331

سوډان

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

ژانرونه

372 (4) مصر والنيل

قال سعادة الباحث الفاضل أمين سامي باشا:

إن الديار المصرية بما هو قائم بها من صفة العتاقة البليغة وفضيلة الثبات العجيبة والتؤدة الغريبة التي كانت توصلت بها إلى أعلى درجات الحضارة، وحصلت على نهاية صلاح الحال والتحسين كانت غنية عن اقتباس النور من الغير، وليست محتاجة إلى سواها في اكتساب مناهج الخير،

1

وهذا يطابق ما وصفها به موسى، وهيرودوتس، وديودرس الصقلي، واسترابون، وابن مارسين أوكلمنوس الإسكندري.

ورغما عن العواصف والتخريب وتغيير الدول على مصر، فإنها لا تزال حافظة على مميزاتها الخصوصية. فقد وجهت عناية الفراعنة الذين قاموا بأمر شئونها منذ مبدأ مدنيتها الزاهرة الباهرة إلى ما يأتي:

أولا:

حفظ مجرى النيل واتقاء كل الغوائل التي كانت تعترض سيره كالرمال التي أهلكت جيوش الفرس وألوف الجنود التي قادها هكس باشا لمقاومة ثورة المهدي وإنجاء غوردون فإنه للآن لم يعثر لها على أثر، إذ غمرتها الرمال في مكان لا يعلمه إلا الله، وقد قرر مجلس النظار في 24 مايو سنة 1884 اعتبار الخدمة العسكرية والملكية معدومين، واعتبار وفاتهم من 29 فبراير سنة 1884، وأن يكون ترتيب المعاش لهؤلاء وهؤلاء ابتداء من أول مارس سنة 1884. تلك الرمال التي كانوا يعانون في إزالتها أشد العذاب لم ينجهم منها إلا الحيوان، الذي له أكبر فائدة، وهو الأستاذ الأول للإنسان؛ فقد تعلم طرق الادخار ونظام الجيوش وترتيبها والحروب، وهو النمل. كما استفاد منه أحد ولدي آدم الذي لم يقبل منه ما قبل من أخيه القربان، وكما استفاد أيضا تعلم علم الجسور والقناطر من الحيوان المسمى بالكستور، وهو المعروف بالجندباوستز، وهذا الحيوان هو الذي وجه نظر المصريين القدماء إلى إقامة الهرم الأكبر؛ فإنهم لما رأوا هجرة السمان إلى بلادهم وقت هبوب الرياح الشديدة من الشمال الغربي، وأنها ترفع أحد جناحيها كالقلع وتحرك الآخر كالمقذاف وتترك نفسها معها حتى تقطع البحر المتوسط الإسكندري فتصل منهوكة القوى إلى أماكن استراحتها، فكانوا يقيمون أغصانا تتكون تحتها كثبان من الرمال تقف عليها لتستريح، ومثل السمان القلق

2

المسمى عند الفرنج سيجوفي، فمصيفه الجهات الشمالية الباردة من أوروبا، وشتاؤه وطنه الأصلي من أفريقية، فيسمع صوته جهة الأهرام وغيرها، فبمشاهدته تكون كثبان الرمال تحت تلك الأغصان.

ناپیژندل شوی مخ