سلطان محمد فاتح
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
ژانرونه
ويظهر أن رجال البحرية العثمانية لم تكن لهم الدراية الكافية ولا العدة اللازمة للحرب البحرية، وأصابهم كذلك بعض الزهو والغرور بكثرة عدد سفنهم، ولم يقدروا تماما ما لعدوهم من قوة وخبرة ومعرفة بأمور الحرب البحرية. هاجمت السفن العثمانية أعداءها، وألقت بأحجارها ورمت بأسهمها النارية وطرحت بقوارير النفط نيرانها ومشاعلها، اقتربت من سفن الخصوم تحاول إحراقها وتدميرها، حاولت قطع حبال سفن الأعداء ومراسيها، وأضاء الجو بالنور، بالمشاعل فكان منظرا باهرا.
وأما سفن المسيحيين فلقد أظهرت جلدا وصبرا كبيرين، وكانت أكبر وأضخم وأعلى من السفن العثمانية، فكانت تستطيع إصابة سفن العثمانيين، ولا تستطيع سفن العثمانيين إصابتها بسهولة، وكانت مستعدة بعد ذلك للقتال تمام الاستعداد، ونظمت مواقفها بحيث تجعل الدفاع سهلا، ودفعت أحجار الترك بأحجارها وأسهمهم بأسهمها ونيرانهم بالأواني المعدة لصب الماء. حاول الترك اقتحام السلسلة، وحاول المسيحيون منعهم ونجحوا في ذلك، واضطر الأسطول التركي إلى الانسحاب يتبعه صياح الأعداء وتهليلهم بفوزهم ونصرهم.
ولكن عزيمة السلطان محمد الثاني لم تكن تعرف الكلل أو اليأس فحاول اختراع وسيلة لضرب أسطول الأعداء من البر بمدافعه الكبيرة وإغراقه في مراسيه، ولكن هذه الخطة لم تكن ناجحة وإن كانت أحرزت بعض النجاح، فلجأ إلى غيرها.
ثم حدث في 20 أبريل أن أقبلت ثلاث سفن جنوية كبيرة وأربعة أخرى تحمل جنودا ومؤنا وبضائع وسلاحا، وهي آتية من الجنوب، ورأى الأتراك هذه السفن الثلاث تقترب من المدينة المحاصرة. عند ذلك أمر السلطان قائده البحري بمهاجمة هذه السفن مباشرة ومنعها من الوصول إلى المدينة المحاصرة والاستيلاء عليها أو تدميرها، وختم السلطان أمره إلى قائده: «إذا لم تنجح في ذلك فلا ترجع لي حيا.»
وكان عدد السفن العثمانية التي أمرت بمهاجمة السفن الأربع الجنوية مائة وخمسين من أحجام مختلفة، فكيف استطاعت سفن الأعداء القليلة العدد الهرب أمام ذلك الأسطول الضخم؟ تم ذلك بمعجزة من المعجزات ما كانت منتظرة.
لقد أصاب العثمانيين الغرور هذه المرة بشكل أوضح من المرة السابقة، فعددهم يتفوق تفوقا حاسما، وكانوا واثقين تماما من الانتصار وبلوغ مرادهم. ولقد دقت طبولهم ومزاميرهم، وعلت أصواتهم وتكبيراتهم وكان سكان المدينة يرون من على أسوارهم وبقلق متزايد السفن التي أتت لتقضي على سفن أصدقائهم، لقد ظن بلطه أوغلي أن قوته ستقضي على الأعداء بسهولة.
طلب الأسطول التركي من هذه السفن التسليم وإلا يصيبها الدمار، ولكن السفن المسيحية رفضت بإباء وشمم، وقامت معركة دامية زاد فيها الصخب وعم الهدير وكثرت اللعنات من الطرفين، وسقط القتلى والجرحى من الأتراك، كانت الريح في أول الأمر تساعد السفن الجنوية، ثم وقفت الريح فجأة فتحول الموقف لصالح الأتراك وقام قتال عنيف بين السفن.
ولكن الإيطاليين كانوا مدرعين بالصلب وسفنهم متفوقة في الحجم والقوة؛ ولذا ظل الأتراك بالرغم من وفرة عدد سفنهم في مركز ضعيف. وكان سكان المدينة يشاهدون الموقعة، ولا يستطيعون لمن جاءوا لمساعدتهم نصرا، ولكنهم كانوا يدعون لهم بالفوز ويرجون لهم الملائكة والقديسين بالعون، وكان السلطان هو الآخر ينظر إلى الموقعة من الساحل، وينتظر من حين لآخر القضاء على السفن المسيحية.
ظلت الموقعة مدة ساعات غير معروفة النتيجة، وهاجمت السفن التركية بقوات متجددة تحفزها أوامر السلطان وهتاف الجيوش العثمانية على الساحل، وكادت تقضي فعلا على سفن الأعداء، لولا أن عادت الريح فتحركت في صالح الأسطول المسيحي فأبعدت سفن الخصمين عن بعضهما، فسفن المسيحيين سفن شراعية، بينما معظم السفن التركية تعتمد في الغالب على التجديف؛ ولذا انتهت الموقعة رغم أنف الأتراك فلقد بعدت سفن جنوة عن الأسطول التركي، وتمكنت من دخول الميناء آمنة مطمئنة، فكانت هذه معجزة في مصلحة أهل القسطنطينية الذين أذهلهم الفرح لنجاة إخوانهم من هلاك محقق محيط، ثم لوصول المدد إليهم، وظنت مدينة القسطنطينية لحظة من الزمن أنها قد أنقذت.
وجاءت بعد ذلك مقابلة بلطه أوغلي للسلطان الثائر الغاضب، وكان أمير البحر التركي قد فقد إحدى عينيه في الموقعة، وبذل قصارى جهده، ولكن الحظ خانه.
ناپیژندل شوی مخ