============================================================
د المباشر الحاضر وفوت الفرص، ثم أن تتبير المسموعات مؤسس على ظنون الخبر، وتتبير المبصرات مؤسس على يقين النظر: فانطلقا معا الى ذلك الجحر فتأمله مفوض وعلم ما أراد علمه، ثم أقبل على ظالم فقال له : قد شاهدت من أمر مسكنك ما فتح لى باب المكيدة، وسفر لى عن وجه الرأى فيه .
فقال ظالم : اطلعنى على ما ظهر لك.
فقال مفوض : ان أضعف الرأى ما سنح فى البنيهة ، وإنه كان يقال: الرأى مرآة العقل، فمن أريت أن ترى صورة عقله فاستشره ، وكان يقال : أفضل الراى ما أجادت الفكرة فقده، وأحكمت الروية عقده، وكان يقال : الرأى سيف العقل، ولما كان أمضى السيوف ما بولغ فى ارهاف حده(1)، وأجيد صقله؛ كان أنجح الآراء ما اكثر امتحانه وأطيل تأمله(2) ، وكان يقال : كل رأى لم تمحص(2) فيه الفكرة ليلة كاملة فهو مولود لغير تمام ، ثم قال له : انطلق معى فبت الليلة عندى لأنظر ليلتى هذه فيما سنح لى من المكيدة ، ففعلا وبات مفوض مفكرا فى ذلك، وجعل ظالم يتامل مسكن مفوض، فرآى من سعته وطيب تربته، وحصانته وكثرة مرافقه؛ ما اشدد له إعجابه به وحرصه عليه، وطفق ال ي بر الحيلة فى غصبه ونفى مفوض عنه لوكان يقال : اللثيم كالنار إكرامها إضرامها(2)، وكالخمر حبيبها سليبها ، ال وتبيعها صريعها، وكان يقال : إذا كانت الإساءة طبعا، لم يطى لها الإحسان فعا، وكان يقال : العاقل يقدم التجريب على التقريب، والاختبار على الاختيار، والثقة على المقة(5).
فلما أصبحا، قال مفوض لظالم : إنى رأيت ذلك الجحر بعيدا من الشجر (1) أى رقق حده: (2) أى طال تأمله .
(3) تدقق وتختبر.
(4)ايقادها واشعالها .
(5) أى الذى اثق فيه خير ممن أجئه ، والمقة هى : الحب .
مخ ۳۴