Sunnah and Its Significance - Ba Jamman
السنة النبوية ومكانتها - با جمعان
خپرندوی
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
ژانرونه
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﷺ وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فإن الله تكفل بحفظ هذا الدين كتابًا وسنةً؛ من التحريف والتبديل؛ قال سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، وقد أرسل الله ﷾ رسوله محمدًا ﷺ إلى الناس ليبلغهم دينهم، وقد بلغ الرسول ﷺ هذا الدين كاملًا غير منقوص، وَبيَّنَه للناس بقوله وفعله وتقريراته، ونفذ تعاليمه كاملة في حياته ﷺ، وقام بتربية المجتمع المسلم، وبتزكيتهم كما أمره الله ﷿، وبقيت سيرته ومنهجه بعد موته؛ لتكون نبراسًا للناس يستضيئون به بعد موته إلى قيام الساعة. قال ﷺ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ " (١) . ومنهجه ﷺ يتمثل في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ؛ قال ﷺ: "يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون" (٢) .
_________
(١) رواه مسلم في صحيحه ٣/١٥٢٣، كتاب الإمارة، بَاب قَوْلِهِ ﷺ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ"، الحديث رقم ١٩٢٠.
(٢) المستدرك على الصحيحين في الحديث ١/٩٣. والحديث في صحيح مسلم ٢/٨٨٦-٨٩٢، في كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ، الحديث رقم ١٢١٨.
1 / 1
لذلك كانت السنة مكملة للقرآن ومفسرة له؛ وهي بهذا المعنى المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، ولكنها من حيث الاحتجاج والعمل بها فهي مثل القرآن الكريم، كما سنرى في هذا البحث.
وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة؛ كما يلي:
تمهيد: في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني.
المبحث الأول: تعريف السنة في اللغة، وبيان المعاني التي تطلق عليها. وفيه مطلبان هما:
المطلب الأول: تعريف السنة في اللغة.
المطلب الثاني: بيان المعاني التي يطلق عليها لفظ السنة.
المبحث الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح. وفيه ثلاثة مطالب هي:
المطلب الأول: السبب في الاختلاف في تعريف السنة في الاصطلاح.
المطلب الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح.
المطلب الثالث: مفهوم السنة في القرون الأولى.
الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي: في مبحثين هما:
المبحث الأول: المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي: وبه مطلبان هما:
المطلب الأول: المصدر الأول: القرآن الكريم.
المطلب الثاني: المصدر الثاني: السنة النبوية.
المبحث الثاني: المصادر الفرعية للتشريع الإسلامي: وبه مطلبان هما:
المطلب الأول: المصدر الأول: الإجماع.
المطلب الثاني: المصدر الثاني: القياس.
1 / 2
الفصل الثاني: مرتبة السنة النبوية في التشريع الإسلامي: في تمهيد ومبحثين.
تمهيد
المبحث الأول: السنة بيان للقرآن الكريم، ووحي نزل بها جبريل ﵇ على الرسول ﷺ وفيه مطلبان:
المطلب الأول: السنة بيان للقرآن الكريم.
المطلب الثاني: السنة وحي نزل بها جبريل ﵇ على الرسول ﷺ.
المبحث الثاني: مكانة السنة من القرآن. وفيه مطلبان هما:
المطلب الأول: مكانة السنة من القرآن من حيث الاحتجاجُ بها، وتكفُّلُ الله بحفظها.
المطلب الثاني: مكانة السنة من القرآن من حيث ثبوتها واعتبارها المصدر الثاني.
الفصل الثالث: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل: في مبحثين، لكل مبحث مطلبان.
المبحث الأول: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج بها.
المطلب الأول: معنى حجية السنة ودليل ذلك.
المطلب الثاني: حجية السنة عند علماء المسلمين، والأدلة على ذلك.
المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث وجوب العمل بها، وفيه مطلبان:
1 / 3
المطلب الأول: السنة كالقرآن من حيث وجوب العمل بها.
المطلب الثاني: الأدلة على وجوب العمل بالسنة.
الخاتمة: وأذكر فيها – بإذن الله ﷿ – أهم النتائج التي توصلت إليها، وأهم التوصيات والمقترحات التي تثري هذا الموضوع في شريعتنا الغراء.
1 / 4
تمهيد في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني
مدخل
...
تمهيد في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني:
الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل هذا الدين، وحفظه من التحريف والتبديل، حيث قال سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن السنة لها مكانة عظيمة في هذا الدين، فإنها المفسرة للقرآن الكريم، والمبينة له. وهي وحي من الله ﷿؛ كما قال الرسول ﷺ: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" ١.
سأتحدث في هذه المقدمة عن تعريف السنة لغة وشرعًا، وذكر معانيها التي تطلق عليها، وأهميتها في معرفة الشريعة الإسلامية من خلال فروعها القولية والفعلية والتقريرية، التي تتمثل في حياة النبي ﷺ في سيرته وعبادته وتشريعاته ومنهجه في حياته كلها.
_________
(١) رواه الإمام أحمد في مسنده، ٢٨/٤١٠-٤١١، برقم ١٧١٧٤، ورواه أبو داود في سننه، ٥/١٠-١٢، كتاب السنة، بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ، الحديث رقم ٤٦٠٤.
1 / 5
المبحث الأول: تعريف السنة في اللغة، وبيان المعاني التي تطلق عليها:
المطلب الأول: تعريف السنة في اللغة:
هي السيرة والطريقة. قال ابن منظور: "السنة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة.
وقد استعملت السنة في القرآن الكريم بمعنى الطريقة. قال الراغب الأصفهاني: "وسنة النبي طريقته التي كان يتحراها، وسنة الله -تعالى- قد تقال لطريقة حكمته، وطريقة طاعته. نحو: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الفتح:٢٣]، ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ [فاطر:٤٣] . فنبه على فروع الشرائع وإن اختلفت صورها، فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل؛ وهو تطهير النفس وإعدادها لتنال ثواب الله تعالى وجواره" (١) .
وتطلق السنة في اللغة على معان أخرى كثيرة (٢) .
_________
(١) المفردات في غريب القرآن ص ٢٥٠.
(٢) منها: الدوام، والمثال المتبع، والإمام المؤتم به، كما تطلق على الطبيعة، والوجه، وعلى الخط الأسود على متن الحمار، وعلى تمر بالمدينة معروف. نقل ذلك كله الدكتور عبد الغني عبد الخالق، في كتابه "حجية السنة" ص ٤٧-٤٨.
1 / 6
المطلب الثاني: بيان المعاني التي تطلق عليها السنة:
ذكر الشاطبي إطلاقات السنة في الشرع فقال:
"١- يطلق لفظ (السنة) على ما جاء منقولًا عن النبي ﷺ على الخصوص، مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز، بل إنما نص عليه من جهته ﵊، كان بيانًا للكتاب أو لا.
٢-ويطلق أيضًا في مقابلة البدع، فيقال: (فلان على سنة) إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي ﷺ، كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أو لا، ويقال: (فلان على بدعة)، إذا عمل على خلاف ذلك.
٣- ويطلق أيضًا لفظ السنة على ما عمل عليه الصحابة، وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد؛ لكونه اتباعًا لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهادًا مجتمعًا عليه منهم أو من خلفائهم، فإن إجماعهم إجماع، وعمل خلفائهم راجع أيضًا إلى حقيقة الإجماع، من جهة حمل الناس عليه حسبما اقتضاه النظر المصلحي عنهم. فيدخل تحت هذا الإطلاق المصالح المرسلة والاستحسان؛ كما فعلوا في حد الخمر، وتضمين الصُّنَّاع، وجمع المصحف ... ويدل على هذا الإطلاق قوله (١) ﵊: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ" (٢) .
_________
(١) رواه أبو داود في سننه ٥/١٣-١٤، في كتاب السنة، باب لزوم السنة، الحديث رقم ٤٦٠٧، وسنن ابن ماجه ١/١٥-١٦، في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، الحديث رقم الحديث ٤٢.
وهو صحيح، انظر: صحيح سنن أبي داود للشيخ الألباني (٣/١١٨-١١٩) برقم ٤٦٠٧، وصحيح ابن ماجه برقم ٤٢.
(٢) الموافقات ٤/٣-٧.
1 / 7
المبحث الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح:
المطلب الأول: تعريف السنة في الاصطلاح:
عرفها علماء الحديث: بأنها "كل ما أثر عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلُقية أو سيرة، سواء أكان ذلك قبل البعثة
-كتحنثه في غار حراء- أم بعدها، والسنة بهذا مرادفة للحديث النبوي" (١) .
هل يختلف مفهوم السنة عن مفهوم الحديث؟
لقد سبق بيان تعريف السنة فيما سبق، وسأتحدث الآن عن تعريف الحديث؛ ليتضح مدى اتفاقهما أو اختلافهما في المعنى.
الحديث يطلق في اللغة على الجديد ضد القديم، كما يطلق على الخبر والقصص. قال في القاموس المحيط: "والحديث: الجديد والخبر" (٢) .
وتخصيص الحديث بما قاله الرسول ﷺ، قد بدأ في حياته ﷺ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلاَّ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ. أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ" (٣) .
_________
(١) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص ١٩، وانظر كتاب الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية لمحمد أبو زهو، ص ١٠.
(٢) انظر القاموس المحيط مادة "حدث". (١/١٧٠) .
(٣) صحيح البخاري مع فتح الباري ١١/٤١٨، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، الحديث رقم ٦٥٧٠.
1 / 8
ثم بعد وفاة الرسول ﷺ، اتسع هذا المصطلح حتى أصبح بعد ظهور علم مصطلح الحديث، يطلق معنى الحديث على: "ما أضيف إلى النبي ﷺ قولًا أو فعلًا أو تقريرًا أو صفةً" (١) .
بعد عرض تعريف السنة والحديث، اتضح أنه لا فرق بينهما في التعريف الشرعي؛ وقد بَيَّنَ شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأمر فقال: " الحديث النبوي عند الإطلاق ينصرف إلى ما حدث به بعد النبوة: من قوله وفعله وإقراره". ثم قال: "فإن سنته ثبتت من هذه الوجوه الثلاثة" (٢) .
ثم أضاف شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يدخل في تعريف السنة ما يتعلق بسيرته وحسن أخلاقه؛ فقال - بعد أن تحدث عن بعض أفعاله وتقريراته -: "فهذا كله يدخل في مسمى الحديث، وقد يدخل فيها بعض أخباره قبل النبوة، وبعض سيرته قبل النبوة، مثل: تحنثه بغار حراء. ومثل حسن سيرته، كقول خديجة له:" كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق ... " (٣) .
أما تعريف السنة عند علماء الأصول: فقد عَرَّفها الآمدي بأنها: "تطلق على ما صدر عن الرسول ﷺ من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلوٍ، ولا هو معجز، ولا داخل في المعجز" (٤) . كما عَرَّفها غيره بأنها: "كل ما صدر عن
_________
(١) قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ص ٦١.
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ١٨/٦-٧.
(٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ١٨/١٠.
(٤) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ١/١٥٦.
1 / 9
النبي ﷺ، غير القرآن الكريم، من قول، أو فعل، أو تقرير (١)، مما يصلح أن يكون دليلًا لحكم شرعي" (٢) .
والسنة في اصطلاح الفقهاء: "هي كل ما ثبت عن النبي ﷺ، ولم يكن من باب الفرض ولا الواجب" (٣) .
_________
(١) انظر إرشاد الفحول ص ٣٣؛ حيث قال في تعريف السنة شرعًا: "قول النبي ﷺ وفعله وتقريره".
(٢) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص ١٩.
(٣) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص ١٩.
المطلب الثاني: مفهوم السنة في القرون الأولى: ولكن السنة مرت في مفهومها في القرون الأولى بمراحل: أولًا: إطلاقها على الشريعة كلها حيث إن الشريعة كلها هي طريقة الرسول ﷺ، كما ورد هذا المعنى في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء:٢٦]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها" (٤) . ثانيًا: إطلاقها على العقيدة عند أهل السنة والجماعة بعد ظهور الفرق المبتدعة، أُلِّفت الكتب باسم السنة لبيان منهج العقيدة _________ (٤) تفسير ابن كثير ٢/٢٣٣.
المطلب الثاني: مفهوم السنة في القرون الأولى: ولكن السنة مرت في مفهومها في القرون الأولى بمراحل: أولًا: إطلاقها على الشريعة كلها حيث إن الشريعة كلها هي طريقة الرسول ﷺ، كما ورد هذا المعنى في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء:٢٦]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها" (٤) . ثانيًا: إطلاقها على العقيدة عند أهل السنة والجماعة بعد ظهور الفرق المبتدعة، أُلِّفت الكتب باسم السنة لبيان منهج العقيدة _________ (٤) تفسير ابن كثير ٢/٢٣٣.
1 / 10
الذي يميز ما كان عليه الرسول ﷺ وأصحابه عن غيرهم، ولهذا أطلق عليهم اسم أهل السنة والجماعة. وقد أُلِّفت الكتب باسم السنة لبيان أصول الدين ومسائل الاعتقاد، وساد هذا الاصطلاح في القرن الثالث الهجري. ومن الكتب التي أُلِّفت في ذلك: السنة للإمام أحمد، وصريح السنة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، والسنة لابن أبي عاصم الضحاك، وكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي وغيرهم (١) . ولذا عرَّف علماء العقيدة السنة بأن المراد بها: "الطريقة التي كان عليها رسول الله ﷺ وأصحابه قبل ظهور البدع والمقالات" (٢) . وعرفها ناصر العقل -من الجانب العقدي- بقوله: "الهدي الذي كان عليه الرسول ﷺ وأصحابه، علمًا واعتقادًا وقولًا وعملًا، وهي السنة التي يجب اتباعها، ويحمد أهلها، ويذم من خالفها" (٣) .
ثالثًا: ورد التفريق بين السنة والحديث عند بعض المتقدمين في القرن الثاني الهجري
فقد ورد ذلك عن الأعمش حيث قال: "لا أعلم لِله قومًا أفضل من قوم يطلبون هذا الحديث، ويحبون السنة" (٤)، وأوضح منه في هذا المعنى قول عبد الرحمن بن مهدي: "الناس على وجوه؛ فمنهم من هو إمام في السنة،
_________
(١) انظر تفصيل أسماء الكتب التي ألفت في ذلك: كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم للالكائي ص ٥٠ من مقدمة المحقق، وكتاب مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة ص ٤٤.
(٢) شرح العقيدة الواسطية ص ١٥-١٦.
(٣) مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ص ١٣.
(٤) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرامهرمزي ص ١٧٧،
1 / 11
وليس بإمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في الحديث وليس بإمام في السنة" (١) .
وربما كان أساس التفريق هو أنهم كانوا ينظرون إلى أن "الحديث أمر علمي نظري، وأن السنة أمر عملي (٢)؛ إذ إنها كانت تعتبر المثل الأعلى للسلوك في كل أمور الدين والدنيا، وكان هذا سبب الاجتهاد في البحث عنها والاعتناء بحفظها والاقتداء بها" (٣) . قال الدكتور رفعت فوزي: "وربما كان الأساس هو أن بعضهم كان ينظر إلى السنة على أنها أعم من فعل الرسول ﷺ وقوله وتقريره، وتشمل أفعال الصحابة والتابعين" (٤) .
رابعًا: استقر الأمر على المساواة بين السنة والحديث في المعنى
بعد كتابة علم مصطلح الحديث، استقر الأمر على عدم التفريق بين السنة والحديث في المعنى؛ كما سبق أن بينته.
_________
(١) كتاب الجرح والتعديل للرازي ص ١١٨.
(٢) وربما كان وجه تفريق السلف بين الإمامة في الحديث والإمامة في السنة ما ذكره ابن الصلاح في فتاواه (١/٢١٣) بتحقيق عبد المعطي قلعجي، حينما سئل عن قول بعضهم عن الإمام مالك: إنه جمع بين السنة والحديث، فما الفرق بين السنة والحديث؟ فأجاب: بأن السنة هاهنا ضد البدعة، وقد يكون الإنسان من أهل الحديث وهو مبتدع، ومالك رحمة الله عليه جمع السنتين فكان عالمًا بالسنة أي الحديث، ومعتقدًا للسنة، أي كان على مذهب أهل الحق من غير بدعة، والله أعلم. (اللجنة العلمية) .
(٣) الاتجاهات الفقهية ص ١٦.
(٤) توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته ص ٢٠.
1 / 12
الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي
المبحث الأول: المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي
المطلب الأول: المصدر الأول القرآن الكريم
...
الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي:
الشريعة لها مصادر تستقي منها علومها التي انبثقت منها، وهي كلها تعتمد على الوحي المنزل على الرسول ﷺ، قرآنًا وسنة. وهذان هما المصدران الأساسيان، وهناك مصادر فرعية أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة: كالإجماع والقياس (١) .
المبحث الأول: المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي:
المطلب الأول: المصدر الأول: القرآن الكريم:
تعريف القرآن لغة:
القرآن مصدر للفعل قرأ، بمعنى: تلا (٢) . وقال الجوهري: "قرأت الشيء قرآنًا: جمعته وضممت بعضه إلى بعض، ...، وقرأت الكتاب: قراءة وقُرْآنًا، ومنه سمي القرآن. وقال أبو عبيدة: سُمِّي القرآن؛ لأنه يجمع السور فيضمها. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ [القيامة:١٧]، أي جمعه وقراءته، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة:١٨]، أي قراءته" (٣) . ثم أطلق هذا الاسم على القرآن الكريم، وصار علمًا له.
_________
(١) انظر كتاب المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ص ١٨٣.
(٢) انظر القاموس المحيط ١/٢٥.
(٣) الصحاح ١/٦٥.
1 / 13
تعريف القرآن اصطلاحًا:
وأما تعريف القرآن الاصطلاحي، فهو: "كلام الله المنزل على محمد ﷺ، بلسان عربي مبين، والمكتوب بين دفتي المصاحف، والمنقول إلينا تواترًا" (١) . وعرفه الزرقاني بأنه "اللفظ المنزل على النبي ﷺ المنقول عنه بالتواتر، المتعبد بتلاوته" (٢) . وهذا التعريف الذي استقر عليه الأمر واشتهر عن المؤلفين (٣) .
ومن خصائص القرآن الكريم أنه معجز للبشر عن أن يأتوا بمثله، وإذا ثبت العجز من الجميع، ثبت أن القرآن من عند الله ﷿، وإذ ثبت ذلك وجب على الناس اتباعه، وعلى هذا فالقرآن الكريم حجة على جميع الناس؛ قال تعالى مبينًا ذلك: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢] .
_________
(١) التعريف بالقرآن والحديث لمحمد الزفزاف ص ٥.
(٢) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/٢٠.
(٣) والراجح في تعريف القرآن ما ذكره الطحاوي في شرح العقيدة الطحاوية (١/١٧٢) " إن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولًا، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقًا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية ". (اللجنة العلمية) .
1 / 14
المطلب الثاني: المصدر الثاني هو السنة النبوية:
للسنة مع القرآن ثلاثة أحوال هي:
١-إما موافقة للقرآن ومؤكدة لما ثبت فيه من أحكام، أو مفرعة على أصل تقرر فيه. ومثال ذلك جميع الأحاديث التي تدل على وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك، وكذلك ما جاء في السنة من النهي عن عقوق الوالدين، وشهادة الزور، وقتل النفس بغير حق ونحو ذلك.
٢- أحكام مبينة ومفصلة لمجمل القرآن. ومن ذلك السنة التي بينت مقادير الزكاة، ومقدار المال المسروق الذي تقطع فيه يد السارق. وأنواع البيان الأخرى مثل: تخصيص العام في القرآن، وتقييد مطلق القرآن.
٣- أحكام جديدة لم يذكرها القرآن الكريم؛ وليست بيانًا له، ولا تأكيدًا لما ثبت فيه من أحكام. مثل تحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وتحريم نكاح المرأة على عمتها، أو على خالتها (١) .
ومما يبين أن هذين المصدرين هما مصدران أساسيان؛ أن الله تعالى أمر بالرجوع إليهما عند التنازع، لكون ما عداهما تابعًا لهما. قال ابن حزم: "فكانت الأخبار التي ذكرنا أحد الأصول الثلاثة التي ألزمنا طاعتها في الآية الجامعة لجميع الشرائع، أولها عن آخرها: وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ [النساء:٥٩]، فهذا أصل وهو القرآن، ثم قال تعالى:
_________
(١) انظر كتاب أصول الحديث علومه ومصطلحه ص ٤٧-٤٩، وكتاب المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ص ١٩٤.
1 / 15
﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء:٥٩]، فهذا ثانٍ، وهو الخبر عن رسول الله ﷺ، ثم قال تعالى: ﴿وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:٥٩]، فهذا ثالثٌ وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله ﷺ حكمه، وصح لنا بنص القرآن أن الأخبار هي أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع. ثم قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء:٥٩] " (١) . فدل كلام ابن حزم على أن المصدرين الأساسيين، هما القرآن والسنة؛ بدليل الاعتماد عليهما عند التنازع، وبدليل أن الإجماع لا يصح إلا بدليل من الكتاب أو السنة.
وهناك مصادر تشريعية تابعة لهذين المصدرين الأساسيين، أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة، هي: الإجماع والقياس.
_________
(١) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ١/١٠٨-١٠٩.
1 / 16
المبحث الثاني: المصادر الفرعية للتشريع الإسلامي:
المطلب الأول: المصدر الأول: الإجماع:
معنى الإجماع في اللغة: الاتفاق، وجعل الأمر جميعًا بعد تفرقه، والعزم على الأمر: أجمعت الأمر وعليه، والأمر مجمع (١) . "قال الكسائي: يقال: أجمعت الأمر وعلى الأمر، إذا عزمت عليه؛ والأمر مُجمَعٌ ... وقال تعالى: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس:٧١]، أي وادعوا شركاءكم؛ لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، إنما يقال: جمعت" (٢) .
وقسم الآمدي معنى الإجماع في اللغة إلى اعتبارين:
أحدهما: العزم على الشيء والتصميم عليه. ومنه يقال: أجمع فلان على كذا، إذا عزم عليه ... وعلى هذا يصح إطلاق اسم الإجماع على عزم الواحد (٣) .
والثاني: الاتفاق؛ ومنه يقال: أجمع القوم على كذا؛ إذا اتفقوا عليه. وعلى هذا فاتفاق كل طائفةٍ على أمرٍ من الأمور، دينيًا كان أو دنيويًا، يسمى إجماعًا حتى اتفاق اليهود والنصارى" (٤) .
_________
(١) انظر القاموس المحيط ٣/١٥، مادة (جمع) .
(٢) الصحاح للجوهري ٣/١١٩٩. ومراد الجوهري أن معنى الآية: أجمعوا أمركم، وادعوا شركاءكم، وليس المراد "وأجمعوا شركاءكم"؛ لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وإنما يقال: جمعت شركائي.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام ١/١٧٩. وأشار إلى الآية المذكورة قبله. وإلى حديث:"لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل" أي يعزم.
(٤) الإحكام في أصول الأحكام ١/١٧٩.
1 / 17
ومعنى الإجماع اصطلاحًا: "اتفاق أمة محمد ﷺ خاصة على أمر من الأمور الدينية" (١) .
وعرفه الآمدي بقوله: "الإجماع عبارة عن اتفاق جملة من أهل الحل والعقد من أمة محمد في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع. هذا إن قلنا: إن العامِّيَّ لا يعتبر في الإجماع. وإلا فالواجب أن يقال: الإجماع عبارة عن اتفاق المكلفين من أمة محمد ... "إلخ (٢) . وقال الباجي: الإجماع هو: "إجماع علماء العصر في حكم حادثة لم يتقدم فيها خلاف" (٣) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "معنى الإجماع: أن تجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام. وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكنْ كثير من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعًا، ولا يكون الأمر كذلك، بل يكون القول الآخر أرجح في الكتاب والسنة" (٤) .
وبهذا يتضح أن الإجماع يعد مُلْزِمًا ويجب العمل به. ولكن بعض المؤلفين قد يتساهلون في إطلاق الإجماع على مسائل فيها خلاف، لذلك نبه شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الأمر، كما سبق في كلامه.
_________
(١) المستصفى من علم الأصول ٢/٢٩٤.
(٢) الإحكام في أصول الأحكام ١/١٨٠، قال هذا التعريف جمعًا بين الأقوال التي ذكرها.
(٣) كتاب الحدود في الأصول ص ٦٤.
(٤) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ٢٠/١٠، ثم بيَّن أن قول الأئمة الأربعة ليس حجة لازمة ولا إجماعًا.
1 / 18
كيف نشأ الإجماع؟
كان الصحابة ملتفين حول الرسول ﷺ، يتعلمون منه، ويلازمونه في أموره كلها، وشاهدوا الوقائع والحوادث، وعايشوا التنزيل، ولذلك فهم أعرف الناس بمعاني آيات القرآن الكريم، ونصوص السنة؛ وإضافة إلى ذلك فقد هيأهم الله ﷾ لأن يهتدوا بهدي النبي ﷺ، ويقتفوا أثره، وفضلهم على من بعدهم بشرف الصحبة. قال الرسول ﷺ: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ " (١) . ثم بعد وفاة الرسول ﷺ، كانوا إذا حدثت لهم قضية، تشاوروا فيها، وبحثوا عن دليل عند أحدٍ منهم، فإن لم يجدوا اجتهدوا في الوصول إلى رأي واحد. فإذا استطاعوا أن يجتمعوا على رأي واحد في القضية فعلوا؛ فكان ذلك أساسًا للعمل بالإجماع، والاحتجاج به. وقد دل القرآن والسنة على العمل بإجماعهم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:١١٥]، وبهذا يتضح مدى اعتماد هذا المصدر على المصدرين الرئيسين الكتاب والسنة؛"فإن إجماعهم يرجع لنفس النص، أو أنه يكشف عن دليل سمعوه من الرسول ﷺ، ولاستحالة اجتماعهم على خطأ أصلًا" (٢)؛ لقول النبي ﷺ: " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا
_________
(١) رواه مسلم في صحيحه، ١/٦٩-٧٠، كتاب الإيمان، بَاب بَيَانِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ الإيمان وَأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ، الحديث رقم ٥٠.
(٢) أسباب اختلاف الفقهاء/للدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، ص ١٠٢.
1 / 19
يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ" (١) . واستدل العلماء بذلك على العمل بالإجماع، قال النووي: "وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِكَوْنِ الإجماع حُجَّة، وَهُوَ أَصَحّ مَا اسْتُدِلَّ بِهِ لَهُ مِن الْحَدِيث، وَأَمَّا حَدِيث " لا تَجْتَمِع أُمَّتِي عَلَى ضَلالة " فَضَعِيف. وَاللَّهُ أَعْلَم" (٢) .
وقد بَيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ هذه الأصول الثلاثة، الكتاب والسنة والإجماع، وأنها مصادر صحيحة لمعرفة الحق، وتمييزه من الباطل؛ حيث قال: "إن الحق الذي لا باطل فيه: هو ما جاءت به الرسل عن الله، وذلك في حقنا يعرف: بالكتاب والسنة والإجماع. وأما ما لم تجئ به الرسل عن الله، أو جاءت به، ولكن ليس لنا طريق موصلة إلى العلم به؛ ففيه الحق والباطل؛ فلهذا كانت الحجة الواجبة الاتباع: للكتاب والسنة والإجماع؛ فإن هذا حق لا باطل فيه، واجب الاتباع، لا يجوز تركه بحال، عام الوجوب، لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحد الخروج عن شيء مما دلت عليه. وهي مبنية على أصلين: أحدهما: أن هذا جاء به الرسول. والثاني: أن ما جاء به الرسول وجب اتباعه" (٣) .
_________
(١) رواه مسلم في صحيحه ٣/١٥٢٣، كتاب الإمارة، بَاب قَوْلِهِ ﷺ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ"، الحديث رقم ١٩٢٠.
(٢) شرح النووي لمسلم ١٣/٦٧. والحديث رواه أبو داود ٤/٤٥٢، في كتاب الفتن، باب الفتن ودلائلها. الحديث رقم ٤٢٥٣، وابن ماجه ٢/١٣٠٣، في كتاب الفتن، باب السواد الأعظم. الحديث رقم ٣٩٥٠، وأحمد في مسنده ٤٥/٢٠٠، ورقم الحديث ٢٧٢٢٤. وقال عنه المحقق: "صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف؛ لإيهام الراوي عن أبي بصرة ... وبقية رجال السند ثقات، رجال الصحيح" وذكر له شواهد كثيرة. وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٣/٣٢٠.
(٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ١٩/٥-٦.
1 / 20