والأخرى ثورية يائسة من صلاح الأداة الحكومية مع قيام أسرة المانشو على عرش الصين، وصاحب الرأي الأول والأسبق في هذه الدعوى الثورية هو سن ياتسن بطل هذه السيرة.
ولم تكن الدعوة الأولى - دعوة الإصلاح بالأداة الحكومية - خلوا من حجتها المعقولة؛ لأن الإمبراطور الفتي كان على رأي أبناء جيله في ضرورة الإصلاح، وكان يطلع على المصنفات المترجمة والصحف المجددة ويؤمن بصواب ما تدعو إليه، وكاشف أترابه من أمراء الدولة ورؤسائها بعزمه على إعلان الدستور وتجربة الحياة النيابية، وكانت الفترة مواتية للشروع في هذه النهضة؛ لأنها وافقت هدنة من عدوان الدول بعد أن تبين لها أن التنافس بينها سيقودها إلى الحرب لا محالة، فأسرعت الولايات المتحدة وبرزت في الميدان هذه المرة باسم السلام والمصلحة الدولية، ووجهت (سنة 1899) مذكرة إلى إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا واليابان تقترح فيها تأمين الصين على سيادتها، والاتفاق على احترام هذه السيادة وتطبيق سياسة الباب المفتوح بروح العطف والإنصاف، ونزول الدول عن امتيازاتها الجمركية في مناطق نفوذها، ثم أعلن الوزير هاي سياسة الباب المفتوح على هذا الأساس في السادس من شهر سبتمبر (سنة 1899).
إلا أن الدعوة الثورية كذلك لم تكن خلوا من حجة معقولة بل حجج معقولة متعددة، لم تزل الوقائع تؤيدها وتدحض حجج المعارضين لها، وتثبت لطلاب الإصلاح جميعا أن باب الصين المفتوح للإصلاح باب واحد، وهو الباب الذي تخرج منه أسرة المانشو إلى غير رجعة. •••
من مألوفات التاريخ، إذا شاخت الأسر المالكة وحقت عليها كلمة الزوال، أن ينجم منها ملك أو عضو بارز من أعضائها يبطل الحيلة فيها ويدحض كل عذر يتعلل به أنصارها المتعللون للإبقاء عليها.
ويكاد الناظر في سير الملوك أو الأمراء أن يحسب لهم دورا مرسوما لا يحيدون عن أدائه؛ لتعجيل سقوط الأسرة وقطع الألسنة التي تماري في عيوبها واستحالة الخلاص منها.
وقد كان من الجائز أن يخلص الحكم للعاهل الشاب المغلوب على أمره (كوانج هسو) فيحاول تجربة الحياة النيابية، ويجتهد في محو عوامل الفساد والانحلال وتشجيع عوامل التقدم والإصلاح، ولكنه لو فعل ذلك لما بلغ منه شيئا غير تخدير حركة الثورة بضع سنوات، وغير تأخير البناء الذي لا بد أن يؤسس على أنقاض العهد القديم؛ لأن البناء لا يقبل التكملة من طراز يخالف كل المخالفة في التقسيم والتدعيم.
في وسع الأسرة المالكة - عند هذه المرحلة - أن تخرج منها من يقضي عليها، وليس في وسعها أن تخرج منها من يدعم بناءها ويطيل بقاءها.
وقد أخرجت أسرة المانشو معول الهدم على أقوى ما يكون في صورة شيطانية إنسية تقوم مقام الوصية على العاهل الشاب، فملكت أزمة الدولة كلها في إبان هذه الكوارث، وكانت هي نفسها كارثة الكوارث التي غطت عليها جميعا وحولت جهود المفكرين إلى غاية واحدة بدلا من التفرق بين شتى الغايات: تلك الغاية الواحدة هي إزالة الأسرة المالكة واختتام العهود الملكية جميعا في أقدم الدول الأسيوية عهدا بالعروش والتيجان.
كانت الوصية «تزوهسي» جارية ذات حظوة عند العاهل الراحل، وكانت قد أتقنت كل ما تتعلمه الجواري من فنون الرسم والموسيقى والمعارف التقليدية، وزعم الزاعمون أنها كانت تستظهر حكمة كنفشيوس وقصائد الشعراء المتقدمين، وأنها كانت تنظم شعر الغناء وشعر الأمثال وتساجل فيهما الأدباء والشعراء، فلم يكن لهذه الثقافة كلها من ثمرة غير تمكين غرورها وتشديد ما في نفسها من التعصب على الثقافة الحديثة، وبخاصة حين علمت أنها ثقافة تشل يدها على السطو والتبذير وتضطرها في سياسة القصر والأمة أن تقف عند حد محدود، يسمى بحد الديمقراطية والدستور.
فلم تكد تعلم بميول العاهل الفتى حتى أسرعت إلى حاشيته من حزب الإصلاح، فأبعدتها وأكرهته إكراها على إلغاء أوامره التي أعلن بها بعض الحقوق الدستورية، وجعلته يحس الخطر على حياته إذا سولت له نفسه أن يتمرد على سلطانها.
ناپیژندل شوی مخ