سلطان محمد فاتح
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
ژانرونه
ولقد بذلت مساع دبلوماسية هائلة في سبيل التوفيق بين الشرق البيزنطي الأرثوذكسي والغرب الروماني الكاثوليكي. ولكن البابوات لم يستطيعوا قبول ذلك التوفيق إلا إذا اعترفت رسميا الإمبراطورية البيزنطية ورجال الدين البيزنطيون بتوحيد الكنيستين على حساب بيزنطة طبعا. وعلى أساس ذلك الشرط وحده تستطيع البابوية أن تعمل على إثارة العالم المسيحي الغربي لمساعدة بيزنطة في حربها ضد المسلمين.
وربما لم يكن لدى الإمبراطور البيزنطي قسطنطين مانع من قبول هذا الشرط المهين، ولكنه كان يعلم حق العلم أن الأكثرية من سكان مدينة القسطنطينية ومعظم قساوستها معارضون لهذه الفكرة، عاقدوا العزم على رفضها ومحاربتها.
ولم تكن هذه المحاولة أول محاولة من نوعها؛ ففي المدة الواقعة بين سنتي 1054 و1453 كانت هناك ثلاثون محاولة لاتحاد الكنيستين، وكان هذا الاتحاد غاية ما يصبو إليه أباطرة الغرب والبابوات؛ فلقد كان هذا التوحيد في نظرهم أنجع علاج للأمراض العضال التي تعاني منها المسيحية ولضعفها المتزايد. فإذا تم ذلك التوحيد بتنازل الشرق عن كنيسته وقبول سيطرة رومة؛ إذن تعود للمسيحية قوتها الأولى ووحدتها، وإذن تستطيع الوقوف أمام قوات الإسلام التي يزداد خطرها يوما بعد يوم.
قامت محاولات، ولكن قامت في سبيلها صعوبات، فهناك مواضع للخلاف كبير على الكنيسة الشرقية قبولها، واختلطت المصالح السياسية بالمصالح الدينية إلى حد كبير، بحيث لم يكن من السهل الفصل بين المصلحتين أو تغليب إحداهما على الأخرى.
ولم يستطع أحد من الفريقين التخفيف من تعصبه، فعامل كل واحد الآخر كملحد وخارج على الدين المسيحي، ووصل الأمر إلى درجة أن الغرب الكاثوليكي لم يكن يهدد بحروبه الصليبية الإسلام وحده ، بل كان يهدد الأرثوذكسية ذاتها والقسطنطينية بحرب صليبية لا تبقي ولا تذر. ولم يكتف الغرب بحملته الصليبية الرابعة على هذه المدينة، بل كان يفكر متأثرا بالبابوية في إعداد حملة صليبية أخرى تقضي هذه المرة القضاء المبرم على الأرثوذكسية.
ولكن تهديد الأتراك المستمر للقسطنطينية جعل الأباطرة البيزنطيين ينزلون مرغمين عن كبريائهم، ويطلبون النجدة والعون أيا كان الثمن، فأعلنوا رغبتهم في توحيد الكنيستين وقبول سيطرة رومة، وحاولوا تبرير تحالفهم في بعض الأوقات مع الأتراك بأنهم مستعدون للقيام عليهم ومحاربتهم متى نفذ الغرب وعده وفي الوقت المناسب الموعود.
وإزاء ذلك جاهد البابوات في سبيل إثارة العالم المسيحي على المسلمين والإسراع بنجدة بيزنطة، ولكن هذه المجهودات كانت فاشلة في كثير من الأحيان حتى مع الجمهوريات الإيطالية: البندقية وجنوة، وحتى مع فرسان رودس. ذهبت معظم هذه المجهودات هباء منثورا.
وكان أباطرة القسطنطينية يسعون جادين إلى الاتحاد مع الغرب كلما هددهم الخطر التركي، فإذا خف ذلك الخطر أهملوا الغرب كلية، فلقد كانوا يرون في ذلك الاتحاد سلاحا ضد الأتراك، فكانوا معنيين قبل كل شيء بالمساعدة المالية والحربية التي يستطيع الغرب أن يقدمها لهم. ولكن أهل المدينة أنفسهم وقساوستها رفضوا اتحاد الكنيستين، وكانوا مستعدين للتضحية باستقلالهم السياسي في سبيل استقلالهم الديني. فلقد كانت ذكرياتهم عن سيطرة اللاتين ذكريات ساخطة ممعنة في الإيلام، ففرض الوحدة بالقوة في سنة 1204 أثار حقد الإغريق الهائل، ورغبتهم في الانتقام.
وعلى أي حال لم تنجح دعاية البابوية إلا في تكوين حملة صليبية واحدة كانت نهايتها المحزنة في نيكوبوليس، ولم يعد من السهل بعد ذلك تكوين حملات صليبية أخرى لنجدة القسطنطينية.
ولكن في هذه المرة كان الخطر عظيما على القسطنطينية إلى درجة تهدد حياتها، وكان لزاما على البابوية أن تقدم بعض المساعدة، لا سيما وأن قسطنطين كان مستعدا للاعتراف رسميا بتوحيد الكنيستين الشرقية والغربية توحيدا نهائيا. فوعد البابا بإرسال أسطول وأرسل فعلا الكاردينال إيزيدور مندوبا عنه ليقبل خضوع الكنيسة الشرقية الرسمي. •••
ناپیژندل شوی مخ