سقراط: هغه سړی چې جرئت وکړ پوښتنه وکړي
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
ژانرونه
وكان سقراط في ذلك الحين معروفا لأكثر الأثينيين، وربما شهدوه من قبل مغرقا في التفكير كما يفعل الآن، وإن لم يمتد به التفكير إلى هذا المدى الطويل، وكانت تلك ناحية من غرابة أطواره التي ألفوها، بيد أن إغريق الجزر الملتحقين بالجيش كانوا شديدي الاهتمام، وبعد العشاء أخرج بعضهم حصير نومهم وافترشوه قريبا من موقفه كي يقضوا ليلتهم هناك.
وكانت ليلة هادئة، وبزغت النجوم وأخذت تنتشر تدريجا في السماء، وأخذت الأصوات المضطربة في المعسكر تتلاشى شيئا فشيئا، وشهد المراقبون سقراط كأنه شبح مظلم ساكن، كأنه صخرة أو جذع شجرة يفصل بينهم وبين نجوم السماء، وأخذ الكرى بمعاقد أجفانهم، واستغرقوا في النوم، بينما لبث سقراط واقفا يفكر طول الليل حتى تساقط الندى وتنفس الصباح.
ولما أشرقت الشمس اهتز سقراط، ورأت القلة التي كانت إلى جواره متيقظة ترقبه أنه التفت صوب الشرق، وقد رفع يديه نحو الشمس في صلاة ودعاء، ثم انطلق من مكانه كي يقضي يومه كما اعتاد.
فيم كان يفكر سقراط؟ لم يكن لأحد علم بذلك؛ لأنه لم يخبر به أحدا، وبعد ذلك بفترة طويلة لوحظ أن سقراط كلما تحدث عن حياته كرسالة كلفته بها الآلهة، حلا له أن يقارن نفسه بالجندي الخاضع لأمر قائده، وربما تم وثوق سقراط من رسالته بينما كان في خدمة الجيش، أو خلال هذا اليوم وتلك الليلة اللذين قضاهما في تفكير هادئ، وربما أحس القربى من الآلهة خاصة في تلك اللحظة التي كان من الطبيعي له فيها أن يؤدي صلاته عند يقظته.
ولم يعتد الأثينيون أن يؤدوا الصلوات في أوقات معينة أو يقدموا التضحيات للشمس، وليس هناك ما يدل على أن سقراط قد فعل ذلك، ولكنا نعلم أنه كان يمقت ظلام الجهل كما كان يحب إدراك الخير إدراكا واضحا جليا، ولما حاول تلميذه أفلاطون، الذي لم يولد بعد حتى ذلك الحين، ولكنه عرف سقراط فيما بعد أكثر مما عرفه أي من أصدقائه الآخرين، لما حاول أفلاطون أن يصور فكرة الخير التي أحبها سقراط وبحث عنها، استخدم لذلك صورة الشمس.
وقد تحدثنا صورة أفلاطون عن سقراط أكثر من أي شيء آخر نستطيع أن نتخيله لأنفسنا.
قال أفلاطون: تخيل كائنات بشرية تعيش في كهف تحت الأرض، وقد عاشت هناك مكبلة في السلاسل محجوبة في الظلام منذ طفولتها، لا تعرف من الضوء إلا ضياء النار الذي يلقي على الجدار الذي يقابلهم ظلالا متحركة، تنفق كل أيامها في مراقبة الظلال، تلاحظ ماذا تشبه وكيف تتحرك، وأبرعها في الحكم على الظلال وفي الحدس أكثرها نيلا للإعجاب.
ولنفرض أن واحدا من هؤلاء السجناء قد تحرر بطريقة ما وتسلل خارج الكهف وشهد ضوء الشمس، لا شك في أن الضوء المفاجئ يعشي بصره، ولربما بدت له الحقائق التي يراها حوله أول الأمر أقل صحة من الظلال التي ألف رؤيتها وكلما اعتادت عيناه ضوء الشمس تدريجا استطاع أن يتلفت حواليه، إنه ينظر إلى صور الرجال في الماء، ثم إلى الرجال أنفسهم، وإلى القمر والنجوم، وأخيرا ينظر إلى الشمس واهبة الحياة والضياء، إنه لا يخشى الضوء بعد ذلك وإنما يعشقه، ولا تبدو له الآن حياة الجهل في الكهف حياة خير.
ماذا يحدث للرجل المتحرر لو عاد إلى الكهف مع السجناء، إن عينيه سوف تظلان مفعمتين بالضياء، ولن يكون حكما طيبا على الظلال، وسوف يضحك منه السجناء، سوف يقولون: إنه خرج مبصرا وعاد كفيفا، سوف يقولون: إن من الواضح أنه خير للمرء ألا يخرج من الكهف، وسوف يقررون أن كل من يحاول أن يطلق سجينا ويقوده إلى الضياء يجب أن يعدم، أما الرجل الذي شاهد الشمس، فلو أنه دافع عن نفسه في ساحة القضاء أو في أي مكان آخر؛ لكان عمله أمرا غريبا وداعيا للضحك والسخرية؛ لأنه - برغم امتلاء عينيه بالضياء - إنما يتعامل مع الذين لا يعرفون سوى الظلال.
ولما رسم أفلاطون هذه الصورة عن الشمس والكهف، لم يذكر صراحة أنه عنى سقراط بالرجل الذي شهد الشمس، ولم يقل سقراط نفسه إلا أنه كان يبحث عن المعرفة الحقيقية للخير، ولم يقل: إنه وجدها، وما نعرفه على وجه التحقيق هو أن أصدقاء سقراط - شيرفون وأفلاطون وكثيرون غيرهما - قد أحسوا أنه كان أكثر تحررا من ظلام الكهف من أي رجل آخر عرفوه، وأنه كان أقدر على تحرير غيره من أي فرد آخر، وربما كان ذلك النهار وتلك الليلة التي أطال فيها الوقوف متأملا ومفكرا، هو الوقت الذي شهد فيه الشمس بأجلى وضوح: شمس الخير التي كانت بالنسبة إليه وثيقة الصلة بالآلهة.
ناپیژندل شوی مخ