ما نشهده في هذه الكتب ليس فقط طريقة انتقال الصوفية إلى الصين عبر كتب آسيا الوسطى من المراكز الصوفية القديمة في خراسان، لكن نرى أيضا أنه في زمن ليو تشي كان تعلم المعتقد الصوفي يعتبر جزءا لا يتجزأ من تعلم الإسلام في العموم. ويعد هذا الترويج لصوفية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة النبي محمد القدوة صدى لأنماط يمكن رؤيتها في القرن الثامن عشر في كل أنحاء العالم الإسلامي. (14) الهند: المغول المتأخرون
بالرجوع إلى الهند تحت حكم المغول، رأينا في القرن السابع عشر سمات معينة من الفكر الصوفي (لا سيما معتقد وحدة الوجود) تتيح إمكانية تفسير الأفكار الدينية لغير المسلمين على أنها جزء من تجليات الله غير المحدودة، على سبيل المثال: في كتاب «حقائق هندية» جمع عبد الواحد بلجرامي (المتوفى عام 1608) قاموس أغان تعبدية للإله فيشنو منحت فيها التراتيل الهندية معاني إسلامية كي تصبح مناسبة للحفلات الموسيقية الصوفية. وبعد قرن، ظهر في كتاب «مرآة الحقائق» لعبد الرحمن الجشتي (المتوفى عام 1683) ترجمة فارسية متعاطفة للبهاجافاد جيتا السنسكريتية، رأت رسالة كريشنا متوافقة مع تعاليم الإسلام.
136
وأبدى صوفيون كثر آخرون، مثل ولي العهد المغولي الأمير دارا شكوه (المتوفى عام 1659)، اهتماما بتعاليم الحكماء الهندوس، الذين اعتبروهم «موحدين هنودا»، إلا أن هذا التكيف الصوفي مع البيئة الهندية خلف توترات في حد ذاته، ولاقى هجوما واسعا في الجزء الأخير من هذه الفترة. والسبب في ذلك أننا نرى في الهند أيضا ظهور نقد العلماء، الذي يرى بعض الممارسات الصوفية «بدعا» منحرفة عن السنة النبوية. مرة أخرى، لقد كان السياق السائد هو سياق حملة التصحيح التي أعقبت بداية الألفية الإسلامية.
ظهر توجه التصحيح الألفي هذا بوضوح بالغ في حالة الصوفي النقشبندي الهندي أحمد السرهندي (المتوفى عام 1624). ولد السرهندي المعروف لدى أتباعه باسم «مجدد الألف الثاني» في مقاطعة البنجاب المغولية عام 1564 تقريبا، وانتسب للطريقة النقشبندية في دلهي على يد مروجها خواجه باقي بالله (المتوفى عام 1603) المهاجر من آسيا الوسطى.
137
وعندما علم السرهندي بدوره بعض مريديه، وأرسلهم إلى أماكن مهمة في الإمبراطورية المغولية، شهدت العقود الأولى من القرن السابع عشر اكتساب النقشبنديين مكانة ثابتة في المجتمع الهندي؛ حيث كون المريدون أمثال هاشم الكشمي (المتوفى عام 1644) علاقات مع النخبة الحاكمة.
138
ولم يكتب السرهندي أي عمل كبير، وانتشرت أفكاره في الأساس من خلال الخطابات التي كتبها لأتباعه عن نطاق مدهش من الموضوعات. وجمع ما يزيد عن خمسمائة خطاب في أحد «المكتوبات»، الذي حاول من خلاله العلماء إعادة تكوين معتقد عام متماسك. وعلى الرغم من ذلك، توجد موضوعات أساسية واضحة في هذا العمل، أحد هذه الموضوعات التي وجدناها بالفعل في أماكن أخرى هو نقد البدع والحاجة إلى العودة إلى السنة النبوية، وهذا الموضوع متعلق بالأهمية الكبرى التي أولاها السرهندي للشريعة. وقد رأى السرهندي أن الأخلاق في عصره أصبحت منحلة بسبب ترك السنة والشريعة؛ ومن ثم فإنه يتطلب مجددا ليعيد المسلمين إلى طريق الخلاص. ولم يقلق السرهندي مطلقا من إعلان أنه هذا المجدد، وعندما زعم لنفسه هذا الدور الكبير اكتسب الكثير من المريدين.
كان خطر إساءة فهم تعاليم ابن عربي من المواضيع الأخرى المهمة التي تناولتها خطابات السرهندي. وعلى الرغم من أن السرهندي اعتبر نفسه مفسرا على نحو صائب لأعمال ابن عربي وليس مهاجما لها، فإنه كان مدركا لمخاطر إساءة تفسيرها. وكانت هذه هي الحالة بصفة خاصة فيما يتعلق بمعتقد وحدة الوجود، الذي زعم محقا أنه شجع بعض المسلمين على تقليل الفرق بين الإسلام والأديان الأخرى، أو الفرق بين الله وأنفسهم، وبدلا من ذلك المعتقد، روج السرهندي لمعتقد «وحدة الشهود»، الذي يقول إن الصوفي في أعلى درجات النشوة قد يشعر كما لو أنه أصبح متوحدا مع الله؛ لأنه بالنسبة إلى الأشخاص (أمثال السرهندي) الذين قطعوا شوطا كبيرا في سيرهم على الطريقة، قد كان واضحا أن الله مغاير دائما لمخلوقاته، وأن وحدة الوجود ليست إلا محض وهم كبير على طريق الإدراك الأكمل لغيرية الله. وعلى النقيض من الشخصيات التي رأيناها تساوي التعاليم الإسلامية بالتعاليم العليا للهندوس، فقد كان السرهندي يرى دائما فارقا واضحا بين الإسلام وأديان الكفار.
ناپیژندل شوی مخ