سوډان
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
ژانرونه
ولما سافر سير صمويل باكر بحملته التي أعدها له ساكن الجنان إسماعيل باشا خديوي مصر، وكانت برياسة الميرالاي رءوف بك، أراد أن يجتاز بحملته ومعداتها وسفنها سيالة الشلال، فاستلزم الحال وقوف الحملة مدة عام حتى أزيلت بعمال من بلاد إسنا،
5
وهكذا يجرؤ كل انسان لا يدرك سر ما هو مجسم أمامه على هدم كل أثر نافع.
ثالثا:
إعداد مصرف للنجاة من طغيان ماء النيل عند الفيضانات العالية ليفيض منها على جهة الواحات وما بعدها إلى مريوط ليكسب تلك الأراضي خصوبة، فتنبت حب الحصيد والنخيل والأعناب . وقد قال هيردوت:
إنه بسبب حدوث اختلافات مذهبية بين كهنوت ذلك الوادي وكهنوت مصر، وطول عهد تلك الاختلافات اضطر الطرفان إلى تحكيم الإله آمون للفصل فيها، فاجتمعوا تحت الإله آمون الذي هو من حجر الجرانيت الذي تستقبل مسامه الندى ليلا. وعند حرارة الشمس نهارا يحصل أزيز تسمع منه أصوات، فاعتقد كهنوت وادي النيل بأن ذلك مقبع لكهنوت إقليم الواحات وما جاورها، ولكن الآخرين رأوا أن هذا مما يوجب انحطاطهم في أعين سكان واديهم فأصروا على استمرار الخلاف، فاضطر الأولون إلى الاستعانة بقوة الحكام على عدم سريان المياه في المصرف وأغلقوه ولكن بدون إحكام، فكانت المياه في مدة الفيضان تظهر منه كالنافورات تتسرب في كل عام، فتظهر في امتداد البحر الذي بلا ماء.
وقد بحث هذا الموضوع المرحوم محمود الفلكي باشا بحثا مستفيضا ودون فيه ما يؤكد رواية هيردوت، وتوسع فيما يتعلق بما كان في مريوط من آثار العماوية والخير والكروم، وما كان يعمل منها، وحياض العصير وغير ذلك. فلو درس هذا الموضوع درسا دقيقا وأعيد مجرى البحر الذي بلا ماء لأفاد في تصريف ما يزيد من مياه الفيضان في سنة كالتي نحن فيها بدلا من ضياعها في البحر الأبيض المتوسط.
وزيادة على ما قدمناه فإن بلاد القطر كانت منشأة على مرتفعات عالية، سواء في الوجه القبلي والبحري، وكانت السكان تسر بالفيضانات العالية لتكسب الأرض خصبا يغنيها عن التسميد. وإنما كان يؤلمهم أن يتأخر هبوط النيل إلى شهر بؤونة.
وفي عهد ساكن الجنان محمد علي باشا شرع في عمل الري الصيفي وأحكام الحوش في الوجه القبلي؛ فأدى ذلك إلى تمكن الناس من إزالة البلاد العالية، واستعملت الأتربة التي كانت تحت تلك المباني كسماد بالتدريج عندما توفرت لديهم وسائل الري الصيفي في عهده، فصرنا لا نرى تل أتريب ولا تل بسطة ولا تل حوين ولا تل راك ولا تل مسمار ولا ولا ... إلخ من التلول القديمة لا في الوجه القبلي ولا في الوجه البحري، وتلا ذلك تنظيمات أخرى في الري حتى أنشئ الخزان وقناطر أسيوط ونجع حمادي، مع تعلية الخزان للمرة الأولى والثانية، وأدخلت مشروعات من بحري أسيوط إلى الجيزة.
ومع هذا فقد توصلوا إلى ما اعترف به الأوربيون من أن مصر هي المنبع الأول للعلوم والفنون ومهد الهندسة وتخطيط البلدان والزراعة والكتابة. وبينما هم يحترمونها ويقدسونها التقديس الواجب لوطن الشرائع والنظامات السياسية والكهنوتية والرموز الدينية، وبينما هم يعجبون بآثار عمارتها وبهياكلها ومدافنها وأهرامها ومسلاتها وتماثيلها التي منها أبو الهول، وبينما حب العلوم يحملهم على مطالعة كلماتها السرية المرسومة على ذلك الكتاب الحجري الهائل الذي فتحت صفحاته منذ ألوف من السنين من مبدأ الشلالات التي عند أفواه النيل نرى أن أهل الشرق كانوا فيما مضى لا يرون في تلك الهياكل وتلك القصور الملوكية القديمة وفي تلك التماثيل الفخمة وفي أبي الهول إلا خضراء سحرية على كنوز مدفونة. وما تلك الكتابة الرمزية إلا إشارات سرية تعلم الناس طرق استخراج الذهب واستكشاف المال المخبأ فيها.
ناپیژندل شوی مخ