واتبع خطة ابيه معه. وما كان الحسن في ما أحيط به من ظروف ، وفي ما مني به من أعداء ، الا ممثل أبيه حقا ، حتى لكأن قطعة من الزمن كانت من عهد أمير المؤمنين عليه السلام ، تأخرت عن حياته فاذا هي عهد ابنه الحسن في الكوفة. وكما كانت الحرب ضرورة لا مفر منها ، في عهد الاب الراحل عليه السلام ، كانت كذلك ضرورة لا يغني عنها شيء في عهد الابن القائم على الامر.
وكان مما يزين الخلافة الجديدة ، أن تزهو في فتوتها بما تملكه من قوة وسلطان ، ولن يتم ذلك الا بأن تضرب على أيدي العابثين ، لتبعث الهيبة في النفوس ، وتشق طريقها الى الاستقرار لتقبض على نواصي الامور. فلا عجب اذا جاء كتاب الحسن هذا صريحا في تهديده ، شديدا في وعظه ، قويا في لغته الآمرة الناهية « واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين ، فوالله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به ، وادخل في السلم والطاعة ولا تنازع الامر أهله ومن هو أحق به منك .. ».
أما الشعار الاموي في الشام ، فقد ظل مغاضبا للخلافة الهاشمية في الكوفة ، متنمرا على بيعة الحسن تنمره على بيعة أبيه من قبل. ولم تجد معه الرسائل المناصحة المصارحة ، ولا كبحت من جموحه أساليبها الحكيمة وحججها الواضحة.
ونحن اذا تصفحنا ما وصل الينا من رسائل الحسن عليه السلام الى معاوية ، لم نجد فيها كلمة تستغرب من مثله ، أو تتجاوز حد الحجة التي تنهض بحقه فيما فرضه الله من مودة أهل البيت عليهم السلام ، وفيما سجله « الكتاب » من الحكم بطهارتهم من الرجس ، أو لوح اليه من ولايتهم على الناس ، وبما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله في نصوص الامامة وتعيين الامام ، وبالدعوة اخيرا الى الطاعة وحقن الدماء واطفاء النائرة واصلاح ذات البين.
مخ ۸۳