ذموه بالحق وبالباطل
هذه خطوط من صور بعض التجار، أما هذا المعرض - معرض عداوة المهنة - فلا حصر لما فيه من تماثيل وصور؛ لأن هذه الآفة لا تنحصر في منطقة واحدة من مناطق الحياة، بل تتعدى الأسواق إلى العلماء والأدباء، فالعالم إن رأى الناس ينظرون إلى زميله نظرة إكبار وتقدير، أو رددوا ذكره مع الثناء أو استحسنوا شيئا من آثاره الأدبية ينقبض صدره ويكفهر وجهه، ولا يخفف من آلامه المبرحة إلا الطعن والتنديد، فيقف للناس بالمرصاد منتظرا الساعة التي ينفسح له فيها المجال ليشبع جوع نفسه الصغيرة.
ومن يجل في شوارع مدننا الكبيرة ير أن هذه العداوة قابضة على القلوب الضعيفة، جاثمة فوق الصدور، والأكثرون منا يخضعون لحكمها وينقادون إليها، حتى ندرت الصداقة بين اثنين يعملان عملا واحدا، فكأن «مكروب» البغض والحسد يختبئ بين ثنايا تلك الأصناف والمهن.
ترى ما يضر أرباب الحرف وأصحاب المتاجر لو دعوا البشر إلى متاجرهم بالتي هي أحسن؟ وما ضرهم لو تنافسوا في إجادة العمل والصدق في المعاملة والتنزه عن الغش والخداع، بدلا من التساب والشتائم؟ ألا يعرفون أن تبادل هذه «العواطف» يسقط الاثنين من عيون الناس؟
إن الصدق وحده هو الرائد الذي يصدق أهله، أما الغدار وإن أدرك نجاحا فالخيبة أمامه، إنه يستطيع أن يغش الناس مرة ومرتين، أما أن يغشهم كل مرة فهذا لا يكون.
إن الأمانة من صفات الناس الذين يثقون بما يعملون، فالمعمل الذي لا يتقن منتوجاته عمره قصير، وإذا كان خطير الشأن وليس له وجدان فإنه يكون خطرا على الناس ويقضي عليهم بالجملة، فمعمل السلاح الذي لا يصفي حديده من الخبث يقضي على كثيرين من البشر من حيث لا يدرون ثم لا يطالب بالدية، ومسمار أو برغي غير متين أو غير محكم الوضع قد يهلك المئات من الناس متى غرقت السفينة التي صنعها ذلك المعمل.
والصيدلي الذي لا يتقن عمل العلاج هو أخو عزرائيل، والطبيب الذي لا يهمه غير قبض الفلوس هو حليف ملك الموت على قبض النفوس، فخير له وللناس إن كان لا يحذق مهنته أن يفتش عن غيرها.
هذه صور مختلفة الملامح والألوان والأشكال نراها كل يوم، بل في كل ساعة إذا أعرناها انتباها، فليت هذه الوجوه تتجمل بدلا من أن تسعى لكسب الرزق بالحيلة، فحبل الكذب قصير.
فأنت يا أيها المعلم غيره ما ينقص من قدرك إذا أثنى الناس على زميلك؟ أهذا يحط من كرامتك؟ أم هو حب الذات قد عقد لسانك؟ إن ثناءك على ابن مهنتك يسوق الثناء إليك عملا بقول المثل: «كما تراني يا جميل أراك.»
فحتام يعمي ظلام الحسد بصائر الأنام ويجرهم إلى المهاوي؟ ومتى تتبدد من سماء عقولهم ظلمات الحسد فيروا العظمة الحقيقية؟
ناپیژندل شوی مخ