ولم يكن كمال قد أفاق من الخبر كذلك فهز رأسه في وجوم دون أن ينبس: إنها كارثة قومية يا كمال، ما كان ينبغي أن تتهاوى الأمور حتى هذا الحضيض .. - نعم، ولكن من المسئول؟ - النحاس! قد يكون مكرم عصبيا، ولكن الفساد الذي تسرب إلى الحكومة أمر واقع ولا يصح السكوت عليه.
فقال كمال باسما: دعنا من الفساد الحكومي، ثورة مكرم ليست على الفساد بقدر ما هي لضياع النفوذ ..
فتساءل رياض في شيء من التسليم: أيباع مكرم المجاهد بعاطفة زائلة؟ ..
فلم يتمالك كمال أن ضحك قائلا: لقد بعت نفسك أنت بهذه العاطفة الزائلة!
ولكن رياض قال دون أن يبتسم: أجبني! .. - مكرم عصبي، شاعر ومغن! عنده أن يكون كل شيء أو لا يكون شيئا على الإطلاق، وجد نفوذه المأثور يتقلص فثار، ثم وقف لهم وقفته في مجلس الوزراء منددا علانية بالاستثناءات فاستحال التفاهم أو التعاون، حدث يؤسف له. - والنتيجة؟ - هنالك السراي تبارك ولا شك هذا الانشقاق الجديد في الوفد، وستحتضن مكرم في الوقت المناسب كما احتضنت غيره من قبل، سنرى من الآن فصاعدا مكرم وهو يلعب دوره الجديد مع الأقليات السياسية ورجال السراي، إما هذا وإما العزلة، لعلهم يكرهونه كما يكرهون النحاس أو أكثر، ومنهم أناس لم يكرهوا الوفد إلا كراهة في مكرم ولكنهم سيحتضنونه ليهدموا به الوفد، أما عن المصير بعد ذلك فلا يمكن التنبؤ به ..
فعبس رياض وقال: صورة بشعة، أخطأ الاثنان، النحاس ومكرم، إن قلبي متشائم من هذه الحركة ..
ثم بصوت أشد انخفاضا: سيجد الأقباط أنفسهم بلا مأوى، أو يأوون إلى حصن عدوهم اللدود «الملك» وهو مأوى لن يدوم لهم طويلا، وإذا اضطهدنا الوفد كما تضطهدنا الأقليات فكيف يكون الحال؟
فتساءل كمال متغابيا: لماذا تدفع بالأمر خارج حدود الطبيعة؟ مكرم ليس الأقباط والأقباط ليسوا مكرم، إنه شخص ذهب أما مبدأ الوفد القومي فلن يذهب ..
فهز رياض رأسه في أسف ساخر وقال: هذا ما قد يكتب في الجرائد، أما الحقيقة فهي ما أعني. لقد شعر الأقباط بأنهم طردوا من الوفد، وهم يتلمسون الأمان وأخشى ألا يظفروا به أبدا. لقد جاءتني السياسة أخيرا بعقدة جديدة كعقدة الدين؛ فكما كنت أنبذ الدين بعقلي وأميل إليه بقلبي بصفته رابطة قومية فكذلك سأنبذ الوفد بقلبي وأميل إليه بعقلي، إذا قلت إني وفدي فقد كذبت قلبي، وإذا قلت إني عدو للوفد خنت عقلي، إنها كارثة لم تخطر لي على بال، والظاهر أنه مقضي علينا نحن الأقباط بأن نعيش في شخصيات منقسمة أبدا، لو كانت مجموعتنا فردا واحدا لجن!
شعر كمال بامتعاض وألم، وبدت له لحظتذاك جماعات البشر وكأنها تمثل مهزلة ساخرة ذات نهاية مفجعة، ثم قال في صوت لا ينم عن إيمان: عسى أن تكون مشكلة وهمية، إذا نظرتم إلى مكرم كرجل سياسي لا الأمة القبطية جميعا! - هل ينظر إليه المسلمون أنفسهم على هذا النحو؟! - هكذا أنظر إليه أنا!
ناپیژندل شوی مخ