مختارې مقالې د یونان په دیمی درامایي شعر کې
صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
ژانرونه
يظهر أن ليس من شك في أن سوفوكليس قد أحدث في التمثيل شيئا ماديا لم يكن مألوفا من قبل، ولكنه كان شديد الإفادة؛ لأنه أعان الجمهور على الفهم وقارب بين التمثيل وبين الحقيقة الواقعة، وهو أنه صور على الحائط الذي كان يقوم دون المسرح كل ما كانت تشتمل عليه القصة من منظر. فهذه هي الاختراعات التي تنسب إلى سوفوكليس، وسواء أصحت هذه النسبة أم لم تصح فلا شك في أن سوفوكليس قد كان أمهر في استعمال هذه البدع من أيسكولوس وأنه قد أحسن الانتفاع بها في ترقية التمثيل.
3
على أن نبوغ سوفوكليس لم يظهر أثره في هذه الترقية المادية للتمثيل، وإنما يظهر واضحا جليا في ترقيته المعنوية؛ فليس من سبيل إلى الشك في أن سوفوكليس قد غير معنى التراجيديا وغايتها تغييرا باعد ما بينها وبين الصورة التي كانت في نفس أيسكولوس.
وأول ما نشهده من ذلك هو الفرق بين القاعدة التي اتخذها سوفوكليس والتي اتخذها أيسكولوس للتمثيل. فبينما كان أيسكولوس يرمي دائما إلى تمثيل ضعف الإنسان أمام قوة الآلهة أو قوة القضاء، وبينما كان يحاول أن يظهر إرادة الإنسان ضئيلة واهنة سيئة النظر في المستقبل يملكها الغرور فيحملها على ممانعة القوة القاهرة واعتراض الإرادة التي ليس إلى اعتراضها من سبيل، فتفعل ثم لا تلبث أن تلقى جزاء هذا التهور والإسراف اللذين ليس لهما مصدر إلا الغرور، وبينما كان هذا التصور نفسه للحياة الإنسانية يحمله على أن يجعل للآلهة أو للقضاء في القصة مركزا ذا خطر، وأن يجعل مركز الإنسان دونه بحيث تصبح القصة كأن الغرض الحقيقي منها إنما هو تمثيل هذه القوة القاهرة وعبثها بالإنسان، نقول بينما كانت هذه حال أيسكولوس كان سوفوكليس قد اتخذ من الناس والآلهة صورة أخرى، فما كاد يلاحظ هذه الصورة في إنشاء قصصه التمثيلية حتى ظهر الفرق جليا بين الرجلين، وأصبحنا نرى أن كلا منهما إنما يمثل عصرا خاصا، له ما ليس لصاحبه من حياة العقل والشعور.
كان سوفوكليس ابن هذا العصر الحديث الذي رقي فيه العقل اليوناني والشعور اليوناني، وأصبح فيه الإنسان يشعر أشد الشعور بوجوده ويعترف أشد الاعتراف بشخصيته ويود لو أكره كل شيء على أن يعترف بهذه الشخصية ويشعر بذلك الوجود.
نشأ هذا كله عما كان من الاستحالة الاجتماعية والاقتصادية اللتين غيرتا ما كان لليونان من نظام سياسي، وجعلتا الحرية حظا شائعا بين أفراد الشعب جميعا سواء منهم الفقير المعدم والغني المثري، وسواء منهم الشريف الرفيع والسوقي الوضيع.
فكر كل إنسان وعمل كل إنسان وأحس كل إنسان بأن لتفكيره ثمرة ولعمله نتيجة فعرف أنه شيء يذكر واعتقد أنه موجود لا ينبغي لأحد أن يهمله أو يفكر لوجوده من خطر أو قيمة، ونشأ عن ذلك اعتقاده أن له إرادة حرة تستطيع أن تمانع فتفوز في الممانعة، وأن تنازع فتنتصر في النزاع.
على هذا الأصل الذي هو إلى السياسة أقرب منه إلى الفلسفة قامت قصص سوفوكليس؛ فهو يرى أن الإرادة الإنسانية تملك من الحرية ما يمكنها من العمل، ومن هنا كانت آثاره الفنية اعترافا بالشخصية الإنسانية وتحريرا لها من ربقة القضاء الذي كان قد سيطر على الأمة اليونانية منذ عصورها الأولى، فقد رأينا في حياة أيسكولوس أن الشعر القصصي يدلنا على أن اليونان كانوا يرون الآلهة الخالدين لعبة في يد قوة قاهرة لا مرد لما أمرت به ولا محيد عما قصدت إليه، وهي قوة القضاء وأن ما كان يعتقد الإنسان لنفسه من قوة أو حرية إنما هو غرور باطل وانخداع بظواهر الأشياء، ورأينا أن أيسكولوس لم يجحد هذه القضية بل آمن بها وأصر عليها، ولكنه لطفها بعض التلطيف فمثل الإنسان عاملا بعض العمل، مريدا بعض الإرادة، ولم يحاول التوفيق بين هذه الحرية الإنسانية وبين قوة القضاء؛ لأنه لم يسأل نفسه عن معنى هذه الحرية ولا عن ما يمكنه أن يكون بينها وبين قوة القضاء من توفيق.
أما سوفوكليس فإنه لم يحاول التوفيق أيضا ولم يجرؤ على أن يظهر الإنسان ممانعا للآلهة متفوقا عليهم؛ لأنه لم يكن يعتقد ذلك من جهة، ولأنه لو اجترأ عليه لأسخط الجمهور من جهة أخرى. ولكنه جعل التمثيل إنسانيا؛ أي إن ما تشتمل عليه القصة التمثيلية ليس حربا بين هذه الإرادة الإلهية وبين إرادة الإنسان وإنما هي حرب بين إرادتين إنسانيتين. ومن هنا أصبح مكان الآلهة في قصص سوفوكليس غير ذي خطر؛ فقد كنا نراهم في الشعر القصصي يخالطون الناس ويداخلونهم في كل شيء، ثم رأيناهم في شعر أيسكولوس يشرفون على أعمالهم من كثب ثم نراهم في شعر سوفوكليس يدبرون الحياة الإنسانية من بعيد.
ليست لذة تمثيل سوفوكليس فيما نرى من عظمة الآلهة وشدة بطشهم وافتنانهم في إرغام الإنسان على أن يذعن له، وإنما هي فيما نشهد من الممانعة الشديدة والحرب العنيفة بين إرادتين إنسانيتين قد أصرت كل منهما على ما عزمت فهي لا تعدل عنه ولا تميل، وما تزالان تتمانعان وتتشادان حتى يبلغ النزاع أقصاه، وهنا يفصل بينهما الآلهة فصلا يظهر ما لهم من قوة وبأس.
ناپیژندل شوی مخ