106
ونظرا لأن الصوفيين كانوا محوريين في تكوين المجتمعات الإسلامية الجديدة في مناطق مختلفة في هذه الفترة، فقد زعم مؤخرا أنه يجب اعتبار هذه الأعمال المتعلقة بالترجمة المحلية جزءا لا يتجزأ من عملية التحول إلى الإسلام الموازية لها؛ لأنه «من خلال الترجمة، تدريجيا، أنشأت وتبنت وراكمت المجتمعات الجديدة الموارد الثقافية، التي جعلت الحديث عن الماضي الإسلامي والوجود الإسلامي المعاش ممكنا.»
107
شكل 2-5: تعبيرات باللغات المحلية: مخطوطة صوفية باللغة الملايوية (صفحة نصية واحدة غير مرقمة لإحدى المخطوطات، من مجموعة مخطوطات اللغة الملايوية 106 (مجموعة ماكسويل، الجمعية الآسيوية الملكية). صفحة أولى غير مرقمة من المخطوطة منشورة بإذن الجمعية الآسيوية الملكية).
على الرغم من ذلك، لم تكن عملية إضفاء الطابع المحلي هذه هي إنجاز الصوفيين وحدهم؛ فإذا كان يبدو في بعض المناطق أن الصوفيين كانوا رواد الكتابة باللغات المحلية، فإنهم في مناطق أخرى كانوا يقلدون أساليب الحكام في تبني اللغات المحلية. في المجمل، يمكننا لهذا السبب الإشارة إلى ثلاثة أنماط عامة من هذه العملية، وهي: نمط الحكام الذي ظهر من خلال رعاية السلالات الحاكمة للإنتاجات الأدبية الراقية، ونمط أكاديمي اعتمد على ترجمة الصوفيين للأعمال التي تتناول المعتقد والآداب للأتباع المحليين، ونمط فولكلوري ظهر من خلال اقتباس أجناس أدبية فولكلورية منخفضة المستوى. في القرون السابقة على القرن السادس عشر، اعتمد النمط الأول على اللغة الفارسية (وعلى اللغة الهندية في إحدى الفترات القصيرة)، واعتمد النمط الثاني على اللغة الأردية الدكنية وربما لغة الملايو، واعتمد النمط الثالث على عدة لغات أخرى تواصل بها بعض الصوفيين على الأقل مع أتباعهم، لكن الأدلة الوحيدة المتبقية على هذا النمط مكتوبة بأشكال معينة من اللغة التركية والأردية الدكنية مرة أخرى، وربما لغة الملايو. وجعلت تلك العلاقة بين اللغة والسلطة والنص اللغة الفارسية الأكثر استخداما إلى حد كبير في النصوص المكتوبة؛ لذلك فهناك المئات من الكتب الصوفية المكتوبة بالفارسية، التي تعود إلى ما قبل القرن السادس عشر، في حين أننا لا نجد نصوصا مكتوبة باللغات المحلية الأخرى إلا مجموعة من أشعار المناسبات.
كان الاستخدام الأدبي للغة الفارسية التي كانت في ذلك الوقت لغة محلية غير مكتوبة موجودا بالفعل قبل القرن الثاني عشر؛ إذ بدأ في وقت مبكر في القرن التاسع أو العاشر في الدول الإسلامية المحلية التي ظهرت مع تفتت الإمبراطورية العباسية في خراسان؛
108
ففي عام 1010 كان الشاعر أبو القاسم الفردوسي (المتوفى عام 1020) قد أكمل ملحمته «الشاهنامة» (أي «كتاب الملوك»)، الذي روى فيها الأعمال البطولية لحكام إيران القدماء، مستخدما نظما مزدوجا فارسيا سهل الحفظ. وعلى الرغم من أن الشعر الفارسي تكون أولا، فسرعان ما تبعه النثر، فقد كان الصوفيون في إيران وخراسان يستخدمون الفارسية بالفعل في زمن الفردوسي. في الفصل الأول ذكرنا بالفعل أول كتاب نثري بالفارسية، وهو «كشف المحجوب» الذي كتبه الهجويري في العاصمة التركية الجديدة في شمال الهند في لاهور. وبعد إدراك ملاءمة هذه اللغة المحلية الرائدة، اختار المزيد والمزيد من الصوفيين على مدار القرون اللاحقة الكتابة بها، مقترضين كلا من الأنواع الأدبية واللغة المتخصصة لأسلافهم الصوفيين الذين كتبوا باللغة العربية، لغة القرآن والعلوم الدينية الأخرى الأعلى مكانة. وبينما أدى تكوين الأدب النثري الفارسي إلى اتساع النطاق الاجتماعي للأفكار الصوفية، وقدم وسيلة أيسر استطاع من خلالها الصوفيون في شرق العالم الإسلامي نشر أفكارهم، فمن أجل شرح النجاح المتزايد للصوفيين في فترة العصور الوسطى، يجب أن نلتفت إلى وسيلة الشعر الذي كان أكثر رواجا وأكثر تذكرا. فعلى الرغم من أن الصوفيين كانوا بالتأكيد يؤلفون القصائد بالفارسية في زمن الفردوسي، فإننا لدينا أدلة قليلة نسبيا، باستثناء الرباعيات المنسوبة إلى شخصيات مثل بابا طاهر (المتوفى نحو عام 1020) الذي كان من همدان غرب إيران، وأبي سعيد بن أبي الخير (المتوفى عام 1049)، الذي كان من ميهنة والذي رأيناه في السابق ينظم حفلات موسيقية مسائية في الخانقاه خاصته في خراسان.
109
وكانت هذه القصائد تشبه ما يمكن أن نعتبره اليوم شعرا غنائيا؛ حيث كان مقصودا أن تغنى بصحبة الموسيقى، وقد شكلت أساس ممارسة السماع الصوفية التي رأينا بالفعل أنها كانت مثار جدل. وتصبح الطبيعة المثيرة للجدل للسماع أكثر وضوحا عندما ننظر إلى الموضوعات والأفكار التي تناولها الكثير من هذه الرباعيات؛ مثل: السكر، والوجد، والارتحال، والجنون، وبصفة خاصة، الجمال الجسدي للغلمان والسقاة.
ناپیژندل شوی مخ