ثم وهو يقف: ستبقيان ضيفين في سجننا حتى تدعوا إلى التحقيق، أرجو إلكما حظا سعيدا ...
وغادرا الحجرة حيث تسلمهما أونباشي وجنديان مسلحان، ومضوا جميعا إلى الدور الأرضي، ثم عرجوا إلى بهو مظلم شديد الرطوبة فساروا فيه قليلا حتى استقبلهم السجان بكشافه الكهربائي كأنما ليدلهم على باب السجن، وفتح الرجل الباب وأدخلهما، ثم صوب ضوءه إلى الداخل ليهتديا به إلى برشيهما. وأضاء الكشاف المكان فبدا متوسط المساحة عالي السقف، ذا نافذة صغيرة في أعلى جداره تعترضها القضبان الحديدية. وكان عامرا بالضيوف، فيهم شابان على هيئة الطلبة، وثلاثة رجال حفاة مجفوي المنظر شائهي الخلقة. وما لبث أن أغلق الباب وساد الظلام، غير أن الضوء وحركة القادمين كانت قد أيقظت النائمين، وقال أحمد لأخيه همسا: لن أجلس وإلا قتلتني الرطوبة، فلننتظر الصبح واقفين. - سنضطر إلى الجلوس عاجلا أو آجلا، أعلمت متى نبرح هذا السجن؟
وإذا بصوت - أدركا بالبداهة أنه لأحد الشابين - يقول: لا بد من الجلوس، ليس هو بالشيء السار ولكنه أخف من الوقوف أياما ... - هل مكثتما طويلا؟ - منذ ثلاثة أيام!
وساد الصمت حتى عاد الصوت يسأل: لماذا قبض عليكما؟
فأجاب عبد المنعم باقتضاب قائلا: أسباب سياسية فيما يبدو ...
فقال الصوت ضاحكا: صارت الأغلبية أخيرا للسياسيين في هذا السجن، كنا قبل تشريفكما أقلية ...
فسأله أحمد: وما تهمتكما؟ - تكلما أنتما أولا، فأنتما أحدث مقاما! وإن يكن لا داعي للسؤال بعد أن رأينا لحية أحدكما الإخوانية؟!
فسأله أحمد وهو يبتسم في الظلام: وأنتما؟ - كلانا طالب في الحقوق متهم بتوزيع منشورات هدامة كما يقولون ...
فثار أحمد وسأله: أضبطتما متلبسين؟ - نعم ... - وماذا كان في المنشورات؟ - بيان بتوزيع الثروة الزراعية في مصر ... - هذا مما تنشره الصحف في ظل الأحكام العرفية نفسها! - يضاف إليه شوية توجيهات حماسية!
فابتسم أحمد مرة أخرى في الظلام وقد تخفف من وحشته لأول مرة، وعاد صاحب الصوت يقول: إننا لا نخاف القانون بقدر ما نخاف الاعتقال ... - إن الأمور تبشر بتغيير شامل ... - لكننا سنظل الهدف في جميع العهود ...
ناپیژندل شوی مخ