وتشربت قلوبهم المعنى المقصود بفرحة عصبية، لم تخل عند البعض من شعور بالإثم، ورفع عباس صديق فاه عن النارجيلة، وقال وعيناه الجاحظتان تلمعان بشدة: هم أيضا وراءهم من يسندهم!
فقال إبراهيم خيرت بازدراء: لا يوجد مجنون يفكر جادا في إشعال حرب عالمية من أجل نقطة لا تكاد ترى فوق خريطة العالم.
وجد عيسى في مشاعرهم تعبيرا سافرا عن جانب من نفسه، فقرر أن ينطق الجانب الآخر، فقال: أتودون حقا أن يهزمنا اليهود؟
فقال إبراهيم خيرت: سوف تكون هزيمة سطحية، تخلصنا من جيش الاحتلال الجديد، ثم تجبر إسرائيل على التراجع، وربما الاكتفاء بالاستيلاء على سينا وعقد صلح مع العرب، ثم تتدخل إنجلترا وفرنسا لتسوية المسائل المعلقة بالشرق الأوسط، وإعادة الحالة في مصر إلى طبيعتها.
فتساءل عيسى: ألا يعني هذا الرجوع إلى النفوذ الغربي؟! - هو على أي حال خير مما نحن فيه.
وقال عيسى، وكأنما يخاطب نفسه: أي مصيدة وقعنا فيها! إنه التخبط والتمزق والعذاب، إما أن نخون الوطن أو نخون أنفسنا، ولكن الهزيمة في هذه المعركة تعني بالنسبة لي شيئا هو أفظع من الموت.
فقال عباس صديق: أنت رومانتيكي جدا.
وقال إبراهيم خيرت: علام تحزن؟ لم يبق ما نحزن عليه، وفي نظر الميت تعد أي حياة خيرا من الموت.
فقال عيسى: أحيانا أقول لنفسي إن الموت أهون من الرجوع إلى الوراء، وأحيانا أقول لنفسي: لأن نبقى بلا دور في بلد له دور خير من أن يكون لنا دور في بلد لا دور له.
فقال إبراهيم خيرت باسما: إنك باعترافك منقسم الشخصية، ونحن لا يهمنا رأي القسم المتكلم، وحسبنا رأي القسم الصامت.
ناپیژندل شوی مخ