تقدرش تزعلك ولا تزعل باباها أبدا. (سعاد تقف. وتهم بالطلوع إلى حجرتها.)
الأب :
إنتي سمعت الكلام اللي قولته؟
سعاد (في هدوء) :
أيوه سمعته. لكن أنا متأسفة يا بابا إذا كنت باقولك اني مش حاقدر اسيب محمود!
الأب (يضرب كفا بكف) :
عال خالص! كويس خالص!
الأم (تلطم) :
يا فضيحتنا بين الناس! يا فضيحتنا بين الناس!
الدادة (تهدئ الرجل وزوجته) :
هدوا نفسكم بس! هي حتعمل اللي انتم قولتم عليه.
الأب (في شدة) :
اسمعي! أنا بقول كلمة واحدة! لو تزوجت محمود ده لا انت بنتي ولا اعرفك! مفهوم!
الأم :
يا دي الفضيحة! الناس حتقول علينا ايه؟ الناس! (سعاد تصعد إلى غرفتها.) (الأم يغمى عليها والدادة تجري لترش عليها الماء.) (الأب يجلس ويمسك رأسه بيده في حزن وألم.)
تصوير خارجي:
سعاد تحمل حقيبة ملابس صغيرة في يدها وتمشي في شارع طويل. الزحام من حولها شديد. الناس كلهم يجرون إلى أعمالهم ومصالحهم. رجل يدوس على قدمها وهي تسير. رجل آخر وهو يهرول إلى مصلحته. سعاد تمشي وحدها والكل عنها مشغول بحياته.
موسيقى تصويرية تصور السرعة والعزم والثبات.
موسيقى مناسبة.
سعاد تسرع الخطى كأنما تريد أن تلحق بشيء.
صورة مكبرة ليد امرأة ويد رجل يتصافحان. يد الرجل تضغط على يد المرأة في قوة وحب.
يد رجل ثالثة تظهر وتمتد فوق اليدين وتمسكهما.
صوت الراوية:
الناس! الناس! الناس!
تلك الكلمة البغيضة التي كرهتها بعد كلمة بنت، والتي كنت أسمعها من أمي دائما. الناس! الناس! كأنما رأي الناس هو الخط الذي يجب ألا أحيد عنه. إذا استقام استقمت وإذا انحرف انحرفت.
هؤلاء الناس الذين يسلمون أجسادهم وأرواحهم لي فأنقذها من الموت. هؤلاء الناس كيف أخضع تحت لواء تقاليدهم التي لا ترى إلا الثراء والغنى والنجاح؟! كأنما الناس هم الذين يملكون قلبي. كأنما الناس هم الذين يعيشون حياتي. لا! أنا حياتي ملكي أنا. إن قلبي وعواطف لي أنا وحدي. ليس من حق أحد من الناس أن يفرض علي شيئا لا أرضاه لقلبي! أو حياتي! أو مستقبلي!
الصورة الممزقة (5)
تصوير خارجي:
يظهر محمود وسعاد جالسين ويداهما متشابكتان والمأذون يجلس ويده تبارك يديهما.
المأذون عجوز يلبس القفطان والعمامة البيضاء الكبيرة.
يرفع يده من فوق يديهما ويكتب قسيمتي الزواج. سعاد ومحمود يتبادلان نظرات الحب. ينتهي المأذون من كتابة أوراقه ويعطي كلا منهما قسيمة زواجه ثم ينصرف.
تظهر سعاد جالسة على الكرسي ومحمود جالس على الكرسي أمامها. تظهر الحجرة عارية إلا من الأثاث البسيط جدا. سعاد تنظر إلى محمود وهو ينظر إليها.
كل منها يرى الآخر في خياله بالصورة التي كان يحلم بها وقت الزفاف.
صوت الراوية:
لم ألبس ثوب الزفاف. ولم أشهد جهاز العروس.
لم تقبلني أمي ويهنئني أبي. ذهبت بقدمي إليه في بيته. ووضعت يدي في يده. وتولى الرجل العجوز ذو العمامة البيضاء الكبيرة كتابة أوراقه، وأعطى كلا منا نسخته، ثم تركنا وانصرف.
فيلم سينمائي.
يصور سعاد تلبس فستانا أنيقا جدا للزفاف وتجلس على الكوشة وحولها الورود.
محمود إلى جوارها يرتدي بدلة الزفاف وحولهما الأهل والأصحاب. يظهر أبو سعاد يصافحها وأمها تقبلها. وأخته الخرساء تقبله. مظهر الفرح الكامل.
يظهر الواقع وسعاد جالسة بملابسها العادية على الكرسي ومحمود بملابسه العادية. يتبادلان النظرات. محمود ينادي سعاد في حب.
محمود :
سعاد!
سعاد :
محمود! (يقفان ويقتربان شيئا فشيئا ثم يعانقها بقوة وبشدة ويقبلها قبلة طويلة دافئة. ثم يقفان. محمود يكلمها وهو ينظر في عينيها.)
محمود :
سعاد. إنتي حب حياتي. إنتي حياتي كلها. مش عارف يا ترى استاهل التضحية الكبيرة اللي عملتيها عشاني؟
سعاد :
أنا لسة ماعملتش حاجة لك يا محمود. أنا عاوزة اعمل لك حاجات كتيرة قوي عشان تبقى سعيد يا محمود!
محمود :
أنا اللي عاوز اقولك الكلام ده. سعاد. عاوز اعمل حاجات كثير عشان تبقي سعيدة.
سعاد :
أنا سعادتي يا محمود انك تتغلب على الأزمة.
محمود :
طول ما انت جنبي أنا حاقدر اتغلب على كل حاجة يا سعاد.
أوعدك يا سعاد اني مش حاخد ولا حقنة من بعد النهارده! أوعدك يا سعاد!
سعاد :
حبيبي يا محمود! (تعانقه وتقبله.)
تصوير خارجي (في مستشفى):
الدكتورة سعاد ترتدي البالطو الأبيض. تمر على المرضى مع الحكيمة والممرضة. تكشف على بعض المرضى.
تواسي البعض. سعاد تجري عملية جراحية في حجرة العمليات ومعها طبيب. الممرضة تمسح لها العرق.
سعاد تروح وتجيء بين المرضى في همة ونشاط.
تصوير داخلي:
محمود يجلس إلى مكتبه في بيته هو وسعاد وأمامه كتاب الجراحة يحاول المذاكرة. يشرد قليلا. يمسك ورقة ويكتب بعض الخطوط والمثلثات. يكتب الدكتور ثم يشطبه. يمزق الورقة. يتصبب العرق من وجهه. تبدو عليه الرغبة لأخذ الحقنة. يحاول فتح كتاب الجراحة فيغلقه. يقوم ويتمشى في الحجرة في قلق شديد. يجلس إلى المكتب مرة أخرى. يمسك القلم. يكتب بعض الخطوط. يمزق الورق. يقوم ويدور في الغرفة كالمجنون. يمسك رأسه بشدة. يتنفس بصعوبة.
يمسك صدره كأنما يشعر بألم في صدره. يمسك ذراعه كأنما يشعر فيه بألم شديد. يندفع كالمجنون إلى المكتب. يفتح الدرج بشدة ويخرج علبة الحقن.
موسيقى مناسبة.
صورة مكبرة ليدي سعاد وهي تعطي مريضا حقنة في الوريد وتوصل له جهاز نقل الدم. يداها ترتعشان. تقع الحقنة من يدها.
تظهر صورة سعاد وهي مذعورة تنظر إلى الحقنة المكسورة.
موسيقى مناسبة.
على الأرض وعرق الإجهاد يتصبب من وجهها. تخلع البالطو. وتخرج.
وجه محمود مكبرا والعرق يتصبب منه بعد أن أخذ الحقنة.
ازاي خدتها تاني؟ ازاي؟ ازاي؟
وهدأت أعصابه. في عينيه نظرة ألم وندم. يكلم نفسه. يمسك رأسه بين يديه في أسى. يرفع راسه والدموع في عينيه يحاول أن يمسك بالقلم ويكتب. يرسم بعض الخطوط ويمزق الورقة ويكلم نفسه.
يرسم خطوطا أخرى ويمزق الورقة في غضب. يكلم نفسه.
ازاي خدتها تاني؟ ازاي؟ ازاي؟
خالفت وعدي لسعاد! خالفت وعدي!
يمسك رأسه بشدة في أسى وألم. يرفع رأسه وقد هدأ قليلا. يفتح كتاب الجراحة ويحاول المذاكرة.
أنا ضعيف! ضعيف! ضعيف!
تدخل سعاد تحمل أكياسا من الفاكهة والطعام.
تجري إليه وتعانقه وتقبله.
سعاد :
محمود! اتأخرت عليك؟
محمود :
شوية. كان عندك شغل كتير في المستشفى؟
سعاد :
كتير قوي يا محمود. (ينظر إليها. سعاد تنظر إليه في حب. لحظة صمت.) (يحاول أن ينظر بعيدا عنها.)
سعاد :
وحشتني يا محمود. ازيك؟
محمود :
الحمد لله.
سعاد :
ما لك؟
محمود :
ولا حاجة.
سعاد :
طبعا! لازم ميت من الجوع! حالا حوضبلك سفرة هايلة. على فكرة أنا ست بيت ممتازة! (سعاد تضحك وتعانقه. يقبلها.) (تخرج سعاد مسرعة.) (محمود يعود إلى كتاب الجراحة وهو شارد يفكر في ألم. يمسك رأسه بين يديه. يكلم نفسه.) (مش معقول! مش معقول! اقولها اني ضعفت! مش معقول اقولها اني خلفت وعدي! لازم اخبي عليها!)
لازم! (يرفع رأسه وينظر في كتاب الجراحة.) (سعاد تدخل ومعها طبق شوربة والمعلقة.)
سعاد :
ده طبق شوربة سخن تتسلى فيه كده عبال ما جهز الأكل. (موسيقى مناسبة.) (سعاد تفسح مكانا للطبق على المكتب. تزيح الأوراق. ترى زجاجة الحقنة المكسورة التي أخذها محمود منذ دقائق قبل وصولها. يقع طبق الشوربة من يدها على الأرض. صورة مكبرة لوجه سعاد يعبر عن الفزع والدهشة والألم.) (سعاد تنظر إلى الحقنة المكسورة في ذهول.) (عينا محمود تتابع عينيها فيعرف أنها فهمت أنه أخذ الحقنة.) (يطرق إلى الأرض في صمت وأسى). (تمر لحظة صمت رهيبة.) (سعاد تنظر إليه في عتاب شديد.) (محمود يرفع بصره إليها.)
محمود :
معلهش يا سعاد. دي آخر حقنة حاخدها. آخر حقنة. أقسم لك بحياتي وحياتك إنها آخر واحدة. أنا فاكر وعدي يا سعاد. فاكره كويس. إنما قلت تأخذ يا ولد الحقنة الأخيرة دي وبعدين تبطل على طول. (الدموع تظهر في عيني سعاد.) (محمود يقترب منها ويعانقها ويقبل يدها.)
محمود :
صدقيني يا سعاد. صدقيني المرة دي. أوعدك يا سعاد إن دي آخر حقنة. واهه آدي بقية العلبة حارميها من الشباك عشان تصدقيني! (محمود يأخذ علبة الحقن من الدرج ويلقيها من الشباك.) (وجه سعاد مكبرا يعبر عن الاطمئنان. تبتسم له. ثم تعانقه وتقبله في حنان.)
سعاد :
مصدقاك يا محمود مصدقاك. أنا عارفة انك قوي، ومتأكدة ان آخر حقنة يا محمود. متأكدة.
محمود :
يا حبيبتي يا سعاد!
سعاد :
محمود! (يعانقها ويضمها في حب.) (يبتعد عنها قليلا. سعاد تنظر إليه.)
سعاد :
باين عليك تعبان يا محمود. تحب تنام شوية؟
محمود :
أيوه يا سعاد. يالله بينا ننام شوية.
سعاد :
يالله. (يقفان ويسيران نحو حجرة النوم.) (يدخلان حجرة النوم. محمود يخلع ملابسه. سعاد تختفي وراء ضلفة الدولاب لتخلع ملابسها.) (لا يظهر منها إلا قدماها. محمود ينظر إليها باسما.) (محمود يستلقي على السرير باسما.) (سعاد انتهت من ارتداء ملابسها.) (تظهر أمامه باسمة.)
محمود :
إنتي بتتكسفي مني يا سعاد؟
سعاد :
تصور يا محمود لسة مش قادرة أتصور إني اقف كده واغير هدومي قدامك.
محمود :
ليه يا سعاد؟
سعاد :
مش عارفة. ماما كانت دايما تشخط في كل ما فستاني يرتفع شوية وتقول الناس تشوف جسمك لما خليتني اتكسف من أن أي حد يشوف جسمي!
محمود :
وهو أنا أي حد يا سعاد؟ (سعاد تعانقه في حنان.)
سعاد :
إنت مش أي حد! إنت كل حد! إنت حياتي. حياتي كلها يا محمود! (يعانقها في حب ويقبلها.) (سعاد تدخل على السرير بجواره. تمد يدها تطفئ نور السرير.) (تظهر ساعة الحائط مكبرة تشير إلى الساعة الخامسة.) (تظهر الساعة نفسها مكبرة تشير إلى الساعة السابعة.) (مرت ساعتان.) (تظهر سعاد نائمة في الفراش غارقة في النوم.) (محمود عيناه مفتوحتان ينظر إلى سقف الحجرة. يفكر. يتقلب في الفراش في أرق وسهد وألم.) (موسيقى مناسبة.) (يقوم من السرير وهو بالبيجاما. يفتح الدولاب ليأخذ بدلة. يجد بالطو سعاد الأبيض معلقا في الدولاب. يتأمله قليلا يمسكه ويأخذه ويلبسه فوق البيجامة. ينظر إلى نفسه في المرأة. يبحث عن السماعة في الحجرة. يجدها. يعلقها في أذنيه. وينظر إلى نفسه في المرآة. يبتسم ثم يعبس في اشمئزاز. يخلع البالطو ويعلقه مكانه. يخلع السماعة. يعود ويجلس على كرسي بجوار السرير. يفكر. ينظر إلى وجه سعاد وهي نائمة.) (تظهر أمامه صورة سعاد وهي مرتدية البالطو الأبيض والسماعة في أذنيها. وحولها الحكيمات والممرضات. تكشف على المرضى. تظهر سعاد بالبالطو الأبيض وحولها الأطباء الشبان.) (صورة سعاد تقف وأمامها طبيب شاب يحدثها ويضحكان.) (صورة سعاد وهي تدخل تتسلم ماهيتها وتعد الجنيهات في يدها.) (صورة سعاد وهي تدخل البيت تحمل أكياس الفاكهة والطعام.) (تظهر صورة محمود وهو جالس على الكرسي إلى جوار السرير ينظر إلى سعاد وهي نائمة. يضع رأسه بين يديه ويمسكها في شدة ويضغط على رأسه في ألم وعذاب. يهب واقفا مضطربا. يمشي في الحجرة قلقا. ينتصب واقفا مضطربا. يمشي في الحجرة قلقا. يتصبب العرق من جبهته غزيرا. صورة مكبرة لوجهه تنم عن الرغبة الشديدة للحقنة. عيناه تبرزان في جنون.) (صوت الباب وهو يصفق بشدة.) (يخلع البيجاما بسرعة ويلقيها على الأرض في عصبية. يلبس بدلته بسرعة جنونية. يدس يده في حقيبة سعاد ويأخذ جنيها وينطلق خارجا كالمجنون. ويصفق الباب وراءه بشدة.) (سعاد تهب من نومها مذعورة على صوت الباب. تتلفت حولها فلا تجد محمود إلى جوارها. تنظر إلى الحجرة. تنظر إلى البيجاما ملقاة على الأرض. والدولاب مفتوح، والحقيبة مفتوحة. سعاد تقف حافية على الأرض. صورة مكبرة لوجهها يعبر عن الألم والفزع والذهول. تمشي إلى الدولاب. تجد البدلة غير موجودة. تتلمس حقيبتها بأصابعها في خوف. تقف كالمذهولة وسط الغرفة. صورة مكبرة لوجهها الذاهل. تمسك رأسها بيديها وتكلم نفسها في جنون.)
مش معقول! مش معقول! (تلقي بنفسها على السرير وتجهش بالبكاء في عصبية وجنون!) (صوت البكاء.) (صورة مكبرة لفم امرأة يطلق صرخة عالية.) (صرخة امرأة تضع مولودا.)
آه! (لحظات صمت رهيبة.) (صورة مكبرة لطفل مولود يطلق صرخات عالية.) (واء! واء!) (يظهر وجه الطفل مكبرا وهو يبكي. يظهر الطفل في يد الممرضة وهو يبكي بحرقة. الطفلة تلبسه ملابسه.) (يظهر وجه سعاد مكبرا يتصبب منه العرق. ويعبر عن الإجهاد.) (تظهر سعاد نائمة في الفراش.) (الممرضة تناول سعاد الطفل.) (الطبيب يجمع أدواته ويخرج من الحجرة ومن خلفه الممرضة.) (سعاد تحمل الطفل وتضمه إلى صدرها في حب.) (صورة مكبرة لوجهها تبتسم له. وتقبله. يظهر محمود على باب الحجرة واقفا مترددا في الدخول. يدخل في بطء وهو ينظر إلى سعاد. يقف أمام سعاد.)
محمود :
حمد لله على سلامتك يا سعاد.
سعاد :
الله يسلمك يا محمود. (محمود يحمل الطفل من سعاد وينظر في عينيه.)
سعاد :
نسميه إيه يا محمود؟
محمود (باسما) :
نسميه إيه؟ نسميه إيه! مش عارف يا سعاد! زي ما تكون كل الأسامي اللي في الدنيا مش مناسبة له . عاوز اختار له اسم جديد! اسم ما حدش اتسماه أبدا!
سعاد (في إخلاص وحب) :
طبعا! ابن محمود زكي لازم يبقى ولد عبقري ما تولدش حد زيه أبدا، لا قبله ولا بعده. (تموت الابتسامة فجأة على شفتي محمود. تتقلص ملامحه في غضب.)
محمود (بشدة) :
إنتي بتتريقي علي يا سعاد؟ (وجه سعاد مكبر يعبر عن الدهشة.)
سعاد (في دهشة) :
أبدا يا محمود! مش معقول اتريق عليك أبدا! (محمود يضع الطفل على السرير.)
محمود (غاضبا) :
أيوه معقول! دي مش طريقتك في الكلام! إنت اتغيرت خالص!
سعاد :
اتغيرت؟
محمود :
أيوه اتغيرتي يا سعاد! أنا ملاحظ انك اتغيرتي كلك! مش كلامك بس! عنيكي اتغيرت. صوتك اتغير. حركتك اتغيرت!
سعاد :
أنا ما تغيرتش يا محمود وعمري ما اتغير؟ دي أوهام من عندك!
محمود (غاضبا) :
أوهام؟ تقصدي إيه يا سعاد بكلمة أوهام؟
سعاد :
قصدي تصورات من خيالك! (وجه محمود يعبر عن الثورة والغضب الشديد!)
محمود :
تصورات في خيالي؟ أوهام؟ طبعا يا ستي أنا بقيت في نظرك راجل كل كلامه أوهام وخيالات. يعني راجل مجنون! (وجه سعاد يعبر عن الدهشة الشديدة.)
سعاد :
جرى لك إيه يا محمود؟
محمود :
خلاص محمود بتاع زمان راح! مات! وبقيت دلوقت راجل تافه مجنون! طبعا مدام حضرتك كل يوم تقعدي بالساعات مع الدكاترة الناجحين وتكلميهم ويكلموكي وتضحكي معاهم ويضحكوا معاكي! معقول انك تفضلي تحبي واحد زيي. راجل فاشل. عاطل مدمن! مش معقول! (يجلس على الكرسي الموازي للسرير ويمسك رأسه بيده وهو مطرق.) (سعاد تنهض من سريرها في إعياء شديد وتسند على السرير، وتذهب إليه وتمسك رأسه في حنان وتقول في صوت حان.)
سعاد :
محمود! أرجوك يا محمود. ما تقولش الكلام ده. إنت عارف إن حبي لك عمره ما يموت. وما فيش ولا حد تاني ممكن انه يغير نظرتي لك! محمود! أرجوك اسمعني! تعالى اقعد جنبي. تعالى شوف ابننا الحلو. شوف أمل حياتنا. أنا متأكدة يا محمود انك بعد ما بقيت أب لطفل زي ده حيكون عندك إرادة قوية وحتتغلب على الأزمة. تعالى شوف ابنك يا محمود اللي حيحبك ويحمل اسمك ويفخر بيك! تعالى. (سعاد تمسكه من يده. يقوم محمود معها في إعياء وألم.) (يذهبان إلى الطفل. سعاد تحمل الطفل وتناوله لمحمود.) (محمود يحمل الطفل وينظر في عينيه طويلا، ثم يكلم الطفل.)
محمود (يكلم الطفل) :
أنا راجل كويس قوي. حابقى كويس قوي وحتفتخر بي يا ... يا ... (يكلم سعاد):
نسميه إيه يا سعاد؟
سعاد :
نسميه خالد.
محمود (شاردا) :
خالد؟ اسم حلو قوي. ومعناه حلو. بيطمن. بيطمني. بيخليني احس ان الموت بعيد. بعيد قوي.
سعاد :
موت إيه يا محمود؟ حد يفكر في الموت وله ابن مولود؟ (محمود ينظر في عيني الطفل في دهشة.)
محمود :
ابن؟ ابني أنا؟ أنا ... أنا أبوك يا خالد؟ مبسوط؟ (الطفل يبكي بكاء متواصلا. ويصرخ صراخا عاليا، ويرفس بقدميه بين ذراعي محمود.) (يظهر وجه محمود مكبرا يعبر عن الذعر الشديد والاضطراب.) (موسيقى مناسبة.) (يمسك الطفل بعيدا عن صدره في خوف. الطفل يبكي. سعاد تأخذ الطفل من محمود.) (وجه لمحمود والعرق يتصبب منه والذعر والدهشة عليه.) (موسيقى مناسبة.) (يمشي في الحجرة في قلق واضطراب. يقف فجأة وينفجر ثائرا.)
محمود :
الطفل مش راضي! مش راضي إني أبقى أبوه! مش راضي! له حق! له حق! ما يرضاش بي! ازاي يرضى إن يكون ابوه راجل فاشل مدمن! (يضغط على أسنانه في ثورة وجنون.)
ازاي؟ ازاي؟ (سعاد تقترب منه وهي تحمل الطفل.)
سعاد :
إيه اللي جرى لك يا محمود؟ هو الطفل بيفهم حاجة؟ (يذهب إلى الكرسي رأسه بين يديه في ألم. ينشج كالأطفال.)
محمود (ثائرا) :
أيوه بيفهم! بيعرف! بيحس!
أنا خلاص. خلاص انتهيت! ابني حكم علي بالنهاية دي! ابني حكم علي باني ما انفعش أب. وما انفعش زوج وما انفعش حاجة خالص! ما انفعش! (سعاد تضع الطفل على السرير. وتتسند في إعياء وتذهب إليه. تركع إلى جواره على الأرض وتمسك رأسه وتقبلها وتمسك يديه والدموع في عينيها. تبكي هي أيضا.)
سعاد :
كفاية يا محمود! كفاية يا حبيبي! أنا بحبك وابنك بيحبك. وكل حاجة حتتصلح إن شاء الله! إن شاء الله يا محمود! (وجه سعاد مكبرا والدموع في عينيها تنظر في شرود إلى شيء بعيد. والقلق والألم مرتسم على وجهها. الطفل يبكي. تنهض سعاد وتتسند في إعياء وتذهب إلى الطفل وتحمله لتهدئه. يظهر وجه الطفل وهو يبكي وسعاد تنظر إليه من خلال الدموع. ثم تنظر إلى محمود من خلال الدموع. وهو الذي يجلس على الكرسي ورأسه مطرق بين يديه.)
تصوير داخلي:
حجرة في مستشفى. الدكتور شكري يقف بجوار سرير يرقد عليه محمود. (لا يظهر وجه محمود). يظهر طبيب آخر مع الدكتور شكري يمسك بذراع محمود الأيسر. يظهر الذراع وقد انتشرت عليه النقط السوداء من جراء إدمانه على الحقن التي يحقنها لنفسه في الوريد. الطبيب يتحسس الذراع بأصابعه. ثم يعطي محمود حقنة في العضل. ممرضة تقف وتقوم بمسح الذراع وتغطيها، ثم تخرج. الدكتور شكري يعد نبض محمود.
د. شكري :
حالة إدمان شديد. تصور يا دكتور علاء إنه وصل إلى إنه يأخذ خمس حقن في اليوم!
د. علاء :
دي حاجة صعبة خالص! لكن تفتكر يا دكتور إدمانه على العقار بالشكل الفظيع ده يكون أثر على خلايا المخ؟
د. شكري :
لا. تأثير وظيفي مؤقت بس.
د. علاء :
تفتكر يا دكتور شكري إنه ممكن يخف من الإدمان ده؟
د. شكري :
كل شيء ممكن. بس المهم انه يساعدنا وتكون عنده إرادة. (سعاد تدخل من الباب مندفعة في سرعة واهتمام.)
سعاد :
ازاي محمود دلوقت يا دكتور شكري؟
د. شكري :
بخير الحمد لله يا دكتورة سعاد. هو لسة نايم من أثر الصدمة الكهربية. وادينا له كمان حقنة أنسولين من خمس دقائق. إنتي عارفة إن العقار اللي أدمن عليه كان منبه بدرجة شديدة.
سعاد (في ألم) :
ده كان بيخليه ما ينامش لا ليل ولا نهار. (سعاد تذهب إلى محمود النائم الذي تغطى بالملاءة. يظهر وجهها مكبرا يعبر عن الألم والحب. الدموع في عينيها.) (الدكتور شكري يذهب إليها.)
د. شكري :
سعاد. تعالي معايا مكتبي. أنا عاوز اتكلم معاكى شوية. (الدكتور شكري يأخذ سعاد ويدخل من باب إلى حجرة مجاورة لحجرة محمود الراقد لا يفصلهما عن بعضهما سوى باب مفتوح.) (الدكتور شكري يجلس على مكتبه. سعاد تجلس أمامه في أسى.)
د. شكري :
اسمعي يا سعاد. إنتي عارفة ان الإدمان مش مرض وإنما مظهر مرضي.
سعاد :
هو عبارة عن نتيجة لصراع نفسي.
د. شكري :
أو بمعنى تاني محاولة للهروب من الصراع النفسي بعد الفشل في التغلب عليه.
سعاد :
أيوه يا دكتور شكري. لكن محمود إنسان قوي. مش قادر افهم ازاي العقار ده يسيطر عليه كده!
د. شكري :
محمود قوي صحيح يا سعاد. لكن ما تنسيش انه ما كانش جواه صراع واحد بس وإنما عدة صراعات ... أنا عملت له تحليل نفسي مرة واحدة بس. لكن قدرت افهم ان فيه حاجات كتير قوي تعباه نفسيا.
سعاد :
إيه هي يا دكتور شكري؟
د. شكري :
أول حاجة أمه. أمه كانت قاسية عليه قوي وهو طفل. كانت حاسة إن أبوه مش موجود وانها لازم تربيه تربية شديدة عشان تعوض عدم وجود الراجل في البيت، فكبر وبقى شاب وهو مش حاسس إن امه بتقدره أو تحترم شخصيته فنشأ عنده صراع نفسي. عاوز يحقق ذاته بالنسبة لأمه. لكن مش قادر. (يظهر محمود وهو نائم على السرير.) (صورة مكبرة لوجهه وهو نائم.)
سعاد :
مش قادر ليه؟
د. شكري :
لأن أمه عاوزاه يذاكر ويتخرج ويبقى دكتور وهو مش قادر يذاكر ويتخرج.
سعاد :
ليه يا دكتور؟
د. شكري :
لأن جواه صراع تاني من ناحية الكلية والطب والدكاترة. هو مش عاوز يبقى دكتور. مش مؤمن بأن الطب حيوصله للي هو عاوزه عشان يحقق ذاته.
سعاد :
أمال مؤمن بايه؟ بالحرب والكفاح؟
د. شكري :
كان نوع من الهروب من الحياة اللي مش قادر يحقق فيها ذاته. وكان جواه صراع تاني من ناحية الوطن. طبعا كان حاسس إن الفساد والظلم منتشر وهو مش قادر يعمل حاجة برضه. الحرب كانت بالنسبه له تجربة بيهرب لها من اليأس اللي مالي حياته. ويمكن من خلالها يحس انه عمل حاجة ذات قيمة تخليه يشعر بأهمية نفسه. والناس كمان تشعر بأهمية نفسه. (يظهر محمود نائما. صورة مكبرة لوجهه وهو نائم.) (صورة مكبرة لوجه سعاد وهي تنصت باهتمام.)
د. شكري :
لكن اللي حصل انه اعتقل وهو بيحط رجله في محطة مصر. طبعا دي كانت بالنسبة له خيبة أمل كبيرة عملت جواه صراع تاني.
سعاد :
حضرتك قلت يا دكتور شكري انه ما كنش مؤمن بالحرب كحرب، أمال كان مؤمن بايه؟ بالحب؟!
د. شكري :
أبدا يا سعاد. الحب كمان كان بالنسبة له نوع من الهروب بالضبط زي حرب القنال. ميدان جديد يحاول تحقيق ذاته فيه. وطبعا فشل في الحب زي ما فشل في الحرب. (صورة مكبرة لوجه سعاد يعبر عن الدهشة.) (صورة مكبرة لوجه سعاد وهي تنصت باهتمام.) (وجه محمود يظهر نائما.)
سعاد :
لكن هو ما فشلش في الحب يا دكتور شكري. أنا حبيت محمود من كل قلبي وضحيت علشانه بأهلي واتجوزته وعشت معاه ومستعدة اضحي بكل حياتي عشان يخف ويبقى كويس. (شكري ينظر إلى سعاد. يتأملها مفكرا.)
د. شكري :
وعملت كده ليه؟
سعاد :
لأني حبيته!
د. شكري :
لا. مش لأنك حبيتيه بس. ولكن لأنك كمان كان عندك صراع نفسي. (سعاد تنظر إليه بدهشة.)
د. شكري :
كنت عاوزة تحققي ذاتك من خلال الحب. كنت عاوزة تحسي بقوتك. بقدرتك. بأنك تعطي حاجة كبيرة. تضحية كبيرة. بتنقذي راجل من الهلاك. كانت عملية الإنقاذ هي اللي بتستهويكي.
سعاد :
ازاي ده يا دكتور شكري؟ أنا حبيت محمود قبل ما يتعب!
د. شكري :
أنا ما قلتش انك ما حبيتش محمود. شعورك له حب طبعا. لكن تفتكري لو أي واحدة غيرك كان ممكن انها تسيب أهلها وتروح تتجوز راجل تعبان ومريض؟ (يظهر محمود وهو نائم في الفراش.)
سعاد :
أنا مش أي واحدة!
د. شكري :
شعورك انك مش أي واحدة خلاكي عاوزة تعملي حاجة كبيرة مش أي واحدة تقدر تعملها.
سعاد :
عملت ده كله عشان محمود يخف ويبقى كويس.
د. شكري :
إنما تعرفي يا سعاد ان كل مساعداتك لمحمود كانت بتضره وتخليه يدمن أكثر! (وجه سعاد ينم عن الدهشة والفزع!)
سعاد :
ازاي يا دكتور شكري؟
د. شكري :
كان بيحس انك أقوى منه وانه هو اللي محتاج لك. هو اللي بيأخذ منك. وطبعا ده إحساس يخلي راجل معتز بنفسه زي محمود يتعب وأزمته النفسية تزيد. تصوري انه مشكلته كانت انه مش قادر يحقق ذاته بالنسبة لأمه أو دراسته أو كفاحه أو وطنه وبعدين يحبك ويجوزك وانتي امرأة قوية وقوتك كمان مش عادية. طبعا تكون النتيجة حالته تسوء زي ما شفتيه. (وجه سعاد ينم عن الدهشة والألم والأسى وتظهر الدموع في عينيها.) (مش معقول يا دكتور شكري! يعني أنا كنت سبب في إنه أدمن أكتر.)
د. شكري :
وجودك جنبه خلاه يحس بضعفه وفشله ويقارن نفسه بيكي. (سعاد تبكي.)
سعاد :
مش معقول؟ أنا كنت عاوزة اساعده يا دكتور شكري! أنا ضحيت بأهلي واتجوزته عشان كنت متصورة ان وجودي جنبه حيساعده على انه يتغلب على الأزمة. وهو طلب مني اني اكون جنبه.
د. شكري :
محمود بيحبك يا سعاد. لكن الحب ده عمل عنده صراع نفسي تاني. ويمكن يكون ده أشد الصراعات اللي عنده.
سعاد :
ليه يا دكتور شكري؟ (يظهر وجه محمود وهو يتقلب في الفراش.)
د. شكري :
لأنه بيتعلق بشخصيته كلها كراجل وكإنسان وكزوج وكأب. حياته معاكي يا سعاد حاليا مش ممكن حتساعده على إنه يمر من الأزمة. (وجه سعاد يبدو وهي تنظر إلى الدكتور شكري في أسى وألم.)
سعاد (في فزع) :
يعني إيه يا دكتور شكري؟
د. شكري :
يعني رأيي إنكم تنفصلوا عن بعض.
سعاد :
مش معقول يا دكتور شكري!
د. شكري :
اسمعي يا سعاد. المسأله عاوزة تفكير وعقل. وإذا كنت بتحبي محمود صحيح وعاوزاه يخف لازم تنفصلي عنه. ولفترة طويلة لغاية ما يسترد نفسه ويقف على رجليه. (محمود يتقلب في الفراش.)
سعاد (تبكي) :
أنا مستعدة اعمل أي حاجة عشان محمود يخف. لكن تفتكر يا دكتور انه حيخف لو بعدت عنه؟ وهو؟ حيعيش ازاي لوحده؟ وكمان مش ممكن يفتكر اني اتخليت عنه في مرضه وحالته النفسية تسوء أكثر؟ (محمود يفتح عينيه في ذهول. يتلفت حوله لا يعرف أين هو.)
د. شكري :
اسمعي يا سعاد. إنتي دكتورة وطبعا لازم تفهمي كلامي. أنا عاوزه يحس انك بتتخلي عنه عشان يفوق لحياته ويعتمد على نفسه.
الشعور ده حينمي إرادته يا سعاد. (سعاد تنظر في اهتمام.)
د. شكري :
أنا عارف أن الموقف صعب لكن أنا عارف كمان انك إنسانة قوية. وانتي ضحيتي عشانه قبل كده بحاجات كثير. حاولي تضحي المرة دي عشان محمود برضه. (تبكي في صمت وألم.) (سعاد تجهش بالبكاء. الدكتور شكري يترك مكتبه ويذهب إليها ويربت على كتفها بحنان وعطف.) (يظهر محمود على باب الحجرة وقد نهض من فراشه. محمود يرى الدكتور شكري وهو يربت على كتف سعاد. الدكتور شكري وسعاد لا يريانه. وجه محمود يظهر وقد برزت عيناه من الدهشة والشك والجنون. يعود مسرعا إلى السرير. يجلس عليه لحظة يفكر في أسى. ثم يهب واقفا ويرتدي بدلته ويندفع من باب الحجرة خارجا دون أن يراه أحد من المستشفى.)
تصوير خارجي:
محمود يجري في الشارع كالمجنون.
يعود المنظر إلى الدكتور شكري وسعاد تبكي وهو يقف أمامها في ألم.
موسيقى مناسبة.
سعاد :
لكن هو مش ممكن يتعالج هنا في المستشفى وبعدين يخف ويخرج ويرجع لحياته تاني من غير ما ننفصل؟
د. شكري :
علاج محمود مش في المستشفى يا سعاد. مش اننا نديله حقن وكهرباء. دي مجرد مساعدات بسيطة عشان تنسيه العقار شويه. إنما العلاج الحقيقي إن احنا نقضي على الصراعات اللي جوه نفسه من خلال تصليح واقع حياته. ونحاول نقنعه بإنه يقبل الواقع ده وما يهربش منه بالإدمان. ونحاول كمان نقوي الدوافع الذاتية عنده عشان يحس بنفسه أكثر من الأول. (سعاد تمسك رأسها بيديها في أسى وهي تفكر.)
د. شكري :
إنتي قوية يا سعاد. إنتي مش أي واحدة عشان تضعفي كده. (سعاد ترفع رأسها في غضب.)
سعاد :
أنا مش قوية يا دكتور شكري! أنا زي أي واحدة تانية! أنا ضعيفة! أنا تعبت! مش قادرة اتحمل حاجة! مش قادرة! (سعاد تجهش بالبكاء في حرقة شديدة.) (يدخل الدكتور علاء ومن ورائه الحكيمة والممرضات.)
د. علاء :
تصور يا دكتور شكري. محمود هرب من المستشفى!
د. شكري :
هرب؟ ازاي؟ امتى؟ (وجه سعاد مكبرا ينم عن الفزع والدهشة وقد توقفت عن النشيج.) (سعاد تجري خارج الحجرة ومن ورائها الكل يجرون بسرعة خارج الحجرة.)
تصوير داخلي:
محمود يدخل مندفعا إلى حجرة النوم. يدور في الحجرة قلقا. يرى الطفل نائما على السرير. يقترب منه. يتأمله قليلا. يلمس وجه الطفل ويفتح جفنه بأصابعه وينظر في لون عينيه. يذهب إلى المرآة مدققا. يبدو عليه القلق والاضطراب. يجري إلى مكتبه مضطربا. يحاول فتح الأدراج. يجدها مغلقة. يبحث عن المفاتيح. لا يجدها. يكسر درج المكتب. يتصبب العرق من جبهته.
تظهر أمامه صورة الدكتور شكري وهو يربت على كتف سعاد في حنان وهي تبكي أمامه في إعياء وضعف.
صورة مكبرة لوجه محمود وفي عينيه نظرة جنون الشك والغيرة.
يخرج علبة الحقن من الدرج. يربط ذراعه ويكسر حقنة ويعطيها لنفسه في الوريد. يستريح لحظة. وينظر أمامه وهو يفكر في ألم وأسى.
يكسر حقنة ثانية ويعطيها لنفسه في الوريد.
يمسك رأسه بيده ثم يرفع رأسه إلى أعلى وقد تصبب العرق من جبهته وفي عينه نظرة جنون وألم واضطراب.
صورة مكبرة لعينيه وهي جاحظة في جنون وشك.
تدخل سعاد. صورة مكبرة لوجهها حين ترى محمود تنم عن الدهشة والفزع والألم.
تقترب منه وهو جالس وتقف أمامه.
سعاد :
إنت خرجت من المستشفى ليه يا محمود؟ (محمود لا يرد.)
سعاد :
ليه يا محمود؟ (محمود يقف ثائرا.)
محمود (في غضب شديد) :
أنا حر! أنا مش عيان عشان تدخليني المستشفى. طبعا حضرتك عاوزاني ابقى عيان! أبقى نايم! مغمض! (سعاد تقترب منه وتضع يدها على كتفه.)
سعاد :
محمود إيه الكلام ده؟
محمود (يبتعد عنها في فزع ويقول غاضبا) :
اوعي تلمسيني!
سعاد :
محمود. أرجوك. اهدا شوية. أنا عاوزة اكلمك في حاجة مهمة.
محمود :
مهمة؟! آه طبعا مهمة قوي! قولي يا ستي! إيه الحاجة المهمة دي؟!
سعاد :
طيب تعالى نقعد.
محمود :
لا. عاوزة انتي أنا واقف! أنا حر!
سعاد :
شوف يا محمود. الدكتور شكري قالي إن وجودي جنبك ما لوش فايدة. بالعكس بيضرك. (محمود ينظر إليها في شك وغضب شديدين.)
محمود :
الدكتور شكري؟! طبعا! لازم يقول كده! لازم يقولك كده! لازم يقولك إيه الراجل ده اللي انت عايشة معاه. تعيطي وتقولي له اعمل إيه بختي المايل! (سعاد تنظر إليه في دهشة.)
سعاد :
أرجوك يا محمود بلاش الشك ده. مش عارفة انت ليه بقيت كل حاجة تشك فيها.
محمود :
شك؟! ها! ها! لا يا دكتور. ده مش شك! دي حاجة حقيقي. (سعاد تنظر في دهشة.) (غاضبا):
دي حاجة شفتها بعيني دول!
سعاد :
شفت إيه يا محمود؟!
محمود (ثائرا) :
شفتكم وانتم في الأودة سوا.
كنت حضرتك فاكرة اني نايم أو تايه أو ميت!
سعاد :
مش معقول تشك في يا محمود! أنا عمري ما فكرت اني ابص لواحد غيرك!
محمود :
اوعي تتكلمي ولا كلمة! خلاص أنا كشفتك! عرفتك! عرفت كدبك وخداعك!
سعاد :
ازاي يا محمود تقول كده؟ أنا عمري ما كدبت عليك يا محمود! أنا ضحيت بأهلي وبكل حاجة واتجوزتك يا محمود! (محمود في ثورة جنونية.)
محمود :
إنتي السبب في عذابي وإدماني. إنتي اللي ضيعت حياتي ومستقبلي! أنت عمرك ما حبتيني وأنا كنت باحس كده دايما. حطمتيني! قتلتيني يا خاينة! (يخبط بيده بقوة على المكتب.) (الطفل يهب من نومه مذعورا على الصوت. يبكي بصوت عال.) (صورة مكبرة لوجه سعاد ينم عن الألم الشديد والفجيعة. الدموع في عينيها متجمدة من الصدمة. الطفل يبكي بحرقة. سعاد تمشي ببطء وتذهب إليه لتحمله. محمود يدخل وراءها مسرعا في جنون.) (سعاد تحمل الطفل بين ذراعها لتهدئه. محمود ينظر إليها وإلى الطفل في جنون. وجه سعاد مكبرا ينم عن الخوف.)
محمود :
الولد ده ابن مين؟ (وجه سعاد مكبرا ينم عن الدهشة الشديدة والذهول.) (تتراجع إلى الوراء في خوف.) (محمود يقترب منها ومن الطفل ببطء.) (صورة مكبرة لعينية البارزتين في جنون.)
محمود :
مش ابني! مش ابني! يا خاينة! يا خاينة!
سعاد :
محمود! اهدأ يا محمود! إنت عارف اني ما حبتش حد غيرك يا محمود. ده ابنك انت يا محمود! حرام عليك يا محمود!
محمود :
اخرسي يا خاينة! لازم احطمك زي ما حطمتيني. لازم اقتللك زي ما قتلتيني! (يقترب منها في جنون. سعاد تضع الطفل على السرير في رعب وهي تنظر إليه.)
سعاد :
محمود! أنا سعاد يا محمود! سعاد اللي انت حبيتها. يا محمود! (محمود يقترب من سعاد.) (صورة مكبرة لوجه المجنون.) (موسيقى مناسبة.) (صورة مكبرة لوجه سعاد الفزع.) (عيناها تبرزان في خوف.) (محمود يرفع يديه إلى رقبتها. سعاد تصرخ في رعب. الطفل يبكي أيضا.) (آه! واء!) (يلف أصابعه حول رقبتها. سعاد تصرخ وتمسك يديه وتحاول أن تخلص نفسها منه.)
الصورة الممزقة (6)
محمود يبتعد عنها مذعورا.
يسقط إلى الأرض في إعياء.
سعاد تنتبه بعد لحظة. تنهض. تنظر إلى محمود الراقد على الأرض في ذعر. تجري بسرعة وتلف ابنها في بطانية من الصوف. تحمله على كتفها وتمشي على أطراف أصابعها. محمود ينتبه لها. يهم بالقيام.
محمود :
استني! إنتي رايحة للدكتور شكري! ها! ها! ها! (يضحك بجنون.) (سعاد تجري خارج الحجرة. يحاول أن يمسكها. لا يلحق بها. يتركها تهرب من الباب. يجلس على المكتب في اضطراب. تبدو عليه الثورة. يخرج الحقن ويأخذ حقنة.) (يمسك رأسه بيديه وينشج كالأطفال في أسى وحزن ويأس.) (صوت نشيج رجل.)
تصوير داخلي:
سعاد تحمل طفلها على كتفها. تجري على السلم هابطة.
لا تنظر خلفها.
تصوير خارجي:
تحمل سعاد طفلها. تجري في الشارع خائفة مذعورة. تتلفت خلفها في ذعر. الشارع مظلم خال من الناس. تجري بأقصى سرعتها.
موسيقى مناسبة.
نهاية الفلاش باك.
تصوير داخلي:
يظهر منظر سعاد وهي جالسة في حجرة نومها في منزل أبيها بالعروسة في يدها. وهي شاردة. تضع العروسة جانبا. تقف وتتطلع إلى نفسها في المرآة.
تدخل الدادة. تعانق سعاد.
الدادة :
أهلا ست سعاد! يا مرحبا! أتاري الدنيا منورة!
سعاد :
أهلا دادة. ازيك يادادة وازي صحتك؟
الدادة :
صحتي؟! هو انت من بعد ما سيبتي البيت حد فيه صحة! وابوكي يا عيني رقد فيها شهر وبقى ما حدش عارف يكلمه. وامك ليل ونهار عياط. ده احنا شوفنا أيام سودة سواد! بركة يا بنتي اللي رجعتي بركة! (يدخل الأب في خطوات ثقيلة حزينة. ينظر إلى سعاد وهي جالسة حزينة. يجلس على كرسي بعيد عنها. تمر لحظة صمت.)
الأب :
يعني لو كنت سمعت كلامي من الأول؟
الدادة :
معلهش يا سي زغلول. هي كانت عارفة ان ده حيحصل. كل واحد بيغلط! (سعاد صامتة تفكر في شرود. تدخل الأم وهي تقاوم دموعها.)
الأم :
بس دي غلطة كبيرة قوي ما تصلحش أبدا؟
الدادة :
كل شيء يتصلح يا ست سنية!
الأم :
يتصلح ازاي بس؟ دي الناس كلها اتكلمت وشبعت كلام. ما خلوش حاجة إلا قالوها، وشرف العيلة بقى في الأرض!
الدادة :
ناس إيه يا ست سنية. الناس بتتكلم عن كل حاجة بالحق والباطل.
الأم :
اهم اتكلموا وبس! وكلامهم ملا الجو! ودلوقت نقولهم إيه بس! (سعاد تقف وتقول في غضب):
سعاد :
الناس ما لهاش عندي حاجة خالص. أنا اخترت بنفسي الرجل اللي اتجوزته وانا اخترت بنفسي اني اسيبه. دي حياتي انا وانا حرة فيها؟
الأب :
وانتي قررت خلاص انك تسيبيه؟
سعاد :
أيوه يا بابا.
الأم :
وافرضي يا شاطرة حب يعاندك ومارضاش يسيبك. تعملي إيه بقه؟!
سعاد :
لا. هو إنسان نبيل ومش ممكن يعمل كده!
الأم :
إنتي لسة بتقولي عليه نبيل؟ آه يا مرارتي اللي حتنفقع!
سعاد :
أنا مقدرش احاسبه على أخطاؤه يا ماما. لأنه كان عيان.
الأب :
وكنت بس رايحة تتجوزي العيان ليه؟ والا كنت عاوزة تبقي دكتورة في البيت والشغل؟! (الأب يخرج غاضبا.) (الأم تنظر إلى الطفل النائم وتمصمص شفتيها في ألم.)
الأم :
والعيل ده حتعملي فيه ايه؟
سعاد :
حاعمل فيه إيه ازاي؟ ده ابني! حربيه واديله حياتي كلها!
الأم :
تمصمص شفتيها في حسرة.
الأم :
أهو ده اللي نابنا من الجواز يا حسرة!
الدادة :
يا حسرة ليه يا ست سنية؟ ربنا يبارك فيه ويخليه لها يا رب! (يدخل الأخ ماجد.)
ماجد :
أهلا سعاد. حمد لله على السلامة.
سعاد :
الله يسلمك يا ماجد. (تمر لحظة صمت طويلة.)
الدادة :
وحدوه! ما لكم قعدتم كده؟ ياللا يا جماعة ياللا! الفطور جاهز على السفرة! ياللا يا دكتورة سعاد ياللا يا سي ماجد!
الأم :
سي ماجد ده إيه يا أم علي؟ أستاذ ماجد! ما تعرفيش انه محامي أد الدنيا وصيت المكتب بتاعه واصل لغاية مصر؟! (سعاد جالسة تفكر.)
الدادة :
عارفة يا ست سنية عارفة ... اتفضل يا أستاذ ماجد ... اتفضلي يا دكتورة. (الدادة تضحك في مرح.)
والنبي كلمة دكتورة حلوة قوي! تشرح النفس وتساوي الدنيا بما فيها! بلا جواز بلا غم! دي الرجالة توجع القلب وتقصر العمر. يالله يا دكتورة سعاد يالله. ولا يهمك. صحتك بالدنيا؟ (يخرجون من الحجرة.) (الطفل يبكي. الدادة تذهب إليه وتحمله وتدلله.)
الدادة :
ما تعيطش يا حبيبي. صلاة النبي أحسن صلاة النبي. اللهم صلي على النبي!
بس! بس! يا حبيبي! بس!
تصوير داخلي:
منظر يافطة كبيرة مكتوب عليها الدكتورة «سعاد زغلول» في ميدان كبير من ميادين القاهرة.
يظهر باب العيادة مفتوحا. وقد علق على الباب يافطة مكتوب عليها. «مواعيد العيادة: من 5-8 مساء».
تظهر العيادة من الداخل مزدحمة بالرجال والنساء يجلسون منتظرين كشف الدكتورة.
تمورجي بملابس بيضاء يستقبل المرضى ويجلسةم ويأخذ منهم أجر الكشف ويعطيهم نمرا.
تظهر حجرة الكشف ومريض نائم على سرير الكشف.
سعاد بالبالطو الأبيض تجلس على كرسي صغير إلى جواره وتكشف على المريض بالسماعة. ينتهي الكشف. تذهب سعاد إلى المكتب وتجلس وتكتب الروشتة وتعطيها للمريض وتشرح له طريقة استعمال الدواء.
يخرج المريض. يدخل مريض آخر. يتكرر الكشف. يخرج.
تدخل مريضة سيدة ... وهكذا.
سعاد تجلس على المكتب وقد بدا عليها الإعياء. العرق يتصبب من جبهتها. تمسك رأسها بيديها وتفكر في شرود.
درج المكتب يظهر تحت يدها مليئا بأوراق البنكنوت ... تنظر إلى الأوراق شذرا في إعياء ...
تخلع البالطو وتمسك حقيبة يدها وتغادر العيادة ...
تصوير خارجي:
سعاد تمشي في الشارع وعلى عينيها نظارة سوداء ...
تنظر إلى الناس بفتور.
تظهر من بعيد أجزاخانة ... يظهر داخل هذه الأجزاخانة محمود وهو يشتري الحقن ... محمود يبدو عليه الإعياء ... ملابسه مهملة جدا ...
محمود يهم بالخروج من الأجزاخانة فيرى سعاد وهي تمر من أمامه ... يتوارى داخل الأجزاخانة حتى تمر ... سعاد لا تراه ...
يخرج من الأجزاخانة ويجري مندفعا في طريق آخر غير الذي تمشي فيه سعاد.
تصوير داخلي:
حجرة نوم أبو سعاد. الأب راقد في الفراش مريض جدا. ومن حوله الأم والدادة وماجد ... القلق يبدو على وجوههم ...
الدادة :
هي الست سعاد أتأخرت كده ليه؟
ماجد :
زمانها جاية. أنا كلمتها في العيادة التمورجي قالي انها نزلت. (الأب يئن في ألم ومرض.)
الدادة :
تبقى جاية في السكة!
الأم :
يا ماجد روح كلم حد من الدكاترة! مش لازم نستنى سعاد! روح هات دكتور راجل! (سعاد تدخل. تبدو عليها الدهشة والقلق حين ترى أباها.)
سعاد :
إيه؟ بابا ما له؟
ما لك يا بابا؟
الأم :
كان قاعد معانا كويس في أمانة الله وبعدين بصينا لقيناه وقع كده مرة واحدة وماسك في قوالة آه ... آه ... (سعاد تفتح حقيبتها بسرعة. تخرج السماعة وأدوات الكشف. تكشف على صدر أبيها. صورة مكبرة لوجه أبيها وهو ينظر إليها في إعياء وعتاب وحب. صورة مكبرة لوجه سعاد وهي تكشف عليه في ألم وحزن.) (سعاد تنتهي من الكشف وتضع أدواتها في الحقيبة ببطء وهي شاردة. تبتعد عن أبيها في وجوم. تقف تفكر وهي شاردة. الأم والدادة وماجد يقتربون منها في قلق.)
الأم (في قلق) :
لقيتي إيه عنده يا سعاد؟
سعاد :
ولا حاجة. مجرد إرهاق من التعب.
الدادة :
تعب المحل طول النهار!
الأم :
لكن الدور ده جاله قبل كده ورقد في السرير شهر بحاله. فاكرة يا أم علي؟
الدادة :
ماهو من دوخته في المحل طول النهار.
مش هتكتبيله الدوا يا ست سعاد؟
سعاد :
طبعا ... أنا حكون جنبه على طول.
الدادة :
ربنا يطعمك يا بنتي! (سعاد تخرج من الحجرة في أسى. يخرج وراءها ماجد.)
الأم :
اسكتي يا أم علي ما هي السبب في كل اللي بيجرى له!
الدادة :
ما تقوليش كده يا ست سنية. ده انتي مؤمنة وموحدة بالله. كل شيء قسمة ونصيب والعيا ده من عند ربنا. ربنا يشفيك يا سي زغلول يا رب!
الأم :
من يوم الحادثة بتاعتها وخروجها من البيت وجوازها وهو ما فيش فيه صحة خالص! ربنا يجازيكي يا سعاد! أنا عارفه كنت بتعملي كده ليه بس! (الأم تبكي في صمت. الدادة تهدئها.)
الدادة :
ما تزعليش نفسك يا ست سنية ... سي زغلول ربنا حيشفيه ويبقى عال ... هدي نفسك هدي!
تصوير داخلي:
سعاد تدخل حجرتها ... تجلس على الكرسي إلى جوار السرير وتضع رأسها بين يديها في ألم وحزن ...
يدخل ماجد أخوها ...
ماجد :
هو بابا عيان بإيه يا سعاد؟ (سعاد لا ترد. ترفع رأسها شاردة والدموع في عينيها.)
ماجد :
اتكلمي يا سعاد!
سعاد :
ولا حاجة ... إرهاق شديد.
ماجد (غاضبا) :
لا ... انت بتخبي الحقيقة! لازم تقوليلي هو عيان بإيه لازم! حاتجنن لو ما عرفتش!
سعاد :
حالته خطيرة قوي يا ماجد ... كفاية تعرف كده!
ماجد (في خوف) :
يعني إيه؟ مش حيخف! (سعاد والدموع في عينيها.)
سعاد :
إن شاء الله يخف! (ماجد ينظر إليها في ألم وعتاب.)
ماجد :
أصله زعل قوي يا سعاد بعد الفصل اللي عملتيه! أنت السبب في مرضه ده! (سعاد تقف ثائرة.)
سعاد :
مش عاوزه اسمع! كفاية! كفاية عذابي! (تجلس وتضع رأسها بين يديها وتجهش بالبكاء. ماجد يخرج. سعاد تهدأ قليلا. تقف وتدور في الحجرة في قلق. تفتح مكتبها. تخرج صورة محمود. تنظر إليها في ألم. تمزقها بأصابعها إلى نصفين.) (موسيقى مناسبة.) (صورة مكبرة ليديها وهي تمزق الصورة بالطول إلى نصفين. صورة مكبرة لنصفي الصورة وأصابع سعاد تقربهما وتبعدهما عن بعض.) (صورة مكبرة ليدي محمود أيضا وهي تمزق صورة سعاد بالطول إلى نصفين. صورة مكبرة لنصفي الصورة وأصابع محمود تقربهما وتبعدهما عن بعض.) (يظهر محمود جالسا على مكتبه. يتأمل صورة سعاد التي مزقها ثم يضعها في الدرج. يمسك القلم ويكتب على الورق. يرسم بعض الحروف. يرسم بعض الحيوانات والطيور.) (يتصبب العرق من جبهته. يضع القلم ويمسك رأسه بيديه. يقوم ويدور في الحجرة كالمجنون. يفتح أدراج مكتبه. يبحث عن الحقن. لا يجد. يبحث في الدولاب عن نقود لا يجد.) (يدخل حجرة أمه متلصصا على أطراف أصابعه. تظهر أمه راقدة في السرير نائمة وإلى جوارها الأخت الخرساء. يفتح الدولاب ليأخذ نقودا من حقيبة أمه. الأخت الخرساء تفتح عينيها. يراها فيشير إليها بيديه أن تسكت. الأخت تغطي رأسها في خوف وتتظاهر بالنوم. محمود يحاول إخراج النقود من الحقيبة. صورة مكبرة ليديه ترتعشان. الحقيبة تقع على الأرض محدثة صوتا. الأم تصحو من نومها. ترى محمود واقفا عند الدولاب. تهب من فراشها مذعورة.) (تجري نحوه. محمود يمسك الحقيبة.) (الأم تحاول تخليص الحقيبة من يده.)
الأم :
هو انت اللي مشطب على الفلوس أول بأول! هاات الشنطة هات!
محمود :
حاخد الفلوس يعني حاخد الفلوس. سواء بالذوق أو بالعافية! (الأم تشد الحقيبة.)
الأم :
لا والله ما انت واخد حاجة! (محمود يشدها منها في غيظ شديد.)
محمود :
لا حاخدها! بالعافية حاخدها! (الأخت تجري لتخلص الموقف. يشتد الصراع بين محمود وأمه. وأخيرا يغتصب محمود الحقيبة. أخته تتعلق به فيلقي بها على الأرض في غضب. ويأخذ النقود من الحقيبة ثم يلقي بها في الحجرة. ويخرج مندفعا كالمجنون. الأم تجلس على السرير وتئن من الإعياء والتعب والحزن. الأخت تزحف إليها وتربت عليها.) (الأم تبكي. الأخت تقبلها وتبكي معها.)
تصوير داخلي:
صالة منزل سعاد. أم سعاد تجلس وإلى جوارها الدادة يبكيان معا في حزن. ماجد يجلس مطرقا يمسك رأسه بيديه.
تظهر حجرة نوم الأب. الأب نائم على السرير يحتضر. سعاد إلى جواره تسعفه بحقنة في ذراعه.
الأب يفتح عينيه. سعاد تمسك يده وتقبلها. الدموع في عينيها. الأب يفتح فمه في إعياء.
الأب :
سعاد!
سعاد :
أيوه يا بابا! أنا سعاد!
الأب :
خلي بالك من نفسك يا بنتي، وخلي بالك من أمك. أنا عارف انك قوية وتقدري على أي حاجة.
سعاد :
حاضر يا بابا. حاضر. (سعاد تبكي.)
سعاد :
سامحني يا بابا! سامحني!
الأب :
أنا مسامحك يا سعاد! عمري ما غضبت عليكي. إنتي كنت معذورة.
سعاد :
بابا! يا حبيبي يا بابا!
سعاد :
تقبله في حنان. الأب يبتسم. ثم يغلق عينيه ويموت. (وجه سعاد مكبرا ينم عن الفزع.)
سعاد (صارخة) :
بابا! بابا! (سعاد تلقي رأسها على صدره وتجهش بالبكاء. تستمر في النشيج لحظة. ثم تظهر يد كبيرة تشد سعاد من فوق الجسم الميت وتغطيه بالملاءة.) (لحظة صمت رهيبة، ثم يسمع صوت بكاء الطفل خالد.) (ثم يظهر الطفل خالد وهو جالس على السرير في حجرة سعاد يبكي بحرقة ويهز ذراعيه. الحجرة خالية إلا منه.) (الطفل عمره سنة ونصف.) (يواصل البكاء الشديد.) (تدخل الدادة وهي ترتدي الملابس السوداء. تحمله وتهدئه.)
الدادة :
بس يا حبيبي بس! بس يا حبيبي بس! (الدادة تبكي وتمسح دموعها في صمت.)
تصوير داخلي:
عيادة الدكتورة سعاد ممتلئة بالمرضى الرجال والنساء منتظرين. التمورجي يستقبل المرضى ويأخذ منهم الأجر ويعطي لكل منهم نمرة من بين المرضى. تجلس فوزية محمد التي كانت زميلة سعاد في المدرسة الداخلية ومعها طفلان صغيران؛ طفل تحمله، وطفل في يدها.
يبدو على فوزية التعب. ملابسها مهملة.
التمورجي ينادي بصوت عال:
التمورجي :
نمرة 8. (فوزية محمد تحمل طفلها وتمسك بذراع الآخر وتدخل إلى حجرة الكشف.) (سعاد تظهر داخل الحجرة مرتدية البالطو الأبيض.) (سعاد تنظر إلى فوزية في دهشة.)
سعاد :
مين؟ فوزية؟
فوزية :
أيوه يا دكتورة سعاد. أنا قلت انك نستيني! (سعاد تصافح فوزية في حرارة وتعانقها.)
سعاد :
أنساكي؟ ازاي؟
سعاد :
إيه اللي غيرك كده يا فوزية؟
فوزية :
الدنيا! وانتي ازيك يا سعاد. مبروك العيادة والنجاح. انا بسمع عنك من كل الناس. كلهم بيشكروا فيكي. وانتي تستاهلي يا سعاد. كنت شاطرة قوي؟
سعاد :
إنت فاكرة يا فوزية؟
فوزية :
طبعا. فاكرة كل حاجة.
سعاد :
وانتي يا فوزية عملتي إيه؟ اتجوزتي الراجل اللي كان واخد عقلك؟
فوزية :
اسكتي يا سعاد يا ريتني ما تجوزته. ما هو أبو العيلين دول.
سعاد :
ليه؟ جرى حاجة!
فوزية :
مش عارفة إيه اللي جرى له! كان كويس وبعدين راح مقلوب قلبة! وسمعت من الناس انه ماشي مع واحدة ست. وقعدت اراقبه لما ظبطته هو وهي في بيتها. ورجعت قلت له طلقني. وأخدت ولادي منه.
سعاد :
ليه كده يا فوزية كنت طولي بالك شوية. يمكن كان سابها لوحده.
فوزية :
معقول يا سعاد؟ ده راجل خاين. كل الرجالة خاينين. ما فيش واحد يستاهل إن واحدة تضيع مستقبلها عشانه.
سعاد :
فاكرة يا فوزية لما قلت لك ان الجواز مش لازم يكون هدف البنت في حياتها.
فوزية :
يا ريتني سمعت كلامك يا سعاد. ما كنتش ضيعت مستقبلي وكان زماني لي شغلة اكسب منها ووكل ولادي. (فوزية تشرع في البكاء. سعاد تهدئها.)
سعاد :
معلهش يا فوزية. مش بتاخدي نفقة منه؟
فوزية :
نفقة زي قلتها!
سعاد :
ما تحمليش هم حاجة يا فوزية. أنا لازم أفكر لك في شغلة كويسة.
فوزية :
أنا عيانة كمان يا سعاد.
سعاد :
حاضر حاكشف عليكي واشوف إيه اللي تاعبك. تعالي على سرير الكشف. (فوزية تترك ولديها وتذهب وتنام على سرير الكشف.) (سعاد تكشف صدرها وتكشف عليها.)
تصوير داخلي:
سعاد في منزلها الجديد وقد انتقلت هي وأمها وابنها والدادة إلى بيت جديد بعد وفاة الأب.
تظهر الصالة فاخرة جدا والأثاث جديد أنيق. الأم تجلس والدادة تلاعب الطفل خالد (عمره سنتان).
الأم تجلس وتلبس الملابس السوداء تبدو عليها الشيخوخة.
الدادة :
والنبي انا صعبانة عليا قوي ست سعاد. ليل ونهار شغل يا عيني! حقها تريح نفسها شوية. الحمد لله الخير بقى كتير قوي والناس كلها حاسدانا على النعمة اللي احنا فيها.
الأم :
نعمة إيه يا أم علي؟ مش كفاية اللي جرى لنا!
الدادة :
كل الناس بتموت يا ست سنية. طبعا نعمة. نعمة قوي والبركة في الدكتورة سعاد. لولا هي ما كناش نقدر نعيش العيشة دي. القرشين اللي جم من المحل يدوبك سددوا اللي علينا.
ربنا يخلي لنا الدكتورة يا رب. فتحت لنا بيتها على آخره. (الدادة تلاعب الطفل.)
الأم :
واجب عليها يا أم علي. مش احنا اللي ربيناها وصرفنا عليها وعملناها دكتورة؟
الدادة :
والأستاذ ماجد؟ ما انتو برضه ربيتوه وصرفتم عليه وعملتوه محامي أد الدنيا.
الأم :
ما له ماجد؟ اتجوز واحدة ست وعايش معاها.
الدادة :
عرفت تقعدي عنده ليلة واحدة ؟
الأم :
وهو ما له؟ دي مراته اللي مش بتحب حد من عيلته يزوره. بكرة سعاد لما تتجوز رخره نطلع ونعيش وحدنا يا أم علي. (تدخل سعاد وتسمع هذه الجملة الأخيرة.)
سعاد :
إيه الكلام ده يا ماما؟ إنت مش حتعيشي لوحدك أبدا طول ما انا عايشة. ولا داده أم علي. ثم إني مش حتجوز تاني أبدا. (سعاد تحمل خالد وتقبله في حنان.)
الدادة :
يسلم فمك يا ست سعاد! أهي دي البنات والا بلاش! والنبي دي البنت تساوي عشر رجالة! أحضر لك العشا يا ست سعاد؟
سعاد :
لا يا دادة. خالد كل كويس؟
الدادة :
طبعا. خالد ده متحمليش هم أكله ولا شربه طول ماني عايشة.
سعاد :
كتر خيرك يا دادة. (سعاد تتجه إلى حجرتها.)
الأم :
إنت حتنامي دلوقت؟ لسة بدري. ما تقعدي معانا شوية يا سعاد.
الدادة :
سيبيها تستريح شوية يا ست سنية طول النهار بتشتغل يا عيني! ربنا ما يقلق نومها بجرس التليفون والعيانين. (سعاد تدخل حجرة نومها. حجرة أنيقة بها أثاث أنيق.) (في ركن الحجرة مكتب أنيق.) (سعاد تجلس إلى المكتب وهي تفكر شاردة. تفتح درج المكتب. ترى صورة محمود الممزقة. تنظر إليها في ألم. تقوم وتخلع ملابسها وتدخل في السرير. عيناها مفتوحتان في أرق. تتقلب في الفراش في سهد.)
تصوير خارجي:
محمود يسير في الشارع ليلا. بدلته مهملة. دقنه طويلة. عيناه زائغتان. يقف بأحد البيوت ويدق الجرس.
تخرج له الخدامة وتقوله له:
الخادمة :
الأستاذ مش موجود. (وتغلق الباب في وجهه بشدة.) (تتكرر هذه الحادثة مع ثلاثة بيوت أخرى من بيوت أصدقائه. الكل أصبح يهرب من محمود ويطرده.) (يظهر محمود وهو يسير في الشارع جائعا. يقف أمام محل للأكل يشم رائحة الطعام في جوع. البرد قارص. يرتجف من البرد.) (يتطلع إلى ملابس الناس الثقيلة الأنيقة. حذاؤه ممزق بال. المطر بدأ ينهمر عليه. اختفى تحت ظله وراح يتطلع إلى الناس الذين يركبون العربات الفاخرة. يمر من أمامه زوج وزوجته وهما يسيران. الرجل يحمل ابنه. محمود يتطلع إلى الابن في أسى. والدموع في عينيه. يبدو عليه الاضطراب. يتصبب العرق من وجهه رغم برودة الجو. يتحرك في قلق. يبحث في جيوبه عن نقود. يتحسس ذراعه في أسى. يخرج جيوبه من آخرها. أخيرا يعثر في جيب قميصه على نصف ريال. يمسكه في يده متهللا. يجري في الشارع مسرعا إلى الأجزاخانة. بجوار الأجزاخانة يرى بائع فول وطعمية وخبز وسندويتشات. يقف أمام المطعم لحظة يتشمم الأكل في جوع. ينظر إلى قطعة الفضة في يده ثم ينظر إلى الأجزاخانة. يتحسس ذراعه في ألم. يتحرك نحو الأجزاخانة. ثم يقف مترددا. ينظر إلى الأكل المعروض في المحل في جوع. يظهر وجهه مكبرا يعبر عن الاضطراب والقلق والألم. تتغير نظرته بسرعة وتعبر عن جنون الإدمان والرغبة في الحقنة. يندفع كالمجنون داخل الأجزاخانة.)
تصوير داخلي:
يعود النظر إلى سعاد وهي تنقلب في فراشها مؤرقة. تمسك رأسها بيديها. تقوم وتذهب إلى مكتبها وتأخذ من زجاجة صغيرة حبة منومة. وتشرب بعض الماء. تعود إلى السرير. عيناها مفتوحتان في أرق وتفكير.
تصوير خارجي:
يعود منظر محمود وهو يجري في الشارع بسرعة ثم يجلس على حجر بالقرب من النيل ويكشف ذراعه الأيسر ويحاول أن يعطي نفسه الحقنة. يداه ترتعشان. الحقنة تقع من يده على الأرض وتنكسر.
صورة مكبرة لوجه محمود تنم عن الفزع والذهول.
يصرخ صرخة عالية في ألم وجنون.
آه!
تظهر صورة مكبرة لوجه الطفل خالد وهو يصرخ صرخة عالية ويهب من نومه مذعورا.
واء!
سعاد تجري إليه وتحمله وتقبله وتضمه في خوف وحنان.
يعود منظر محمود وهو جالس على الحجر ينظر إلى الحقنة المكسورة في حزن وألم. الدموع في عينيه. يضع رأسه بين يديه يفكر. يرفع رأسه وينظر إلى الجاكتة التي يلبسها. جاءته فكرة. يقوم مسرعا ويمشي في الشارع. يتحسس الجاكتة التي يلبسها في حزن وألم. يخلعها وينظر إليها كأنه يودعها. صورة مكبرة لوجهه ينم عن اليأس والضياع. يحمل الجاكتة على ذراعه ويمشي كالتائه. يدخل محلا من المحلات الصغيرة ويخرج بدون الجاكتة وفي يده نصف ريال.
صورة مكبرة ليده تمسك بالنصف ريال. يبتسم لنفسه في أسى.
يقف مرة أخرى أمام الأجزاخانة وإلى جوارها مطعم الفول والطعمية نفسه.
موسيقى مناسبة تبدأ هادئة ثم تعلو.
وتعلو لتشتد حين يدخل المطعم.
يتحرك نحو الأجزاخانة ثم يرجع ناحية المطعم. تتكرر هذه الحركة ثلاث مرات مع الموسيقى العنيفة. أخيرا يدخل المطعم ويبدو وجهه مكبرا معبرا عن الإجهاد والإعياء والجوع. يشتري خبزا وطعمية في ورقة.
يخرج من المطعم ومعه ورقة الأكل. يذهب إلى الحجر الذي بجوار النيل ويجلس عليه يأكل.
يكلم نفسه وهو يأكل في شرود.
آمنت بيك يا رب! صحيح الحياة أقوى من الموت. والجوع أقوى من الإدمان.
يظهر وجهه مكبرا يعبر عن الأمل. يسترجع في خياله الماضي.
موسيقى مناسبة مستمرة مع صور الماضي.
تظهر أمامه صورة سعاد وعينيها. وجه ابنه خالد مكبرا. وجه أمه مكبرا. وجه أخته الخرساء مكبرا.
موسيقى مناسبة.
وجه خالد مكبر وهو يبكي على السرير بعد ولادته مباشرة.
واء! واء! تتوقف الموسيقى.
يعود مشهد محمود وهو جالس على الحجر بجوار النيل يسمع صوت بكاء طفل حديث الولادة.
واء! واء!
محمود يتلفت في دهشة وقد ظن أن الصوت من خياله وليس من الواقع.
يعود بكاء الطفل من جديد.
واء! واء!
محمود يرفع رأسه في ذعر! يرهف أذنيه في ذهول!
يعود بكاء الطفل.
واء! واء!
محمود يقف مبهوتا! ويمشي كالمذهول إلى مصدر الصوت.
يرى طفلا مولودا في خرقة من القماش البالية يرتعد من البرد في الشارع ويبكي ويرفس بقدميه الصغيرتين.
محمود يقف مبهوتا أمام الطفل. يقترب منه في حذر. يلمسه بأصابعه ليتأكد أنه طفل حي. يتلفت حواليه لعله يجد أحدا. الشارع مظلم خال من الناس. يقف ويهم بأن يتركه ويعود إلى حاله. الطفل يبكي. يعود إليه. يركع إلى جواره. يتأمل وجهه.
موسيقى مناسبة.
تتراءى له صورة وجه ابنه خالد حين ولد.
صورة مكبرة لوجه محمود وهو ينظر إلى الطفل في حنان وحب.
صورة مكبرة لوجه الطفل اللقيط. محمود يرتجف.
موسيقى عنيفة.
يصمم على حمل الطفل. يلفه في الخرقة ويحمله بين ذراعيه. يدخله في قميصه ليدفئه ويجري به في الشارع كالمجنون لينقذه. يتوقف لاهثا عند باب مستشفى.
يدخل إلى المستشفى ويقدمه للطبيب والحكيمة. الطبيب يسعف الطفل بسرعة والحكيمة تمسك دفترا وقلما.
الحكيمة تسأل محمود:
الحكيمة :
إنت لقيته فين؟
محمود :
في الشارع.
الحكيمة :
ما تعرفش أهله طبعا؟
محمود :
لا.
الحكيمة :
لقيط يعني؟ (الطبيب يسعف الطفل.)
محمود :
أظن انتم بتسموه كده.
الحكيمة :
طيب نسميه إيه دلوقت؟
الطبيب :
أنا رأيي نسميه باسم الإنسان اللي أنقذه.
الحكيمة :
نسميه باسمك؟ موافق؟
محمود :
أيوه. ده شيء يسعدني.
الحكيمة :
اسمك ايه؟
محمود :
محمود زكي. (الحكيمة تكتب اسم الطفل في الدفتر.) (الطبيب يناول الطفل للحكيمة. التي تلفه في ملابس نظيفة وتضعه في سرير نظيف. محمود ينظر إلى الطفل في سعادة يقترب منه وهو نائم في سريره ويقبله.) (الطفل يبتسم له في سعادة.) (صورة مكبرة لوجه محمود والدموع في عينيه. يهم بالخروج من الحجرة وترك الطفل لكنه يعود إليه ثانيا وينظر في وجهه.) (الطفل ينظر إليه أيضا. كأنما يقول له لا تتركني. ليس لي أحد غيرك. محمود يبكي في صمت ويمسك يدي الطفل الصغير في يده. ويكلمه بصوت هادئ.)
محمود :
مسكين يا محمود! إنت ذنبك إيه عشان يسيبوك لوحدك في الدنيا القاسية دي؟!
منهم لله! منهم لله! لكن ما تزعلش يا محمود خليك قوي واوع حاجة في الدنيا تضعفك. اوع تهرب من حياتك مهما كانت سيئة يا محمود! واجهها وكون شجاع يا محمود! يا ابني! (يقبل الطفل قبلة وداع ويبكي في صمت.)
محمود :
ربنا معاك يا محمود! ربنا معاك! (محمود يترك الطفل وحده في السرير.)
تصوير خارجي:
محمود يخرج من المستشفى. يمشي في الشارع بهدوء. تبدو عليه الراحة لأول مرة. يفكر في هدوء وهو يسير.
يكلم نفسه وهو يسير في الشارع:
كانت أكتر حاجة تاعباني اني حاسس اني مش قادر اعمل حاجة. حاجة لها قيمة. كنت حاسس اني فاشل مش قادر احقق الشي اللي جوه نفسي. كنت حاسس اني ابن فاشل وأخ فاشل وطالب فاشل وإنسان فاشل وكاتب فاشل. حتى الحب حسيت اني فاشل فيه. كنت زوج فاشل وأب فاشل. ما كنتش حاسس ان وجودي له قيمة أو أهمية. ما كنتش قادر اعمل حاجة لحد. لكن. دلوقت لأول مرة في حياتي أحس اني عملت حاجة. أنقذت روح إنسان. يا سلام! يا محمود يا ابني! أنا أنقذت حياتك من الموت وانت كمان أنقذت روحي من الضياع اللي كنت فيه. اللي كان أقسى من الموت! أشكرك يا محمود يا ابني! أشكرك!
تصوير داخلي:
محمود يقف أمام بيت أمه. يدق الجرس. تفتح أخته الخرساء. صورة مكبرة لوجهها يعبر عن الدهشة والفرح. تعانقه وتقبله. توضح له بإشارات يديها أن أمه تحتضر.
يندفع محمود إلى حجرة أمه متلهفا! يرى أمه راقدة في الفراش تحتضر. لا تستطيع الكلام.
يعانقها ويقبلها.
محمود :
ماما! ماما! (الدموع تملأ عيني الأم وملامحها تعبر عن الفرحة بعودته.) (تظهر الدموع في عيني محمود.)
محمود :
ماما! ماما! أنا الحمد لله خلاص خفيت وحبقى كويس. حابقى كويس خالص. مش حخليكي تحملي هم حاجة أبدا. ماما! ماما! إنت سامعاني؟
الأم :
تفتح شفتيها في إعياء. تربت عليه في حنان! تشير إلى أخته وتهمس بصوت ضعيف جدا.
الأم :
سامعاك يا محمود. بركة اللي رجعت بالسلامة. خلي بالك من اختك. ما لهاش حد غيرك.
محمود :
أختي عزيزة في عيني يا ماما. اطمني عليها قوي. (الأم تبتسم. ثم تلفظ أنفاسها وتموت.) (محمود يلقي رأسه على صدرها وينشج كالأطفال. أخته عزيزة تبكي معه في حزن.)
محمود :
ماما! ماما! (محمود ينتبه إلى واقعه. يرفع رأسه. يتوقف عن النشيج. يمسك الملاءة ويغطي جثة أمه.) (ينظر إلى أخته في حنان وحب.) (يعانقها بقوة ويكلمها.)
محمود (يكلم نفسه) :
لأول مرة في حياتي أحس ان فيه حد محتاج لي. محتاج لوجودي. ما يقدرش يعيش من غيري! (يكلم أخته):
عزيزة أختي حبيبتي! آه لو كنت بتسمعي! ما تحمليش هم يا عزيزة أنا خلاص خفيت وبقيت كويس. حاشتغل يا عزيزة وحعيشك أحسن عيشة. حعوضك عن كل اللي فات. فاهماني يا عزيزة؟ سامعاني؟! آه لو كنت بتسمعي! (يعانقها ويقبلها من جبهتها في حب وحنان أخوي.) (الأخت تعانقه وتبكي معه.)
تصوير داخلي:
صورة مكبرة ليافطة مكتوب عليها «دار الفكر». يظهر باب عليه هذه اليافطة. الباب يقود إلى حجرة فسيحة يجلس فيها رجال يجلسون على الكراسي ينتظرون. في نهاية الحجرة باب مغلق مكتوب عليه رئيس التحرير. السكرتير في حركة دائمة. يدخل ويخرج من حجرة رئيس التحرير محملا بالأوراق والدوسيهات.
أحد الرجال المنتظرين يتقدم من السكرتير في أدب شديد.
الرجل :
هو الأستاذ رئيس التحرير مش حيقابلنا؟
السكرتير (في شدة) :
لا. قلت لك ميت مرة انه مش فاضي يقابل حد. حضرتك تشرف بكرة.
الرجل :
لكن أنا ...
السكرتير (في شدة) :
يا أستاذ ما تضيعش وقتك ووقتي.
الأستاذ :
مش حيقابل حد النهارده خالص. مش فاضي؟ (الرجل ينظر إليه في يأس ويأخذ زملاءه ويخرج.) (السكرتير يحمل بعض الأوراق ويدخل إلى حجرة رئيس التحرير.) (يدخل محمود. يجلس حتى يخرج السكرتير. السكرتير ينظر إليه شزرا!)
السكرتير :
أيوه يا أستاذ؟
محمود :
أنا عاوز اقابل الأستاذ عزيز.
السكرتير :
الأستاذ عزيز مش فاضي يقابل حد النهارده. (السكرتير يتركه ويدخل بأوراقه إلى حجرة رئيس التحرير.) (محمود يأخذ ورقة من فوق المكتب ويكتب فيها اسمه): (محمود زكي.) (يخرج السكرتير. يرى محمود واقفا.)
السكرتير :
يا أستاذ قلت لك ان رئيس التحرير مش فاضي ومش حيقابل حد النهارده!
محمود :
طيب دخله الورقة دي؟ (السكرتير يأخذ الورقة من محمود في كبرياء وغطرسة، ويدخل إلى حجرة رئيس التحرير.) (تمر لحظة قصيرة. محمود يتمشى في الحجرة مطرقا.) (ينفتح باب رئيس التحرير ويظهر منه عزيز (زميل محمود في لجنة الطلبة). عزيز يرحب بمحمود مهللا ويعانقه في شوق.)
عزيز :
أهلا أهلا محمود!
محمود :
أهلا عزيز!
عزيز :
اتفضل يا محمود. تعالى. إنت يا أخي تدخل أودتي على طول. ازاي تقعد برة كده؟ (السكرتير ينظر إلى محمود في احترام وينحني له وهو يسير مع عزيز إلى داخل الحجرة. عزيز ومحمود يجلسان على كنبة في حجرة مكتب عزيز الأنيقة جدا.)
عزيز :
أهلا محمود أهلا. ازيك يا راجل. كده ما نشوفكش من أيام لجنة الطلبة! من كام سنة يا محمود؟
محمود :
متهيأ لي ميت سنة!
عزيز (يضحك) :
ها! ها! برضه ما تغيرتش يا محمود. فاكر أيام زمان؟! (محمود يشرد طويلا.)
محمود :
فاكر يا عزيز.
عزيز :
لكن انت عملت إيه بعد ما رجعت من القنال؟ أخبارك كده انقطعت مرة واحدة!
محمود :
مسكوني وانا نازل من القطر وخدوني على المعتقل.
عزيز :
والله احنا قلنا برضه كده. وعملت إيه بعد ما خرجت، رجعت الكلية؟
محمود :
أبدا. مش معقول ارجع الكلية تاني بعد كل الوقت اللي فاتني. زائد إني عمري ما كنت عاوز ابقى دكتور.
عزيز :
أنا أعرف كده يا محمود. فاكر لما كنت تقعد تكتب مقالات مجلة الكلية وتقول أنا مش عارف دخلت الطب ازاي، وانا اقولك انا مش عارف دخلت الآداب ازاي، وانا كان نفسي ابقى دكتور وفكرنا نبادل بعض؟! (يضحكان.) (يدخل فراش يحمل القهوة.) (كل منهما يأخذ فنجان قهوة ليشربه.)
محمود :
فاكر يا عزيز. وانت عملت إيه؟
عزيز :
خدت الليسانس طبعا ومش عارف ازاي طلعت من الأوائل وخدوني معيد في الكلية. ومش عارف ازاي برضه سيبت الكلية واشتغلت في الصحافة.
محمود :
إنت طول عمرك يا عزيز نفسك تبقى صحفي.
عزيز :
فاكر لما كنت اجيبلك مقالاتي تصلحها لي يا محمود وتقولي يا أخي بطل كتابة وادخل الطب! (يضحكان.) (محمود يتوقف عن الضحك فجأة ويشرد قليلا. عزيز ينظر إليه في دهشة.)
عزيز :
إيه ما لك يا محمود؟ باين عليك تعبان شوي!
محمود :
شوية! (لحظة صمت. عزيز يفكر.)
عزيز :
لكن انت بتعمل إيه دلوقت يا محمود؟
محمود :
ولا حاجة.
عزيز :
مش معقول! مش معقول! واحد زيك ما يعملش حاجة؟
محمود :
حاعمل ايه؟ الكلية سيبتها. ومش معقول اشتغل أي حاجة. (عزيز يطرق إلى الأرض ويفكر لحظة.) (محمود يفكر شاردا.)
عزيز :
أنا عندي فكرة يا محمود.
محمود :
إيه هي؟
عزيز :
تيجي تشتغل معانا في المجلة. ده يبقى مكسب كبير لنا. إن قلم زي قلمك يكتب فيها. (محمود يفكر تفكيرا عميقا.)
محمود :
لكن حاشتغل ايه؟
عزيز :
زي ما انت عاوز. حتكون محرر عندنا. والمجلة مفتوحة قدامك . تكتب مقالات. تكتب قصص. تعمل موضوعات أو تحقيقات صحفية. هو انا معقول اقولك تعمل إيه يا محمود؟ ده انت اللي علمتني الصحافة والكتابة! عندك مانع يا عزيزي؟
عزيز :
اتفقنا؟
محمود :
اتفقنا. (يقفان. عزيز يصافح محمود بقوة ومحمود يصافحه.) (عزيز يوصل محمود إلى باب الحجرة.)
عزيز :
حشوفك بكرة يا محمود؟
محمود :
إن شاء الله يا عزيز. (يتصافحان عند الباب. محمود يخرج.)
عزيز :
مع السلامة يا محمود.
محمود :
الله يسلمك يا عزيز.
تصوير داخلي:
الدكتورة سعاد تقف أمام بيت أم محمود مترددة. تضع يدها على الجرس بعد تردد.
يفتح الباب رجل عجوز. سعاد تنظر إليه في دهشة!
الرجل :
حضرتك عاوزة مين؟
سعاد :
الست أم محمود.
الرجل :
أم محمود مين؟
سعاد :
أم محمود زكي. ساكنة هنا في الشقة دي.
الرجل :
لا يا ستي. الشقة دي أنا ساكنها. أنا وبنتي لوحدنا.
ما فيش واحدة اسمها أم محمود هنا. لازم عزلت.
سعاد :
حضرتك سكنت قريب؟
الرجل :
أول الشهر اللي فات.
سعاد :
وما تعرفش الست أم محمود عزلت فين؟
الرجل :
لا والله يا ستي. أنا أجرت الشقة فاضية من صاحب البيت. (سعاد تقف أمام الرجل حائرة لحظة.)
الرجل :
يلزم خدمة؟
سعاد :
لا. أشكرك. (سعاد تتركه وتمشي. الرجل يغلق الباب.)
تصوير خارجي:
سعاد تمشي في الشارع حائرة. الدموع في عينيها.
تفكر.
موسيقى تصويرية.
الصورة الممزقة (7)
تصوير داخلي:
الصالة في منزل سعاد. الأم تجلس متكورة كالعجائز.
الدادة تنادي على الطفل خالد:
الدادة :
سي خالد. يا سي خالد. تعالى يا حبيبي. ما تلعبش في أودة ماما. (يسمع صوت الطفل خالد وقد كبر وأصبح عمره ست سنوات من حجرة سعاد): (أنا مش بالعب في حاجة يا دادة.)
الدادة :
طيب تعالى يا حبيبي اعمل واجب المدرسة. أحسن زمان ماما جاية. تزعل منك. (يظهر طفل جميل في السادسة من عمره.)
خالد :
ما انا عملت الواجب يا دادة من الصبح.
الدادة :
شاطر يا حبيبي. شاطر. تعالى جنبي بقى شوية.
خالد :
لا أنا نازل العب في الجنينة مع عادل.
الدادة :
طيب يا حبيبي. بس اوع توسخ هدومك. تعالا أما اعدلك البنطلون يا حبيبي. (خالد يجري ويتركها ويخرج.) (الأم تمصمص شفتيها في حسرة وشفقة.)
الأم :
والنبي الولد ده صعبان علي قوي.
الدادة :
ليه يا ست سنية؟ حد زيه؟ ما شاء الله نبيه وزي الفل.
الأم :
ما لوش أب يا عيني!
الدادة :
ليه يا ست سنية؟ ربنا يخلي له أمه. دي دكتورة أد الدنيا، واسمها على كل لسان، وأم ولا كل الأمهات! مش مخلية سي خالد يعوز حاجة أبدا. ربنا يخليها يا رب.
الأم :
الناس مش بتقول أمه مين. إنما بتقول أبوه مين؟
الدادة :
الناس دلوقت يا ست سنية لا بتقول أبوه مين ولا أمه مين. إنما بيقولوه هو مين؟ وإن شاء الله سي خالد يتعلم ويبقى ما فيش حد زيه.
الأم :
على رأيك وهو يعني أول واحد يتيم الأب؟ اليتامى كتير.
الدادة :
ويتيم ليه يا ست سنية؟ مش يمكن أبوه لسة عايش في الدنيا.
الأم :
عايش إيه يا أم علي؟ دي ست سنين فاتت أهه وما حدش سمع انه في الدنيا وما حدش يعرف له طريق.
الدادة :
يمكن مسافر بلاد بره ولا حاجة. (الطفل خالد يدخل ويأخذ بعض اللعب بسرعة وينزل إلى الحديقة.)
الأم :
إنتي عارفة يا أم علي! أنا سمعت من الناس انه مات.
الدادة :
مات؟ يا عيني على شبابه! جايز والله.
الأم :
بيقولوا انتحر.
الدادة :
انتحر؟ يا عيني عليه. ده لازم مسكين شاف له أيام وحشة قوي. يا ترى الست سعاد دريت بالحكاية دي؟
الأم :
لازم. اللي قالي لازم قالها.
الدادة :
أتاريها يا عيني دايما حزينة كده وساكتة. والنبي الست سعاد دي صعبانة علي قوي.
الأم :
هي اللي جابته لنفسها يا أم علي. وانا يا اختي مش عارفة هي حزينة عليه ليه؟ أنا ما شفتش واحدة خايبة زيها أبدا. مضيعة شبابها وصحتها على ما فيش. واحدة غيرها لها مركزها وفلوسها وشبابها تلبس وتتزوق وتقعد في وسط الناس وتلقط أحسن عريس.
الدادة :
تلقط إيه يا ست سنية. ده أحسن راجل يتمنى انها تبص له بصة واحدة بس. دي دكتورة أد الدنيا. غيرش ان ما حدش مالي عينها فيهم.
الأم :
الرجالة لما بيحبوا يتجوزوا ما يهمش دكتورة ولا غيره. يهمهم انها تكون بنت بنوت. مش اتجوزت قبل كده ومعاها عيال كمان.
الدادة :
دول الرجالة الجهلة يا ست سنية. وهو معقول ان الدكتورة سعاد ترضى براجل جاهل؟ (تدخل سعاد. يبدو عليها الإرهاق والتعب من كثرة العمل. الدادة تجري لها.)
الدادة :
أهلا ست سعاد.
سعاد :
أهلا دادة. ازيك. ازيك يا ماما؟
الأم :
الله يسلمك يا بنتي.
الدادة :
أعملك حاجة يا ست سعاد؟ أحضر السفرة؟
سعاد :
لا يا دادة. أنا حادخل أودتي استريح شوية وبعدين حضري لي الغدا.
الدادة :
حاضر يا ست سعاد.
سعاد :
أمال فين خالد يا دادة؟
الدادة :
بيلعب في الجنينة مع عادل.
سعاد :
اندهيله عشان جايباله معايا حاجة حلوة.
الدادة :
حاضر. (الدادة تخرج.)
الأم :
غدا إيه يا بنتي؟ ده احنا بقينا المغرب.
سعاد :
أعمل إيه يا ماما. كان عندي عملية مستعجلة في العيادة لازم اعملها.
الأم :
أنا مش عارفة إيه آخرة الهلاك ده يا بنتي؟
سعاد :
وإيه آخرة أي حاجة يا ماما؟ (يدخل خالد مهللا. يعانق أمه في سعادة وفرح.)
خالد :
ماما، ماما.
سعاد :
أهلا خالد حبيبي ازيك؟
خالد :
الله يسلمك يا ماما. إنت اتأخرت قوي يا ماما فين الشيكولاتة؟
لازم نسيتي زي كل مرة؟
سعاد :
معقول انسى الشيكولاتة بتاعتك يا خالد؟
خالد :
فين هي يا ماما؟ فين؟ (سعاد تخرج من حقيبتها قطعة كبيرة من الشيكولاتة وتعطيها له.) (سعاد تخرج من حقيبتها «قطارا» لعبة صغيرة جميلة مناسبة لطفل في السادسة من عمره.)
خالد :
الله! ده قطر حلو قوي! مرسي يا ماما. مرسي. أنا حروح أوريه لعادل.
سعاد :
لا مش دلوقت. بكرة إن شاء الله. إنت دلوقت تاخد الحمام بتاعك عشان تنام.
تعالى معايا يا خالد. تعالى.
خالد :
طيب يا ماما. حالعب بالقطر شوية قبل ما انام يا ماما.
سعاد :
الحمام الأول وبعدين خد القطر معاك السرير. عملت الواجب؟
خالد :
أيوه يا ماما. (سعاد تخرج من الصالة ومعها خالد. الذي يمسك اللعبة في فرح وسعادة.) (الأم تبقى وحدها بالصالة تكلم نفسها.)
الأم :
ربنا يهديكي يا سعاد يا بنتي ويرزقك بابن الحلال اللي يسعدك ويستر عرضك ويمنع عنك كلام الناس. (الدادة تدخل.)
الدادة :
ناس إيه تاني يا ست سنية؟
الأم :
إنت عارفة يا أم علي أن الناس دايما يتكلموا ان الست المطلقة اللي عايشة من غير راجل وما يبطلوش عنها كلام إلا لما تتجوز.
الدادة :
وهي الست سعاد وش كده؟ دي دكتورة على سن ورمح.
الأم :
الناس ما يهمهاش دكتورة ولا غيره. ويهمها إنها ست من غير راجل. ده انا بابقى في نص هدومي وانا شايفاها راجعة نص الليل والجيران كلهم شايفنها.
الدادة :
وما له؟ راجعة من العيادة أو راجعة من المستشفى كانت بتسعف حالة مستعجلة.
الأم :
ما حدش بيسأل هي راجعة منين. المهم إنها راجعة نص الليل وبس.
الدادة :
يا ختي الست سعاد ما بيهمهاش كلام الناس. (جرس التليفون يدق في الصالة. ترد الدادة.)
الدادة :
ألو. أيوه الدكتورة موجودة. مين اللي عاوزها؟ حاضر دقيقة واحدة من فضلك. (الدادة تخرج لتبلغ سعاد بالتليفون. سعاد تخرج إلى الصالة وتمسك سماعة التليفون.) (خالد يظهر أيضا ويقف بجوارها يسمع. والدادة تقف تسمع. والأم جالسة تسمع.)
سعاد :
ألو. أنا الدكتورة سعاد.
تعبانة قوي. ما تقدرش تستنى للصبح؟ حاضر أنا جاية حالا. العنوان إيه من فضلك؟ حضرتك حتيجي تاخدني من البيت؟ طيب أنا حكون جاهزة بعد خمس دقائق.
لا. العفو يا فندم. ده واجب علي. أشكرك. (سعاد تضع السماعة. تنظر إلى خالد، ثم تخاطب الدادة.)
سعاد :
أنا نازلة حالا يا دادة حشوف حالة تعبانة. أنا جهزت الحمام لخالد. حميه وخليه ينام في سريره.
خالد :
لا أنا عاوز ماما هي اللي تحميني.
سعاد :
معلهش يا خالد. أنا مش حتأخر.
الدادة :
والأكل اللي على السفرة؟ الغدا والعشا؟
سعاد :
لا. مش حلحق آكل. لما ارجع بقه. (سعاد تسرع خارجة من الصالة.)
الدادة :
ربنا يكون في عونك يا بنتي.
الأم :
والنبي ولا الرجالة.
الدادة :
رجالة إيه يا ست سنية. دي الست سعاد بستين راجل. تعالى يا سي خالد لما احميك يا حبيبي. زمان ماما جاية حالا.
خالد :
مش عاوز الميه سخنة قوي يا دادة.
الدادة :
حاضر يا حبيبي.
خالد :
واقعدي معايا وانا نايم عشان تحكيلي حكاية الشاطر حسن.
الدادة :
حاضر يا حبيبي. حاضر يا ضنايا. (الدادة تخرج ومعها خالد.) (الأم تجلس وحدها تمصمص شفتيها في حسرة وألم.)
تصوير خارجي:
الدنيا ليل.
عربة تقف أمام بيت سعاد. ينزل منها رجل. سعاد تقترب منه. يصافحها.
سعاد تجلس إلى جواره. يظهر بعض الجيران في نوافذهم. يطلون عليهما في استطلاع.
العربة تسير. الجيران يتهامسون في اهتمام.
تصوير داخلي:
صالة منزل سعاد. الأم جالسة متكورة كالعجائز. الدادة إلى جوارها.
الأم :
سعاد اتأخرت قوي. احنا بقينا نص الليل.
الدادة :
لازم الحالة تعبانة قوي. ربنا يسوقك يا ست سعاد. دي يا عيني لا اتغدت ولا اتعشت!
الأم :
أنا مش عارفة إيه آخرة الهلاك ده؟ (يسمع صوت وقوف عربة أمام البيت.) (الأم والدادة يجريان إلى النافذة ويطلان.)
تصوير خارجي:
العربة نفسها تقف أمام البيت. ينزل منها الرجل نفسه ويفتح الباب لسعاد. سعاد تنزل تتحدث مع الرجل لحظة في اهتمام شديد. ثم يصافحها الرجل مبتسما ويوصلها حتى باب البيت. ثم يودعها ويصافحها مرة أخرى. بعض الجيران في نوافذهم يطلون أيضا ويتهامسون.
تصوير داخلي:
الأم والدادة يتركان النافذة.
الأم :
الناس تقول إيه عليها بس؟ ومين ده اللي راكبة معاه وجاي معاها لغاية هنا؟
الدادة :
لازم جوز الست العيانة والا ابنها والا قريبها يا ست سنية.
الأم :
وهي الناس حتعرف منين؟
تصوير داخلي:
عيادة الدكتورة سعاد، المرضى الرجال والنساء جالسون ينتظرون.
فوزية محمد زميلة سعاد في المدرسة ترتدي ملابس الحكيمات تستقبل المرضى وتجلسهم.
تظهر حجرة مكتب الدكتورة سعاد. سعاد تجلس على مكتبها تكتب روشتة. يجلس أمامها رجل «رفاعي» يدخن سيجارة، وينظر إليها في اهتمام.
سعاد :
أنا حكرر الدوا تاني للست والدتك يا أستاذ رفاعي. وبعد شهر خليها تفوت علي اشوفها.
رفاعي :
إنت عارفة يا دكتورة سعاد أن والدتي ثقيلة قوي. حاجي أنا بدالها اقول لحضرتك النتيجة وإذا كان يلزمها حاجة.
سعاد :
طيب على العموم انا مطمئنة على صحتها دلوقت بعد الورم ما راح. (سعاد تقف. رفاعي لا يقف.)
رفاعي :
حضرتك ممكن تديني دقيقة من وقتك كمان يا دكتورة سعاد؟
سعاد :
أيوه. اتفضل. فيه حاجة؟ (سعاد تجلس.)
رفاعي :
أيوه. بس مش عارف اقولها ازاي. أنا جيت هنا لحضرتك كم مرة مع والدتي والحقيقة من أول ما شفت حضرتك وانا أعجبت بيكي قوي. لدرجة اني فكرت ... (سعاد تنظر إليه في وجوم. لحظة صمت.)
رفاعي :
انا عمري ما كنت بفكر في اني اتجوز أبدا. لكن مش عارف الفكرة دي جاتلي بعد ما شفتك. (يقدم لها كارت من جيبه.)
أنا مهندس مقاول ولي مكتب في شارع سليمان. وأنا طبعا سألت عن حضرتك وعرفت كل حاجة عنك. (لحظة صمت.)
رفاعي :
يا ترى يا دكتورة سعاد حيكون رأيك ايه؟
سعاد :
أنا آسفة قوي يا أستاذ رفاعي. أنا ماعنديش نية اني اتجوز تاني.
أنا أشكرك. (سعاد تقف وتصافحه.)
رفاعي :
طيب تحبي تفكري في الموضوع شوية أيام؟ يمكن تغيري رأيك.
سعاد :
لا يا أستاذ رفاعي. أنا لازم اكون صريحة معاك. فكرة الجواز مش عندي خالص. أشكرك. مع السلامة.
رفاعي :
الله يسلمك يا دكتورة. أجيب والدتي بعد شهر؟
سعاد :
أيوه. (تخرج فوزية إلى صالة العيادة. الرجال والنساء جالسون منتظرون الكشف. فوزية تنادي بينهم. تقف سيدة سمينة. فوزية تقودها إلى حجرة الكشف وتغلق الباب خلفها. تعود فوزية إلى المرضى المنتظرين. شاب وسيم يقترب من فوزية ويقول لها في صوت هامس):
الشاب :
هي الدكتورة حتخلص امته؟
فوزية :
لسة بدري. إنت شايف العيادة على آخرها أهه.
الشاب :
يعني بعد كام ساعة؟
فوزية :
مش عارفة. ليه؟ حضرتك عاوزها في كشف برة؟
الشاب :
لا.
فوزية :
عاوز تكشف؟
الشاب :
لا.
فوزية :
أمال عاوز الدكتورة في إيه؟
الشاب :
ده موضوع خاص عاوز أكلمها فيه.
فوزية :
موضوع خاص! هي ما عندهاش وقت للمواضيع الخاصة في العيادة.
الشاب :
أمال أقابلها فين؟ هي الصبح بتبقى فين ؟
فوزية :
في المستشفى.
تصوير داخلي:
حجرة نوم الطفل خالد. الطفل راقد في السرير والدادة تجلس إلى جواره.
خالد :
ماما اتأخرت قوي يا دادة.
الدادة :
زمانها جاية يا حبيبي.
خالد :
كل مرة تقوليلى كده. هي ماما بتروح فين يا دادة؟
الدادة :
بتروح الشغل يا حبيبي.
خالد :
اشمعنى ماما عادل مش بتروح الشغل؟ باباه هو اللي بيروح الشغل.
الدادة :
مامتك دكتورة أد الدنيا!
نام يا حبيبي نام. (تدخل سعاد إلى البيت عائدة من العيادة.)
الدادة :
ماما عادل مش دكتورة. إنما مامتك دكتورة شاطرة بتخفف كل العيانين. (تسمع صوت خالد يكلم الدادة. تقف بالباب تسمع دون أن يراها أحد.)
خالد :
أمال بابا فين يا دادة؟ (الدادة تمسح دمعها.)
الدادة :
بابا يا حبيبي مسافر. مسافر يا ضنايا.
خالد :
مسافر فين يا دادة؟
الدادة :
مسافر! مسافر بلاد برة يا حبيبي.
خالد :
بيعمل إيه يا دادة هناك؟
الدادة :
بيشتغل يا حبيبي.
خالد :
وحيرجع هنا امته يا دادة؟
الدادة :
هيرجع قريب. قريب قوي يا حبيبي.
خالد :
إنت كل مرة تقوليلي قريب. قريب. ومش بيرجع أبدا. أنا عاوز أشوف بابا.
الدادة :
حتشوفه يا حبيبي حتشوفه. تحب أحكيلك حكاية الشاطر حسن؟
خالد :
لا. أنا عاوز بابا. إنت شوفتيه يا دادة؟ شكله إيه يا دادة؟ (يظهر وجه سعاد مكبرا بالدموع فيه.) (الدادة تمسح دموعها في صمت.) (وجه سعاد يظهر وهي تبكي في صمت.) (تدخل سعاد إلى حجرتها في هدوء دون أن تدخل حجرة طفلها خالد.) (تجلس شاردة على طرف السرير والدموع في عينيها. صورة مكبرة لوجهها ينم عن الحزن والألم والتفكير.) (تقف وتمشي كالتائهة. تجلس على المكتب. تفتح الدرج. تخرج صورة محمود ممزقة وتنظر فيها. تضع الصورة مرة أخرى في الدرج. تجلس على المكتب ورأسها بين يديها تفكر.) (منزل سعاد. الصالة. الأم تجلس. والدادة تلاعب الطفل خالد.)
الأم :
هي سعاد اتأخرت كده ليه؟
الدادة :
شغل العيادة كتير. ربنا يكون في عونها.
الأم :
خلاص اهو جالها اللي حيريحها.
الدادة :
إيه؟
الأم :
عريس قد الدنيا. مهندس كبير وغني. (تدخل سعاد.)
سعاد :
فيه حد حيتجوز يا ماما؟
الأم :
أيوه.
سعاد :
مين؟
الأم :
إنت.
سعاد :
أنا؟
الأم :
أيوه انت. الأستاذ رفاعي جه البيت وطلب إيدك مني. (الدادة تأخذ الطفل وتخرج.)
سعاد :
والله عال! كويس خالص! بيجي كده البيت من غير ما يأخذ رأيي.
الأم :
بيقول إنه راحلك العيادة وكلمك في الموضوع.
سعاد :
هوه جالي صحيح. ولكن هل قلتله اني موافقة؟
الأم :
وهو معقول الواحدة بتقول للواحد أنا موافقة كده عيني عينك؟
سعاد :
أمال تقول إيه؟
الأم :
تقوله أما أفكر. الست ما تقولش أيوه أبدا.
سعاد :
اسمعي يا ماما انا مش زي الستات. أنا الأيوه بتاعتي يعني أيوه واللا يعني لا.
الأم :
وقولتي للأستاذ رفاعي إيه؟
سعاد :
قولتله لا.
الأم :
ليه قولتيله لا؟
سعاد :
كده. مش عاوزة اتجوزه.
الأم :
ليه؟
سعاد :
كده. مش عاجبني.
الأم :
وليه مش عاجبك؟ ده راجل مهندس كبير وغني قوي.
سعاد :
مش مهم. أنا مش حاتجوز إلا لما اقابل الشخص اللي يملا دماغي. يعني إيه اتجوز أي واحد؟ ليه عشان يأكلني والا يشربني والا يفتحلي بيت؟ أنا بوكل نفسي. أفتح عشر بيوت مش بيت واحد.
الأم :
هي مسألة أكل وشرب بس؟
سعاد :
أمال إيه؟
الأم :
الراجل بيحمي الست.
سعاد :
بيحمي الست.
بيحميها من إيه؟
الأم :
من كلام الناس. طول ما الست لوحدها الناس ما ببتبطلش عنها الكلام لغاية ما تتجوز.
سعاد :
ناس إيه؟ ما يتكلموا. كلام الناس ملوش قيمة عندي. (تخرج سعاد.)
الأم :
طول عمرك راسك ناشفة. إنت ربنا يهديكي يا سعاد يا بنتي. (حجرة مكتب عزيز في الجريدة.) (عزيز ومحمود يجلسان متجاورين يشربان القهوة ويدخنان.)
عزيز :
يا سلام يه إنت شفت أيام صعبة قوي يا محمود!
محمود :
أيام! دي سنين. سنين يا عزيز وانا لا انا ميت ولا أنا صاحي. كل الناس قفلوا أبوابهم في وشي. صحابي. قرايبي. حتى أمي. تصور أمي قفلت بابها في وشي.
عزيز :
كانت معذورة.
محمود :
الله يرحمها. عمرها ما اعترفت اني إنسان كويس. كان نفسي انها تعترف ولو مرة واحدة اني كويس، كانت دايما تقوللي انت خايب.
عزيز :
ليه ما حاولتش تثبت لها إنك إنسان كويس؟
محمود :
حاولت. وفشلت. فشلت.
عزيز :
ليه؟
محمود :
كان الإنسان الكويس من نظرها هو اللي يذاكر وينجح ويبقى دكتور. مقدرتش ابقي دكتور. الطب كان في نظري نوع من التجارة. عمري ما تصورت نفسي تاجر. كنت مؤمن اني لازم اعمل حاجة كبيرة بحياتي.
عزيز :
فعلا يا محمود. كان عندك طاقة كبيرة قوي.
محمود :
كل يوم كنت بقابل فشل جديد. فشل في مثلي العليا كلها.
الخيانة اللي شفتها بعد حرب القنال خلتني أكفر بالوطنية والكفاح.
الناس! والدنيا كلها ما كنتش تثبت يوم على مبدأ واحد! (يتنهد في أسى.)
وفشلت في الحب كمان.
عزيز :
وليه فشلت في الحب؟ أنا اعرف إن سعاد ما خلتش تضحية إلا وعملتها عشانك.
محمود :
أيوه. سعاد ضحت كتير عشاني. لكن تصور يا عزيز انها كانت كل ما تضحي عشاني كل ما انا احس اني مجرم في حقها فاتغاظ منها واعاملها بقسوة.
عزيز :
مش معقول! ليه كده يا محمود؟
محمود :
مش عارف. كنت باحس أنها أقوى مني. ناجحة عني. هي اللي بتديني مش انا اللي بديلها. (يسكت لحظة في شرود.)
سعاد استحملتني اكتر من أمي. لكن حياتي معاها كانت عذاب. أمي عذبتني بقسوتها وسعاد عذبتني بحنانها. (محمود يشعل سيجارة، ويظهر عليه الألم الشديد.)
عزيز :
ولا يهمك يا محمود. انت دلوقت مش راضي عن نفسك؟
محمود :
أنا شايف اني ماشي في الطريق الصح. الطريق اللي كنت عاوز امشي فيه طول عمري. كنت احب اكتب. اللي عايز اقوله.
عزيز :
واحد زيك يا محمود مش ممكن يحقق ذاته إلا عن طريق الكتابة.
محمود :
كل كلمة باكتبها يا عزيز والناس بتقرأها بتديني قوة غريبة. مش عارف إزاي. كأني باخلق حاجة جديدة.
عزيز :
إنت كمان خلاص وصلت يا عم. كل الناس بقت تستنى مقالاتك.
محمود :
كل الناس؟
عزيز :
أيوه كل الناس. إيه؟ كتير عليك ده؟
محمود :
لا أبدا. بس بفكر.
عزيز :
في إيه؟
محمود :
يا ترى سعاد من ضمن الناس اللي بتقرالي؟
عزيز :
يهمك قوي انها تكون بتقرا لك؟
محمود :
أيوه يا عزيز. يهمني انها تقرالي ويهمني انها تعرف اني بقيت إنسان كويس. ناجح. وإن الصورة اللي رسمتها لي كانت صورة حقيقية. كانت دايما تقولي انت قوي مش ممكن حاجة تضعفك يا محمود. يا خسارة ما قدرتش أحقق الصورة اللي هي كانت راسماها لي وانا بعيد عنها. (يبدو على محمود الألم.)
عزيز :
قوم يا شيخ قوم تعالى نشوف مسرحية علي شاكر عشان عاوز اكتب عنها بكرة وابهدله فيها آخر بهدلة. قوم يا شيخ قوم. (منزل سعاد. الصالة. سعاد تلاعب طفلها خالد (عمره أربع سنوات تقريبا).)
سعاد :
إنت عاوز تطلع إيه يا خالد؟
خالد :
عاوز اطلع دكتور زيك يا ماما.
سعاد :
يا حبيبي يا خالد.
خالد :
ماما.
سعاد :
نعم يا خالد.
خالد :
أنا لعبت مع عادل في الجنينة النهارده.
سعاد :
صحيح؟ لازم كنت مبسوط خالص.
خالد :
كنا بنلعب سوا لكن بابا عادل نزل الجنينة وقاله يطلع البيت.
سعاد :
لازم كان عاوزه في حاجة يا خالد وعادل لازم يسمع كلام باباه. (الطفل يسكت لحظة.)
سعاد :
بابا يا خالد بيشتغل شغلة عظيمة جدا. بتاخد منه وقت كتير، كمان المسافة بيننا وبينه طويلة يا خالد، عشان كده مش بيجي.
خالد :
هو بيشتغل إيه يا ماما؟
سعاد :
بيكتب يا خالد. بيكتب حاجات حلوة خالص. وكل الناس بتحبه وبتحب تقرا له. بكرة لما تكبر يا خالد وتعرف تقرا حجيبلك كل الحاجات اللي كتبها عشان تقراها وتعرف إن بابا راجل عظيم.
خالد :
طيب فين الشيكولاتة؟ اوعي تكوني نستيها يا ماما؟
سعاد :
معقول انساها يا خالد؟ (تخرج له الشيكولاتة من جيبها. يأخذها خالد في سعادة.) (تدخل الدادة.)
الدادة :
تعالى يا خالد يا حبيبي عشان تغير هدومك. (الدادة تأخذ الطفل وتخرج. سعاد تجلس شاردة تفكر. تمسك إحدى الجرائد. تتصفحها في شرود.) (تدخل الأم.)
الأم :
مش تيجي تاكلي لقمة وتستريحي من تعب طول النهار. بتقري إيه تاني هو انت كده ما تبطليش قراية طول عمرك؟
سعاد :
طول عمري احب القراية.
الأم :
يظهر يا سعاد يا بنتي ان ربنا استغفر الله العظيم كان حيعملك راجل.
سعاد :
قصدك إن الراجل بس هو اللي يقرا. والست تعمل إيه؟ تقشر بصل؟
الأم :
الست تتجوز. فيه ست تعيش من غير جواز؟
سعاد :
أيوه انا. مش محتاجة للجواز. عندي شغلي وعندي مركزي وعندي فلوسي وعندي ابني. عندي كل حاجة.
الأم :
وشبابك يا سعاد؟ السنين بتجري يا بنتي وبكرة تندمي وتقولي يا ريتني اتجوزت.
سعاد :
عمري ما حاندم. أنا أفضل اني أعيش طول عمري لوحدي عن اني اتجوز كده أي راجل.
الأم :
وابنك؟ تفتكري انه مش محتاج لراجل في البيت يقوله يا بابا زي كل العيال؟
سعاد :
خالد مش ناقص حاجة. أهم حاجة للطفل أنه يتربى كويس ويتعلم كويس. مش لازم أبوه وأمه يبقوا قاعدين جنبه دايما. فيه طفل بيبقى عايش في وسط أبوه وأمه وبيخسر من سوء التربية. وفيه طفل امه لوحدها بتعرف تربيه وتعرف تعوضه عن ابوه من غير ما تكدب عليه ومن غير ما تعقده.
الأم :
أهو برضه بيبقى محروم من ابوه زي اليتيم يا ضنايا.
سعاد :
يتيم دي كلمة قديمة. أيام ما كان الأب هو اللي بيصرف على ولاده وامهم كمان. فلما الأب يموت والا يجرى له أي حاجة الولاد يتشردوا ويجوعوا لكن دلوقت لا. الأم بقت زي الأب بتصرف على ولادها وبتربيهم.
الأم :
لكن العيل بيبقى حاسس ديما إن فيه حاجة ناقصاه يا بنتي.
سعاد :
مش لازم الطفل يكون عنده كل حاجة. أي نوع من الحرمان في حياته مع التربية الكويسة بيديله صلابة وقوة في شخصيته. وطبعا ده حينفعه كتير لما يكبر؛ لأن الحياة عمرها ما حتديله كل حاجة.
الأم :
أنا مش فاهمة حاجة خالص من كلامك يا سعاد يا بنتي. طول عمري ما فهمش كلامك. (الدادة تدخل.)
الدادة :
وانا طول عمري بافهم كلامك يا ست سعاد. صحيح انا ما تعلمتش في المدارس ولا اعرفش اقرا ولا اكتب. لكن والنبي كل كلمة تقولها الست سعاد بافهمها. مش كده والا إيه يا دكتورة سعاد؟
سعاد :
أيوه يا دادة. الفهم مش بالتعليم في المدارس. فيه ناس بتفهم من غير ما تتعلم وفيه ناس بتتعلم ولا تفهمش.
الدادة :
قومي يا ست سعاد قومي. أما انا عاملا لك طبق كشك بالفراخ يستاهل بقك. (مكتب أنيق. يجلس إليه محمود زكي. يافطة صغيرة على باب المكتب مكتوب عليها رئيس التحرير. محمود منهمك في الكتابة.) (يدخل السكرتير.)
السكرتير :
واحدة ست برة عاوزة تقابل سيادتك. (محمود لا يسمعه. منهمك في الكتابة.)
السكرتير :
فيه واحدة ست برة عاوزة تقابل سيادتك.
محمود :
مين؟
السكرتير :
واحدة ست.
محمود :
اسمها إيه؟
السكرتير :
ما قالتش لي اسمها. (محمود يفكر لحظة.)
محمود :
خليها تتفضل. (تدخل سيدة جميلة في دلال.)
محمود :
أهلا وسهلا. اتفضلي.
السيدة :
حضرتك مش عارفني؟
محمود :
لا والله مش واخد بالي.
السيدة :
أنا نادية.
محمود :
أهلا وسهلا. نادية اللي بتكلميني في التليفون دايما؟
السيدة :
أيوه. عرفت بقه؟ (محمود ينظر إليها في صمت دون حماس أو تشجيع.)
السيدة :
كنت فاكرة انك عاوز تشوفني؟
محمود :
حضرتك شرفت.
السيدة :
يا ترى أما كنت بتسمع صوتي في التليفون كنت بترسم لي في خيالك صورة شكلها إيه؟
محمود :
مش عارف. ما حولتش ارسم أي صورة.
السيدة :
مش معقول! لازم كنت راسم لي صورة أحلى من كده؟ والا إيه؟
محمود :
أبدا. أنا قلت لنفسي بس انك لازم غاوية قراية.
السيدة :
أبدا. ما عنديش صبر على القراية.
محمود :
أمال عندك صبر على إيه؟ (في دلال شديد.)
السيدة :
على الحب. (في سخرية.)
محمود :
كده؟ والله حاجة كويسة خالص! (يدخل عزيز.)
عزيز :
إيه؟ عندك ضيوف ولا إيه؟
محمود :
لا. اتفضل يا عزيز. (يقدم له السيدة.)
الست نادية. (عزيز يصافح السيدة.)
عزيز :
أهلا وسهلا! تشرفنا. (السيدة تهم بالانصراف.)
السيدة :
طيب يا محمود. أنا مش عاوزة اعطلك. حاكلمك في التليفون لما ترجع.
محمود :
متشكر يا فندم. مع السلامة.
السيدة :
الله يسلمك. (تخرج السيدة.)
عزيز :
طبعا يا سيدي. المعجبات كتروا قوي!
محمود :
الشهرة والفلوس يخلوا الستات يجروا وراء أي راجل يا عزيز.
عزيز :
هي دي الطبيعة. كل الستات كده. خليك واقعي.
محمود :
لأ. مش كل الستات يا عزيز. فيه ستات بيوزنوا الراجل من غير فلوسه أو شهرته.
عزيز :
زي مين كده؟
محمود :
سعاد.
عزيز :
تاني؟ مش قلت انك حتنساها؟
محمود :
مش قادر انساها يا عزيز. مش قادر. عرفت ستات غيرها كتير. كتير. لكن تصور يا عزيز ما فيش واحدة قدرت تفهمني زي سعاد. ما فيش واحدة شفت في عينها نفسي. كنت باشوف في عينين سعاد اني إنسان قوي. حتى في عز ضعفي. في عز مرضي وانهياري عمر ما الصورة اللي جوه عينها ما تغيرت.
عزيز :
وكل ده بيريحك.
محمود :
بالعكس. كنت عاوزها تغير رأيها في عشان استريح. ثقتها في كانت تعذبني. كانت متهيأ لي أنها بتخدعني.
عزيز :
ودلوقت؟ مش ثبت لك ان ثقتك فيها كانت في محلها. (محمود يطرق صامتا.)
عزيز :
أنا مندهش يا محمود! ليه مش بتحاول تقابل سعاد؟
محمود :
مش عارف. بفكر كتير اني اقابلها. أحيانا امر من قدام عيادتها وانا ماشي بالعربية. وانظر واقرأ اليافطة. وأحس بقوة غريبة تخلي رجلي تدوس على الفرامل عشان اقف. لكن قوة ثانية أغرب تخليني ادوس بنزين وامشي.
عزيز :
ما حاولتش تعرف ليه بتعمل كده؟
محمود :
حاولت. أنا خايف يا عزيز إن سعاد تكون نسيتني ولما اقابلها ما تشوفش في محمود بتاع زمان اللي بتحبه.
عزيز :
بس كده؟
محمود :
أو تكون سعاد اتغيرت في السنين الطويلة اللي فاتت. ولما اقابلها اشوف فيها واحدة ثانية غير سعاد اللي انا باحبها.
عزيز :
وإيه تاني؟
محمود :
بس.
عزيز :
بسيطة. ما تروح تقابلها وتشوف بنفسك الحقيقة بدل ما انت عايش في الحيرة دي يا أخي. خليك واقعي بقه.
محمود :
خايف يا عزيز. إنت مش عارف انا حاطط أمل كبير أد إيه في سعاد.
عزيز :
لأ. ما تحطش أمل كبير في أي حاجة في الدنيا، الدنيا نفسها بتتغير. كل حاجة بتتغير. حط في مخك ان سعاد رخره ممكن تتغير زي أي حاجة في الدنيا. لما تعرف كده حتروح تقابلها من غير تردد. والله إذا كانت زي ما هي ده اللي انت عاوزه. والله إذا كانت اتغيرت مش حتبقى مفاجأة لك أو صدمة.
محمود :
كلامك معقول يا عزيز. لكن برضه انا متردد. متهيأ لي استنى شوية يعني هي مش عارفة انا بقيت إيه؟ لازم قرت لي مرة ولو بالصدفة.
عزيز :
طبعا. لازم قرت.
محمود :
ليه ما فكرتش انها تقابلني؟
عزيز :
هو ده معقول؟ واحدة ست تروح تقابل الراجل اللي كانت متجوزاه قبل كده؟ مش معقول!
محمود :
سعاد مش أي واحدة. سعاد بتعمل دايما اللي هي بتشوف انه صح.
عزيز :
لا. مش ممكن. الست برضه لازم تستنى لما الراجل هو اللي يروح لها.
محمود :
سعاد عمرها ما كانت سلبية. (محمود يفكر في شرود.)
عزيز :
وانت ليه ما تروحش تقابلها وتبقى إيجابي يا أخي؟
تصوير داخلي:
منزل سعاد.
سعاد صامتة شاردة. الأم تقترب منها وتربت على كتفها في حنان.
الأم :
عشان خاطري يا سعاد. ارضي بالأستاذ رفاعي نفسي اشوفك متجوزة قبل ما اموت. نفسي أطمن عليكي. عشان خاطر ابنك خالد وعشان خاطري يا سعاد. ريحي قلبي ربنا يريح قلبك. (الأم تبكي. تمسح دموعها، سعاد تنظر إليها في عطف. الأم تتركها وتخرج. تمشي الأم وتعرج في شيخوخة وتعب.) (سعاد تستلقي على السرير في إعياء على وجهها. تتقلب على الفراش. صورة مكبرة لوجه سعاد تعبر عن الحيرة.) (الأم تدخل إلى غرفة ابنتها سعاد مرة أخرى على وجهها تعبير الاستجداء والإعياء.)
الأم :
خلاص يا سعاد يا بنتي. ربنا يهديكي وتوافقي على الأستاذ رفاعي. ده بيحبك وبيحب ابنك. ريحي قلبي يا سعاد، قلت إيه؟ (سعاد تتنهد في إعياء.)
سعاد :
حاضر يا ماما. (قطع.) (زغرودة تنطلق من فم الدادة.) (صوت زغرودة طويلة.)
تصوير داخلي:
حجرة الطعام في منزل سعاد. الطفل خالد على كرس. دادة أم علي تجهز الأطباق.
خالد :
هو بابا حيتغدى معانا النهارده يا دادة؟
الدادة :
أيوه يا حبيبي.
خالد :
لكن هو بابا مش بيقعد معانا في البيت ليه يا دادة؟ مش زي بابا عادل؟
الدادة :
أصله لسة يا حبيبي راجع من السفر وبيخلص شوية شغل. وبعدين بيجي يقعد معانا على طول. (يدخل الأستاذ رفاعي. الدادة ترحب به. خالد يقف ويسلم عليه.)
الدادة :
أهلا سي رفاعي. أهلا اتفضل. اتفضل.
رفاعي :
ازيك يا خالد.
خالد :
الله يسلمك يا بابا. (رفاعي يجلس، وخالد يجلس، والدادة ترتب الأطباق.)
خالد :
انت بتروح فين يا بابا؟
رفاعي :
بروح الشغل يا خالد. (الدادة تعطي الطفل خالد طبقا آخر.)
الدادة :
كل يا حبيبي. كل يا ضنايا.
خالد :
وانت بتشتغل إيه يا بابا؟ دكتور زي ماما؟
رفاعي :
لا مش دكتور زي ماما. كل وانت ساكت. (الدادة تنظر إلى رفاعي من خلف ظهره في غيظ. خالد يبدو عليه الألم.) (الدادة تربت عليه في حنان.)
الدادة :
كل يا حبيبي يا ضنايا. ما تزعلش يا خالد. أصل بابا راجع تعبان من الشغل. (الدادة تخرج.) (خالد يمسك المعلقة ويضعها في فمه وينظر إلى رفاعي. رفاعي يرفع المعلقة إلى فمه وينظر إلى الطفل نظرات كراهية. الطفل يطرق ويأكل في صمت حزين.)
تصوير داخلي:
حجرة مكتب أنيقة. مكتوب على بابها رئيس التحرير. محمود زكي يجلس على المكتب الفخم. مشغول جدا يرد على التليفونات. يمضي على أوراق يقدمها له بعض المحررين. عمل حركة. نشاط. يسمع صوت ماكينة الطباعة.
يخرج جميع المحررين. يبقى محمود وحده في الحجرة. يمسك رأسه بيديه في اعياء. عزيز «زميله» يدخل. محمود يرفع رأسه في إعياء.
عزيز :
مقالك الأخير عامل ضجة كبيرة قوي يا محمود. كل الناس بتتكلم عليه.
عزيز :
إيه ما لك يا محمود؟
محمود :
ما فيش. إرهاق من كتر الشغل.
عزيز :
شغل؟ هو انا مش عارفك. عمر ما الشغل يتعبك> لازم فيه حاجة> أنا ملاحظ انك اليومين الأخيرين دول مش تمام. مش زي عوايدك. فيه حاجة مضايقاك يا محمود؟
محمود :
أبدا يا عزيز. ما فيش غير سعاد.
عزيز :
يا أخي ما انت قريت خبر خطوبتها من شهور. واتفقنا على إنك تنساها.
محمود :
مش قادر انساها يا عزيز.
عزيز :
لسة بتحبها يا محمود؟
محمود :
مش عارف. صورتها مش بتغيب من ذهني أبدا. مش عارف ليه ؟ وصورة ابني خالد دايما قدامي.
تصوير داخلي:
في منزل سعاد.
زوجها مع الطفل خالد والدادة يتحدثون في غرفة الطعام.
خالد :
الشغل ده بالليل وبالنهار يا بابا؟ اشمعنى بابا عادل بيشتغل بالنهار بس؟
الدادة :
أصل بابا يا حبيبي مهندس كبير أد الدنيا وبيشتغل كتير. وبكرة إن شاء الله يفضى شوية ويرجع لنا كل يوم زي بابا عادل.
خالد :
لكن يا بابا إنت كنت مسافر بعيد قوي كده عشان ايه؟
رفاعي :
عشان شغل برضه.
خالد :
وما خدتنيش معاك ليه يا بابا؟ (رفاعي ينظر إلى الساعة.)
رفاعي :
إنت كنت لسة صغير. بترضع. ولازم تقعد مع ماما. سعاد اتأخرت يا أم علي.
الدادة :
زمانها جاية حالا. هي عارفة ان حضرتك جاي على الغدا. (جرس التليفون يدق. الدادة ترد.)
الدادة :
أيوه يا ست سعاد. ليه يا ست سعاد؟ عملية مستعجلة؟ طيب يا حبيبتي. ربنا يكون في عونك. أيوه الأستاذ رفاعي جه. حاضر يا ست سعاد. مع ألف سلامة. (الدادة تضع السماعة.)
رفاعي :
فيه إيه يا أم علي؟
الدادة :
دي الست سعاد جاتلها عملية مستعجلة في العيادة. وحتتأخر شوية عن الغدا يا كبدي عليها! عمرها ما اتغدت معانا أبدا. ربنا يكون في عونها.
رفاعي (غاضبا) :
لكن هي عارفة اني جاي على الغدا. كان لازم تيجي في ميعادها.
الدادة :
غصب عنها يا سي رفاعي. حتسيب العملية يعني؟
رفاعي :
تأجلها لبعد الضهر.
الدادة :
تأجلها؟ هو العيا بيستنى يا سي رفاعي؟ لما العيان يموت؟
رفاعي :
يموت يموت. هو ما فيش دكتور غيرها في البلد؟ الدكاترة على قفا مين يشيل! (الدادة تنظر إليه في غيظ. تناوله طبقا فيه نوع من الطعام.)
الدادة :
كل. كل يا سي رفاعي كل ولا تغيرش دمك. زمان ست سعاد جاية.
رفاعي (في غضب) :
أنا مش حاسس اني حابقى راجل البيت أبدا. كل حاجة الدكتورة سعاد. الدكتورة سعاد. اليافطة مكتوب عليها الدكتورة سعاد. التليفونات كلها الدكتورة سعاد. الدكتورة سعاد راحت الدكتورة سعاد جت. كل حاجة الدكتورة، الدكتورة، وانا الراجل صفر على الشمال. ما بقاش لي اسم ، اسمي بقى خطيب الدكتورة. حاجة تجنن.
سعاد (في هدوء) :
إنت عارف يا رفاعي إن الدكتور له صلة كبيرة قوي بالناس. ومش عيب أبدا إن خطيبتك تكون دكتورة ناجحة وكل الناس بتطلبها، بالعكس دي حاجة تفرحك وتخليك مبسوط.
رفاعي :
مبسوط؟ مبسوط قوي. حنبسط على إيه يا دكتورة؟ هو انا حاسس إني خاطب واحدة ست؟ ده كأن راجل خاطب راجل. لكن راجل إيه؟ ده الراجل بيقعد في البيت شوية عنك.
سعاد :
انت عارف يا رفاعي من قبل ما نتفق على الخطوبة إني باشتغل وان شغلي بياخد مني وقت كتير.
رفاعي (غاضبا) :
أيوه يا ستي. كنت عارف انك دكتورة ناجحة ومعروفة. لكن ما كنتش عارف ان ده حيكون على حسابي أنا؟
سعاد :
يعني على حسابك انت؟ إنت فاهم الجواز ده يعني راجل بيشتري واحدة ست عشان تطبخ له وتغسل له هدومه وتقعد طول النهار في البيت تستناه لما يرجع من شغله؟ الست في نظرك إيه؟ خدامة؟
رفاعي :
أيوه خدامة لجوزها. ده شرف كبير لها. الطبيعة خلقاها عشان كده. مش عشان تبقى راجل زيه. (سعاد تقف غاضبة.)
سعاد :
أنا مش ممكن اقدر اسمع المناقشة بتاعة كل يوم. إنت تفكيرك غير تفكيري. مش ممكن حياتنا تستمر سوا وانت بتبص للست النظرة دي. (الأم تدخل. تتجه ناحية رفاعي.)
الأم :
ما تزعلش نفسك يا أستاذ رفاعي، سعاد معذورة يا بني. شغلها بيحكم عليها.
رفاعي (ساخرا غاضبا) :
شغلها بيحكم عليها؟ عال خالص؟ أمال انا صنعتي إيه بقه؟ المفروض أنا اللي أحكم عليها مش شغلها.
الأم :
طبعا يا ابني طبعا انت اللي تحكم عليها. بس هي معذورة في شغلها.
سعاد (غاضبة) :
إيه الكلام ده؟ يحكم عليه يعني إيه؟ هو أنا إيه؟ أنا إنسانة لي رأيي وأفكاري. ده انا باتحكم في أرواح الناس يقوم يتفاهم معاي بالشكل ده؟ (سعاد تخرج غاضبة.)
الأم :
معلهش يا أستاذ رفاعي. سعاد طول عمرها كده. وراسها ناشفة. إنما قلبها دهب.
رفاعي :
قلبها؟ هي عندها قلب؟ أنا رايح المكتب! (الدادة تقف على الباب.) (تسمع رفاعي يخرج غاضبا.)
الدادة :
والنبي ما حد ما عندوش قلب غيره.
الأم :
مين؟
الدادة :
سي رفاعي. حيكون مين؟
الأم :
ليه؟
الدادة :
كله كوم وضربه للولد الصغير كوم.
الأم :
هو بيضربه؟ قطع إيده.
الدادة :
اسكتي يا ست سنية. انا مبرضاش اقول للست سعاد. ده يا ضنايا بيتلككله على أي سبب وهي مش في البيت ويروح ضربه على وشه بالقلم. يتنه يا ضنايا يعيط لما يقول يا بس ويقوله يا حبة عيني ما تزعلش يا بابا. حقك علي يا بابا.
الدادة (تبكي) :
حرمت يا بابا. لما يخلي قلبي يتقطع حتت.
الأم :
إلهي تنشل إيدك يا رفاعي. ومش بتقولي له حاجة يا أم علي؟
الدادة :
حقوله إيه؟ بقول أهو زي ابوه وبيربيه.
الأم :
بيربيه؟ تربية في عينه وعين اللي خلفوه. والنبي لا قول لسعاد لما ترجع. أهو ده اللي ناقص! يضرب الولد! ضربة في قلبه.
تصوير داخلي:
حجرة نوم محمود. محمود مستلق على السرير يقرأ في كتاب. أخته عزيزة الخرساء تدخل ومعها كوب من الشاي تضعه إلى جواره على الكوميدينو. محمود يشكرها بابتسامة والإشارات ويواصل قراءته. الأخت تخرج. محمود يتوقف عن القراءة ويشرد قليلا يفكر. شاردا.
تصوير داخلي:
سعاد أيضا مستلقية على سريرها بملابس الخروج شاردة.
يعود المنظر إلى محمود وهو في السرير يمد يده يضع الكتاب على الكوميدينو. يده ترتطم بكوب الشاي. الكوب يقع وينكسر.
موسيقى عنيفة ومستمرة.
صورة مكبرة لوجه محمود ينم عن الفزع. يعود المنظر إلى سعاد وهي مستلقية على السرير. تسمع صوت شيء يقع على الأرض. ثم تسمع صوت لطمة قوية يعقبها صوت صراخ الطفل خالد.
الموسيقى مستمرة.
سعاد تقفز من السرير كالنمرة تخرج إلى الصالة مهرولة.
الموسيقى مستمرة.
تصوير داخلي:
حجرة الطعام في منزل محمود زكي. سفرجي يجهز الأطباق، عزيزة الأخت الخرساء تشرف عليه وترتدي ملابس أنيقة. تجلس على كرسي وفي يدها شغل تريكو، الجرس يدق. تبتسم وتجري مسرعة إلى الباب.
يظهر بالباب رجل يحمل حزمة من الزهور والورد.
عزيزة تأخذ منه الزهور وتبتسم له وتشكره. يشير لها الرجل أنه سيأتي في الغد.
عزيزة تفك الزهور وترتبها في زهريات. تضع واحدة على المائدة وتضع الباقي في أماكن أخرى.
تبدو عليها السعادة.
الجرس يدق، الأخت تفتح الباب.
محمود يدخل. تعانقه وتقبله. تشير إلى الطعام. يجلس إلى المائدة. لا يشعر برغبة في الطعام.
الأخت تحاول أن ترغبه في الأكل. محمود يفهمها أنه غير جائع وأنه سيدخل ليستريح. محمود يدخل حجرة نومه. حجرة أنيقة فيها مكتب صغير. يجلس على المكتب يفكر في شرود. يفتح أحد الأدراج ويخرج منها صورة سعاد الممزقة. يتأملها قليلا ثم يضعها في الدرج. محمود يمسك رأسه بيديه. تدخل أخته عزيزة ومعها كوب من الشاي. الكوب يقع على الأرض وينكسر.
موسيقى عنيفة.
صورة مكبرة لوجه محمود تنم عن الفزع.
في منزل سعاد.
صورة مكبرة ليد رفاعي تلقي بأحد الأطباق على الأرض وينكسر.
يظهر رفاعي واقفا في حجرة الطعام ثائرا غاضبا.
الطفل خالد يصرخ باكيا في خوف. الدادة تجري إليه وتحمله وتخرج به من حجرة الطعام.
داخلي:
منزل سعاد.
سعاد مع أمها في حوار.
سعاد :
لازم الطلاق يا ماما. عقليته. نظرته للحياة، نظرته للست. نظرته للجواز كلها غلط. وكمان قسوته على ابني.
الأم :
يا دي الفضيحة! ما هو الراجل وكل الرجالة كده.
سعاد :
حياتنا سوا مش ممكن تنفع يا ماما.
الأم :
يا دي الفضيحة! إنت طول عمرك غاوية فضايح.
سعاد :
فضيحة إيه يا ماما؟ إنت كل حاجة عندك فضيحة. فضيحة.
الأم :
أمال وافقت على إنك تجوزيه ليه؟ ما كنتي تقولي كده من الأول؟
سعاد :
وانا معقول كنت اعرفه على حقيقته إلا بعد الجواز.
الأم :
وإيه اللي مش عاجبك فيه؟
سعاد :
حاجات كتير قوي يا ماما. أول حاجة انه مش مقتنع بشغل. الست في نظره زوجة في البيت وبس. وانتي عارفة يا ماما اني أنا باحب شغلي وتاني حاجة خالد.
الأم :
ما له خالد؟ عرف انه أبوه وبيقوله يا بابا.
سعاد :
أهي كلمة بيقولها من غير ما يحس انه أبوه حقيقي. رفاعي مش بيحب خالد وعمره ما حيحبه وانتي عارفة ان خالد ده حياتي و...
الأم :
وإيه تاني؟
سعاد :
و... و...
وانا مش باحب رفاعي، أيوه مش باحبه. أنا كنت متصورة إن الجواز حيديني فرصة اني أحبه لكن أبدا، كل يوم يزيد اقتناعي بأني مش ممكن أحبه.
الأم :
حب؟ يا دي الفضيحة! احنا عيلة محترمة لها قيمة مش بتاعة حب.
سعاد :
ومين قال ان الحب يقلل القيمة والاحترام؟
الأم :
يا دي الفضيحة! الناس حتقول علينا إيه؟ يا فضيحتي! طلاق تاني يا بنتي؟ (الأم تخرج في عصبية. سعاد تجلس وحدها شاردة. تفكر. تمسك رأسها بين يديها.)
داخلي:
العيادة
فوزية تدخل إلى غرفة مكتب. د سعاد. تراها جالسة يبدو عليها الإعياء والتفكير.
فوزية :
خلاص العيادة فضيت. حاعمل لك كوباية ينسون. (تخرج فوزية.)
فوزية :
كان نفسي أشوفه. (فوزية تتمشى في الغرفة في قلق.)
سعاد :
يعني أحبه. (تدخل فوزية بكوب الينسون على صينية.)
فوزية :
مين واخد عقلك يا ترى؟
كان نفسي اشوف الراجل ده اللي خلى سعاد زغلول تحبه الحب ده كله. ده انا فاكرة كلامك واحنا في المدرسة تقوليلي بكل سذاجة: حب؟ حب إيه يا فوزية؟ ما فيش حاجة اسمها راجل. أنا عاوزة اطلع دكتورة.
سعاد :
محمود ما كانش راجل عادي يا فوزية.
فوزية :
ما هو الحب اللي بيهول كل حاجة يا سعاد.
سعاد :
لا مش الحب يا فوزية. محمود كان موهوب. كانت له شخصية غير كل الرجالة. كان ممكن يبقى شخص عظيم. كان ممكن يعمل حاجة كبيرة.
فوزية :
لكن يا خسارة!
سعاد :
كان الأمل الوحيد عشان يخف ويتغلب على الأزمة.
فوزية :
ما فيش حد تاني زيه؟
سعاد :
أبدا.
فوزية :
كل إنسان بيمر في تجارب خاطئة في حياته.
سعاد :
ما كنتش تجربة خطأ. كان لازم أعيشها.
فوزية :
عمرك ما ندمت عليها؟
سعاد :
أبدا. بالعكس. كنت حاندم لو ما عملتهاش.
فوزية :
إنت بتتكلمي كلام غريب!
عمري ما شفت واحدة تدافع عن جوزها اللي انفصلت عنه بالشكل ده.
سعاد :
أمال بتعمل إيه؟
فوزية :
طبعا بتهاجمه. بتقول انه كان وحش ومقدرتش تعيش معاه وعشان كده انفصلوا.
سعاد :
لأ . ما قدرتش اقول عليه كلام كدب. هو كان إنسان نبيل. نبيل جدا حتى في عز تعبه.
فوزية :
إنت لسة بتحبيه؟ (سعاد تسكن لحظة. تنظر في ساعتها ثم تقف.)
سعاد :
حا اضطر انزل دلوقت.
فوزية :
أنا متأسفة إذا كنت ضايقتك.
سعاد :
لا أبدا. (تخرج فوزية وتغلق الباب خلفها. سعاد تجلس مرة أخرى إلى مكتبها تفكر في شرود. تسير في حجرة مكتبها في قلق، ثم تعود وتجلس إلى المكتب في شرود. تحاول أن تكتب شيئا.) (يفتح باب حجرة مكتبها ببطء شديد. ويظهر محمود واقفا على الباب.) (سعاد تلتفت إليه في دهشة.)
سعاد :
محمود؟!
ناپیژندل شوی مخ