189

سوډان

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

ژانرونه

وكان في عزم الوزارة النحاسية إصدار الكتاب الأخضر عن المفاوضات الأخيرة، ولكنها لم تتمكن من ذلك بسبب الأزمة الدستورية التي واجهتها بعد عودة الوفد الرسمي من لندن، مما يترتب عليها تقديم استقالتها يوم 17 يونية سنة 1930 وقبولها يوم 19 يونية، وتأليف وزارة إسماعيل صدقي باشا.

والذي نعرفه - وقد أتيحت لنا الفرصة لمصاحبة الوفد الرسمي في سفره وفي مفاوضاته - أن الكتاب الأخضر يتضمن تفاصيل هامة وجلية عن مفاوضات ربيع سنة 1930، ولا سيما فيما يتعلق بشأن السودان وموقف المندوبين البريطانيين والوفد الرسمي منها.

على أن عدم نشر الكتاب الأخضر، لا يحول دون جلاء موقف الوفد الرسمي من مسألة السودان، فنقول: إن الوفد الرسمي قد عني بمسألة السودان عناية كبيرة لم ترد في جميع المفاوضات السابقة، فأعد ثلاث مذكرات: مذكرة مالية تبين ديون مصر على السودان وتضحياتها فيه، و(2) مذكرة اقتصادية تبين العلاقات التي بين مصر والسودان والتي هي نتيجة لتوحيد نهر النيل بينهما، فجعل الشعب السوداني والشعب المصري شعبا واحدا، وجعل حدود مصر الطبيعية جنوبا ممتدة إلى السودان نفسه، وأصبح توفير ماء الري لمصر في حاجة إلى إنشاء مشروعات لمصر في السودان، وعدد سكان مصر في ازدياد، ولا مجال للعدد الزائد منهم إلا الهجرة إلى السودان، الذي هو منفذ طبيعي لهم، والسودان نفسه في حاجة إلى الأيدي العاملة المصرية، و(3) المذكرة القانونية تبحث في اتفاقية 1899، المطعون في صحتها والمنادى ببطلانها، وإنه على فرض التسليم جدلا بأنها معاهدة نافذة، فإنه مما لاشك فيه أنها غامضة، وإنه لما كانت المعاهدات تنقسم إلى قسمين

Traité-loi

أو

Traité Statut

معاهدة غير موقوتة بمدة، ومعاهدة محددة بوقت تنتهي عنده

Traité-contrat ، فإن اتفاقية 1899 تعد من الصنف الأول؛ لأنه لم يعين لها مدة. وتطبيقا لقواعد القانون الدولي تكون المعاهدات «الأبدية» أو غير المحددة بمدة - عرضة للمناقشة فيها ولإدخال التعديل عليها بتغيير الظروف؛ لأن هناك شرطا ضمنيا في هذه المعاهدات وهو أنها قابلة للتعديل تبعا للظروف.

وحيث إن مصر قد تغير مركزها السياسي، إذ كانت عند عقد اتفاقية سنة 1899 تابعة للسيادة التركية ومحتلة بالجيش الإنكليزي وخاضعة لسلطانه، وأصبحت الآن دولة مستقلة ذات سيادة باعتراف إنكلترا ذاتها، فقد وجدت ظروف جديدة تدعو للتغيير في معاهدة سنة 1899.

أما ما حدث في سنة 1924 من طرد الجيش المصري من السودان وتأليف قوة الدفاع فيه، فهو يعد من أعمال العنف والإكراه من جانب واحد، ولا يجوز أن تترتب عليها نتيجة قانونية.

ناپیژندل شوی مخ