فحدجته بنظرة متسائلة فعاد يقول: إلا إذا أدبنا الزواج!
فهزت منكبيها في ازدراء وقالت: من أدراك بأنني أوافق على الزواج من رجل مزيف مثلك؟ - مزيف؟!
ففكرت قليلا ثم قالت باهتمام جدي: لست من طبقة العمال مثلي! كلانا يحارب عدوا واحدا ولكنك لم تخبره كما خبرته. لقد ذقنت الفقر طويلا، ولمست آثاره الكريهة في أسرتي، وغالبته أخت لي حتى غلبها فماتت، أما أنت فلست .. لست من طبقة العمال!
فقال بهدوء: ولا كان إنجلز من هذه الطبقة.
فضحكت ضحكة قصيرة بعثت أنوثتها وقالت: كيف أدعوك؟ البرنس أحمدوف؟! هه لا أنكر عليك مبدأك، ولكن بك بقايا بورجوازية عتيدة، يخيل إلي أنك تسر أحيانا لكونك من آل شوكت!
فقال بلهجة لم تخل من حدة: أنت مخطئة يا ظالمة! لا يعيبني ما ورثته ؛ فكما أن الفقر لا يعيبك فالغنى لا يعيبني؛ أعني الدخل القليل الذي عاشت به أسرتنا عيشة التنابلة، لا يعيب أحدا أن يجد نفسه بورجوازيا، ولا عيب إلا في الجمود والتخلف عن روح العصر ..
فقالت وهي تبتسم: لا تغضب، كلانا ظاهرة طبيعية علمية، لا نسأل عما وجدنا أنفسنا عليه ولكننا مسئولون عما نعتنق ونفعل. إني أعتذر إليك يا إنجلز، ولكن خبرني هل أنت على استعداد لمواصلة إلقاء المحاضرات على العمال مهما تكن العواقب؟
فقال بإدلال: لقد حاضرت حتى أمس خمس مرات، وحررت منشورين خطيرين، ووزعت عشرات المنشورات، وللحكومة دين في عنقي جاوز العامين سجنا! - ولها في عنقي أضعاف ذلك!
مد يده في خفة فوضعها على يدها السمراء البضة في حنان وإعجاب. نعم إنه يحبها، ولكنه لا يندفع في جهاده باسم الحب، ترى ألم تبد أحيانا وكأنها تشك فيه؟ أهي مداعبة من المداعبات أو توجس خيفة من البورجوازية التي تحسبها كامنة فيه؟ إنه مؤمن بالمبدأ كما أنه مغرم بها، لا غنى له عن هذا ولا ذاك، «أليس من السعادة أن تحظى بشخص يفهمك حق الفهم وتفهمه حق الفهم؟ وألا يحول بينك وبينه أي نوع من المكر؟ إني أعبدها إذ قالت: «لقد ذقت الفقر طويلا»، هذا القول الصريح الذي سما بها عن بنات جنسها جميعا ومزجها بنفسي، لكننا محبون غافلون والسجن يتربص بنا، وبوسعنا أن نتزوج وأن نتجنب المتاعب ونقنع برغد العيش، ولكنها تكون حياة بلا روح، لشد ما يبدو لي المبدأ أحيانا كأنه لعنة مصبوبة علينا من القضاء والقدر، إنه دمي وروحي، كأنني المسئول الأول عن الإنسانية جميعا ..» - أحبك .. - ما المناسبة لهذا؟ - في كل مناسبة وبلا مناسبة! - إنك تتحدث عن الجهاد ولكن قلبك يتغنى بالهناء! - التفريق بين هذين سخف كالتفريق بيني وبينك .. - ألا يعني الحب الهناء والاستقرار وكراهة السجن؟ - ألم تسمعي عن النبي الذي كان يجاهد ليل نهار دون أن يمنعه من أن يتزوج تسعا؟!
ففرقعت بأصابعها هاتفة: ها هو أخوك قد أعارك فاه، أي نبي يا هذا؟
ناپیژندل شوی مخ