فلذلك كله كان من الواجب أن يكون المعلم المربي ذا إيمان بمواد تعليمه وتربيته.
على أن الإنسان الخالي عن الإيمان بما يقوله حتى المنافق المتستر بالأعمال الصالحة المتظاهر بالإيمان الصريح الخالص لا يتربى بيده إلا من يمثله في نفسه الخبيثة، فإن اللسان وإن أمكن إلقاء المغايرة بينه وبين الجنان بالتكلم بما لا ترضى به النفس ولا يوافقه السر إلا أن الكلام من جهة أخرى فعل، والفعل من آثار النفس ورشحاتها، وكيف يمكن مخالفة الفعل لطبيعة فاعله؟
فالكلام من غير جهة الدلالة اللفظية الوضعية حامل لطبيعة نفس المتكلم من إيمان أو كفر أو غير ذلك، وواضعها وموصلها إلى نفس المتعلم البسيطة الساذجة فلا يميز جهة صلاحه - وهو جهة دلالته الوضعية - من جهة فساده - وهو سائر جهاته - إلا من كان على بصيرة من الأمر، قال تعالى في وصف المنافقين لنبيه (صلى الله عليه وآله): " ولتعرفنهم في لحن القول " (1) فالتربية المستعقبة للأثر الصالح هو ما كان المعلم المربي في هذا إيمان بما يلقيه إلى تلامذته مشفوعا بالعمل الصالح الموافق لعلمه، وأما غير المؤمن بما يقوله أو غير العامل على طبق علمه فلا يرجى منه خير.
ولهذه الحقيقة مصاديق كثيرة وأمثلة غير محصاة في سلوكنا معاشر الشرقيين والإسلاميين خاصة في التعليم والتربية في معاهدنا الرسمية وغير الرسمية، فلا يكاد تدبير ينفع ولا سعي ينجح.
وإلى هذا الباب يرجع ما نرى أن كلامه تعالى يشتمل على حكاية فصول من الأدب الإلهي المتجلي من أعمال الأنبياء والرسل (عليهم السلام) مما يرجع إلى الله سبحانه من أقسام عباداتهم وأدعيتهم وأسئلتهم، أو يرجع إلى الناس في معاشراتهم ومخاطباتهم، فإن إيراد الأمثلة في التعليم نوع من التعليم العملي بإشهاد العمل.
5 - قال الله تعالى بعد ذكر قصة إبراهيم في التوحيد مع قومه: " وتلك حجتنا
مخ ۳۹