سلطان محمد فاتح
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
ژانرونه
سيطر في هذه الدولة نظام الملكية الإمبراطورية، وهي ملكية مستبدة مقدسة ليس لسلطتها حد، فهي مستمدة من الله مباشرة كما كان يعتقد في ذلك الوقت. فالإمبراطور ملك وقسيس معا؛ فهو إذن فوق القانون، وهو رأس الهيئة التنفيذية، وفي يده تتركز السلطة التشريعية، وهو يشرف على الإدارة ويحكم الكنيسة كما يحكم الدولة.
وتمتع الإمبراطور البيزنطي في ظل ملك ثابت الأوتاد بفخامة وعظمة لا مزيد عليهما، ورأى من أيام المجد ما لم يدانه إلا أيام البؤس، فكانت الثورات كثيرا ما تقوم عليه حتى من أفراد عائلته، بل من أولاده وإخوته فتقضي على قوته وتنزع ملكه، فمات عدد كبير من الأباطرة غدرا، أو هلكوا في ميادين القتال وهم يعملون على قمع ثورات هاجت عليهم.
في الملكية المستبدة يعتمد كل شيء في الدولة على ميول الحاكم وهواه وشخصيته إن كانت ضعيفة أو قوية، خيرة أو شريرة، صريحة أو ماكرة معوجة، وعلى خبرته في الحياة وفي الحكومة، في مثل هذه الملكية يصبح قصر الحاكم مقر الدولة الحقيقي ومركز كل شيء، ومصدر كل سلطة، وفيه توضع المشاريع والخطط، فتنشأ الدسائس وتدور المؤامرات. ففي ذلك البلاط البيزنطي الممتلئ بذوي الأطماع وذوي الأحقاد والحافل بالرقيق المجلوب من كل مكان وبالنساء والموظفين، كثرت الدسائس، وفكر كل شخص في نفسه قبل كل شيء، وتتابع سقوط الوزراء ونبغ ذوو الشخصيات القوية أو من يستطيعون التقرب والزلفى والتقلب مع الزمن.
والواقع أن تاريخ الإمبراطورية البيزنطية مملوء بالثورات والفتن والانقلابات السياسية. وبالرغم من أن النساء حجزن وراء الأسوار والحيطان فقد لعبن دورا مهما في حياة هذه الدولة المديدة الأجل، ومن قرأ التاريخ البيزنطي ولم يذكر اسم تيودورا أو إيرين؟!
وتجمعت مزدحمة حول الإمبراطور أرستقراطية قوية تحل في كثير من الوظائف الهامة في الدولة، وتتمتع بجانب كبير من الجاه والثروة والنفوذ، وتهتم بالمأكل الغذي المتنوع والملبس المترف، وتركن إلى حياة الملذات والشهوات.
قامت إدارة الإمبراطورية في الأصل على أساس نظم حربية، فالبيزنطيون يعتبرون أن قيمة الجيش للدولة كقيمة الرأس بالنسبة للجسم؛ ولذا كان الاهتمام به دائما عظيما، وكلما كان الجيش قويا ومنظما طالت حياة الإمبراطورية ونعمت بمركز قوي في أوروبا وآسيا، واستطاعت أن ترد أعداءها على أعقابهم خاسرين.
وكانت الإمبراطورية تجند في مبدأ الأمر أهالي البلاد، وبجانب هذا لجأت إلى استخدام الجنود المرتزقة لثقتها فيهم؛ فلقد كانوا محترفين للحرب ولهم دراية بفنها، ثم هم أقوى أجساما وأصلب عودا من الأهالي وأقدر على تحمل الصعاب والمكاره، وكان الإمبراطور عادة كريما في معاملتهم، لا يضن عليهم بالمال، بل ويمنحهم الأراضي الكثيرة وجعلها وراثية في أبنائهم من بعدهم.
وتبعا لذلك النظام كان الجيش خليطا من شعوب مختلفة عديدة، مكونا من عناصر غريبة لا يجمع بينها سوى حب المال والثراء والمغامرة، وفي كثير من الأحيان حب السلب والنهب والغنائم، فكانت هذه العناصر متباينة من حيث الميول والجنس واللغة والدين، ففيه الأوروبيون والآسيويون، وفيه القوط والهون والصقالبة، والترك والعرب، والإسبان والإيطاليون، والألمان ورجال الشمال من روسيا واسكنديناوه.
لقد كان لهذه الجنود أحياء خاصة في القسطنطينية تكاد تكون مستقلة، وكان لا بد لهم من قيادة حازمة قوية تستطيع كبح جماحهم وإيقافهم عند حدهم، وحين مس الدولة العجز في هاتين الناحيتين قاست الدولة من هؤلاء المرتزقة الأمرين، فكانوا أخطر الناس على حياتها ونظمها من الأعداء الخارجيين؛ إذ كانوا أدرى من غيرهم بمواطن الضعف في الدولة.
أما من حيث القوة البحرية، فلقد كانت الدولة البيزنطية - بحكم موقعها الجغرافي وإرثها التاريخي - دولة بحرية ممتازة. وإلى القرن الثامن كان أسطولها من القوة بحيث استطاعت الأشراف على البحار الشرقية حينا من الدهر طويلا. وإلى الأسطول يرجع الفضل في إنقاذ حياة الدولة مرارا. ثم أهمل الأسطول نسبيا فترة من الزمن؛ أولا: لأن الحرب مع الخلافة العباسية - أكبر أعداء بيزنطة - كانت حربا برية قبل كل شيء، ثانيا: لخشية الأباطرة ازدياد قوة رجال الأسطول إلى درجة يخاف منها على الإمبراطورية نفسها. ومن هنا كانت الدولة البيزنطية عاجزة عن المحافظة على جزر الأرخبيل اليوناني من غارات المسلمين حين سيطر هؤلاء على جزيرة كريت ثم على جزيرة صقلية.
ناپیژندل شوی مخ