صندوق د دنیا
صندوق الدنيا
ژانرونه
مكدودا معفرا، وكان الجو دافئا والسماء صافية لا أعرف لزرقتها في غير «الأقصر» مشبها، فغيرت ثيابي وبدا لي أن خير ما أصنع - لأريح جسمي التعب وذهني المكظوظ - أن أركب زورقا أسبح به على النيل. ولما استويت فيه دليت يدي إلى الماء وانثنيت أفكر فيما رأيت وأستعيد ما شهدت، ولكن صورة «سخت» في حجرتها المظلمة أفسدت علي هذه الفكرة التي كنت أرجو أن أستمتع بها في زورق على النيل، ومن ذا الذي يراها ولا تعود أبرز ما يطيف برأسه، رأس لبؤة وجسم امرأة، وعينان ليستا بعين امرأة ولا عين سبع، تحدقان في الظلام وتبحثان عن الفريسة، وذلك أنها هي الموكلة بالتهام الأرواح المذنبة في الآخرة.
وأغفيت وأنا أفكر فيها، ورأيت وأنا نائم على النيل حلما مضطربا كله تخليط على عادة الأحلام. وانقلب النيل نهرا آخر - ستيكس - نهر الأغارقة الذي تقول أساطيرهم إن الموتى يعبرونه إلى وادي الأشباح، وآض الملاح الذي يجدف به على النيل «شارون»
2
وإذا على الشاطئ حشد عظيم من الأموات يسوقهم «هرمز» بالعصا وهم يبكون ويولولون ويندبون الحياة التي خلعوا ثوبها ويبغون الرجعى إليها، ولا يطيقون الحقيقة العارية الباقية التي صاروا إليها، ولا يتعزون عن أحلام الدنيا التي كانت تفيض لهم على الوجود بريقا مستعارا خادعا؟ آه لقد ذهب سماؤهم كلها مع تلك الأحلام!
وحشروا جميعا في الزورق الذي اتسع لهم جميعا، الأطفال حزمة واحدة بلا سؤال أو مراجعة، ثم الشيوخ والعجائز الذين لم يبكهم أحد، ثم قتلى بعض المعارك في جهات من الأرض لم أسمع بها في حياتي - فما أحوج علم الجغرافيا إلى بعثة تذهب إلى هناك - ثم رجل قتلته امرأة وعشيقها، ثم الذين أفنتهم الحميات ومعهم طبيب هرم، ودفع شارون الزورق على اللجة، وتركني على الشاطئ فأحسست بالوحشة وخفت أن أتعفن إذا بقيت وحدي إلى الغد، فصحت بشارون أن يحملني معه فأبى وقال: إن الزورق غاص وليس فيه موضع لقدم، فيئست غير أن واحدا من الركاب أهاب بي أن ألقي بنفسي في الماء وأسبح فقلت له: إني لا أحسن السباحة وقد ... أغرق.
فقهقه وقال: ماذا تخشى من الغرق وقد مت؟
فرميت بنفسي في الماء وعمت إليه، ومد يده فجذبني ودار بعينه فلم ير لي مكانا فأطرق قليلا ثم رفع رأسه وقال وهو يبتسم: أنا - أيضا - قلق في موضعي هذا، فتعال بنا ننتقي لنا اثنين من هؤلاء المعولين المنتحبين نجلس على أكتافهما!
وفعلنا ودار شارون بالركاب يتقاضى أجرة النقل، وتنبهت إلى ذلك فقلت لصاحبي: «ولكني معدم وقد جردوني من كل شيء لما مت فماذا أصنع؟»
قال: «لا بأس عليك! فما أنا بخير منك، فاسكت أنت ودع الأمر لي.»
وجاء شارون يطلب الأجر، فقال له زميلي: «ماذا تنتظر ممن ليس معه شيء؟»
ناپیژندل شوی مخ