بالإضافة إلى ذلك، استخدمت محاولات المبشرين المسيحيين لتحويل المسلمين الهنود إلى المسيحية لصالح الصوفيين؛ حيث إن آلة الأرغن المحمولة ذات المفاتيح التي استخدمها المبشرون في غناء تراتيلهم، استخدمها الصوفيون في غناء أغاني «القوالي» الصوفية؛ مما أدى إلى بث حياة جديدة في «محافل السماع» التي شهدنا ظهورها في خراسان منذ ألف سنة. وفي عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، وصلت موسيقى القوالي الصوفية إلى عدد أكبر من الجماهير، من خلال تسجيل الأسطوانات واستخدامها في السينما الغنائية الهندية الناشئة.
27
وبسبب السمات الجذابة للموسيقى ورغبة الغرب في التعرف على «الشرق التصوفي»، التي كانت نتيجة فرعية لتكوين الإمبراطورية، نجد في حالة عنايت خان (1882-1927) موسيقيا صوفيا هنديا يستخدم طرق السفر الصناعية الجديدة للإبحار من بومباي إلى لندن ثم إلى نيويورك، وفي نيويورك أصبح من أوائل من حملوا المعتقدات الصوفية إلى الجمهور الأمريكي.
28
وتعد مدينة بومباي الصناعية الكبرى نموذجا للفرص التي نالها الصوفيون؛ بسبب التغيير الذي أحدثه الاستعمار، فقد تزامنت هجرة عدد هائل من القوى العاملة الريفية المسلمة للعمل في مصانع وترسانات بومباي، مع وصول شيوخ صوفيين إليها من كل أنحاء المحيط الهندي، وتوفر السفر عبر وسائل النقل البخارية والطباعة باللغات المحلية لنشر رسالتهم.
29
ومكنت البنية التحتية الصناعية لبومباي الشيوخ الصوفيين الإيرانيين، وكذلك العرب والهنود، من الإنتاج الواسع النطاق لملخصات تعاليمهم، والإعلانات الخاصة بقدراتهم الإعجازية، وذلك باللغات المحلية؛ فكان ذلك عامل جذب لتبعية العمال متقاضي الأجور في بومباي نفسها، وكذلك جماهير مسلمة أكبر عددا كان سبيل الوصول إليها هو شبكات الاتصال الخاصة بمدينة بومباي في أماكن بعيدة؛ مثل جنوب أفريقيا وإيران. وسواء من بومباي أو من غيرها من موانئ الاستعمار البريطاني كما في حالة سنغافورة، نجد أن الصوفيين استغلوا هذه التقنيات الصناعية، ومن خلالها حصلوا على ولاء أتباع جدد (وتنافسوا على نحو متزايد على كسبه). وفي عصر بلغت فيه هجرة العمالة مبلغا هائلا، كان تأسيس فروع لأضرحة الأسلاف الصوفيين أو طباعة قصص معجزاتهم الباعثة على الطمأنينة، يقدم السلوى التي تهون معاناة العمل الشاق التي كان يتكبدها هؤلاء الأتباع الجدد، الذين كان من بينهم مزارعون وعمال مناجم هنود هاجروا بعيدا عن وطنهم. ونرى أمثلة ذلك في تأسيس ضريح في بينانج في ماليزيا في أوائل القرن العشرين لشاه عبد الحميد، الصوفي الشهير ولي المسلمين التاميليين، وتأسيس ضريح لصوفي صاحب (المتوفى عام 1911) في ديربان، ذلك المبشر الصوفي المبعوث إلى العمال الهنود العاملين بعقود طويلة الأجل في ناتال.
30
وعلى هذا النحو، خلق انتشار الرأسمالية تحت الإدارة الاستعمارية متطلبات وفرصا جديدة للصوفيين؛ لأن التغيرات السريعة في حياة الأشخاص العاديين زادت من تعطشهم لاستقرار التقليد، والروابط التي يمنحها للتراث الذي بدا وكأنه يفلت من بين أيديهم مع بعد المسافات.
وإذا انتقلنا إلى المستعمرات البريطانية في أفريقيا، فسنجد أنماط مقاومة وتعاون مشابهة، خلقت بدورها فرصا للشيوخ الصوفيين الجدد؛ فعلى سبيل المثال: في الصومال، أدى تمرد محمد بن عبد الله حسن (1856 / 1864؟-1920) إلى تأسيس «دولة دراويش» قصيرة الأجل، استخدمت فيها - على غرار دول الجهاد في المناطق الأفريقية الأخرى في فترة ما قبل الاستعمار - مؤسسات وسلطة الطريقة الصوفية في تكوين نظام دولة هرمي ومركزي حول الشيخ الصوفي، تقوم إدارته على تفسير هذا الشيخ للشريعة.
ناپیژندل شوی مخ