Goodnow - أوصى باختيار النظام الملكي مع أنه ينتمي إلى أمة ديمقراطية ... لاعتقاده أن تفكير الصينيين لا يطرد على سنن التقدم، وأنهم متأخرون عن الأوروبيين والأمريكيين فلا يحق لهم أن يحاولوا تجربة الديمقراطية، وقد اتكأ يوان شي كاي على هذه الوصية ونادى بنفسه إمبراطورا على الصين، فإذا كنا اليوم بسياق الدعوة إلى الديمقراطية فعلينا أن نفهمها على غاية الجلاء والوضوح.
لقد جهر كنفشيوس ومنشيوس بحقوق الأمة قبل ألفي سنة، فقال كنفيشيوس: إن كل من تحت السماء سيعمل للصالح العام يوم تسود الفكرة الكبرى، وكانت دعوته إلى عالم حر يسوده الإخاء ويؤول حكمه إلى الأمة.
ومنشيوس كان يقول: إن القيمة الكبرى للشعب ثم للأرواح التي تتولى الزرع والغلة ثم يليهم جميعا الأمراء، ومن كلامه أن السماء ترى ما يراه الشعب، وتسمع ما يسمعه.
فالصين قد أدركت معنى الديمقراطية قبل ألفي سنة، وإن لم تقدر يومئذ على تطبيقها، ولكنها كانت يومئذ بمثابة الطوبى في اصطلاح الغربيين: مثلا أعلى لا يتيسر تطبيقه على الأثر.
وكلما قرأنا تاريخ الصين تبين لنا أنها تقدمت إلى دراسة الديمقراطية قبل الأوروبيين والأمريكيين بألوف السنين، نعم إنها دراسة نظرية لم تأخذ مأخذ العمل والتطبيق، فاليوم وقد أخذ الأوروبيون والأمريكيون بالنظام الجمهوري، ومضى عليه بينهم نحو مائة وخمسين سنة فنحن الذين حكم آباؤهم بهذه الأفكار خلقاء أن نمضي في أثرهم وأن نستخدم قوة الأمة إذا رجونا لحكومتنا البقاء ورجونا للشعب السعادة والرخاء.
ولكن النهضة الديمقراطية بالقياس إلى غيرها من النظم متأخرة، ولا تزال حكومات كثيرة مصطبغة بصبغة الحكم المطلق ولا تزال تجارب الديمقراطية محفوفة بمعقبات الخيبة والإخفاق، وهذه الدراسة التي جرى البحث فيها بين أهل الصين قبل ألفي سنة لم توضع موضع التنفيذ إلا منذ مائة وخمسين سنة، وكأنما تنتشر في أرجاء العالم على أجنحة الرياح.
لقد عزمنا منذ ثلاث عشرة سنة - نحن الثائرين - أن ندين بالديمقراطية إذا طلبنا القوة للصين والنجاح للثورة، وكأنما تجري هذه الدفعة العالمية كنهر اليانجزي في مجراه: تارة هنا وتارة هناك وتارة إلى الوراء، ولكن المصب إلى الشرق في النهاية، فلن يصده عنه عائق آخر المطاف.
وإذا كانت الديمقراطية قد وجدت أكثر من قرن في الغرب فإنما جاءت في تاريخها تابعة لجهاد الحرية، فكانت الدماء تفيض فيضا في سبيل هذه الحرية، وكان العارفون من أبناء أوروبة وأمريكا يومئذ يتخذون من الحرية علما يرفعونه كما نرفع اليوم علم المبادئ الثلاثة، ويخلص لنا من ثم أن جهاد الغرب كان في طلب الحرية، فلما بلغ الحرية جاء علماؤهم فأطلقوا عليها اسم الديمقراطية.
ولما سرت نوازع الثورة إلى الصين أخيرا خرج الطلاب الناشئون وطائفة كبيرة من العلماء الجادين ينادون بالحرية، وخطر لهم أنه ما دامت الثورات الأوروبية - كالثورة الفرنسية - قد كانت تجاهد للحرية فليكن جهادنا نحن أيضا للحرية، وليس هذا إلا من قبيل ما يقال بغير فطنة لمعنى المقال، فما ألقى هؤلاء بالهم إلى سوابق تاريخ الديمقراطية والحرية لينفذوا إلى الحقيقة من ورائها، ونحن إنما وضعنا لحزبنا الثوري غاية من المبادئ الثلاثة؛ لأننا قصدنا بهذه الغاية دلالة عميقة ولم نرسلها جزافا.
إن الثورة الأمريكية كان شعارها الاستقلال، وثورتنا نحن شعارها المبادئ الثلاثة ، فنحن لا نردد شعار الآخرين ولا نحاكي أصداءهم، وما انتهينا إلى ذلك الشعار إلا بعد وقت طويل في التفكير والتقدير.
ناپیژندل شوی مخ