104

والغذاء من الماء - وقد ألمعت إليه عند الكلام على إنشاء موانئ الصيد وسفنه - موضوع لا نتعرض له هنا اكتفاء بالكلام على الصناعات التي تتوقف على المعونة الأجنبية.

إن الصين بلاد زراعية، أربعة أخماسها على وجه التقريب مشتغلون بإنتاج الطعام، وقد عرف الزارع الصيني بالمهارة في استخراج المحصول، وفي وسعه أن يحصل من الأرض على أكثر ما تعطيه، ولكن الصين تتخللها أراض واسعة في الأماكن المعمورة متروكة بورا لسبب من الأسباب، فمنها ما يترك لقلة الماء، ومنها ما يترك لكثرته، ومنها ما يترك عمدا لتمكين المحتالين من المغالاة بالأجور والأثمان، وأن الأقاليم الثمانية عشر وحدها لتقوم اليوم بمعيشة أربعمائة مليون.

إلا أن مجال الزيادة والتنمية متسع إذا استطلحت الأرض البور وحسنت وسائل الإنتاج في الأرض المزروعة، وينبغي أن نحمي الزراع ونشجعهم بالقوانين الحرة التي تكفل لهم أن يجنوا ثمرات عملهم، وينبغي مع ذلك أن نتوفر على خطة نافعة في الوقت نفسه لنشأة الصين الدولية فيما يتعلق بإنتاج الطعام، وهذه الخطة النافعة تقوم على مساحة الأرض وإقامة المصانع لإخراج أدوات الزراعة الحديثة.

فالصين لم تمسح قط مساحة علمية ولم تعمل لها قط خريطة وافية، فكانت إدارة الأرض فوضى وتقرير الضرائب عليها جزافا بغير ضابط، مما يزيد المصاعب على الفلاحين والزراع المساكين، ومن ثم كانت مساحة الأرض كيفما كانت الأمور أول ما تشرع فيه الحكومة، وهو عمل لا يتم بغير المعونة الأجنبية لحاجته إلى الأموال والخبراء، ولهذا نقترح أن تتولى هذا العمل منظمة دولية تجمع نفقاتها من قرض يعقد ويعين على تنفيذ المشروع بما يلزمه من الخبراء والأدوات، وندع للمختصين أن يقرروا تكاليف المشروع وموعد إنجازه ونطاق معداته واستخدام الطيارات له أو غيرها من الوسائل والأساليب.

فيحفظ الطعام تارة بمعالجته بالملح وتارة بحرارة الشمس، ويندر أن تستخدم العلب والمصانع لهذا الغرض، ورأيي أن تبنى سلسلة من معامل الأرز في جميع الحواضر الكبرى بوادي اليانجزي والصين الجنوبية حيث قوام الغذاء من الأرز، ويحسن أن تبنى أربعة معامل في كل مدينة إلى شمال وادي اليانجزي حيث قوام الغذاء من القمح والشوفان وبعض الحبوب الأخرى، وتجعل هذه المعامل جميعا في كفالة إدارة واحدة للتوفر على التدبير والقصد في النفقة، ويوكل إلى المختصين تقدير الأموال الضرورية لهذا المشروع بالتفصيل.

ومن اللازم حفظ الأغذية من الفاكهة واللحم والسمك بوسائل التبريد والتعليب، وسيكثر الطلب على القصدير عند إنشاء صناعة التعليب، وهي صناعة ضرورية ومربحة، ويحسن أن تقام معاملها إلى جوار مناجم الحديد والقصدير، ففي الصين أماكن شتى يوجد فيها الفحم والحديد والقصدير على مقربة، ويتهيأ من ثم تحضير المواد والخامات للمعامل، ويحسن أيضا أن تجمع معامل التعليب ومعامل القصدير في صناعة واحدة لتيسير النفقة والتنظيم.

التوزيع والتصدير

والمعروف عن الصين أنها لا تعدم الغذاء في السنوات الطيبة، ومن أمثلتها الشائعة أن الحرث سنة يدبر الحاجة ثلاث سنوات، وقد تعود الناس في الأقاليم الغنية أن يخزنوا الأطعمة ثلاث سنوات وأربعا من قبيل الحيطة للسنوات المجدبة.

ولكن التنظيم المقترح خليق متى تم أن يغني الشعب عن الحيطة لأكثر من سنة واحدة، وأن يسمح له بتصدير الفائض إلى البلاد الخارجية، ويحسن أن يوضع التوزيع والتصدير مع الحفظ والتخزين في رعاية إدارة واحدة، فينقل الفائض إلى مخازن المدن الكبرى ويدخر منه ما يكفي لسنة واحدة، ويباع الطعام بتكاليف إنتاجه لأفراد الشعب، ثم يرسل الفائض إلى البلاد الخارجية حيث يطلبون ويبذلون فيه الأثمان العالية، وبهذه المثابة ينتفع بالطعام الفائض بدلا من إضاعته سدى جريا على المتبع في نظام الحجر على التصدير، ولا شك أن هذا المورد خليق أن يعتمد.

وتجري مع مساحة الأرض بحوث جيولوجية في وقت واحد للقصد في النفقة، ومتى تمت المساحة وتمت البحوث ووضعت الخرائط الدقيقة لكل إقليم فمن المستطاع يومئذ أن نصحح تقدير الضرائب على الأرض المزروعة والأرض المستصلحة، وأن نقرر ما تصلح على الأرض البور من أغراض الزراعة أو المرعى أو غرس الغابات وحفر المناجم، وأن نؤجر كلا منها لاستغلاله في أحسن الأغراض التي يصلح لها، ونخصص الفائض من محصول الضرائب لسداد القروض الأجنبية.

ناپیژندل شوی مخ