وعاد الطالب الأول يقول: كيف تدعون إلى هذا الهراء في نفس الشهر الذي ألغيت فيه الامتيازات الأجنبية؟
فقال عبد المنعم متسائلا: أنبطل ديننا إكراما للأجانب؟
وإذا برضوان ياسين يقول وكأنما كان في واد آخر: ألغيت الامتيازات، فدع الذين انتقدوا المعاهدة يتكلمون ..
فقال حلمي عزت: هؤلاء النقاد غير مخلصين، إنها الكراهية والحسد، إن الاستقلال الحقيقي الكامل لا يؤخذ إلا بالحرب: فكيف يطمعون في أن ننال بالكلام أكثر مما نلنا؟
فجاء صوت يقول في ضجر: دعونا نتساءل عن المستقبل! - المستقبل لا يبحث في شهر مايو والامتحان على الأبواب، أريحونا .. لن أعود إلى الكلية بعد اليوم حتى يتسع لي الوقت للمذاكرة .. - مهلا، إن الوظائف لا تنتظرنا، ما مستقبل الحقوق أو الآداب؟ التسكع أو الوظائف الكتابية، تساءلوا عن المستقبل إذا شئتم .. - أما وقد ألغيت الامتيازات فستفتح الأبواب! - الأبواب؟! السكان أكثر من الأبواب! - اسمعوا .. النحاس أدخل الطلبة الجامعة وكانت أبوابها مغلقة، وأتاح لهم النجاح بعد أن أعجزهم المجموع المتعسف فهل يعجز عن توظيفنا؟
ولاح في أقصى الحديقة سرب ، فانعقدت الألسنة واتجهت نحوه الرءوس، كان مكونا من أربع فتيات قادمات من الجامعة متجهات صوب مديرية الجيزة. لم تكد تميزهن الأبصار بعد، ولكنهن تقدمن متمهلات يسقن الأمل في رؤيتهن عن قرب؛ إذ كان الممر الذي يسرن فيه ينعطف أمام مجلس الصحاب في مسيرة نحو الشمال، وصرن في مجال البصر، ورددت الألسن أسماءهن وأسماء كلياتهن، واحدة من الحقوق وثلاث من الآداب، وقال أحمد لنفسه وهو ينظر نحو إحداهن «علوية صبري»، وجذب الاسم شوارد نفسه؛ فتاة ذات جمال تركي ممصر، معتدلة الطول، نحيلة، بيضاء ذات شعر أسود فاحم، وعينين سوداوين واسعتين عاليتي الجفون، مقرونة الحاجبين، ذات سمت أرستقراطي ولفتات رفيعة، وإلى ذلك كله فهي زميلة في القسم الإعدادي، وقد علم - والباحث يظفر بمعلومات شتى - أنها سجلت اسمها مثله في قسم الاجتماع، ولم تكن تهيأت فرصة ليبادلها كلمة واحدة، ولكنها أثارت اهتمامه من أول نظرة. طالما رمق ملامح نعيمة بإعجاب ولكنها لم تهز أعماقه، هذه الفتاة لها شأن، فيبشر قريبا بصداقة العقل، والقلب ..؟!
قال حلمي عزت عقب تواري السرب عن الأنظار: عما قريب تصبح كلية الآداب وكأنها كلية بنات!
فقال رضوان ياسين وهو يردد بصره بين طلاب الآداب في نصف الدائرة: لا تثقوا بصداقة طلاب الحقوق الذين يكثرون من زياراتكم في كليتكم فيما بين الحصص، فالغرض مفضوح!
ثم ضحك ضحكة عالية، ولكنه لم يكن سعيدا في تلك اللحظة، فإن حديث الفتيات يثير في نفسه اضطرابا وحزنا. - لم يقبل الفتيات على كلية الآداب؟ - لأن وظيفة التدريس هي أوسع الوظائف صدرا لهن ..
فقال حلمي عزت: هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فدراسة الآداب دراسة نسائية، الروج والمانيكور والكحل والشعر والقصص، كلها باب واحد!
ناپیژندل شوی مخ