السلطان المفرج عن اهل الايمان [فيمن رأى صاحب الزمان (عج)]
مخ ۳۵
بسم الله الرحمن الرحيم*
أيضا نبذة منتقاة من كتاب «السلطان المفرج عن أهل الإيمان» تأليف السيد العالم الكامل الفاضل بهاء الملة والدين علي بن عبد الحميد وهو منقول من خطه.
[قصة أبي راجح الحمامي]
فمن ذلك ما اشتهر وذاع، حتى [ملأ] (1) الأسماع (2)، وسبق هذا بالعيان، لكثير من أبناء الزمان (3)، وهو قصة أبي راجح الحمامي بالحلة.
وبعد (4)، حكى لي (5) ذلك جماعة من الأعيان الأماثل، وأهل التصديق (6) الأفاضل، منهم الشيخ (المحترم الحاج القاري المجود) (7) الزاهد العابد العالم (8) المحقق شمس الدين محمد بن قارون، قال:
كان الحاكم بالحلة شخصا يدعى مرجان الصغير، رفع (9) إليه أن أبا راجح هذا
مخ ۳۷
يسب الصحابة، فأحضره وأمر به (1) فضرب ضربا [شديدا] (2) مهلكا على جميع بدنه، حتى [أنه] (3) ضرب على وجهه فسقطت ثناياه، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلة (4) من الحديد، وخرق أنفه ووضع فيه شركة من الشعر، وشد فيها حبلا، وسلمه إلى جماعة من أصحابه وأمرهم أن يدوروا به (5) في أزقة الحلة، والضرب يأخذ [ه] (6) من جميع جوانبه حتى سقط إلى الأرض وعاين الهلاك.
فاخبر الحاكم [بذلك] (7) فأمر بقتله، فقال الحاضرون: إنه شيخ كبير وقد حصل [له] (8) ما يكفيه وهو ميت لما به فاتركه فهو يموت حتف أنفه، ولا تتقلد دمه (9)، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه وورم (10) لسانه، فنعاه (11) أهله بالموت، ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته.
فلما كان من الغداة (12) دخل (13) عليه الناس فإذا هو [قائم يصلي] (14) على أتم ما
مخ ۳۸
كان في حال صحته (1)، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت، وجراحاته قد اندملت (2) ولم يبق لها أثر، [و] (3) الشجة قد زالت من وجهه، فعجبوا (4) من حاله وسألوه عن أمره، فقال: إني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان أسأل الله تعالى [به] (5)، كنت (6) أسأله بقلبي واستغثت إلى مولاي وسيدي محمد بن الحسن القائم (عليه السلام) (7)، فلما جن علي الليل فإذا بالدار قد امتلأت نورا وإذا مولاي (8) قد أمر يده الشريفة على وجهي وقال [لي] (9): اخرج وكد على عيالك فقد عافاك الله؛ فأصبحت كما ترون.
وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور، [قال] (10): وأقسم بالله أن هذا أبو (11) راجح، كان ضعيف التركيب، أصفر اللون، شين الوجه، مقرطم (12)
مخ ۳۹
اللحية، وكنت دائما أدخل الحمام الذي هو فيه وأراه (1) على [هذه الحالة و] (2) هذا الشكل، فلما أصبح (3) كنت ممن دخل عليه، فرأيته وقد اشتدت قوته وانتصبت قامته وطالت لحيته واحمر وجهه، وعاد كأنه ابن عشرين سنة، ولم يزل على ذلك حتى أدركته الوفاة.
ولما شاع هذا الخبر وذاع طلبه الحاكم وأحضر (4) عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة و[هو] (5) الآن على ضدها كما وصفناه ولم ير بجراحاته أثرا، وثناياه قد عادت، فداخله (6) في ذلك رعب عظيم، وكان يجلس في مقام الإمام القائم (7)(عليه السلام) [في الحلة] (8) ويعطي ظهره القبة (9) الشريفة، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها وعاد يلطف (10) بأهل الحلة، ويحسن إلى محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم، ولم ينفعه ذلك، بل لم يلبث [في ذلك إلا] (11) قليلا حتى مات. وكان ذلك في سنته (12). (13)
مخ ۴۰
[القصة الثانية]
ومن ذلك ما حدثني الشيخ المحترم العالم الفاضل الحاج القاري (1) شمس الدين محمد بن قارون المذكور، قال: كان رجل (2) من أصحاب السلاطين [يسمى] (3) المعمر بن شمس المعروف (4) [ب] (5) مذور (6)، فضمن (7) القرية المعروفة ب «برس»؛ وقف (8) العلويين، وكان له نائب يقال له: ابن الخطيب، وغلام يتولى نفقاته يدعى:
عثمان، وكان ابن الخطيب من أهل [الصلاح و] (9) الإيمان بالضد من عثمان، وكانا دائما يتجادلان.
فاتفق أنهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل (عليه السلام) بمحضر جماعة من الرعية والقوام (10)، فقال ابن الخطيب لعثمان: [يا عثمان] (11) الآن اتضح الحق واستبان، أنا أكتب على يدي من أتولاه؛ وهم علي والحسن والحسين (عليهم السلام)، واكتب أنت من تتولاه؛ [وهم] (12) أبو بكر وعمر وعثمان، ثم تشد يدي ويدك (بسير، وتوقد نار
مخ ۴۱
شديدة، وتدخل يدي ويدك) (1)، فمن أحرقت (2) يده [بالنار] (3) كان على الباطل، ومن سلمت يده كان على الحق. فنكل عثمان وأبى أن يفعل، فأخذ الحاضرون (4) بالعياط عليه .
[هذا] (5)، وكانت أم عثمان مشرفة عليهم تسمع حديثهم (6)، فلما رأت ذلك لعنتهم (7) وشتمتهم وتهددتهم (8) وبالغت في ذلك، فعميت في الحال، فلما أحست بذلك نادت إلى رفقائها فصعدن (9) إليها، فإذا هي صحيحة العينين لكن لا ترى بهما (10) شيئا، فقادوها وأنزلوها، ومضوا بها إلى الحلة، وشاع خبرها بين أصحابها وأقاربها وأترابها (11)، فأحضروا لها الأطباء من بغداد والحلة فلم يقدروا لها على شيء.
فقالت [لها] (12) نسوة مؤمنات كن أخدانها: إن الذي أعماك هو القائم (عليه السلام)، فإن
مخ ۴۲
تشيعت (1) وتوليت وتبرأت ضمنا لك العافية [على الله تعالى] (2)، وبدون هذا لا يمكن (3) الخلاص؛ فأذعنت لذلك ورضيت به.
فلما كانت ليلة الجمعة جئن بها (4) حتى ادخلت (5) القبة الشريفة في مقام الإمام (6) صاحب الزمان (عليه السلام) وبتن بأجمعهن في باب القبة.
فلما كان هزيع من (7) الليل وإذا هي [قد] (8) خرجت عليهن وقد ذهب العمى عن بصرها (9)، وهي تعدهن (10) واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهن وحليهن، فسررن بذلك وحمدن الله على حسن العافية وقلن لها: كيف كان ذلك؟
فقالت: إنكن (11) لما جعلتنني في القبة وخرجتن عني أحسست بيد قد وضعت على وجهي (12)، وقائل يقول لي: اخرجي فقد عافاك الله، فانكشف العمى عني، ورأيت القبة قد امتلأت نورا، ورأيت رجلا (13) فقلت
مخ ۴۳
[له] (1): من أنت يا سيدي؟ فقال: محمد بن الحسن، ثم غاب عني.
فقمن وخرجن إلى بيوتهن، وتشيع ولدها عثمان، وحسن اعتقاده واعتقاد امه المذكورة، واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام، واعتقد (2) وجود الإمام القائم (عليه السلام)، وكان ذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة، و(صلى الله على محمد وآله وسلم)(3).
[القصة الثالثة]
ومن ذلك بتاريخ صفر لسنة خمس وثمانين وسبعمائة (4) حكى إلي (5) شفاها (6) المولى الأجل الأوحد (7) العالم الفاضل، القدوة الكامل، المحقق المدقق، [جامع] (8) الفضائل، ومرجع الأفاضل، افتخار العلماء (9) في العالمين، كمال الملة والدنيا (10) والدين، عبد الرحمن ابن العتائقي (11)، وكتبه وخطه (12) الكريم عندي، وصورته (13):
مخ ۴۴
قال العبد الفقير إلى رحمة الله، عبد الرحمن (بن محمد) (1) بن إبراهيم العتائقي (2):
إني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله بأن المولى الكبير المعظم جمال الدين [ابن] (3) الشيخ [الأجل] (4) الأوحد الفقيه القاري نجم الدين جعفر بن الزهدري كان فلج (5)، فعالجته جدته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج فلم يبرأ.
فاشير عليها بأطباء بغداد (6) فأحضرتهم له (7)، فعالجوه زمانا طويلا فلم يبرأ، فقيل (8) لها: ألا أبتيه (9) تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان (عليه السلام) لعل الله يعافيه ويبرئه، ففعلت وأباتته (10) تحتها، وإن صاحب الزمان (عليه السلام) أقامه وأزال [عنه] (11) الفالج.
[ثم] (12) بعد ذلك حصل بيني وبينه اخوة (13) حتى كنا لم نكد نفترق، وكان له دار
مخ ۴۵
العشرة (1) يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم (2) وأولاد الأماثل منهم، فاستحكوه (3) عن هذه الحكاية، فقال (4):
إني كنت مفلوجا وعجز الأطباء عني- وحكى لي ما كنت أسمعه مستفاضا في الحلة من قضيته- وأن الحجة صاحب الزمان (عليه السلام) قال لي وقد أنا متني (5) جدتي تحت القبة: قم، فقلت: إني (6) لا أقدر على القيام منذ سنين (7)، فقال لي (8): قم بإذن الله، وأعانني على القيام، فقمت وزال عني الفالج، وانطبق الناس علي حتى كادوا يقتلوني، وأخذوا ما كان علي من الثياب تقطيعا وتنتيفا (9) يتبركون بذلك (10)، وكساني الناس من ثيابهم، ورحت إلى البيت وليس في (11) أثر الفالج، وبعثت إلى الناس ثيابهم.
وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولم يستحكه أحد (12) مرارا شتى (13)، ثم
مخ ۴۶
توفي رضى الله عنه سنة خمس وخمسين وسبعمائة في الجارف.
[القصة الرابعة]
ومن ذلك ما أخبرني به من أثق به- وهو خبر مشهور عند أكثر أهل المشهد الشريف الغروي سلام الله على مشرفه، مأثور، وصورته (1)-: إن الدار التي أنا ساكنها الآن- وهي في سنة تسع وثمانين وسبعمائة- كانت لرجل من أهل الخير والصلاح يدعى حسين المدلل (2)، وبه يعرف ساباط المدلل، ملاصق (3) جدران الحضرة الشريفة، وهو مشهور بالمشهد الشريف.
وكان هذا (4) الرجل له عيال وأولاد (5) وأطفال، فأصابه فالج، فمكث مدة لا يقدر على القيام وإنما يرفعه عياله ويحطونه عند حاجته وضروراته، ومكث على [ذلك] (6) مدة مديدة، فدخل على عياله وأهله بذلك شدة شديدة، واحتاجوا إلى الناس، واشتد عليهم اليأس (7).
فلما كان سنة عشرين وسبعمائة هجرية في ليلة من لياليها بعد ربع من (8) الليل أنبه عياله فانتبهوا (9)، فإذا الدار والسطح قد امتلآ نورا يأخذ بالأبصار، فقالوا:
مخ ۴۷
ما الخبر؟ فقال: إن الإمام القائم (1)(عليه السلام) جاءني فقال (2) [لي] (3): قم يا حسين، فقلت: يا سيدي أتراني أقدر على القيام؟ فأخذ بيدي وأقامني فذهب ما بي، وها أنا صحيح على أتم ما ينبغي، وقال لي: إن (4) هذا الساباط دربي إلى زيارة جدي فأعلن فيه (5) كل ليلة. فقلت: سمعا وطاعة [لله ولك يا مولاي] (6).
وقام الرجل وخرج إلى الحضرة الشريفة [الغروية] (7)، وزار الإمام (عليه السلام)، وحمد الله تعالى على ما حصل له من الإنعام، وصار (8) هذا الساباط المذكور إلى الآن ينذر له النذور (9) عند الضرورات فلا يكاد يخيب ناذره مرة من المرات (10) ببركات الإمام القائم (عليه السلام) (11).
[القصة الخامسة]
ومن ذلك ما حدثني به الشيخ الصالح الخير العالم الفاضل شمس الدين [محمد] (12) بن قارون المذكور [سابقا] (13): أن رجلا يقال له (محمد بن) (14) النجم،
مخ ۴۸
ويلقب الأسود، في القرية المعروفة بدقوسا على الفرات العظمى، وكان من أهل الخير والصلاح، وكان له زوجة تدعى فاطمة، خيرة صالحة، ولها ولدان؛ ابن يدعى عليا، وابنة تدعى زينب، فأصاب الرجل وزوجته العمى، وبقيا على حالة صعبة (1)، وكان ذلك في سنة اثني عشر وسبعمائة، وبقيا على ذلك مدة مديدة.
فلما كان في بعض الليالي أحست المرأة بيد تمر على وجهها، وقائل يقول: قد أذهب الله عنك العمى، فقومي في خدمة (2) زوجك أبي علي، فلا تقصري في خدمته، ففتحت عينيها (3) فإذا الدار قد امتلأت نورا، وعلمت أنه الإمام (4) القائم (عليه السلام) (5).
[القصة السادسة]
ومن ذلك ما نقلته (6) عن بعض أصحابنا المؤمنين الصالحين ومن (7) خطه المبارك ما صورته: عن محيي الدين الأربلي أنه حضر عند أبيه ومعه (8) رجل، فنعس فوقعت عمامته عن رأسه، فبدت في رأسه ضربة هائلة، فسأله عنها، فقال [له] (9):
هذه (10) من صفين. فقيل [له] (11): وكيف (12) ذلك وواقعة صفين قديمة؟!
مخ ۴۹
فقال: كنت مسافرا إلى مصر، فصاحبني إنسان من غزة، فلما كنا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين، فقال لي الرجل: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من علي وأصحابه، فقلت له: وأنا (1) لو كنت [في أيام صفين] (2) لرويت سيفي من معاوية وأصحابه، وها أنا وأنت من أصحاب علي ومعاوية، [واعتركنا عركة عظيمة] (3) واضطربنا، فما شعرت (4) بنفسي إلا مرميا لما بي وإنسان (5) يوقظني بطرف رمحه، ففتحت عيني فنزل إلي ومسح الضربة وبرئت (6)، فقال البث: هنا، ثم غاب قليلا وعاد [و] (7) معه رأس خصمي مقطوعا والدواب معه، فقال [لي] (8): هذا رأس عدوك، وأنت نصرتنا فنصرناك ولينصرن الله من ينصره (9).
فقلت: من أنت؟ فقال: فلان ابن فلان- يعني الصاحب (عليه السلام) (10)- ثم قال لي:
وإذا سئلت عن هذه الضربة فقل: ضربتها بصفين (11).
[القصة السابعة]
ومن ذلك بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي الأديان، قال: كنت أخدم الحسن بن علي (عليه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علته التي توفي فيها (عليه السلام)، فكتب
مخ ۵۰
معي كتبا وقال: امض بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوما، وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.
فقال أبو الأديان: يا سيدي، إذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجواب (1) كتبي فهو القائم بعدي.
قلت: زدني. قال: من صلى علي فهو القائم بعدي.
قلت: زدني. قال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي. ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان.
فخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جوابها (2)، ودخلت سر من رأى في يوم الخامس عشر- كما قال [لي] (عليه السلام)-، [و] إذا [أنا] (3) بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا بجعفر أخيه على الباب والشيعة حوله يعزونه ويهنئونه. فقلت في نفسي: إن يك هذا الإمام فقد بطلت إمامته؛ لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب في الطنبور.
فتقدمت وعزيت وهنئت فلم يسألني عن شيء، وخرج عقيد فقال: يا سيدي، قد كفن أخوك فقم وصل عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة خلفه يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة.
فلما صرنا بالدار وإذا نحن بالحسن بن علي (عليهما السلام) على نعشه مكفن، فتقدم جعفر ابن علي ليصلي عليه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط،
مخ ۵۱
بأسنانه فلج، فجذب رداء جعفر فقال: تنح يا عم، أنا أحق بالصلاة على أبي منك، فتأخر جعفر وقد اربد وجهه، وتقدم الصبي فصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه، ثم قال: يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي:
بقي الهميان.
ثم خرجنا إلى جعفر وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي، من الصبي لنقيم الحجة عليه؟ فقال (1): والله ما رأيته قط ولا أعرفه. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن (عليه السلام) فعرفوا بموته، فقالوا: فمن؟ فأشار الناس إلى جعفر ابن علي، فسلموا [عليه] (2) وعزوه وهنؤوه وقالوا: معنا كتب ومال، فتقول: ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منا (3) أن نعلم الغيب.
فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان [وفلان وفلان] (4)، وهميان [فيه] (5) ألف دينار، وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا [إليه] (6) الكتب والمال وقالوا: الذي وجهك لأخذ ذلك هو الإمام.
فدخل جعفر على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد خدمه فقبضوا على [صقيل] (7) الجارية وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادعت حملا بها لتغطي حال الصبي، فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى [بن
مخ ۵۲
خاقان] (1) فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم (2).
[القصة الثامنة]
ومن ذلك ما صح لي روايته عن الشيخ أحمد بن محمد الإيادي، يرفعه إلى إسماعيل بن علي، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وهو في المرضة التي مات فيها، فبينا أنا عنده إذ قال لخادمه عقيد (3)- وكان الخادم أسود نوبيا قد خدم من قبل (4) الرضا، وهو مربي (5) الحسن (عليه السلام)- وقال له: يا عقيد، أغل لي ماء بمصطكى، فأغلى [له] (6)، ثم جاءت به صقيل الجارية، فلما صار القدح بيده وهم بشربه جعلت يداه ترتعد حتى ضرب القدح ثناياه، فتركه من يده، وقال لعقيد:
ادخل البيت فإنك ترى صبيا ساجدا فائتني به.
قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت البيت فإذا بصبي ساجد، رافع سبابته نحو السماء، فأوجز في صلاته، فقلت: إن سيدي يأمرك بالخروج إليه، فجاءت صقيل، فأخذت بيده (7) فأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام).
قال أبو سهل: فلما مثل بين يديه سلم عليه، فإذا هو دري اللون، في شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيد أهل زمانه اسقني
مخ ۵۳
الماء فإني ذاهب إلى ربي، فأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكى (1) بيده، ثم حرك شفتيه ثم سقاه. فلما شربه قال: هيئوني للصلاة- وكانت صلاة الغداة يوم الجمعة- فطرح في حجره منديلا (2) فوضأه واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه.
فقال له: أبشر يا بني، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله في أرضه، وأنت ولدي ووصيي ووارثي، وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، ولدك رسول الله وبشر بك، وأنت خاتم الأئمة المعصومين، وسماك وكناك، بذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين، وصلى الله على أهل البيت إنه حميد مجيد. ومات الحسن (عليه السلام) من وقته، (عليهم السلام) أجمعين (3).
[القصة التاسعة]
ومن ذلك بالطريق المذكور يرفعه إلى رشيق المازندراني (4)، قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، وأمرنا أن يركب كل واحد منا فرسا ونجنب آخر، ونخرج مخفين ولا يكون معنا قليل ولا كثير، وقال: الحقوا بسرمنرأى- فوصف لنا محلة
مخ ۵۴
ودارا- فإذا رأيتموها ستجدون عند (1) الباب خادما أسود، فاكبسوا الدار، ومن رأيتم فيها فائتوني برأسه.
فوافينا سر من رأى، ووجدنا الأمر كما ذكره، وفي الدهليز الخادم الأسود (2) وبيده تكة ينسجها، فسألناه عن الدار من فيها؟ قال: صاحبها، فو الله ما التفت إلينا وقل اكتراثه [بنا] (3)، فكبسنا الدار كما أمرنا، فرأينا (4) دارا سرية ومقابل باب الدار سترا ما نظرت قط إلى أنبل منه، كأن الأيدي قد رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد.
فرفعنا الستر، فإذا بيت كبير كأن فيه بحر ماء، [و] (5) في أقصى البيت (6) حصير قد علمنا أنه (7) على الماء، فوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي، فلم (8) يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبد [الله] (9) ليتخطى البيت، فغرق في الماء، ولم يزل يضطرب حتى مددت [يدي] (10) فخلصته وأخرجته (11) مغشيا عليه ساعة. ثم عاد صاحبي
مخ ۵۵