سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر
تأليف السيد علي صدر الدين المدني المعروف بابن معصوم
خطبة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
يا من أودع جواهر الكلم حقائق الشفاه فنظمت منها الألسن لحمده تقاصير وعقودًا ويا من اطلع زواهر الحكم من كمام الأفواه فجنت منها العقول لشكره أزاهير ورودًا نحمدك على ما قلدتنا به من مننك التي فاقت قلائد العقيان وعقود الدرر ونشكرك على ما أهلتنا له من اقتناص شوارد فوائد الأعيان الواضحة الحجول والغزر حمدًا تتحلى بحلاه أجياد المهارق ولبات الطروس وشكرًا يتجلى بسناه مزيد الآلاء تجلي الغادة العروس ما كحلت أجفان سطور الدفاتر بمراود أقلام اثمد المحابر وجلت ماشطة اليراعه عرائس أبكار الأفكار في منصات البراعه ونصلي على رسولك الذي قلد بنظم عقود ألفاظه للزمان جيدًا ونحرًا الصادع بقوله الصادق أن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرًا نبينا محمد الهادي المظلل بالغمامه المفحم بلسانه الضادي مدراره نجد ومصاقع تهامه المؤيد بمعجز آيات تتلى على مر الدهور ولا تبلى الممدود سرادق مجده على قمم الأفلاك شرفًا ونبلًا وعلى آله الذين مهدوا بعلياء فصاحتهم نهج البلاغه وصحبه الذين امتثلوا أوامره وصدقوا بلاغه صلى الله وسلم عليه وعليهم صلاة وسلامًا يعبق الكون من نشرهما ريا ما تحلت عروس السماء بسوار الهلال ومنطقة الجوزاء وفرط الثريا وبعد فيقول الفقير علي صدر الدين المدني ابن أحمد نظام الدين الحسيني الحسني أنالهما الله سبحانه من فضله السني إن الأدب روض لا تزال عذبات افنان فنونه تترنح بنسمات القبول وثمرات أوراقه في الأذواق معسولة المجتنى لا يعتري نضارتها على مر الزمان ذبول تبسط أردان الأذهان لاجتناء نواره وزهوره وتملأ أكمام الأفهام من ورود أكمام منظومه ومنثوره وتميس بسنائمه معاطف اللسان لا الأغصان وتسقى بسلسله رياض الجنان لا الجنان ويثأرج بأنفاسه المنطق السحار لا الأسحار كيف لا وهو فرض الإنس المؤدى وحبيب النفس المفدى وصديق الطبع وعشيق السمع وراح العقل ونقل النقل طالما باهت أربابه بسناه القمر في ليالي السمر وضاهت بلآلي نظم درر البحور في نحور الحور وساجلت بسجع نثره المصون سجع الحمائم في فروع الغصون حتى رفعت بهم غريدته عقيرتها إذ سجعت ونبهت ذات طوقه بحسن ألحانها الألحان مذ هجعت
وكم أهدت إلى الأسماع معنىً ... كأنّ نسيمه شرقٌ براح
ولفظًا ناهب الحلي الغواني ... وأهدى السحر للحدق الملاح
ولله عصابه فوفوا سهام الاصابه فجددوا معاهده في كل عصر واجتلوا من خرائده يتيمة دهر ودمية قصر ونظموا من فرائده قلائد العقيان ونسقوا من فوائده عقود الجمان وادخروا من أعلاقه أنفس ذخيره ووردوا من منهله صافيه ونميره وانتشوا من سلافته في أشرف حانه واقتطفوا من رياض ورده وريحانه فنهجوا لاقتفاء آثارهم سبيلًا وسقوا من رحيق أفكارهم سلسبيلًا شكر الله سعيهم وأحسن يوم الجزاء رعيهم هذا وإني منذ ارتأيت بعين البصيرة في عالم الوجود وأكرمني بمناط التكليف مفيض الكرم والجود لم أزل ثاقب العزيمه كالشهاب الثاقب في اكتساب المناقب ماضي الصريمه كالجرار الباتر في اقتناء المآثر وناهيك بالعلم الشريف منقبة وفخرًا وبفرائد فوائده إذا اصطفيت الذخائر ذخرًا مولعًا بافتضاض أبكار الأفكار بالآصال والأبكار كلفًا باجتلاء عرائس المأثور من المنظوم والمنثور متجملًا بأهداب الآداب تجمل الأجفان بالأهداب اقتني من نفائس الأدب كل تليد وطارف واجتلي من كرائمه كل خريدة ترفل في حلل المطارف واجتني من رياضه بواكير رياحينه وثماره واعتني بجميع أخبار سماسرته وأحاديث سماره لا سيما ما للمعاصرين ومن تقدم عصرهم قليلًا من أزاهير النظم والنثر التي هب عليها نسيم القبول بليلًا فطالما عنيت بتقييد شواردهم النادرة الفذة عملًا بمقتضى المثل المشهور لكل جديد لذة حتى توفر لدي منها رقائق تحسد رقتها أنفاس النسيم وقلائد تروع حالية العذارى فتلمس جانب العقد النظيم وفقرات يفتقر إليها من الأدباء كل قاص وداني
وقوافٍ لو ساد الجدّ نيطت ... موضع الدر من رقاب الغواني
تناهى النهى فيها وابدع نظمها ... خواطر ينقاد البديع لها قسرا
1 / 1
إذا لحظت زادت نواظرنا ضيا ... وإن أنشدت فاحت مجالسنا عطرا
تنازعها قلبي مليًا وناظري ... فأعطيت كلًا من محاسنها شطرًا
فنزّهت طرفي في موشى رياضها ... والقطت فكري بين ألفاظها درّا
تضاحكنا فيها المعاني فكلما ... تأملت فيها لفظة خلتها ثغرا
فمن ثيبٍ لم تفترع غير خلسة ... وبكرٍ من الألفاظ قد زوجت بكرا
وإذا كان لكل زمان رجال. ولكل حلبة مضمار ومجال. فغير بدع أن برزت الأواخر بالبديع الفاخر. وازجت فلكها المفاخر. في بحر الفضل الزاخر. شعر
قل لمن لا يرى المعاصر شيّا ... ويرى للأوائل التقديما
إن ذاك القديم كان حديثًا ... وسيبقى هذا الحديث قديما
على أن تأخر الزمان. لا ينافي التقدم في الإحسان. فقد يتأخر الهاطل عن الرعد. والنائل عن الوعد. ومراتب الاعداد، تترقى بتأخير رقمتها وتزداد. شعر
تأخر عصرًا فاستزاد من العليا ... كما زاد بالتأخير ما يرقم الهند
وهذا أمر مفرغ من بيان حجته. وتمهيد محجته. وكثيرًا ما عن لي أن أجمع ديوانًا يشتمل على محاسن أهل العصر. اسلك فيه سبيل يتيمة الدهر ودمية القصر. وغيرهما من الكتب المقصورة على هذا الغرض. المقرطسة سهامها المفوقة لشواكل الغرض. فكان يصدني عن ذلك ما منيت به من حوادث دهر تستفرغ صبر الجليد. وصروف أيام تشيب بوقائعها رأس الوليد. ومقاساتي لمحن البين والاغتراب. وفراق الوطن والأهل والأتراب. إلى غير ذلك من لوائح انكاد وحرق. وخطوب لو شرحها لسان القلم لالتهب بنارها واحترق. شعر
وصفي لحالي محال أن أسطرهُ ... وكيف يمكن وضع النار في الورق
لا سيما مع التخلي عن كل صاحب وأنيس. والتحلي بهموم كأن الدهر قصد بالجمع بينها وبين همي التجنيس. والزامي دارًا اضيق من سم الخياط. يكاد ينقطع للدخول فيها من القلب النياط. ولا جليس ولا أنيس إلا كتاب أو صحيفه. آنس فيهما إلى فنون البحث وقد عدمت تصحيفه. وذلك من سنة ثلاث وسبعين إلى آخر سنة إحدى وثمانين. وهي السنة التي شرعت في آخرها في تأليف هذا الديوان. والله أعلم بما يعقبه الدهر بعد هذا الأوان. وإلى الآن لم يبد لهذه الأزمة فرج. ولا أذن صباح ليلها المدلهم بالبلج. ولله در الصلاح الصفدي حيث قال في مثل هذه الحال
لزمت بيتي مثل ما قيل لي ... ولم أعاند حادث الدهر
وليس لي درع يردّ الردى ... استغفر الله سوى صبري
علمًا بأن البؤس رهن الرخا ... وغاية العسر إلى اليسر
وقد يسلّ السيف من غمده ... ويخرج الدرّ من البحر
وتبرز الصهباء من دنها ... ويرجع النور إلى البدر
فهذه نبذة من حقيقة أحوالي التي تمضي في هذه البلاد. وصفة أيام التي تنقضي وما لحسراتي فيها انقضاء ولا نفاد. ثم لم أزل أقدم رجلًا وأؤخر أخرى. واسوف في الأسر من يوم إلى يوم والتسويف بمثلي أحرى إلى أن أهدي إلي من مكة المشرفة. لا زالت بأقراط السرور مشنفة. كتاب ريحانة الألبا. وزهرة الحياة الدنيا. تأليف العلامة التحرير. ومالك أزمة التحقيق والتحرير. شهاب الدين أحمد الخفاجي. وهو الشهاب الذي أضاء نور فضله في هذا الزمن الداجي. فرأيته قد قصد الغرض الذي كنت قصدته. ونحا ذلك المنهج الذي كنت أردته وما وردته. من جمع محاسن أهل العصر وأخبارهم وتقييد شوارد منشاآتهم وأشعارهم. فأجاد فيما ألف. وتكفل بالمقصود وما تكلف. فلله كتابه من ريحانة تنفست في ليلها البارد. وعطرت معاطس الأسماع بطيب نشرها الوارد. حتى خاطبها كل كلف بالأدب راح لعرفها منتشقًا.
حيا بك الله عاشقيك فقد ... أصبحت ريحانة لمن عشقا
وكنت كتبت على ظهر نسخة منها مضمنًا
دعت ريحانة الأدباء لبى ... فلبى وهو ممتثل مطيع
فقال وقد أجاب بغير ريث ... أمن ريحانة الداعي السميع
1 / 2
بيد أن اقتطف ريحانة من روض. وامتاح نقطة من حوض؟ فجاء بالثمد. ووقف دون الأمد. وأهمل ذكر جماعة من أكابر الفضلاء. وأماثل النبلاء. ومجيدي الشعراء. ومفيدي البلغاء. هم أجل قدرًا من أن لا يعرفوا. وحاشاهم أن يكونوا نكرات فيعرفوا. وعذره فيمن أدرك منهم عصره، ولم يجر ذكره. بعد دياره عن ديارهم. وإن الليالي لم تأته باسمارهم. والرياح لم تهب عليه بأخبارهم، حكمة الله البالغة في العباد. الشاملة للحاضر والباد. ليبين مصداق كم ترك الأول للآخر. ويقف العقل حسيرًا دون ساحل لج الفيض الزاخر. وفوق كل ذي علم عليم. فجدد لي حديث هذا الاستدراك ذلك العزم القديم. وقال لي عزيم ذلك الخاطر هات فقد طال مطال العزيم. فوجهت الهمة شطر ذلك القصد. ورميت قنا الفتور المتأطرة بالقصد. وشمرت الذيل. وسمرت الليل. وأتيت بما وقفت عليه. وأوردت ما انتهت قدرتي إليه. من فرائد نظم كأنهم اللؤلؤ والمرجان. وخرائد سجع لم يطمثهن انس قبلي ولا جان. وغرر يضيء بها حندس الليل البهيم. ودرر تكلف بها لبات الغواني وتهيم. لم يخلق بهجتها تقادم العهد والزمان. ولا ازرى بجديدها مرور الجديدين واستيلاء الحدثان. وكنت على أن لا أوارد الخفاجي في ريحانته. ولا أزاحمه في ورود حانته. ثم رأيت ما قاله نادرة باخرز في دميته. إني تأملت الطبقات القديمة فوجدت فيها. على اختلاف مصنفيها. شعر كل من الفضلاء مكررًا وفضل كل من الشعراء مقررًا فقلت لو جفا فاضل فترك منسيًا كدارس الأطلال. ومنفيًا كنعل أخلقت من النعال. ثم اعتذر عنه بأن بعض المؤلفين أثبته فمحوناه. وإن واحدًا من المصنفين وفا له فجفيناه. كان الفضل من جهته مظلومًا. ولا زال عند جميع الفضلاء ملومًا. انتهى. فكررت في كتابي هذا أسماء جماعة سبقني إلى ذكرهم من أهل هذه المائة. وهي الحادية عشره. وأوردت من نتائج أفكارهم ما تستحلي الألباب ذوقه. وتستطيب الأسماع نشره. والتزمت أن لا أورد شيئًا من الشعر الذي رقمه. وإن أعدت اسم الشاعر الذي ترجمه. وكتابي هذا مقصور على محاسن أخبار أهل هذه المائة. ومكسور على أحاسن أشعار هذه الفئة وقد رتبته على خمسة أقسام القسم الأول في محاسن أهل الحرمين الشريفين. والمحلين المنيفين. زادهما الله تعالى شرفًا وإنافة. ولا زالا آمنين بأمان من شرفهما من المخافة. القسم الثاني في محاسن أهل الشام ومصر ونواحيهما. ومن تصدر من الفضلاء في صدور نواديهما القسم الثالث في محاسن أهل اليمن. المقلدين بعقود آدابهم جيد الزمن. القسم الرابع في محاسن أهل العجم والبحرين والعراق. وإيراد ما رق من لطائفهم وراق القسم الخامس في محاسن أهل المغرب. وإثبات شيء من بديع نظمهم المطرب. والعذر في تأخير قسمهم عن سائر الأقسام. رعاية النكتة في المغرب للختام. وإلا فلهم السبق والبداية. ولا غرو إن انتهت إليهم الغاية. وإذا أشرق إن شاء الله تعالى بدره المنير من أفق الثمام. وتفتق زهره النضير من حجب الكمام وسمته بسلافة العصر. في محاسن الشعراء بكل مصر والله اسأل أن يوفقني لاتمامه. ويشفع حسن ابتدائه بحسن ختامه. والملتمس ممن انتشا من هذه السلافة. أن يلحظها بعين الصواب مهما رأى خلافه. فإنها نشأت عن فكر قد صلد زنده. في بلد عربه عجمه وهنده. لم تقم فيه للأدب سوق. ولا عرف به غير الكفر والفسوق. سنى الله لنا العود منه إلى حرمه. والرجوع إلى جوار بيته المحرم بجوده وكرم. إنه على كل شيء قدير. وبالإجابة جدير
القسم الأول
محاسن أهل الحرمين والبلدين المحترمين
وفيه فصلان الفصل الأول في
محاسن أهل مكة المشرفة
زادها الله شرفًا يزاحم من قصر الفلك الأطلس شرفه.
1 / 3
الوالد الأمير نظام الدين
أحمد بن الأمير محمد معصوم الحسيني ناشر علم. وعلم. وشاهر سيف وقلم وراقي ربى ونجد. من سامى علىً ومجد متبجج من الأبوة. بين الإمامة والنبوة. إمام ابن إمام. وهمام بن همام. وهلم جرا. إلى أن أجاوز المجرة مجرا. لا أقف على حد. حتى أنتهي إلى أشرف جد. وكفى شاهدًا على هذا المرام. قول أحد أجداده الكرام. ليس في نسبتنا إلا ذو فضل وحلم. حتى نقف على باب مدينة العلم. وهذا فرع طابق أصله. ومبرز أحرز خصله. طلع في الدهر غره. فملأ العيون قره. وما قارن هلاله إبداره. حتى أحاطت به العلا داره. فألقت إليه الرئاسة قيادها. وأقامت به السيادة منادها، فأصبح مرتبته العليا. وعبده الدهر وأمته الدنيا. إلى علم بهرت حجته. كالبحر زخرت لجته. قذف درًا. فكشف ضرًا. وناهيك بمعرق أصل. وذي منطق فصل. وأنا متى نعت حسبه. فإنما أنعت مجدي. ومتى وصفت نسبه. فإنما أصف أبي وحدي. بيد أني أقول وأن رغم كل أبي.
هذا أبي حين يعزى سيد لأبٍ ... هيهات ما للورى يا دهر مثل أبي
مولده ومنشأه الحجاز. والقطر الذي هو موطن الشرف على الحقيقة وسواه المجاز. ربي في حجر الحجر وغذى بدر زمزم. فغرد طائر يمنه على فنن سعده وزمزم. ولما ضاع ارج ذكره نشرًا. وتهلل محيا الوجود بفضله بشرًا. وغاور صيته وانجد. وأذعن لمجده كل همام أمجد. عشقت أوصافه الأسماع. وتطابق على نبله العيان والسماع. فاستهداه مولانا السلطان إلى حضرته الشريفة. واستدعاه إلى سدته الوريفة. فدخل إليه الديار الهندية عام خمس وخمسين وألف فاملكه من عامه ابنته. وأسكنه من انعامه جنته. وهناك امتد في الدنيا باعه. وعمرت باقباله رباعه. وقصده الغادي والرائح. وخدمته القرائح بالمدائح. فهو يتحلى مع محتده الطاهر. ومفخره الباهر الظاهر. بفضل تثنى عليه الخناصر. وتثني عليه العناصر. وأدب تشهد به الأعلام. وتشحذ به أسنة الأقلام. وهذا حين أثبت من كلامه الحر. ورفيق نظمه المزري بالدر. ما تنتشق له ريا. وتباهي به عقد الثريا. فمن ذلك قوله يمدح ختنه السلطان الأعظم. والخاقان المعظم. شهنشاه عبد الله بن محمد قطب شاه. ايد الله دولته. وابد صولته.
سلاهل سلا قلبي عن البان والرند ... وعن اثلاتٍ جانب العلم الفرد
وعن سمرات بالنقا وطويلع ... وعن سلمات بالاجارع أو نجد
وعن ضال ذات الضال أو شعب عامر ... وعن ظله إذ كنت في زمنٍ رغد
وعن نخلات بالعقيق وسفحه ... نهلن بماء الورد أو سلسل الخلد
شمخن فابدين الشماريخ نضدًا ... واشبهن غيدًا قد تمايلن من جهد
واطلعن بسرًا كاللجين طلاوة ... توهج في لون من العسجد النقد
وعن فىء كرم بالحجاز ترفعت ... به الأرض حتى كان كالعلم المفرد
وعن لعلع أو عن زرود وحاجر ... وعن قاعة الوعساء أو منتدى هند
وعن زينب أو عن سليمى وعرةٍ ... وعن حي ليلي أو بثينة أو دعد
وعن نزهة الأبصارا وبهجة الربى ... لطيفة طي الكشح فاحمة الجعد
كثيفة ردف خصرها عن برؤه ... كما عز برّ الصد من غير ما ورد
يريك ثناء البدر والشمس وجهها ... نعم ونجوم الليل في الجيد والعقد
لها بشر الدر الذي قلدت به ... كما قاله نحل الحسين الفتى الكندي
أُنزّه محياها عن الخلد رفعة ... وأما المحيا لم أخل وصفه عندي
لها عنق يحكيه جيد لربرب ... تفيأ أكناف الأعقة فالرند
إلى مثل ظي الخز بنهيه صدرها ... عدا أن ذاك الخز أعلى من الخد
على أنه خد نضير تجمعت ... به النار والأمواه بالآس والورد
وإن رمت تشبيهًا لالحاظها التي ... تركن سفيهًا صاحب اللب والرشد
فلمحك في أطراف واد بوجرة ... يكن لترى من قد وصفت بلا بعد
فتبصر أسراب المها يا أخا النهى ... فتعلم ما شبهت حقًّا بلا قصد
1 / 4
وعينان قال الله كونا فكانتا ... تنزه عن التشبيه وانج بلا وجد
بروحك أم لا فالسهام صوائب ... فؤادك فاحذر أن تصاد على عمد
فكم لسهام العين في القلب رشقة ... وكم بفؤاد الصب من رشقها المردي
تركن ذوي الألباب حيرى عقولهم ... مهتكة الأستار في الوصل والصد
ففي قربهم بالدلّ يصطدن لبنًا ... وبعدهم بالهجر وقدٌ على وقد
بكلٍ تداوينا ولم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد
بلى ليس بعد الدار يا صاح ضائرًا ... إذا كان عبد الله منتجع الوفد
شهنشاه شاه قطب شاه ملكينا ... ووالي ولاة الأمر مشرعة الرفد
مليكًا سمى فرع السماكين راقيًا ... إلى رتبة علياء ذات ءلىً نهد
مليكًا لدى العلياء تعنو لبأسه ... أسود الشرى هيهات ما صولة الأُسد
مليكاّ إذا ضاق الزمان توسعت ... خلائقه الحسنى فجاءت على القصد
وإن ناب خطب معضل قام رأيه ... مقام جيوش عزّقت في ضفا السرد
ودبر ما الأملاك حافلة به ... فيتضح المقصود من غير أن يبدي
وقام مقام الجيش إسفار وجهه ... فلا مقطب يومًا ولا هو بالصلد
يفكر في أمر أراد تقضيًا ... وإلا فأمر همه ليس عن عمد
ويشمل كلّ العالمين نواله ... فيوسعهم جودًا ينوف عن العد
إذا شئت أن تخصي فواضل كفه ... فذلك شيءٌ ضاق عن حصره جهدي
تظل ملوك الأرض خاضعة له ... فجبارهم عند الملاقاة كالوغد
ذليلًا حقيرًا ليس يدري أمالكًا ... تملك أم قنًّا من الذل والكد
له هيبة قد ألبس الله وجهه ... بهاءً ونورًا شاهدين على السعد
فطالعه المسعود والجد عبده ... كذا السعد رقٌ قام منزلة العبد
واقباله لما يزل مترفعًا ... إلى أن رقى الأفلاك بالعز والجد
يرى القطب والنسرين شسعًا لنعله ... كذا الشمس من خدّ امه وذوي الوجد
هو الملك المنصور ذو الفخر والعلا ... ورب الندى والأمر والحل والعقد
ورب المعالي والعوالي وبيضها ... وخيل لدى البأس المطهمة السرد
ولابس ضافي النسج مسرود حوكها ... كنذر كغدر كالثواقب كالصلد
صنائع داود مواريث أحمد ... ملابس عبد الله مالكنا المجدي
وقطب ملوك الأرض دام علاؤه ... ودمنا زمانًا راتعي عيشه الرغد
فأكرم بظل الله في كل أرضه ... ونجل ملوك منتمين إلى جد
له عزة موروثة عن جدوده ... يقصر عنها كل ذي حسب فرد
نجوم سماءٍ بل بدور مواكبٍ ... شموس أراضٍ أُلبست حلل المجد
صغيرهم في المهد للملك خاطب ... كبيرهم للنيرات على مهد
تمهد سبل مذ كان منهم ... مليكٌ ترقى صهوة الطهم والجرد
وما زال منهم حيث كانوا مسودٌ ... له الملك بعد الله حتى إلى السد
وذلك فضل الله يؤتيه من يشا ... فشكري لربي مع ثنائي مع حمدي
على أنني قد صرت بعض عبيده ... ومن حزبه أو من اسنته الملد
ومن بعض غلمانٍ له أو عشيرةٍ ... ومن جنده أو من صوارمه القد
وذلك شيءٌ لم تنله أوائلي ... على أنهم حازوا المفاخر من أُدّ
أئمة دين الله ورّاث عمله ... وخزّان وحي الله في كل ما يبدي
بفضلهم جاء الكتاب مبينًا ... ببغضهم الأضداد تقذف بالهد
وهم عترة المختار من آل هاشم ... وأهل العلي من خيرة الصمد الفرد
1 / 5
أولئك محيا للكرام أولى الندى ... ولكنهم هلك لمستهزيءٍ وغد
فحقٌ لي الانشاد من بيت شاعر ... له ذاع نظمٌ مثل ما ضاع من ند
وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بفضل قاهر كل ذي حقد
فاشكر ربي إن أنالني المنى ... وصير أعدائي مشتتة العد
وتالله لا أخشى لكيدهم أذى ... لعليم أن الكيد مع كيدهم يكدي
فيا أيها المنصور بالسعي جدّه ... ويا أيها المنصور بالجد والجد
تعطف على عبد لكم صادق الولا ... غريبٍ فريدٍ حل في ادؤر الهند
وخلى بلاد الله والكعبة التي ... إليها قلوب الناس تهوي من البعد
وزمزم والأركان والحجر والصفا ... ومروته والمشعر الطيب الورد
وطيبة مثوى أشرف الرسل أحمدٍ ... ومدفن طهر الله فاطمة الرشد
ومرقدها أعني البقيع الذي سما ... بسبط رسول الله والساجد الجدّ
وباقر علم الله والصادق الذي ... له أمر دين الله في الأخذ والود
وجاور ملكًا للمكارم صاعدًا ... ولكن عن الضراء والظلم ذا صد
يزجى إليه مفخرٌ أقعسٌ رقى ... إلى أفلك الأفلاك سمكًا بلا حد
ويأمل للاعدا مكايد ذلةٍ ... وخسرًا وبثرًا للحسود وللضد
وبالله لم أخفر لكم ذمة ولا ... تزحزحت عن ودٍ لكم ثابت العهد
فلا تستمع قول الوشاة فقلما ... يحاول واش غير اعراض ذي ود
بقيت لنا كهفًا وركنًا وموئلًا ... وبحر نوال لم يزل دائم المد
مملك كل الخلق دانٍ وشاحطٍ ... وراع ومرعيّ كذا الحر والعبد
بحق الرسول المصطفى من كنانة ... محمدٍ الهادي إلى جنة الخلد
وآلٍ له خير البرايا فبدؤهم ... أبو الحسن الكرار والخاتم المهدي
عليهم صلاة الله ماهب شمأل ... على سمرات الجذع فالبان فالرند
وقوله أيضًا وهي من قصيدة فصيحة الألفاظ كثيرة المعاني متشعبة الفنون يذكر فيها أكثر قرى الطائف ومنتزهاتها وكتبها إلى الشيخ عيسى النجفي أحد أدباء العصر الآتي ذكره
ذلك البان والحمى والمصلى ... فقف الركب ساعة نتملى
واسألنه برقةٍ وخضوعٍ ... عن فوادي يا صاحبي أين ضلا
وإذا ما تراأت الربرب العين ... بجرعاء لعلعٍ فالمعلا
فاحذرن أن تصاد يا صاح أو أن ... ترمينك العيون سهمًا وفصلا
إن عهدي بها حديثًا لتصطاد ... سوادًا حسنًا وغنجًا ودلاّ
فانج من سهمها سليمًا وحاذر ... إن في تلكم المحاجر نبلا
غير أني بها سجيس الليالي ... واجدٌ والمحب لا يتسلى
ثم لي بين حاجرٍ وزرودٍ ... ظبيات أوانسٌ تتجلى
خلت ظبي الكناس منها فلما ... إن تراأت علمت هاتيك أحلى
مع أني أكاد أوهم منها ... بظباءٍ عواطل لا تحلى
خوف ساع من الوشاة رقيبٍ ... قصده أن يبدد اليوم شملا
فبنفسي على معزة نفسي ... وبمالي ما جل منه وقلا
خرّد قد نزلن أكناف وجّ ... وسكن المثناة حزنًا وسهلا
وبها اصطفن بل وربعن أيضًا ... قاطناتٍ سفح الأخيلة ظلا
من لقيم إلى المليساء ... فالهضبة فالوهط فالأصيحر نزلا
غاديات من أم خير إلى الجا ... ل إلى الهرم فالعتيق المحلا
ناهلات من الجفيجف ماءً ... شبما سلسلًا نقاخًا محلى
زائرت للحبر أعني ابن عباس ... الذي فاق في العلوم ونبلا
1 / 6
سارحات من السلامة يبغين ... م قرينًا وما نجا ذاك قبلا
ثم بالموقف المعظم قدرًا ... واقفات يطلبن نسكًا وفضلا
وارادات ماء الشريعة نهلًا ... شاربات نهلاّ فعلاّ فعلا
سائرات إلى مزاحم فالصخرة ... م سيرًا مثل السحابة رسلا
مشرفات على رياض أنيقات ... م هنيئًا سقين غيثًا ووبلا
تلك روض الجنان من أرض وجّ ... سيمًا البحرة القديمة مثلا
جادها الغيم من بني المزن غدقًا ... وملثًا صبحًا وليلًا واصلا
فلكم قد حوت محاسن شتى ... حاكت الخلد روضةً ومحلا
فلعمري ما العيش يا صاح إلا ... ما تقضى بروضها وتملاّ
زمنٌ باسمٌ وعيشٌ رضيٌّ ... وحبيب مواصل لن يملا
زمن والشباب غضٌ نضيرٌ ... والتهاني به تواصل وصلا
والسرور الوفيّ إذ ذاك عبد ... طائع يحفظ الذمام وإلا
والحيباب هنّ أتراب ودي ... زينب مع سعاد ثمة ليلى
أتهادى من بينهن بوجدٍ ... وغرامٍ لم انتحل عنه ذهلا
مولعًا بالمها وغزلان نعمان ... وآرام مكة فالمصلى
مغرم بالجآذر العين من أهل ... حجازٍ وما حوى ذاك خلا
ولقد بتّ بعدهن حزينًا ... نائي الدار مولعًا أتصلى
حرّ نار البعاد من بعد بعدي ... عن ربوع بها الكواعب تجلى
فلذا العين تسكب الدم دمعًا ... والفؤاد الحزين لا يتسلى
فاسقنينها صرفًا ولا تذكر المزج ... فإني لا أرتضي المزج أصلا
من سلافٍ تنبيك عن عهد كسرى ... عتقت في الدنان حولًا فحولا
مثل لون الورود أو شرر الجمر ... وإلا كخد ظبيٍ تصلى
أو كذوب الياقوت ياقوت قلبي ... عصرت قبل آدمٍ بل وقبلا
من يدي شادن أغنّ أغرّ ... مترفٍ قد حوى الظرافة شكلا
فائقٍ في الجمال ولدان عدنٍ ... غير أن ليس في المحبين عدلا
ذي محيا كالنجم كالبدر كالش ... مس وكالحور بهجةً يا أخلا
قد يخال الكؤوس من خمر عينيه ... ملاءً إذ خمر عينيه أولى
قده غصن بانةٍ أن تثنى ... وطلاه كالصج إذ يتجلى
إن رنا بالعيون فالقوم جرحى ... أو أدار المدام فالقوم قتلى
خلته شادنًا فخطأ ظني ... ردف رمل قد جاده الوبل هلا
قام يسعى بها فقلت لصحبي ... دونكم شربها احتساءً وعلا
تركها الاثم يا نديمي فاعلم ... واطرح القيد واركب اليوم جهلا
واجعل العقل للعقار صداقًا ... واعلمن تركك المدامة غفلا
فهي الروح للجسوم وللافراح جل ... ب تورث الصفو عقلا
مرةٌ حلوةٌ عروسٌ عجوزٌ ... خندريسٌ فاطلب لها اليوم وصلا
قد حوت كل نشوة إذ أُديرت ... كسحاب الربيع حين استهلا
فعلها كالغمام بالأرض في الا ... جساد فاطرب ولا تقولنّ مهلا
فالرشاد المبين في حسو هاتيك ... فدع عذل جاهل حين يتلا
فلعري ما نال منها نصيبًا ... فمرنه يصبو إليها والا
واطلب العفو من إله كريمٍ ... فضله واسع ونعماه أولى
فالعظيم العظيم يرجى لكلٍ ... من ذنوبٍ ولن ترى ثمّ بخلا
واجتهد في احتسا الطلا في زمانٍ ... أمطر الغيم فيه قطرًا ووبلا
وكسى الأرض من زهو رياضٍ ... حاكت السندس النفيس وبلا
1 / 7
واستمع صوت مزهر وربابٍ ... وكمنج وبربطٍ مستهلا
كل شهر بمثل ذاك وحاذر ... من ملال فالاريحي لن يملا
أيها الكامل الأديب الذي حاز ... من المجد في السهام المعلى
وحوى كل مفخر وكمال ... وتروى العلوم عقلًا ونقلا
وبنظم يصوغه فاق كعبًا ... وزهيرًا وذا القروح وجلا
ولبيدًا والأعشيين وعمروا ... وحبيبًا في الشعر قد فاق كلا
هاك يا صاحب المزايا قريضًا ... من محب يراك للود أهلا
ذاكرًا الفة القديم ودهرًا ... وزمانًا بالرقمتين تولى
واستمع يا أديب نفثة صب ... موجع القلب جسمه عاد ظلا
ليس يسليه عنهم قط شيءٌ ... غير أني بالشعر أبرد غلا
فانتقد من جمانه كل شذر ... واغتفر ما تراه إن كان زلا
واجبني بما يسكن روعي ... من حلالٍ سحرٍ تضمن فضلا
وابق ذا منطق نفيس أثيلٍ ... ترتعي الفضل ما سقى الغيث اثلا
قوله في الزهد
نصل الهوى عن قلب ذي الوجد ... وسلا المتيم عن لقا هند
وعدت عن الآرام منيته ... وغدت غوايته إلى رشد
وتبدل التقوى عن الأهوا ... لرجا ثواب الله ذي المجد
ونضا الصبا عنه غوايته ... فاستقبل الأيام بالزهد
فتراه لا يصبو إلى دعد ... كلا ولا منها إلى وعد
لكن ثنى نفسًا مولهة ... عن كل أمر مهلك مردي
أضنته ذكرى أزمن سلفت ... بالجرع أو بالبان من نجد
إذ كان فيها جمع إخوته ... حتى مناه الدهر بالبعد
إخوان صدق حائزي كرمٍ ... أهل الفواضل منجع الوفد
من كل غطريفٍ تراه إذا ... أمّ الوغى كالخادر الورد
حاوي المكارم سيد فطن ... طب بهتك الجوشن السرد
وعقيد كل كتيبة طرقت ... ليلًا وفارس خيلها الجرد
ومغيرها وقت الضحى أممًا ... تنبو عن التعداد والحد
خفاق الوية على الأعدا ... حمال كل ملمة تردي
صبح الجبين تراه ذا بهر ... تحت التريكة نيرًا يهدي
كم من يد بيضاء قلدها ... جيد الرجال بنعمةٍ تلد
وعفا عن الذنب الفظيع وكم ... أعطى عطا يربو على العد
ذي سطوة يخشى بوادرها ... ريب الزمان عليه إذ يعدي
حلو الجنا مرّ مذاقته ... يوم الوغى للفارس الصلد
ما زال صفوًا ورده عسلًا ... للوفد إن جاؤا بلا وعد
أهفو إلى مرباه ان به ... نيل المنى ومنابت السعد
وعوارفًا ومعارفًا عرفت ... أبد الدهور ومنجح القصد
لهفي على وقتٍ به حسن ... أيام بشرٍ ذكرها عندي
في كل حين لي بعقوته ... أنسٌ أنيقٌ زاهر الخد
حيث الصبا عقت تمائمه ... عني وأصحابي ألوودّي
لم ألف غير ذوي الصفا أحدًا ... فكأنني في جنة الخلد
قوله في الحماسة
إلى كم تقاضاني الظبى وهي ظاميه ... وتشكو العوالي جوعها وهي طاويه
وتدعو الجياد الصافنات قرومها ... ليوم ترى فيه على الدم طافيه
فمن مبلغ عنا نزارًا ويعربا ... أولئك قوم أرتجيهم لما بيه
حماة كماة قادة الخيل في الوغى ... ضراغم يوم الروع تلقاك ضاريه
بهاليل في الباساء يوم تناضلٍ ... إذا ما التقى الجيشان فالعار آبيه
ثيابهم من نسج داود أسبغت ... وأوجههم تحكي بدورًا بداجيه
1 / 8
سموا لدراك المجد والثار والعلى ... ورووا قناهم من دما كل طاغيه
وساروا على متن الخيول وسوّروا ... بذي شطب عضب وسمراء عاليه
على لهم لم يبرحوا في خفاظه ... مدى الدهر والأزمان عنه محاميه
فهم سادة الأقوام شرقًا ومغربًا ... وبرًا وبحرًا والقروم المباهيه
فلا غرو ان كان النبي محمد ... إليهم لينمى في جراثيم ساميه
به افتخروا يوم الفخار وقوضوا ... بناء العلى عن كل قوم مضاهيه
به كسروا كسرى وفلوا جموعه ... لكثرتها لم تدر في العهد ماهيه
ونافوا على الأطواد عزًا ورفعة ... وزادوا على الآساد بأسًا وداهيه
بلاغًا صريحًا واضحًا كاشفًا له ... قناع المحيا فليبين داعيه
وإياهم والريث عن نصر خدنهم ... ولا تؤمن الدنيا فليست بصافيه
وقل لهم يسرون فوق جيادهم ... خفايا كما تمشي مع السقم عافيه
قوله في الغزل
مثير غرام المستهام ووجده ... وميض سرى من غدر سلع ونجده
وبات بأعلى الرقمتين التهابه ... فظل كئيبًا من تذكر عهده
يحنّ إلى نحو اللوى وطويلعٍ ... وبانات نجد والحجاز ورنده
وضال بذات الضال مرح غصونه ... تفيأه ظبي يميس ببرده
كثير التجني ذو قوام مهفهف ... صبيح المحيا لا وفاء لوعده
يغار إذا ما قست بالبدر وجهه ... ويغضب إن شبهت وردًا بخده
مليح تسامى بالملاحة مفردٌ ... كشمس الضحى كالبدر في برج سعده
ثناياه برق والصباح جبينه ... وأما الثريا قد أنيطت بعقده
فمن وصله سكنى الجنان وطيبها ... ولكن لظى النيران من نار صده
ترآى لنا بالجيد كالظبي تالعًا ... أسارى الهوى من حكمه بعض جنده
روى حسنه أهل الغرام وكلهم ... يتيه إذا ما شاهدوا ليل جعده
يعلم علم السحر هاروت لحظه ... ويروي عن الرمان كاعب نهده
مضاء اليمانيات دون لحاظه ... وفعل الردينيات من دون قده
إذا ما نضا عن وجهه البدر حجبه ... صبا كل ذي نسك ملازم زهده
بروحي محيا قاصرٌ عنه كل من ... أراد له نعتًا بتوصيف حده
هو الحسن بل حسن الورى منه محتدي ... وكلهم يعزى لجوهر فرده
وما تفعل الراح العتيقة بعض ما ... نبسمه بالمحتسي صفو ورده
قوله في مليح اعتل طرفه
يا جوهرًا فردًا علا ... من أين جاءك ذا العرض
وعلام طرفك ذا المريض ... أعله هذا المرض
عهدي به مما يصيب ... فكيف صار هو الغرض
ها قلبي المعمود نصبٌ ... م للنوائب يرتكض
فاجعله يا كل المنى ... بدلًا لما بك أو عوض
فأسلم مدى الأيام يا ... ذا الحسن ما برق ومض
فمذ اعتللت أخا المها ... في الطرف ما طرفي غمض
ونحيل جسمي مذ دنف ... ت وحق عينك ما نهض
أنت المراد وليس لي ... في غير وصلك من غرض
قال مشجرًا
خلت خال الخد في وجنته ... نقطة العنبر في جمر الغضا
دامت الأفراح لي مذ أبصرت ... مقلتي صج محيا قد أضا
يتمنى القلب منه لفتةً ... وبهذا الحظّ للعين رضا
جاهل رام سلوًا عنه إذ ... حظر الوصل وأولاني النضا
هامت العين به لما رأت ... حسن وجه حين كنا بالأضا
قال في النسيب
سلا بطن مرو والغميم وموزعا ... متى اصطافها ظبي النقا وتربعا
وهل حل من شرقيها أرض هجلةٍ ... وهل جادها مزن فسال وأمرعا
1 / 9
سقى تلك من نوء السماكين بكرةً ... سحايب غيث مربعًا ثم مربعًا
تظل الصبا تحدو بها وهي سجمٌ ... وتنزلها سهلًا وحزنًا وأجرعا
فتلك مغان لا تزال تحلها ... خدلجة الساقين مهضومة المعا
ربيبة خدر الصون والترف الذي ... يزيد على بذل الليالي تمنعا
تروت من الحسن البهيّ خدودها ... وقامتيها كالغصن حين ترعرعا
قطوف الخطا مثل القطاحين ما مشت ... تقوم بأرداف يحاذين لعلعا
قال مخاطبًا سلطان مكة المشرفة
زيد بن محسن وهو متوجه لفتح اليمن سنة ثلاث وخمسين وألف
ما سار زيد مليك الأرض من بلد ... إلا وقابله الاقبال بالظفر
إني أودعه بالجسم منفردًا ... وإن روحي تتلوه على الأثر
وكتب إلى شيخنا العلامة محمد بن علي الشامي رقعة صورتها: يا مولانا عمر الله بالفضل زمانك وأنار في العالم برهانك سمحت للعبد قريحته في ريم هذه صفته بهذين البيتين وهما
تراأى كظبيٍ خائف من حبائل ... يشير بطرفٍ ناعسٍ منه فاتر
ومذ ملئت عيناه من سحب جفنه ... كنرجس روض جاده وبل ماطر
فإن رأى المولى أن يجيزهما ويجيرهما من البخس. فهو المأمول من خصائل تلك النفس. وإن رآهما من الغث فليدعهما كأمس. ولعل الاجتماع بكم في هذا اليوم قبل الظهر أو بعد العصر. لنحسو من كؤوس المحادثه ما راق بعد العصر. والمملوك كان على جناح ركوب. بيد أنه كتب هذه البطاقه وأرسلها إلى سوق أدبكم العامرة التي ما برح إليها كل خير مجلوب.
فأسبل الستر صفحًا إن بدا خلل ... تهتك به ستر أعداءٍ وحساد
فكتب مولانا الشيخ المشار إليه هذين البيتين بديهة
ولرب ملتفت بأجياد المها ... نحوي وأيدي العيس تنفث سمها
لم يبك من ألم الفراق وإنما ... يسقي سيوف لحاظه ليسمها
ثم نظم المعنى بعينه فقال
ولقد يشير إليّ عن حدق المها ... والرعب يخفق في حشاه الضامر
أسيان يفحص في الحبال كأنه ... ظبي تخبط في حبالة جاذر
غشت نواظره الدموع كأنها ... ماءٌ ترقرق في متون بواتر
رقت شمائله ورق أديمه ... فتكاد تشربه عيون الناظر
وقال صاحب شيخنا أحمد الجوهري معارضًا
وظبي غريرٍ بالدلال محجبٍ ... يرى إن ستر العين فرض المحاجر
رماني بطرف أسبل الدمع دونه ... لئلا أرى عينيه من دون ساتر
ولما وقف أدباء اليمن على بيتي الوالد تجاروا في مضمارهما فقال السيد حسن بن المطهر الجرموزي
وريم فلا أصل المحاسن فرعه ... تبدّى كبدر في الدجى للنواظر
سباني بجفن أدعج ماج ماؤه ... فطرز شهب الدمع ليل الغدائر
قال حسن بن علي باعفيف
وخشف عليه الحسن أوقف نفسه ... له ناظر يحميه من كل ناظر
نظرت إليه ناثرًا در دمعه ... فنظام فكري هام في در ناثر
قال الشيخ عبد الله الزنجي
وطرف له فعل السيوف البواتر ... يصيب به مستلئمًا دون حاسر
رمى ورنا فانهل بالدمع جفنه ... كدر حواه سمط نظم الجواهر
قلت أنا في ذلك عام ثمان وستين
ولله ظبيٌ كالهلال جبينه ... رماني بسهم من جفون فواتر
جرت بماآقيه الدموع كأنها ... مياه فرند في شفار بواتر
1 / 10
السيد أحمد بن مسعود
بن سلطان مكة المشرفة الشريف حسن بن بركات الحسني نابغة بني حسن. وباقعة الفصاحة واللسن. الساحب ذيل البلاغة على سحبان. والسائر بأفعاله وأقواله الركبان. أحد السادة الذين رووا حديث السيادة برًا عن بر. والساسة الذين فتقت لهم ريح الجلاد بعنبر. فاقتطفوا نور الشرف من روض الحسب الأنضر. وجنوا ثمر الوقائع يانعًا بالنصر من ورق الحديد الأخضر. كانت له همة تزاحم الأفلاك. وتزاعم بعلو قدرها الأملاك لم يزل يقدر من نيل الملك ما لم يف به عدده وعدده. ولم يمده عليه من القضا والزمان مدده ومدده. فاقتحم لطلبه بحرًا وبرًا. وقلد للملوك بمدحه جيدًا ونحرًا. فلم يسعفه أحد ولم يساعد. وإذا عظم المطلوب قل المساعد. وكان قد دخل شهاره من بلاد اليمن في إحدى الجمادين من سنة ثمان وثلاثين وألف وامتدح بها امامها محمد بن القاسم. بقصيدة راح بها ثغر مديحه ضاحكًا باسم. وطلب منه مساعدته على تخليص مكة المشرفة له. وإبلاغه من تحليته بولايتها أمله. وكان ملكها إذ ذاك الشريف أحمد بن عبد المطلب فأشار في بعض أبياتها إليه. وطعن فيها بسنان بيانه عليه. ومطلع القصيدة
سلا عن دمي ذات الخلاخل والعقد ... بماذا استحلت أخذ روحي على عمد
فإن أمنت أن لا تقاد بما جنت ... فقد قيل أن لا يقتل الحر بالعبد
ومنها يخاطب الامام المذكور طاعنًا على سلطان مكة المشرفة
أغث مكةً وانهض فأنت مؤيدٌ ... من الله بالفتح المفوض والجدّ
وقدم أخا ودّ وأخر مبغضًا ... يساور طعنًا في المؤيد والمهدي
ويطعن في كل الأئمة معلنًا ... ويرضي عن ابن العاص والنجل من هند
فلم يحصل منه على طائل. إلا ما أجازه به من فضل ونائل. فعاد إلى مكة المشرفة سنة تسع وثلاثين وأقام بها سنتين ثم توجه إلى الديار الروميه في أواسط شهر ربيع الثاني في سنة إحدى وأربعين قاصدًا ملكها السلطان مراد خان فورد عليه في القسطنطينية العظمى مقر ملكه واجتمع به ومدحه بقصيدة فريدة سأله فيها توليته مكة المشرفه وأنشده إياها في أواخر شوال سنة إحدى وأربعين وألف ومطلع القصيدة قوله
ألا هبي فقد بكر الندامى ... ومج المرج من ظلم الندامى
وهينمت القبول فضاع نشر ... روى عن شيخ نجد والخزامى
وقد وضعت عذارى المزن طفلًا ... بمهد الروض تغذوه النعامى
فكم خفر الفوارس في وطيس ... فتى منا وما خفر الذماما
وكم جدنا على قلٍّ بوفر ... وأعطينا على جدب هجاما
وكم يوم ضربنا الخيل فيه ... على أعقابها خلفًا اماما
فنحن بنو الفواطم من قريش ... وقادات الهواشم لا هشاما
برانا الله للدنيا سناءً ... وللأخرى إذا قامت سناما
وخص بفضله من أمّ منا ... مليكًا كان سابورًا هماما
فتى الهيجا مراد الحق من لم ... يخف من فضل خالقه ملاما
مجشّ الحرب إن طارت شعاعًا ... نفوس عندها قلّ المحامي
وغيث قطره ورق وتبر ... يجود إذا شكى المحل الركاما
فيثنى سيبه جدبا وشيكًا ... ويثنى سيفه موتًا زؤاما
وفي شفتيه آجال ورزق ... بها أمر الصواعق والسجاما
يقود له الملوك الصيد جيشًا ... فيمنحه الخوامع والرجاما
وإن وفدوه أغناهم وأقنى ... وأجلسهم على العليا مقاما
مليك الأرض والأملاك طرًا ... وجاوي ملكها يمنًا وشاما
ومجرٍ من دم الأعداء بحرًا ... ولا قودًا يخاف ولا اثاما
يبيت مراعيًا أمر الرعايا ... إذا باتت ملوكهم نياما
تسنم غارب الدنيا فألقى ... إليه جموحها طوعًا زماما
إذا شملت عنايته لئيمًا ... فقد شملت مكارمه الكراما
تعاظم قدره عن وصف شعر ... كذا مرماه يسمو أن يراما
ويكبر أن يدانيه عنيد ... فيرميه ويعظم أن يراما
1 / 11
ترفع كمه عن لثم ملكٍ ... وتلثمه الضعائف واليتامى
وينطق عنده شاكٍ ضعيفٌ ... ولا يسطيع جبار سلاما
له يد ماجد لم تله يومًا ... بغانية ولا ضمت مداما
أغر سميدع ضخم المساعي ... له رأي يرد به السهاما
ويخدم قبر طه بالمواضي ... ودين الله والبيت الحراما
فيا ملك الملوك ولا أبالي ... ولا عذرًا أسوق ولا احتشاما
إذا ما قست لم أنزلك فيهم ... بمنزلة الرجال من الأيامى
إلى جدواك كلفنا المطايا ... دوامًا لا نفارقها دواما
وجبنا يا ابن عثمان الموامي ... إلى أن صرن من هزل هياما
وذقنا الشهد في معنى الترجي ... وقلنا الصبر من جوع طعاما
صلينا من شموس القيظ نارًا ... تكون بنورك العالي سلاما
وخضنا البحر من ثلج إلى أن ... حسبناه على البيدا أكاما
نؤم رحابك الفيح اشتياقًا ... ونأمل منك آمالًا جساما
ومن قصد الأمير غدًا أميرًا ... على ما في يديه ولن يضاما
وحاشا بحرك الفياض انا ... نرد بغلةٍ عنه حياما
وقد وافاك عبد مستميح ... ندا كفيك والشيم الكراما
وقد نزل ابن ذي يزن طريدًا ... على كسرى فانزله شماما
أتى فردًا فعاد يجر جيشًا ... كسا الأكام خيلًا والرغاما
به استبقى جميل الذكر دهرًا ... وأنت أجل من كسرى مقاما
وسيف في العلا دوني فإني ... عصامي وأسموه عظاما
بفاطمة ونجليها وطه ... وحيدرة الذي فاق الأناما
عليهم رحمة تهدى سلامًا ... يكون لنشرها مسكًا ختاما
ولا بدعٌ إذا وافاك عاف ... فعاد يقود ذا لجب لهاما
فخذ بيدي وسنمني محلًا ... بقربي منك فيه لن أساما
وهب لي منصبي لتنال أجري ... وشكري ما بقيت له لزاما
فيقال إنه أجابه إلى ملتمسه ومراده. وأرعاه من مقصده أخصب مراده. ولكن مدت إليه يد الهلك. قبل نيل الملك. وقيل أجزل صلته فقط. وأغفل ما تمناه وقط. ولم يعد إلى مكة شرفها الله تعالى وتوفى في تلك السنة أو التي تليها والله أعلم وهذا محل نبذة من منثور وروده. ومنظوم عقوده. قرأت في تذكرة العلامة القاضي تاج الدين المالكي الآتي ذكره إن شاء الله تعالى فصلًا يشتمل على شيء من نثر غيره ونظمه وصورته لكاتبه ومنشيه. وراقمه وموشيه. فيما كتب على هياكل الصدور. وفاقت به قلائد النحور. وحكى بتفويفه الروضة الغناء. واستحسن استحسان العقد في عنق الحسناء. شعر
غنيت بحلية حسنهاعن لبس أصناف الحليوبدت بهيكلها البديع
تقول شاهد واجتلتجد المحاسن كلهاقد جمعت في هيكلي
وكنت أدعي في أبياتي هذه السالمة من الحشو والزيف. دعوى ناظم بيتي الطيف. حتى وقف عليها ورآها. وشاءها فشاآها وشيد كل بيت من أبياته قصرًا. واسترق ذلك المعنى باستحقاقه قسرًا. سيدنا ومولانا المتفرع من دوحة الخلافه. المترعرع في روضة الشرافه. مالك أزمة اليراعة والحسام. ملك أئمة البراعة والكلام. الجامع بين طرفي الكمال الغريزي والمكتسب. والحائز شرفي العلم والنسب.
فإذا انتهى عدّ الجدو ... د إلى النبي المرسل
من معشر شم الأنو ... ف من الطراز الأول
وسما بتالد مجده ... وطريفه المستكمل
وحوى البسالة والعفا ... ف ورقة المتغزل
فتخاله يوم الوغى ... من نفسه في جحفل
ولدى الهوى يصطاده ... لحظ الغزال المغزل
لا سيما من سر به ... يزهو به في المحفل
وله الجواري المنشئآت ... المنشئآت جوى الخلى
جامع أشتات المفاخر. المفتخر بها على الأوائل والأواخر. سيدنا ومولانا السيد أحمد بن مسعود. لا زال طالع شهابه في صعود وسعود. فقال
1 / 12
لله ظبي سر بهيزهو به في المحفلقنص الأسود بقالبٍ
قيد الأوابد هيكليوله الجواري المنشئآتجوى الحشاشة للخلي
من كل بكرٍ لحظهايسطو بحد الفصيلمشتاقها من ثغرها
وأثيثها في مشكلما قال في ظلمائهيا أيها الليل انجل
فاق الغواني حاليات عاطلًا في هيكلوغدا ينضّ به فأزرى
الحلى بالنص الجلى
ثم من بعد أن نضد عقد هذه الأبيات. التي أصبحت إلا عليه أبيات. كتبها وكتب معها. رقعة من الروض أقتطعها. وهي: يا مولانا امتع الله ببقائك. وصير أعداءك من أوليائك. قهرًا لا موده. ليذوقوا بالطاعة الفرج بعد الشده
إذا لم تجزهم دار قوم مودة ... أجاز القنا والخوف خير من الود
لي فريخه وهي غائبه وضعت لها من ضيافتها هيكلًا وسمحت فيه القريحة الجامدة. والجذوة الخامدة. بهذه الأبيات ومن شانك ستر العوار. والمكافأة عن صغار الصدف بالدرر الكبار. فإن كانت مما يجوز لك أن تنشدها فأجزها وأشرف عليها القاضي تاج الدين لتكسب منه عقدا. وتتارج مسكًا وندا. فإنكما فرقدًا سما وزندًا وغى. وبعث بها إلى سيدنا ومولانا. وصديقنا وأولانا. وحلية صدر الشريعة. المتسنم ذروتها الرفيعة. مجمع بحري المنطوق والمفهوم. منبع نهري المنثور والمنظوم. قدوة القضاة والحكام. عمدة أرباب الأحكام في الأحكام. مولانا القاضي أبي العباس شهاب الدين بن عيسى بن مرشد العمري الحنفي. عامله الله بلطفه الخفي. فكتب الجواب من غير ارتباك ولا ارتياب. فلله در تلك البديهه. وعين الله على تلك الفطرة النبيهة. وصورته: يا مولانا حرس الله على البلاغة. بل على المعالي مهجتك. وحفظ على الصياغه بل على الشرف العالي بهجتك. ان وقع مشتاق صاحبة الهيكل. بين أثيثها وثغرها في مشكل. فقد وقع العبد من نظم هذه المشرفه ونثرها مرتعد الفرائص ارتعاد من جنى على السنبتي المشبل. وقبل الأرض بين يدي نظمك ونثرك. ووقف حائرًا بين نهيك وأمرك. فإن أجاب المملوك ببنت شفه. عده أرباب البلاغة من المملوك غاية السفسفه. أجار الله مولانا منها بل السفه. وإن لم يجب. فما أدى بعض ما يجب. والفؤاد منه يجل ويجب. يا مولانا فالعبد يقف بين يدي بلاغتك كالذليل ويسألك أن تعفو عن مثل هذا الموقف وتقيل. فإذا قيل في الرسل الكرام. عليهم الصلاة والسلام. وكلهم من رسول الله مغترف. وكل منهم مقر بذلك ومعترف. والولد سرابيه. بشهادة كل ذي أدب نبيه. فما يكون هذا العبد الحقير. بالنسبة إلى جناب مولانا الكبير. نعم اذهب إلى رب البلاغه. ومالك أزمة الصناعة والصياغه. من ألقت إليه الفصاحة مقاليدها. وصغرت لديه جهابذتها وصناديدها. واعترف له لتقدمه الأقران. وذلك لبزوغ نيره في أسعد قران. العلامة على التحقيق. الفهامة الذي يبادر المنصف عند تصور كماله بالتصديق. مولانا أبي المعالي تاج الدين المالكي باسقاط آلة التعريف. الجامع لإحاسن محاسن التوصيف. فإنه أثبت جنانًا. وأفصح مني لسانًا. واستمع ما يبديه. ثم ارفعه إلى المسامع الشريفة وانهيه. إن شاء الله تعالى ثم إن المملوك ادعى الزعارة. وسولت له نفسه الأماره. بأن يخوض في هذا البحر. ويستخرج من درره ما يتحلى به جيد الدهر. فقال مرتجلًا. وأجاز وجلا
أنا ربة الحسن الجليلمؤملي المتأملصدري ووجهي منيةٌ
للمجتني والمجتليالحظ بديع محاسنيمن تحت أنواع الحلي
تجد المحاسن والحليّ ... م جمالها من هيكلي
1 / 13
انتهى جواب مولانا القاضي. أدام الله به بين الخصوم التراضي. ثم إن مولانا القاضي المشار إليه. أسبغ الله فيض فضله عليه. أشرفني على ما كتب به إليه المقام العظيم. من ذلك الدر النثير والنظيم. فإذا هو قد رفع لعبده فيه ذكرًا. وقلد منه جيدًا ونجرا. وقرنه بشهاب الفضائل المشرق في سمائها بدرا. السامي رتبة وقدرا. وكان مولانا المقام الشريف. والمرام المنيف. حيث أغار على عبده تلك الاغارة. ولم يترك له من ذلك المعنى إلا اختراعه وابتكاره. وأظهر بالنص الجلي قصوره وعواره. قصد أن يطفيء حره وأواره. بما وقع به من الايماء إلى عبده والاشاره. التي أنشد المملوك نفسه عندها لك البشاره. وإلا فإني يبلغ الضالع شأ والضليع. أو يجاري من يبرز كلام ابن حجر في ذلك القالب البديع. وكم ترك الأول للآخر. وليس من يمتص مصة الوشل من جعفر كمن يعترف من بحر زاخر. ثم طرق الفضلا ذلك المعنى. وقرعوا باب ذلك المغني فمنهم من لج وولج. ومنهم من صعد وعرج. ومنهم من لم يحظ بالولوج، فضلًا عن العروج. فكان ممن بلغ تلك الغايه. وأضحى عرابة تلك الرايه. مولانا الكامل بحره. المتحلي بعقود الفضائل نحره. العالم العلامه. العمدة الفهامه. القاضي يحيى شرف الدين ابن السيد عمر الحسيني الهاشمي المكي الخلوتي القاضي بمكة المشرفه. فنظم أربعة أبيات. فقال
أفدي كعوبًا ذات حسن ناهدًا ... قد صاغها الباري بأجمل هيكل
خطرت بهيكل قدها وبهيكل ... في جيدها الباهي السني المتهلل
بين الغواني المبدعات بحسنها ... وجمالها مهدي الجمالة للحلي
وتقول عجبًا بينهن ورقةً ... هل هيكل في الحسن يحكي هيكلي
قال مؤلف الكتاب انتهى ما أردت نقله من تذكرة القاضي المذكورة والهيكل غلاف من الفضة يتخذ للتعاويذ وأنشدني الوالد لنفسه في ذلك
خود جلا الأنوار نور جبينها ... والفرع منها كالبهيم الأليل
تزهو بجيد الريم إلا إنه ... هادٍ إلى الوجه المنير الأجمل
قالت لصبٍ قد تزايد وجده ... من صدها بتعززٍ وتذلل
انا نزهة الأبصار ذاتًا فاجتل ... مني محاسن قد حواها هيكلي
وأنشدني لنفسه في المعنى أيضًا
خود جلالي وجههابدرًا منيرًا معتلىقالت لمدنف هجرها
بتعزز وتذللٍانا نزهة الأبصار ذاتام والبها بي يعتلي
ومحاسن الدنيا جميعًا م ... قد حواها هيكلي
رجع: ومن انشاء السيد المذكور ما كتبه مراجعًا به بعض أصحابه وذلك سنة اثنتين وعشرين وألف: ورد الكتاب المحتوي على وجيز المعاني. المغني عن الروضة والأغاني. المشار إليه بالبنان في البيان والمعاني. كيف لا وهو في حديث المطارحة لمالك النظم والنثر. والمنهاج الذي عرفت الأدباء له من الأزهار النثر. فكان تذكرة الأشجان. وتسلية الأحزان. فهمت لما فهمت. وفتنت لما فطنت. وأنشدت
وما كان تأخير الجواب سآمةً ... ولكن لتنعيم الجوارع في المرج
فزهرٌ لجان شنف سمع وأذفر ... لشم وللرائين ما قمر الكرج
فلله درك من بحر فاض بالفوائد والفرائد. وأغنى بعرائس فكره عن عرائس الخرائد لاكبا كميتك في مضمار. ولا شق له في حلبته غبار. ومن جيد شعره قوله
حنت فأبكت ذات شكل حنون ... وغنت الورق بأعلى الغصون
وهينمت مسكية ذيلها ... عطره نشر طوى والحجون
وشق برد الليل برقٌ فما ... ظننته إلا حسام الجفون
كأنه مذ شق قلب الدجى ... جبين ليلي في دياجي القرون
فقمت كالهادر في شجوه ... لم أدر ما بي فرح أم جنون
وأرسل الدمع نجيعًا على ... خدي فيجري أعينًا من عيون
فلم أخل نومًا ولا مجثمًا ... وموقدًا أو علمًا في دمون
الا وبات الناعم الفرش لي ... شوكًا ومبسوط الروابي حزون
فالبرق نوحي في الربى رعده ... والورق من شعري تجيد اللحون
عهدي بها كانت كناس الظبى ... وغابة الأُسد حماة الظعون
حتى غدا من بعدهم ربعها ... مستقفرًا جارت عليه السنون
1 / 14
كأنه جسمي وإن لم يكن ... جسمي فوهمًا أو خيالًا يكون
الله لي من مهجة مزقت ... ومقلة عبرى ونفس رنون
تحنّ للشعب وأوطانه ... مهما سرى برقٌ بليلٍ وجون
وفتية من آل طه لهم ... في الحرب أبكار مزايا وعون
من كل طلق لا يرى كالسها ... لضيفه ثلة ذات القرون
مبتذل الساحات في قطرهم ... للخائف الجاني أعز الحصون
كل طويل الباع رحب الفنا ... تصدق للوفاد فيه الظنون
يحمده السارون إن أدلجوا ... ويعمر النادي به السامرون
لا ينتهي الجارون منه إلى ... شأوٍ ولا يعسفه الجائرون
فيا نسيمات الضبا عرّجي ... بهم وبثي غامضات الشجون
وحاذري ان تصحبي لوعتي ... واستصحبي بثي عسى يفهمون
وبلغيهم حال من لم يزل ... حليف أشجان كثير الشؤون
نآءٍ عن الأهلين صعب الأسى ... من بعد ما فارق قلبًا شطون
يحفظ للرمل عهود الوفا ... وإن طلبت القرب منه يخون
قولي لهم يا عرب وادي النقا ... وجيزة الجرعا وذات الحزون
نسيتم صبًا غدا دمعه ... من بعدكم صبًا قريح الشؤون
وهو وماضي العيش ما ساعة ... فيها تناسى جدكم والمجون
فشأنه يخبر عن شأنه ... وحاله أن يسأل السائلون
وأنت يا شادي بشأم اللوى ... ويا حويدي الظعن بين الرعون
عرّض بذكري لا شجتك النوى ... لعلهم لي بعد ذا يذكرون
وهات لي عن رامة والنقا ... هل طاب للساكن فيها السكون
وهل أثيلات النقا فرعها ... يهصره من لينه الهاصرون
وصادح تلحينه صادع ... على فنون باعثات الفنون
منازل كنا عهدنا بها ... ثقال أرداف خماص البطون
وكان ابن عمه الشريف محسن بن حسين بن حسن يطرب لأبيات الحسين بن مطير ويعجب بها كثيرًا وهي
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدًا ليست بذات قروح
أبى الناس ريب الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح
أحنّ من الشوق الذي في جوانحي ... حنين غصيص بالشراب قريح
فسأل السيد أحمد المذكور تذييلها فقال مذيلًا وأجاد ما شآء
على سالف لو كان يشرى زمانه ... شربت ولكن لا يباع بروحي
تقضى وأبقى لاعجًا يستفزه ... تألق برق أو تنسم ريح
وقلبًا إلى الأطلال والضال لم يزل ... نزوعًا وعن أفيآء غير نزوح
فليت بذات الضال نجب أحبتي ... طلاحًا فنضو الشوق غير طليح
يجشمه بالأبرقين منيزل ... وبرق سرى وقتًا وصوت صدوح
وموقف بينٍ لو أرى عنه ملحدًا ... ولجت بنفسي فيه غير شحيح
صرمت به ربعي وواصلت أربعي ... وأرضيت تبريحي وعفت نصيحي
وباينت سلواني وكل ملوّح ... ولايمت أشجاني وكل مليح
وكلفت نفسي فوق طوقي فلم أطق ... لعدّ سجايا محسن بمديح
وله أيضًا وهو مما ليس في ديوانه
ألا ليت شعري هل ألاقيك مرة ... وصوتك قبل الموت ها أنا سامع
فيا دهرنا للشت هل أنت جامع ... ويا دهرنا بالوصل هل أنت راجع
وله في مغن
بروحي من غنى وروضة خده ... مخضبة مخضلة من دمي غنا
وأهدى لنا وردًا وغصنًا ونرجسًا ... ولم يهد إلا الخد والقد والجفنا
وقال مخاطبًا ابن عمه سلطان مكة المشرفة الشريف ادريس بن حسن وقد رأى منه تقصيرًا في حقه
رأيتك لا توفي الرجال حقوقهم ... توهم كبرًا سآء ما تتوهم
وتزعم اني بالمطامع أرتضي ... هوانًا ونفسي فوق ما نلت تزعم
1 / 15
وما مغنم يدني لذل رأيته ... فيقبل إلا وهو عندي مغرم
واختار بالاعزاز عنه منية ... لأني من القوم الذين هم هم
المصراع الأخير صدر بيت لأبي الطمخان وهو
وإني من القوم الذين هم هم ... إذا مات منا سيد قام صاحبه
وله من صدر قصيدة
كيف العزا والفؤاد يلتهب ... والحيّ زمت لبينه النجب
والعين عبرى والجسم ممتقع ... والنفس حرّى والعقل مضطرب
وهذه أربع بكاظمة ... عفت قديمًا فندبها يجب
ومنها
وابك زمانًا مضى بها أنفًا ... عنى فقد أذهلتني النوب
ومنها
وبالنقا غادة إذا خطرت ... تغار منها الأغصان والكثب
كأنها في الأثيث إن سفرت ... بدر بسجف الظلام محثجب
هذا ما أخرجته من ديوانه
السيد عماد الدين بن بركات
بن جعفر بن بركات بن أبي غي الحسني رحمه الله تعالى: عماد أبنية المجد والمكارم. ورافع شرف آبائه الخضارم. نسب في السيادة كعمود الصبح. وحسب تنزه بجده الحسن عن القبح. طلع في أفق الجلالة بدرًا. وسما في سماء الإيالة قدرًا. رايته في حضرة الوالد بالديار الهنديه. وقد تفيأ ظلالها وأفاض مكارمه النديه. وكان قد دخلها في سنة اثنين وستين وألف فرأيت الفضل فيه مصورًا. وجنيت به روض السرور منورًا. ولقد كان يجمعني وإياه مجلس والدي حسب الاقتراح. وبيننا من المصافاة ما بين الراح والماء القراح. وهو كهل شبت بالظرف شمائله. وهبت باللطف جنائبه وشمائله. وربما جمعتنا حلبة أدهم وكميت. أو بيت شعر لم تتحكم عليه لو ولا ليت. فتنتقل من متن جواد إلى شرح بيت. وله شعر يفعل بالألباب فعل السحر أُثبت منه ما هو أحلى من جنا النحل. وأجدى من القطر في البلد المحل. كنت حين دخولي هذه البلاد. كتبت إليه بقصيدة ضمنتها التبرم من الاغتراب والبعاد. أقول فيها
هل يعلم الصحب إني بعد فرقتهم ... أبيت أرعى نجوم الليل سهرانا
أقضي الزمان ولا أقضي به وطرًا ... وأقطع الدهر أشواقًا وأشجانا
ولا قريب إذا أصبحت ذا حزن ... إن الغريب حزين حيثما كانا
أرى فؤادي وإن ضاقت مسالكه ... بمدح نجل رسول الله جذلانا
عمار أبنية المجد الذي رفعت ... آباؤه الغرّ من ناديه أركانا
السيد الماجد الندب الشريف ومن ... قد بزّ بالفضل أكفاء وأقرانا
سما به النسب الوضاح فاجتمعت ... فيه المحامد أشكالًا وألوانا
يا واسع الخلق إفضالًا ومكرمة ... وموسع الخلق إنعامًا وإحسانا
فقت الكرام بما أوليت من كرم ... لله درك مفضالًا ومعوانا
ما قلت في المجد قولًا يوم مفتخر ... إلا أقمت عليه منك برهانا
لا زلت في الدهر مرضيّ العلا أبدًا ... ونائلًا من إله الخلق رضوانا
عليك مني سلام الله ما صدحت ... ورق الحمام وهزّ الريح أغصانا
فراجعني بقوله
يا من تذكر خلانًا وجيرانا ... وصار يمسي سمير النجم سهرانا
صادٍ إلى مورد قد كان يألفه ... عذب به يشتفي من كان ولهانا
له به مرتع طابت موارده ... اليوم بالهند يا لله ما حانا
يا ماجدًا حاز سبقًا في القريض وفي ... نهج البلاغة حتى فاق أقرانا
أحسنت لا زلت في أمن وفي دعة ... جزاك ربك بالاحسان إحسانا
وحق جدك إن العين في غرق ... والقلب في حرق وجدًا لما آنا
عليك بالصبر يا مولاي معتصمًا ... إن النفيس غريب حيثما كانا
كذا الليالي عهدناها مبدلة ... بالقرب بعدًا وبعد الوصل هجرانا
فلا رأيت مدى الأيام حادثة ... من الزمان ولا همًا وأحزانا
قد ضاق صدري لما أبدت من كمد ... من لاعج البين ليت البين لا كانا
لكن لي آملًا في الله خالقنا ... وحسن ظني متى ندعوه أولانا
1 / 16
ان يجمع الشمل في تلك البقاع وإن ... يروي غليل صدٍ ما زال حرّانا
بحق آبائك الغرّ الكرام ومن ... غدوا لنا دون كل الناس أعوانا
ما حركت نسمات الريح مورقة ... من النبات وهزّت منه أفنانا
من شعره قوله مخاطبًا الوالد
زرت خلًاّ صبيحةً فحباني ... بسؤآل أشفى وأرغم شاني
قال لما نظرت نور محياه ... ونلت المنى وكل الأماني
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... ينبت الحب في قلوب الغواني
فتحرجت إن أفوه بما قد ... كان مني طبعًا مدى الأزمان
يا أخا المجد والمكارم والفضل ... ومن لا أرى له اليوم ثاني
أدرك أدرك متيمًا في هواكم ... وأكففن عنه صولة الحدثان
وأبق وأسلم منعمًا في سرور ... ما تغنت ورق على غصن بان
فراجعه الوالد بقصيدة أولها
ليت شعري متى يكون التداني ... لبلاد بها الحسان الغواني
وبها الكرم مثمر والأقاحي ... ضحكت عن ثغور زهر لجاني
والبساتين فائحات بعطر ... يخجل العنبر الزكي اليماني
وطيور بها تجاوبن صبحًا ... وعشيًا كنغمة العيدان
وبألحانها تذيب ذوي اللب ... وتحيي ميتًا من الهجران
وتمشى بها الظباء الحوالي ... مائسات كناعم الأغصان
كل خود تسطو بلحظ حسام ... وتثنى كما قنا المران
وجهها الصبح إنما الفرع منها ... ليل صب من لوعة الحب فاني
غادة كالنجوم عقد طلاها ... ما اللآلي وما حلى العقيان
إن ياقوت خدها أرخص الياقوت ... سعرًا وعائب المرجان
ومنها
كل يوم يقضى بقرب لديها ... فهو يوم النيروز والمهرجان
ومنها
تلك من فاقت الظباء افتنانًا ... فلذا وصفها أتى بافتنان
ما لمضنى أُصيب من أسهم اللحظ ... م نجاة من طارق الحدثان
أذكرتني أيام تلك وأغرت ... أعيني بالبكاء والهملان
ومنها
نفثات كالسحر يصدعن في قلب ... معنىًّ من الملامة عاني
ومنها
كلمات لكنها كالدراري ... وسطور حصت بديع المعاني
إذ أتت من أخ شقيق المعالي ... فائق الأصل غرة في الزمان
ضافي الود صافي القلب قرم ... كعبة المجد في ذرى كيوان
ذاكرًا لي بها تزايد شوق ... وولوعًا به مدى الأزمان
ففهمت الذي نحاه ولكن ... ليت شعري يدري بما قد دهاني
أنا قيس في الحب بل هو دوني ... لا جميل حالي ولا كابن هاني
يا أخا العزم قد سلمت ووجدي ... طافح زائد بغير تواني
فلحتفي أبصرت من قد رماني ... وعنآءٌ تصيد الغزلان
إن تشأ شرح حال صب كئيب ... فلقد قاله بديع المعاني
مرضي من مريضة الأجفان ... عللاني بذكرها عللاني
هذا البيت للشيخ محيي الدين العربي ﵁ مطلع قصيدة وبعده
غنت الورق في الرياض وناحت ... شجو هذا الحمام مما شجاني
بأبي طفلة لعوب تهادى ... من بنات الخدور بين الغواني
طلعت في العيان شمسًا فلما ... أفلت أشرقت بأفق جناني
عاد شعر السيد وله مذيلًا بيت أبي زمعه جد أمية بن أبي الصلت ومادحًا الوالد
أشرب هنيئًا عليك التاج مرتفعًا ... برأس غمدان دارامنك محلالا
تسعى إليك بها هيفاء غانية ... مياسة القد كحلا الطرف مكسالا
إذا تثنت كغصن البان من ترف ... وإن تجلت كبدر زان تمثالا
كأنها وأدام الله بهجتها ... تكونت من محيا دهرنا خالا
وكيف لا وهي أمست فيه ساحبة ... بخدمة السيد المفضال أذيالا
1 / 17
ذاك الذي جل عن تنويه تسمية ... شمس علت هل ترى للشمس أمثالا
الباسم الثغر والأبطال عابسة ... والباذل المال لم يتبعه انكالا
عارٍ من العار كاس من محامده ... لا يعرف الخلف في الأقوال إن قالا
إن قال أفحم ندب القوم مقوله ... أوصال أخجل ليث الغاب إن صالا
علا به النسب الوضاح منزلة ... عن أن يماثل إعظامًا وإجلالا
خذها ربيبة فكر طالما حجبت ... لولا علاك وودّ قط ماحالا
وأصفح بفضلك عن تقصير منشئها ... وحسن بشرك لم يبرح لها فالا
ثم الصلاة على أزكى الورى نسبًا ... وآله الغرّ تفصيلًا وإجمالا
قال المؤلف: لقد رأيت هذا المادح ساحبًا أذيال العز والجلال. بحضرة ممدوحه هذا السيد المفضال. وقد أنزله بأعز مكان. وأحله عنده محل ابن ذي يزن من رأس غمدان. حتى وعده بوعد. شام من وميض بارقه السعد. فلم يلبث أن استوفى ملء مكياله. وهتفت به من دواعي آجاله. فوافت المسكين منيته. قبل أن تقضى أمنيته. وهكذا خلق الدهر الغرام. وكم حسرات في نفوس كرام. وكانت وفاته يوم الجمعة لعشر بقين من شوال سنة تسع وستين وألف رحمه الله تعالى وقلت أرثيه
لنا كل يوم رنة وعويل ... وخطب يكلّ الرأي وهو صقيل
بكيت لو أن الدمع يرجع ميتًا ... وأعولت لو أجدى الحزين عويل
لحى الله دهرًا لا تزال صروفه ... تكرّ علينا دائمًا وتصول
علام وفيما قد أصاب مقاتلي ... وما شهدت منه عليّ نصول
وحملني خطبًا تضآءلت دونه ... وما أنا قدمًا للخطوب حمول
بموت كريم ماجد وابن ماجد ... له المجد دار والعلآء مقيل
فتى قد عنت يوم الهياج له القنا ... وراح الحسام العضب وهو ذليل
بكاه القنا الخطيّ علمًا بأنه ... كسير وإن المشرفيّ كليل
فمن للعوالي بعد كفيه والندى ... ومن في صفوف الناكثين يجول
ومن بعده للسيف والضيف والعلا ... ومن بعده للمكرمات كفيل
ربيب علىً شحّ الزمان بمثله ... وكل زمان بالكرام بخيل
نعاه لنا الناعي فضاق بي الفضا ... وراحت دموعي الجامدات تسيل
وهيهات أن تأتي النسآء بمثله ... ويخلف عنه في الأنام بديل
سأبكيك يا عمار ما ناح طائر ... وما ندبت بعد الرحيل طلول
مصابي وإن طولته عنك قاصر ... ودمعي وإن أكثرت فيك قليل
لك الدهر في قلبي مكان مودّة ... ودادك فيه ساكن ونزيل
وإنّ هاطلات السحب شحت بسقيها ... سقاك من الجفن القريح همول
عليك سلام الله مني تحية ... مدى الدهر ما غال البرية غول
السيد محمد يحيى
بن الأمير نظام الدين أحمد الحسيني
أخي وشقيقي. وابن أبي وصديقي. ومن لا أرى غيره بي أحق. إذا حصحص الحق. لا كما قال مهيار الديلمي
سألتك بالمودة يا ابن ودي ... فإنك بي من ابن أبي أحق
ماجد ثبتت في المجد وثائقه. وفاضل نشبت بالفضل علائقه. أحرز من الأدب النصيب الأوفر. وتمسك منه بما أخجل طيب نشره المسك الأذفر. إلى دماثة شيم وأخلاق. ما شان قشيب أبرادها أخلاق. وصدق صداقة وصفاء. وحسن مودة ووفاء. أبرم بهما عقد إخائه. وهب بذكائهما نسيم رخائه. وله شعر تأخذ بمجامع القلوب طرائقه. ويملك مسامع أولى الأشواق شائقه ورائقه. فمن قوله
تذكرت أيام الحجيج فأسبلت ... جفوني دمآءً واستجد بي الوجد
وأيامنا بالمشعرين التي مضت ... وبالخيف إذ حادي الركاب بنا يحدو
وقوله مخاطبًا لي
وما شوق مقصوص الجناحين مقعد ... على الضيم لم يقدر على الطيران
بأكثر من شوقي إليك وإنما ... رماني بهذا البعد منك زماني
وقوله
1 / 18
الا لا سقى الله البعاد وجوره ... فإن قليلًا منه عنك خطير
ووالله لو كان التباعد ساعة ... وأنت بعيد إنه لكثير
وله
ألا يا زمانًا طال فيه تباعدي ... أما رحمة تدنو بها وتجود
لألقى الذي فارقت أنسي مذ نأى ... فها أنا مسلوب الفؤآد فريد
وكتب إلي مادحًا وعلى فنن البلاغة صادحًا
أفل أيهذا القلب عما تحاوله ... فإنك مهما زدت زاد تشاغله
دع الدهر يفعل كيف شاء فقلما ... يروم امرؤُ شيئًا وليس يواصله
وما الدهر إلا قلبٌ في أموره ... فلا يغترر في الحالتين معامله
ويا طالما طاب الزمان لواجدٍ ... فسرّ وقد سآءت لديه أوائله
رعى وسقى الله الحجاز وأهله ... بلثٍّ تعمّ الأرض سقيًا هواطله
فإنّ به داري ودار عزيزة ... عليّ ومهما أشغل القلب شاغله
ولكن بي شوقًا إلى خلتي التي ... متى ذكرت للقلب هاجت بلابله
أبيت ولي منها حنين كأنني ... طريح طعان قد أصيبت مقاتله
هوى لك ما ألقاه يا عذبة اللما ... وإلا فصعب ما أنا اليوم حامله
أكابد فيك الشوق والشوق قاتلي ... وأسأل ممن لم يجب من يسائله
تقى الله في قتل امرئ طال سقمه ... وإلا فإن الهجر لا شك قاتله
صليه فقال طال الصدود فقلما ... يعيش امرؤ والصد ممن يقاتله
حزين لما يلقاه فيك من الجوى ... فها هو مضنى مدنف الجسم ناحله
بلى ان يكن لي من علي وعزمه ... معين فإني كلما شئت نائله
فذاك أخي حامي الذمار وسيدي ... وذخري الذي ألقى به ما أحاوله
وذاك الذي لولاه ما عرف الندى ... ولا عرف التفضيل لولا فضائله
أعز همام يمتطي صهوة العلا ... فتعلو به بين الأنام منازله
فلا فخر إلا فخره وعلاؤه ... ولا جود إلا ما هو اليوم باذله
يعز إذا ذلت أسود لدى الوغا ... وتسعد منه في الحروب قبائله
له بين أبناء الملوك مخايل ... فيا حبذا ذاك الفتى ومخايله
إذا ما أتاه سائل نال سؤله ... ونال جزيلًا فوق ما هو آمله
ويأتي إليه طالب الجود راغبًا ... فيرجع مسرورًا بما نال سائله
فيا ملجئي في النائبات ومن به ... إذا رمت أمرًا في الزمان أواصله
إليك فقد جاءتك منى قصيدة ... أتت تشتكي دهرًا تعدي تطاوله
ودم ذا علاءٍ في البرايا وسؤدد ... رفيع مكان لا علاء يطاوله
فراجعته بقولي
إليك فقلبي لا تقر بلابله ... إذا ما شدت فوق الغصون بلابله
تهيج له ذكري حبيب مفارق ... زرود وحزوري والعقيق منازله
سقاهن صوب الدمع منى ووبله ... منازل لا صوب الغمام ووابله
يحل بها من لا أصرح باسمه ... غزال على بعد المزار أغازله
تقسمه للحسن عبل ودقة ... فرن وشاحاه وصمت خلاخله
وما أنا بالناسي ليالي بالحمى ... تقضت وورد العيش صفو مناهله
ليالي لا ظبى الصريم مصارم ... ولا ضاق ذرعًا بالصدور مواصله
وكم عاذل قلبي وقد لج في الهوى ... وما عادل في شرعة الحب عاذله
يلومون جهلًا بالغرام وإنما ... له وعليه بره وغوائله
فلله قلب قد تمادى صبابة ... على اللوم لا تنفك تغلي مراجله
وبالحلة الفيحاء من أبرق الحمى ... رداح حماها من قنا الخط ذابله
تميس كما ماس الرديني مائدا ... وتهتز عجبًا مثل ما اهتز عامله
مهفهفة الكشحين طاوية الحشا ... فما مائد الغصن الرطيب ومائله
1 / 19
تعلقتها عصر الشبيبة والصبا ... وما علقت بي من زماني حبائله
حذرت عليها آجل البعد والنوى ... فعاجلني من فادح البين عاجله
إلى الله يا أسماء نفسًا تقطعت ... عليك غرامًا لا أزال أزاوله
وخطب بعاد كلما قلت هذه ... أو آخره كرت على أوائله
لئن جار دهر بالتفرق واعتدى ... وغال التداني من دها البين غائله
فإني لأرجو نيل ما قد أملته ... كما نال من يحيى الرغائب آمله
كريم وفي إحسانه ونواله ... بما ضمنت للسائلين مخايله
من النفر الغر الذين بمجدهم ... تأطد ركن المجد واشتد كاهله
جواد يرى بذل النوال فريضة ... عليه فما زالت تعم نواقله
لقد أُلبست نفس المعالي بروده ... وزرّت على شخص الكمال غلائله
أجل همام أدرك المجد نيله ... وأدرك مولى سح بالفضل نائله
وقد أيقنت نفس المكارم إنها ... لتحيا بيحيى حين عمت فواضله
أخ لي ما زالت أو أخي إخائه ... مؤطدة منه ببر يواصله
له همة نافت على الأوج رفعة ... تقاصر عنها حين همت تطاوله
ليهنك مجد يا ابن أحمد لم تزل ... فواضله مشهورة وفضائله
أبى الله إلا أن ينيف بك العلا ... ويعلي بها الفضل الذي أنت كافله
وما زلت تسعى في المكارم طالبًا ... مقامًا تناهي دونه من يحاوله
رويدك قد جزت الأنام برتبة ... يشير لها من كل كف أنامله
سأشكر ما أهديت لي من الزاهر ... يجول عليها من ندى الحسن جائله
ودم سالمًا من كل سوء مهنيًا ... بما نلته دهرًا وما أنت نائله
وأثني على ما صغته من قلائد ... تحلى بها من جيد مدحي عاطله
ودونكها من بعض شكري وما عسى ... يفي بالذي أوليت ما أنا قائله
وكتب إلي أيضًا
لعلى روحي ومالي فداء ... وله مني الثنا والدعآء
هو ذخري إن خفت من ريب دهري ... وهو كهفي وملجائي والرجاء
وهو الماجد الكريم المرجى ... للمعالي وهو الهدى والضياء
كيف أنسى زمان أنس تقضى ... هو فيه السرور والسراء
دمت يا سيدي وكهفي عليًا ... وملاذًا دامت لك العلياء
فأجبته بقولي
هذه الأرض قد سقتها السماء ... فأسقياني سقتكما الأنواء
بنت كرم قد هام كل كريم ... في هواها وطاب منها الهواء
واجلواها عذراء تحكي عروسًا ... ألبستها نطاقها الجوزاء
وأنشداني مديح يحيى ليحيا ... ميت هجر قد عز منه الشفاء
هو عوني على العلا ورجائي ... حبذا العون في العلا والرجاء
وهو أنسى في وحشتي وسروري ... في همومي وديمتي الوطفاء
شمل الخلق فضله فأقرت ... بنداه الأموات والأحياء
فبيحيى لا يبرح الفضل يحيا ... والمعالي به لهن اعتلاء
أحكم الود منه عقد إخائي ... هكذا هكذا يكون الإخاء
وكتب إلى أيضًا
أستغفر الله أنت الفائق الأمم ... بالعلم والحلم والأفضال والكرم
ألست أنت الذي أضحت فضائله ... مشهورة كاشتهار النار في علم
العقد ما رحت ترويه وتنظمه ... من فاخر القول ذي الإعجاز والحكم
أنت الذي رحت لي لهفًا وملتجأ ... فلا أخاف مدى الأيام من عدم
خفف عليّ فقد حملتني مننا ... أقلها وافر في أعين الأمم
لا درّ درّ زمان عنك أبعدني ... فقد دنا بي إلى الأحزان والألم
لا تحسبن جوابي عنك آخره ... تأخير ودّ ولا تغضب ولا تلم
1 / 20