Sunnah al-Jumʿah al-Qabliyyah - Part of 'Āthār al-Muʿallimi'
سنة الجمعة القبلية - ضمن «آثار المعلمي»
پوهندوی
محمد عزير شمس
خپرندوی
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٣٤ هـ
ژانرونه
الرسالة العاشرة
سنة الجمعة القبلية
16 / 335
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وصلاته وسلامه على خير خلقه محمدٍ وآله وصحبه.
وبعد، فقد سألني بعضُ الإخوان: هل للجمعة سُنَّة قبليَّة؟
فأجبته: أنَّ المقرَّر في المذهب (^١) أنّها كالظهر في ذلك.
فسألني النظرَ في ثبوت ذلك وعدمِه من حيث الدليل.
فأقول: الكلامُ في هذه المسألة يَستدعي تقديم البحث عن شيئين:
الأول: التنفُّل يوم الجمعة قبل الزوال.
والثاني: تحقيق وقت الجمعة.
فأما الأول: فقد ثبت في «صحيح البخاري» (^٢) عن سلمان قال: قال رسول الله ﵌: «لا يغتسلُ رجلٌ يومَ الجمعة ويتطهَّرُ ما استطاع من طهرٍ ويدَّهنُ من دهنه أو يمسُّ من طيبِ بيته، ثم يخرج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يصلِّي ما كُتِب له، ثم يُنصِت إذا تكلّم الإمام، إلا غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى».
وفي «صحيح مسلم» (^٣) عن أبي هريرة عن رسول الله ﵌ قال: «من اغتسلَ ثم أتى الجمعةَ، فصلّى ما قُدِّر له، ثم أنصتَ حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلِّي معه، غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضْلَ ثلاثة أيام».
_________
(^١) أي: الشافعي، وكان الشيخ قد كتب: «عند أصحابنا الشافعية»، ثم ضرب عليها.
(^٢) رقم (٨٨٣).
(^٣) رقم (٨٥٧).
16 / 337
فدلَّ هذان الحديثان على فضيلة التنفُّل يوم الجمعة قبل الزوال، ودخل في إطلاقها حالُ الاستواء يوم الجمعة، ولكنه معارض بعموم أحاديث النهي.
وقد يُرجَّحُ الجواز بحديثين ضعيفين، روى أحدَهما الشافعيُّ (^١) عن أبي هريرة، ولفظه: «أن رسول الله ﵌ نهى عن الصلاةِ نصفَ النهار حتى تزول الشمسُ إلا يومَ الجمعة».
وأخرجَ الآخرَ أبو داود (^٢) بإسناده إلى أبي الخليل عن أبي قتادة عن النَّبي ﵌: أنّه كَرِه الصلاةَ نصفَ النّهار إلَّا يومَ الجمعة، وقال: «إنَّ جهنّم تُسْجَرُ إلا يومَ الجمعة».
قال أبو داود: وهو مرسل، مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة.
وفي إسناده: ليث بن أبي سليم، ضعيفٌ لا يُحتجُّ به.
[ص ٢] وأنت خبيرٌ أنَّ كِلا الحديثين لا يُحتجُّ به.
وقد ذكر الإمام الشافعيُّ كما في «الأم» الحديثَ المذكور، ثم أعقبَه بآثارٍ عن عمل الصحابة في زمن عمر ﵁، ثم قال (^٣): «فإذا رَاحَ النَّاسُ للجمعة صَلَّوا حتى يصير الإمام على المنبر، فإذا صَارَ على المنبرِ كفَّ
_________
(^١) في كتاب «الأم» (٢/ ٣٩٧). وفي إسناده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وقد اتفقوا على ضعفه. وشيخ الشافعي إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى متروك.
(^٢) رقم (١٠٨٣).
(^٣) (٢/ ٣٩٨).
16 / 338
منهم مَنْ كان صلَّى ركعتين فأكثر، تكلَّم حتى يأخذ في الخطبة، فإذا أخذ فيها أنصتَ، استدلالًا بما حكيتُ، ولا يُنهى عن الصلاة نصفَ النهار مَن حضر الجمعة» اهـ.
والظاهر أنَّ الإمام اعتبر ما دلّت عليه الآثار إجماعًا، وذكر الحديث المذكور استئناسًا؛ إذ لعلَّه إن كان إسناده ضعيفًا يكون صحيحًا في نفس الأمر، ويكون هو مستند الإجماع.
وأمَّا الإمام مالك فإنَّ عمل أهل المدينة حُجَّةٌ عنده.
وإذا تقرَّر ما ذُكِرَ عرفتَ أنَّ التنفُّل يوم الجمعة قبل الاستواء مُرغَّب فيه، وكذا عنده؛ لأنَّ فِعْلَ الصَّحابة ــ الذي رواه الشافعي وغيره ــ لا أقلَّ من أن يكون مرجِّحًا لإطلاق الحديثين السابقَيْن وغيرهما، مع ما انضمَّ إلى ذلك مما مرَّ.
والصلاة في ذلك نفْلٌ مطلق قطعًا؛ لكونها واقعةً قبل دخول وقت الجمعة على ما عليه الجمهور.
[ص ٣] الأمر الثاني: تحقيق وقت الجمعة.
ذهب الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه إلى أنَّ وقت الجمعة يدخل قبل الزوال، واسْتُدِلَّ لهما بحديث «الصحيحين» (^١) عن سهل بن سعد ﵁ قال: «ما كنَّا نَقِيلُ ولا نتغدَّى إلا بعد الجمعة»، هذا لفظ مسلم (^٢).
_________
(^١) البخاري (٩٣٩) ومسلم (٨٥٩).
(^٢) وهو لفظ البخاري أيضًا.
16 / 339
وفي رواية (^١): «في عهد رسول الله ﵌».
وفي «الصحيحين» (^٢) أيضًا عن سلمة بن الأكوع قال: «كنا نصلِّي مع رسول الله ﵌ الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظِلٌّ يُستَظَلُّ به»، هذا لفظ البخاري.
وفي لفظٍ لمسلم: «كُنَّا نُجَمِّعُ معه إذا زالت الشمس، ثم نرجعُ نتتبَّعُ الفَيء».
وفي «صحيح مسلم» (^٣) عن جابر: «كُنَّا نصلِّي مع رسول الله ﵌، ثم نرجع فنُريحُ نَواضِحَنا». قال حسن ــ يعني أحد الرواة ــ: قلت لجعفرٍ ــ يعني شيخَ حسنٍ ــ: في أيِّ ساعةٍ تلك؟ قال: زوالَ الشمسِ. انتهى.
ثم قال (^٤): وحدثني القاسم بن زكريا، نا خالد بن مخلد، ح وثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي نا يحيى بن حسّان، قالا جميعًا: نا سليمان عن جعفر عن أبيه: أنه سأل جابر بن عبد الله: متى كان رسول الله ﵌ يُصلِّي الجمعة؟ قال: «كان يُصلِّي، ثم نذهب إلى جِمَالنا فنُرِيحها». زاد عبد الله في حديثه: «حين تزول الشمس». يعني: النواضحَ.
وقد وردت آثار عن عمل الخلفاء الأربعة ومعاوية وابن مسعود وجابر وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص، لا يصحّ منها شيءٌ فلا نُطيل بذكرها.
_________
(^١) لمسلم.
(^٢) البخاري (٤١٦٨) ومسلم (٨٦٠).
(^٣) رقم (٨٥٨).
(^٤) أي مسلم (٨٥٨/ ٢٩).
16 / 340
وأما الأحاديث المارَّة، فكُلُّها لا تخلو عن نظر.
أما حديث سهل: «ما كنا نَقِيل ولا نتغدّى إلا بعد الجمعة»، فالجواب عنه: أنَّهم كانوا يُبكِّرون إلى الجامع؛ امتثالًا للأمر، وطلبًا لعِظَم الأجر، فكانوا يشتغلون عن القيلولة والغداء بالمُكْثِ في المسجد والصلاة، فإذا خرجوا ناموا وتغدَّوا.
وأطْلَق «نَقِيل» على النوم بعد الظهر؛ لأنه عِوَض عن القيلولة التي هي نوم نصف النهار.
[ص ٤] وأما حديث سلمة؛ فقد فسَّرتْه رواية مسلم: «كنا نُجمِّع معه إذا زالت الشمس»، ومع ذلك فالنفي منصبٌّ على القيد، أي: ليس هناك من الظلِّ ما يُستظلُّ به، كما تدل عليه الرواية الأخرى «نتتبَّعُ الفيءَ».
فإن قيل: فقد كان النَّبي ﵌ يُطيل الخطبة، كما يدلُّ عليه حديث مسلم (^١) عن أم هشام قالت: ما حفظتُ ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ إلَّا من فِي رسولِ الله ﵌ وهو يقرؤها على المنبر كلَّ جمعة.
ويُطيل الصلاة، فيصلِّيها بالجمعة والمنافقين، كما في «صحيح مسلم» (^٢) عن علي وابن عباس وأبي هريرة.
وهذا يدلّ أنه كان يشرع في الخطبة قبل الزوال، إذ لو كان بعده لما فرغ إلا وقد صار للحيطان ظلٌّ يُستظَلُّ به، وقد نفاه سلمة في حديثه الثابت في «الصحيحين».
_________
(^١) رقم (٨٧٣).
(^٢) رقم (٨٧٧، ٨٧٩).
16 / 341
وأما رواية مسلم: «كنا نُجمِّع معه إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبَّعُ الفيء»، فذلك في بعض الحالات، فإن قوله: «نتتبَّعُ الفيء» يدلُّ على أنّه قد صار للحيطان ظلٌّ يُستَظلُّ به.
فالجواب: أن هذا تَمحُّلٌ، والظاهر أن أحاديث سلمة متفقة غير مفترقة، وقد كانت حيطان بيوت الصحابة قصيرةً جدًّا، فلا يبعد أن لا يكون لها ظلٌّ يُستظلُّ به إذا وقعت الخطبة والصلاة عقبَ الزوال على الفور، ودلالة رواية مسلم على ذلك ظاهرة.
وأما حديث سهل؛ فالظاهر أن قوله: «حين تزول الشمس» في رواية عبد الله مدرج من قول جعفر، بدليل أنه في رواية حسن روى له الحديث بدونها، فسأله حسن: أي ساعة تلك؟ ــ أي: ساعة وقوع الصلاة فيما يظهر ــ قال: زوال الشمس.
وفي رواية القاسم بن زكريّا خاليًا عنها.
وفي رواية عبد الله ذكرها.
وعلى فرضِ صحتها عن جابر فيكون الظرف متعلقًا بـ «يُصلِّي» وإن بعُد، والله أعلم.
وذلك أنه ثبت في «صحيح البخاري» (^١) وغيره عن أنس قال: «كان رسول الله ﵌ يصلِّي الجمعة حين تميل الشمس». و(كان) تُشعِر بالدوام.
نعم، الأحاديث متضافرة على أنه ﵌ كان يَخرج أولَ ما تميلُ
_________
(^١) رقم (٩٠٤).
16 / 342
الشمسُ، وهذا شيءٌ متعيِّن. [ص ٥] ومما هو صريحٌ فيه (^١): أن أذان الجمعة كان في عهده ﵌ عقبَ خروجه وسلامه على الناس وجلوسه على المنبر. فلو كان يكون خروجه ﵌ متأخِّرًا عن دخول الوقت لشَرع ــ والله أعلم ــ الأذان حينئذٍ كسائر الصلوات.
وأمَّا حديث البخاري (^٢) عن أنسٍ: كان النَّبي ﵌ إذا اشتدَّ البردُ بكَّر بالصلاة، وإذا اشتدَّ الحرُّ أبردَ بالصلاة، يعني: الجمعة.
فقوله: «يعني الجمعة» لا يُدْرَى مِن قَولِ مَن هي؟ ولهذا قال ابن المنيِّر ــ كما نقله عنه الشُّرَّاح (^٣) ــ: إنَّما قيل ذلك قياسًا على الظهر لا بالنَّصِّ؛ لأنَّ أكثر الأحاديث تدلُّ على التفرقة في الظُّهر، وعلى التبكير في الجمعة مطلقًا من غير تفصيل.
قال (^٤): والذي نحَا إليه المؤلِّف مشروعيَّة الإبراد بالجمعة، ولم يَبُتَّ الحكم بذلك؛ لأنَّ قوله: «يعني: الجمعة» يحتمل أن يكون قول التابعيِّ ممَّا فهمه، وأن يكون من نقله، فرجح عنده إلحاقها بالظُّهر؛ لأنَّها إمَّا ظهرٌ وزيادة، أو بدلٌّ عن الظُّهر. اهـ.
قلتُ: أمَّا قوله: «يعني الجمعة»، فهو من لفظ التابعيِّ، كما يدلُّ عليه قول البخاري (^٥) بعد ذلك: قال يونس بن بُكَير: أخبرنا أبو خَلْدة، وقال:
_________
(^١) هذه العبارة تكررت عند المؤلف.
(^٢) رقم (٩٠٦).
(^٣) انظر «فتح الباري» (٢/ ٣٨٩).
(^٤) المصدر نفسه.
(^٥) عقب الحديث (٩٠٦).
16 / 343
«بالصَّلاة»، ولم يذكر الجمعة.
وأبو خلدة هو التابعيُّ الرَّاوي عن أنس.
نعم، قال القسطلَّاني (^١): أخرجه الإسماعيلي من وجهٍ آخر عن يونس، وزاد: «يعني الظُّهر».
وأقول: لا يخفى أنَّ التبكير إلى المسجد يوم الجمعة مشروعٌ مطلقًا، فيكون الاجتماع في المسجد قبل الزَّوال، فلم يُشرع الإبراد؛ لأنَّ الإبراد إنَّما شُرِعَ ــ كما قال العلماء ــ تخفيفًا على المُصَلِّين، حتى لا يخرجوا من بيوتهم إلَّا وقد بَرَدَ النَّهار.
وقد يُجابُ عن هذا بجوابين:
الأول: أنَّه لا مانعَ أن يكون التبكير في شِدَّة الحرِّ خِلافَ التبكير في غيره.
والثاني: بمنع كون العِلَّة هي كراهة المشقَّة؛ بل العِلَّة هي كون جهنَّم تفوح حينئذٍ. وحديث «الصحيحين» (^٢): «إذا اشتدَّ الحَرُّ فأَبرِدُوا، فإنَّ شِدَّة الحرِّ من فَيْحِ جهنَّم» نصٌّ على هذه العِلَّة.
وهي نفسُها العلَّة في النهي عن الصَّلاة عند الاستواء، ففي حديث عمرو بن عَبَسَة: «ثمَّ صَلِّ فإنَّ الصَّلاة مشهودةٌ محضورةٌ، حتى يَستقِلَّ الظلُّ بالرُّمح، [ص ٦] ثم أَقْصِرْ عن الصَّلاة فإنَّ حينئذٍ تُسْجَرُ جهنَّم ...» الحديث، وهو في «صحيح مسلم» (^٣).
_________
(^١) «إرشاد الساري» (٢/ ١٧٤)، وقد ذكره الحافظ في «الفتح» (٢/ ٣٨٩).
(^٢) أخرجه البخاري (٥٣٣) ومسلم (٦١٥) من حديث أبي هريرة.
(^٣) رقم (٨٣٢).
16 / 344
والأحاديث تدلُّ على أنَّ جهنَّم تُسْجَر عند الاستواء (^١)، وتتنفَّس في الصَّيف (^٢)، أي: ما بعد ذلك حتى يُقبِل الفيءُ.
وإذا تقرَّر ذلك فحضورُ المُصَلِّين في المسجد لا يمنع من الإبْراد.
وقد يُجاب عن هذا بالحديث الذي رواه أبو داود (^٣)، وفيه: «إنَّ جهنَّم تُسجَرُ إلَّا يوم الجمعة»؛ [ص ٧] وكأنَّ الفرق ــ والله أعلم ــ أنَّ السَّجرَ أي: الإيقاد من فعل الملائكة عن أمر الله تعالى، فهو ظاهرٌ في تجلّي العَذَاب، بخِلاف التنفُّس فإنَّه من جِهة النَّار، فكان عدم السَّجر في يوم الجُمعة أنسب من عدم التنفُّس.
ويؤيِّده قيام الدَّليل على عدم كراهية الصَّلاة يوم الجمعة عند الاستواء. وهو يدلُّ على انتفاء العِلَّة أو معارضتها بأقوى منها، كعِظَم تجلِّي الرَّحمة يوم الجمعة على المجمِّعين.
والجواب: أنَّنا نُسلِّمُ عدمَ السَّجْر يوم الجمعة لما ذكرتم، وأمَّا التنفُّس فالظَّاهر أنَّها تتنفَّس يوم الجمعة كتنفُّسها في سائر الأيام، لأن في حديث «الصحيحين»: «فإنَّ شِدَّة الحَرِّ من فَيحِ جهنَّم» الحديث.
ومن المحسوس أنَّ الحَرَّ في يوم الجمعة لا يَخِفُّ عن الأيَّام التي قبله وبعده، بل هو موجودٌ فيه كما فيها، وهو من فَيْحِ جهنَّم بالنَّصِّ.
_________
(^١) كما في حديث عمرو بن عبسة المذكور، وفي حديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن ماجه (١٢٥٢). قال البوصيري: إسناده حسن.
(^٢) كما في حديث أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي (٢٥٩٢) وصححه.
(^٣) رقم (١٠٨٣). قال أبو داود: هو مرسل؛ مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة.
16 / 345
فإن قيل: فإن مشروعيَّة التنفُّل حينئذٍ تُنافي وجود فيحِ جهنَّم في ذلك الوقت في يوم الجمعة، وكونُه هو العِلَّة في الأمر بالإبراد، ولاسيَّما عند مَن حمل الأمر بالإبراد على ظاهره من الوجوب.
فالجواب: أنَّنا نختار مذهب الجمهور أنَّ الأمر بالإبراد إنَّما هو للنَّدب؛ لما هو مقرَّرٌ في محلِّه. والفرق بينَه وبين السَّجْر ما تقدَّم، فتكون مخالفته خلافَ الأولى فقط.
ثم نقول: إنَّ العِلَّة التي هي تنفُّس جهنَّم حينئذٍ عارضها يوم الجمعه ما هو أقوى منها، وهو عِظَم تجلِّي الرَّحمة. فانتفت خلافيَّة الأولى، وثبَت الندب بدليله المتقدِّم.
فإن قلت: فقد ثبت بهذا مقصودنا من عدم مشروعيَّة الإبراد بالجُمعة.
فالجواب: أنَّنا نقول: إنَّ إبراده ﵌ بالجمعة لم يكن لهذه العِلَّة، وإنَّما هو لعِلَّة أخرى؛ وهي: كراهيةُ أن يشقَّ على أصحابه؛ باجتماعهم، وتزاحمهم، وتضايقهم في ذلك العريش في وقت شِدَّة الحَرِّ.
فإنْ قلْتَ: فإنَّ مشروعيَّة التبكير يوم الجمعة تنافي ذلك.
فالجواب: ما مرَّ من أنَّ التبكير يختلف باختلاف الأوقات، ففي وقت البرد يكون آخر الساعات حين الاستواء، وفي أوقات الحرِّ يكون آخر السَّاعات حين إقبال الفيءِ.
سلَّمنا أنَّ التبكير لا يختلف، بل هو على القسم الأوَّل مطلقًا؛ ولكنَّا نقول: فههنا عِلَّةٌ أخرى، وهي حرصُه ﵌ على أنْ يَعِيَ أصحابُه موعظتَه، ويكون خشوعهم في الفريضة على أتمِّ الأحوال. وهذا ممَّا يمنع عنه اشتدادُ الحرِّ، فلذلك أبرد.
16 / 346
إذا تأمَّلتَ ما ذُكِرَ علمتَ أنَّ الظَّاهِرَ [ص ٨] أنَّ الإبراد بالجمعة سُنَّة، وأنَّه لا يُنافي ندبَ التنفُّل قبلها إلى أن يخرج الإمام، وحينئذٍ فيكون تأخير الأذان مع الإبراد بالجمعة إلى خروج الإمام كتأخيره في الظُهر إلى البرد، فقد ثبت الأمرُ بذلك في «الصحيحين» (^١) عن أبي ذرّ قال: «أذن مؤذّن النَّبي ﵌ الظهر، فقال: أبرِدْ أبرِدْ، أو قال: انتظِرْ انتظِرْ ...» الحديث.
فالسُنَّة في الظهر أن يؤذَّن لها إذا أُريد حضورُ المُصَلِّين، وهو يختلف باختلاف الحر والبرد. والسُنَّة في الجُمعة أن يؤذَّن لها إذا خرج الخطيب، وهو يختلف باختلاف الحر والبرد أيضًا.
إذا تقرَّر ما ذُكِر فاعلم أنَّ تأخير أذان الجُمعة إلى خروج الخطيب دليلٌ ظاهرٌ على أنَّه ليس للجُمعة سُنَّة قبلية؛ لأنَّ صلاتها بعد خروج الخطيب ممنوع.
فلو كانت ثابتةً لسُنَّ الأذان قبل خروج الخطيب حتى يتمكَّن النّاس من فعلها بعد الأذان؛ عملًا بحديث «الصحيحين» (^٢) وغيرهما عن عبدالله بن مغفَّل المُزَني ﵁ أنّ رسول الله ﵌ قال: «بين كلِّ أذانينِ صلاة، ثلاثًا، لمن شاء».
وقد حمل الأئمة هذه الصلاة على الرَّواتب القبليَّة. وعليه، فيكون وقتها ــ أي الرَّواتب القبليَّة ــ بين الأذان والإقامة، فلو قُدِّمَت لم تقع الموقع.
فتأمَّل هذا تَجِدْهُ ظاهرًا في نفي أنْ تكون للجُمعة سُنَّة قبلِيَّةٌ.
_________
(^١) البخاري (٥٣٥) ومسلم (٦١٦).
(^٢) البخاري (٦٢٤) ومسلم (٨٣٨).
16 / 347
ويؤيِّدُه حديث البخاري (^١) عن ابن عمر ﵄، من رواية مالكٍ عن نافعٍ عنه، قال: «صَلَّيتُ مع رسول الله ﵌، كان يصلِّي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلِّي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلِّي ركعتين».
وهذا في «صحيح مسلم» (^٢) مختصرًا.
وأخرجاه (^٣) في التطوُّع، من رواية عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، بلفظ: «سجدتين، سجدتين».
[ص ٩] وإفراده للجمعة ههنا يردُّ على من زعم أنَّ حكمها حكم الظُّهر، وذكرُه الرَّكعتين بعدها فقط يدلُّ على أنَّه لا قبليَّة لها.
ومن الباطل جواب ابن بطَّال (^٤) عن هذا بأنَّ ابن عمر إنَّما أعاد ذكر الجمعة بعد ذكر الظُّهر من أجل أنَّه كان ﵌ يصلِّي سُنَّة الجمعة في بيته بخِلافِ الظُّهر. فَمِن أين له أن النبي ﵌ كان يصلي قبلية الظهر أبدًا في بيته وبعدِيَّتَّها في المسجد أبدًا، حتى تَثبت مخالفتُها للجمعة في الثانية وموافقتها لها في الأولى، فيقال: ذَكَر ابنُ عمر ما خالفت فيه الجمعةُ الظهرَ وما وافقتها فيه؟
على أنَّ قضيَّة جوابه أنَّ الجمعة تسمَّى ظهرًا، وهذا واضحُ البطلان.
_________
(^١) رقم (٩٣٧).
(^٢) رقم (٨٨٢/ ٧١).
(^٣) البخاري (١١٧٢) ومسلم (٧٢٩).
(^٤) في شرحه على «صحيح البخاري» (٢/ ٥٢٦).
16 / 348
فتبيَّن أنَّ حديث ابن عمر يردُّ على مَن زعم أنَّ حُكْم الجمعة حُكْم الظُّهر، ويدلُّ على أنَّه لا قبليَّة للجمعة، فتأمَّل.
وممَّا يؤيِّد ذلك: ورود الأمر بالصلاة بعد الجُمعة، وهو حديث أبي هريرة ــ عند مسلم (^١) ــ قال: قال: رسول الله ﵌: «إذَّا صلَّى أحدكم الجُمعةَ فليُصَلِّ بعدها أربعًا»، وفي رواية: «فإن عَجِلَ بك شيءٌ فصلِّ ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت».
فقد فُهِم من هذا الحديث نفيُ قبليَّة الجُمعة، إذ لو كانت لذُكِرَتْ، وليس هذا عمدتنا في ذلك.
وظاهر من هذا الحديث أن هذه الأربع مؤكدة، بل ظاهره كما قال بعضُهم الوجوب، لولا أن في الرواية الأُخرى (^٢): «من كان منكم مصلّيًا بعد الجمعة فليصلِّ أربعًا».
وهذا بخلاف بعديَّة الظهر، فإنَّ المؤكَّد منها ركعتان فقط. ولا ينافي تَأَكُّدَ الأربعِ حديثُ ابن عمر السابق في اقتصاره ﵌ على ركعتين؛ إذ قد يُقال: إنَّ الأربع تتأكَّد في حق المأمومين كما يقتضيه الأمر، ولا تتأكَّد في حق الإمام، لأنَّه قد حصل له مزيد الأجر بنصبه في الخطبة بخلافهم.
وليس لقبليتها حديث صحيح، بل الأحاديث تُفيد عكسَ ذلك كما مرَّ. وبهذه الدلائل يُخصَّص عموم حديث ابن حبان (^٣): «ما من صلاةٍ مفروضةٍ إلَّا وبين يديها ركعتانِ»، كما سيأتي إن شاء الله.
_________
(^١) رقم (٨٨١).
(^٢) «صحيح مسلم» (٨٨١/ ٦٩).
(^٣) في «صحيحه» (٢٤٥٥، ٢٤٨٨) من حديث عبد الله بن الزبير. وإسناده قوي.
16 / 349
[ص ١٠] وقد استدلَّ من يقول بأن لها سُنَّة قبليَّة بأمور:
أحدها: القياس على الظهر. وهو ــ وإن ذكره النووي ــ بعيد، كما ذكره العراقي (^١) وغيره. وما قيل: إنَّ البخاري أَوْمَأَ إليه بقوله في ترجمته: «باب الصلاة بعد الجُمعة وقبلها» فيه نظر. بل قد يُدَّعَى العكس؛ لأنَّ الحديث الذي أَوْردَه يدلُّ على أنَّه ليس للجُمعة سُنَّة قبليَّة، ويدل على أنَّها مخالِفة للظهر، وهو حديث ابن عمر الذي مرَّ قريبًا.
ومن تراجم البخاري: «باب الصلاة قبل العيد وبعده» (^٢). ومراده أنها غير مشروعة، كما تدل عليه الأحاديث التي أوردها. فيكون مراده هنا أن الصلاة بعد الجُمعة مشروعة وقبلها غير مشروعة، فقدَّم المثبَت وأخّر المنفيَّ. والمراد بالصلاة قبل الجُمعة أي: الراتبة، فأما النفل المطلق فهو مشروع قطعًا كما مر.
ومع ذلك فالقياس إنما يُعمَل به في إثبات الأحكام لا في إثبات عبادة مستقلّة.
وقد أجاب بعضُ العلماء أن القول بالقياس هنا إنما هو بناءً على أن الجُمعة ظهرٌ مقصورة.
وهذا باطل، والصحيح أن الجمعة صلاة مستقلّة.
وزعم بعضهم أن الجمعة هي الظهر، وإنما أُقيمت الخطبتان مقام
_________
(^١) انظر: «طرح التثريب» (٣/ ٤١).
(^٢) «الصحيح مع الفتح» (٢/ ٤٧٦).
16 / 350
ركعتين، وكأنَّ هذا القائل غرَّه اتفاق العدد بين الركعتين والخطبتين، ولا أدري ماذا يقول في خُطبتي العيدين والكسوفين والاستسقاء عِوَض عن ماذا؟
والاستدلال بنحو هذا محض التكلُّف والتمحُّل الذي لا حاجةَ بطالب الحق إليه، والله أعلم.
واستدلُّوا بحديث «الصحيحين» المتقدم: «بين كل أذانينِ صلاة». وهذا غفلة، فإنّ الأذانين في الحديث إنما أُريد بهما الأذان المشروع والإقامة اتفاقًا، والأذان المشروع في الجمعة هو الذي عند خروج الإمام، والصلاةُ بينه وبين الإقامة حرام إجماعًا، إلا ما سيأتي في ركعتي التحيَّة. ولو كان المراد أي أذانين كان؛ لكان الأحرى بذلك أذانا الصبح، ولم يقل أحد بأنه يُسَنُّ بينهما صلاة.
أما سُنَّة الصبح فليست بينهما، وإنما هي بعدهما بين الأذان والإقامة.
[ص ١١] واستدلُّوا بأحاديث أُخرى ذكرها الحافظ في «الفتح» مع أجوبتها، وهذه عبارته (^١): وورد في سُنَّة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة.
منها: عن أبي هريرة، رواه البزار (^٢) بلفظ: «كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعًا». وفي إسناده ضعف.
_________
(^١) «فتح الباري» (٢/ ٤٢٦).
(^٢) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (٦/ ٣٦٥) من طريقه، وفيه: «... وبعدها ركعتين».
16 / 351
وعن علي، رواه الأثرم والطبراني في «الأوسط» (^١) بلفظ: «كان يصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا»، وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي، وهو ضعيف عند البخاري وغيره، وقال الأثرم: إنه حديث واهٍ.
ومنها: عن ابن عباس مثله، وزاد: «لا يفصل في شيءٍ منهنّ»، أخرجه ابن ماجه (^٢) بسند واهٍ.
قال النووي في «الخلاصة» (^٣): «إنّه حديث باطل».
وعن ابن مسعود عند الطبراني (^٤) أيضًا مثله، وفي إسناده ضعف وانقطاع.
ورواه عبد الرزاق (^٥) عن ابن مسعود موقوفًا، وهو الصواب.
وروى ابن سعد (^٦) عن صفيّة زوج النبي ﵌ موقوفًا نحو حديث أبي هريرة. إلخ.
قلت: والموقوف عن ابن مسعود ذكره الترمذي (^٧) بقوله: ورُوي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا.
_________
(^١) (٢/ ١٧٢).
(^٢) رقم (١١٢٩). قال البوصيري في «الزوائد»: إسناده مسلسل بالضعفاء، عطية متفق على ضعفه، وحجاج مدلس، ومبشر بن عبيد كذاب، وبقية هو ابن الوليد مدلّس.
(^٣) (٢/ ٨١٣).
(^٤) في «الأوسط» (٤/ ١٩٦).
(^٥) في «المصنّف» (٣/ ٢٤٧).
(^٦) في «الطبقات» (٨/ ٤٩١).
(^٧) في «الجامع» عقب الحديث رقم (٥٢٣).
16 / 352
وقد استدلُّوا به على وقفه، قالوا: لأن الظاهر أنه توقيف.
والجواب: أنه إن صحَّ فلا حُجَّة فيه، وقولهم: إن الظاهر أنه توقيف ممنوع، بل الظاهر أن المراد بذلك النفل المطلق الذي يصلِّيه الإنسان ما بين دخوله الجامع وخروج الإمام؛ كما مَرَّ بيانُه، بل هذا هو المتعين، لما مرّ أن السُنَّة في خروج الإمام أول الوقت وقبلَ الأذان، وأنَّ ذلك صريح في نفي مشروعية سنةٍ قَبْليّة للجمعة، والله أعلم.
واستدلُّوا بما قاله العراقي في «شرح سنن الترمذي»؛ بعد ذكر حديث ابن ماجه المتقدم في عبارة «الفتح» قال: «وقد وقع لنا بإسنادٍ جيد من طريق القاضي أبي الحسن الخلعي من رواية ابن إسحاق عن عاصم بن عثمان عن علي».
كذا وجدت نقل عبارته، ولتراجع (^١).
والجواب: أنَّ ابن إسحاق مختلفٌ فيه، وهو بَعْدُ مُدَلِّس، وقد عَنْعَنَ، ولم أقف على الإسناد بطوله حتى أعرفَ حاله، وفيما ذكرتُ كفاية.
وهَبْ أنَّه صحَّ فالمراد النَّفْل المطلق؛ لما مرَّ، والله أعلم.
واستدلُّوا بأحاديث: «أربع بعد الزوال».
والجواب: أنَّ في بعضها التقييد بقبل الظهر، والمطلقُ يُحمَل على المقيَّد. وعلى فَرْضِ عدم الحمل فيكون عامًّا مخصوصًا بالجمعة؛ لما مرَّ أن السُنَّة خروج الإمام عقب الزوال، وبخروجه تمتنع الصلاة إلَّا ركعتي التحية، والله أعلم.
_________
(^١) في «طرح التثريب» (٣/ ٤٢): «من طريق أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي». وهو الصواب، و«ابن إسحاق» و«عثمان» تحريف.
16 / 353
واستدلَّ بعضهم بحديث أبي داود والترمذي (^١)، عن عطاء قال: «كان ابن عمر ﵄ إذا صلَّى الجمعة بمكة تقدَّم فصلَّى ركعتين، ثم يتقدَّم فيصلِّي أربعًا ...»، الحديث.
والجواب: أنَّ الاستدلال به غفلة؛ لأنَّ الكلام في الصلاة بعد الجمعة.
وقوله «تقدم» أي: من موقفه الذي صلَّى فيه الجمعة، يتقدَّم عنه فيصلِّي ركعتين، ثم يتقدَّم فيصلِّي أربعًا، وهذا لفظ الترمذي: [ص ١٣] «وابن عمر بعد النبي ﵌ صلَّى في المسجد بعد الجمعة ركعتين، وصلَّى بعد الركعتين أربعًا». حدثنا بذلك ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء، قال: «رأيتُ ابن عمر صلَّى بعد الجمعة ركعتين، ثم صلَّى بعد ذلك أربعًا».
ولفظ أبي داود في باب الصلاة بعد الجمعة: عن عطاء عن ابن عمر قال: «كان إذا كان بمكة فصلَّى الجمعة تقدم فصلَّى ركعتين، ثم تقدم فصلّى أربعًا، وإذا كان بالمدينة صلّى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلَّى ركعتين، ولم يصلِّ في المسجد». فقيل له، فقال: كان رسول الله ﵌ يفعل ذلك.
وكلاهما صريح أنَّ هذه إنَّما هي الصَّلاة بعد الجمعة.
وفي رواية أُخرى (^٢): عن عطاء أنَّه رأى ابن عمر يُصَلِّي بعد الجمعة، فينماز عن مصلَّاه الذي صلَّى فيه الجمعة قليلًا غير كثير، قال: فيركع ركعتين. قال: ثم يمشي أنفسَ من ذلك، فيركع أربع ركعات. قلت ــ القائل ابن جريج الراوي عن عطاء ــ لعطاء: كم رأيتَ ابن عمر يصنع ذلك؟ قال: مرارًا.
_________
(^١) أبو داود (١١٣٠) والترمذي (٢/ ٤٠١، ٤٠٢).
(^٢) عند أبي داود (١١٣٣).
16 / 354
وهذا الحديث ممَّا يدلُّ على الفَرْق بين الجمعة والظهر، والله أعلم.
واستدلُّوا بما رواه الطبراني في «الأوسط» (^١) بسنده إلى النبي ﵌ قال: «مَنْ شَهِدَ منكم الجمعة فليُصَلِّ أربعًا قبلها وبعدها أربعًا».
والجواب: أنَّه حديثٌ ضعيفٌ، فيه محمد بن عبد الرحمن السهمي، كما في «شرح البخاري» (^٢)، وقد ضعَّفه البخاري وغيره كما مرَّ، والله أعلم.
واستدلُّوا بحديث أبي داود وابن حبان (^٣) من طريق أيوب عن نافع قال: «كان ابن عمر يُطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلِّي بعدها ركعتين في بيته، ويُحدِّث أنَّ الرسول ﵌ كان يفعلُه».
والجواب: قال الحافظ (^٤): وتُعُقِّب بأن قوله: «كان يفعل ذلك» عائد على قوله: «ويصلِّي بعد الجمعة ركعتين في بيته».
ويدلُّ له رواية الليث عن نافع عن عبد الله: أنَّه كان إذا صلَّى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ثم قال: «كان رسول الله ﵌ يصنع ذلك»، رواه مسلم (^٥).
وأما قوله: «كان يطيل الصلاة قبل الجمعة» فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون [ص ١٤] مرفوعًا؛ لأنَّه ﵌ كان يخرج إذا زالت
_________
(^١) (٢/ ١٧٢)، ولفظه: «كان رسول الله ﷺ يصلّي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا ...».
(^٢) «فتح الباري» (٢/ ٤٢٦).
(^٣) أبو داود (١١٢٨) وابن حبان (٢٤٧٦).
(^٤) «فتح الباري» (٢/ ٤٢٦).
(^٥) رقم (٨٨٢).
16 / 355