55

وكان من رأي سن ياتسن أن يستعان ببيوت المال والصناعة في اليابان على تمويل مشاريع التعمير الأولى؛ لاعتقاده أن اليابان لا تستطيع أن تنفرد بامتياز يخصها على حدة، وأنها إذا حاولت أن تنفرد بامتياز كهذا صدتها الدول مجتمعات دون أن تنتظر التخويف أو الإثارة من قبل الحكومة الجمهورية، فالواقع أن الدول التي لا تحمي سيادة الصين غيرة عليها بل خوفا من غلبة إحداها على هذا الميدان الفسيح، ومن تغلبت عليه طغت على العالم بقوة تخشاها الدول جمعاء.

وقد عرف من مفاوضات يوان أنه قبل ضمان الملح في الدولة الشاسعة لسداد قروضه الأخيرة، فأبرق سن ياتسن إلى الدول يحذرها، وأعلن الرئيس ويلسون كما تقدم تنحي الولايات المتحدة من مجلس الديون.

ووقعت الواقعة بين الرئيسين.

وصرح الشر باسمه بين العاصمتين.

وتمادى يوان في أساليبه، فنكل بخصومه وأرسل إلى زعيم معارضيه بالمجلس (سنج شيو جين) من يقتله وهو على رصيف محطة شنغهاي يهم بالسفر إلى الشمال، وقبض على قاتله في مكانه، ولكنه خنق في السجن قبل أن يوجه إليه سؤال.

وتتابعت حوادث الاغتيال وتعطل البرلمان بوقف جلساته أو فصل أعضائه من حزب الكونتانج أو رشوة الأعضاء الآخرين، وتدرج يوان من إكراه الأعضاء الباقين على تجديد انتخابه إلى إلغاء الجمهورية وإعلان الإمبراطورية، فنادى بنفسه إمبراطورا ولما تنقض على الجمهورية أربع سنوات (يناير سنة 1916).

وكانت الحرب العالمية الأولى قد شغلت الدول الغربية عن الصين وعن اليابان، وسنحت الفرصة لليابان فوجهت إلى حكومة يوان مطالبها التي اشتهرت بالمطالب الواحدة والعشرين، ومنها اعتراف الصين بحق اليابان في الاستيلاء على مخلفات ألمانيا وامتيازاتها، والاعتراف باحتلالها لمنشوريا ومنغوليا الشرقية، وتخويلها حق الرقابة على مناجم الفحم والحديد، وأن تتعهد الصين بألا تسمح لطرف ثالث باحتلال موانئها ومراكزها التجارية، وأن تقبل المستشارين والخبراء من اليابان للإشراف على شئونها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

ولم يسع يوان أن يجابه اليابان برفض مطالبها، لاشتغال الدول عنه واشتغاله بمكافحة الثورة الداخلية، فوقع المعاهدة بينه وبين اليابان (في الخامس والعشرين من شهر مايو سنة 1915) على هذه الشروط المجحفة بعد تعديل طفيف لا يقدم ولا يؤخر في جوهرها، وكان إذعانه لهذه الشروط إحدى الضربات القاضية عليه، فزادته خذلانا بين خصوم الجمهورية فضلا عن دعاتها وأنصارها، ومكنت سن ياتسن من مقاتله ومن تجميع القوى شمالا وجنوبا على حكومته، فاعتقد أهل الصين أنه باع البلاد وباع الأسرة المالكة وباع الجمهورية ليشتري لقب الإمبراطور.

وجاءته النكبات من المخلصين وغير المخلصين، فلم يبق حوله أحد من الوزراء الأكفاء الذين قبلوا معاونته بموافقة سن ياتسن حثا له على إنجاز برامج الإصلاح ورياضة له على الاعتدال واتقاء للبغتة والمفاجأة، واقتدى به غير المخلصين فاشتغل منهم بولايته ووجد من يبايعه بالإمارة على هواه، ولا فائدة هنا من تعديد الأسماء فإنها تبلغ المئات لم يثبت اسم منها طوال الأزمة على ولائه لهذا الفريق أو لذاك الفريق، ومن بقي منهم على عهد الثورة لم يبق على خطة واحدة من خطط الحرب أو خطط المسالمة.

وغني عن القول أن نقمة بكين كلها كانت تنصب على رأس رجل واحد هو سن ياتسن؛ صاحب الاسم الذي تدور حوله كل دعوة إلى مقاومة السلطان المطلق، وكان هذا الزعيم الأمين صريحا مع الطاغية الباقعة فأبرق إليه منذ الخلاف الأول (أبريل سنة 1913) يعلنه بالعداء ويقول له في غير مواربة: «إنك تخون الوطن، وإنني لمحاربك منذ الساعة كما حاربت الأسرة المانشوية.» وعاد بعد شهر فأبرق إليه يطلب إليه الاعتزال، وعاد بعد شهرين فأبرق إلى رؤساء الأقاليم يدعوهم إلى خذلانه والثورة عليه، صارحه بهذا العداء منذ ركب رأسه وتصرف بأموال الدولة كأنها من ماله، ووضح من كل استعداد له أنه استعداد لقمع الشعب والتزلف إلى الدول بالتفريط في حقوقه ومصالحه، فما كادت اليابان أن تفرض على البلاد دعاواها الواحدة والعشرين حتى قبلها بعد يوم واحد من توجيهها إليه، أبرقت إليه بمطالبها في السابع من شهر مايو سنة 1915، وأجابها إليه بغير تعديل ذي بال في التاسع من الشهر، ووقع الاتفاق المهين بعد أسبوع.

ناپیژندل شوی مخ