187

سبل ومناهج

سبل ومناهج

ژانرونه

أية شهادة حازها الإمام علي والجاحظ وبديع الزمان والشدياق؟ وأي دكتوراه نالها أفرام السرياني وتوما الإكويني وابن رشد وابن سينا والمعري والمتنبي والسمعاني والأوزاعي؟

لا أشبه لك الشهادة إلا بمفتاح تعطاه لتدخل متحف الفكر الإنساني، فعليك المعول لا عليها حين تلج كهف الدهور، هناك ترى أناسا استحالوا حبرا وورقا، ونضدوا كتبا فيها كل ما في الأحياء من ميول وأهواء، إنهم يرحبون بك، وكل منهم يجذبك صوبه بعنف ويريد أن يستأثر بك، ويا خيبتك حين تجلس إليه إن كنت لا تفهم عنه! إنك تزدري شهادتك حينئذ وتلعن من أولاكها لعنة قايينية. فلا تسع لإدراكها عن طريق الغش والخداع، فما تخدع إلا نفسك، لا تحصلها إلا بباعك وذراعك. إن إرادتك ورغبتك تسهلان مهمتك، وإذا كنت لا راغبا ولا مريدا فانصرف إلى الحقل، فراع حاذق خير من متعلم جاهل. رحم الله إسكندر العازار الذي نسيناه! فقد قال: «دخلت المدرسة حمارا بلا شهادة، وخرجت منها حمارا بشهادة!»

يقولون: القناعة غنى، والطمع ضر ما نفع. إن القناعة في العلم لا يرضى بها إلا صديقنا الطويل الأذنين. كثيرا ما أسمع أولياء الطلاب يؤاخذون المعلمين ويشجبون المدارس إذا قصر أبناؤهم، يسألونك عن أبنائهم ولا يسرهم إلا أن تكذب عليهم بإفاضة الثناء، فإذا قلت لأحدهم: ابنك مليح، ولم تشد على كلمة مليح حتى تسحق سنا من أسنانك، قال لك: رخوة يا أستاذ ... وإن صارحت أحدهم بقولك: ابنك لا يقبل العلم، معدته لا تقطع، عبس وتولى حانقا وأنحى على المدرسة ومعلميها، ومهما تفه قدر المعلم يظل خيرا من تلميذ ضيع ذكاءه بين البيت والمدرسة.

نعم، قليل جدا عدد الأساتذة الذين يحاسبون أنفسهم عندما يأوون إلى فراشهم متسائلين: ماذا طبعنا اليوم في نفوس تلاميذنا من أخلاق فاضلة؟ وماذا علمناهم؟ إنه لا يسأل كيف أدى درسه، وهل هناك نمط أمثل يلتجئ إليه، إنه لا يتحدث إلا عن التلميذ الذي حفظ درسه كالماء الجاري. والذي عرفته أنا بالاختبار هو أن الأستاذ مهما حذق مهنته وأخلص لها، لهو عاجز عن أن يعلم من لا يريد أن يتعلم.

المعلم في قاعة الدرس أشبه ببائع على الرصيف ينادي على الكعك السخن، على الترمس أحلى من اللوز، ولكنه لا يكون غريما فيركب كتفيك ويتمسك بأذيالك فلا تفلت منه حتى تشتري، فعليك أنت أيها الطالب أن تغتنم رياحك متى هبت، وإلا فالدائرة تدور عليك أنت لا على معلمك. إن الوطن ينتظر فيك رجلا فلا تنتظر أنت ورقة، ليست الشهادة بحد ذاتها سلاحا، فما أشر من الحبر إلا الورق، فلا تكن في يدك كما كانت تلك الورقة في جيب ذاك المغفل مشتري المعلاق، نتشه الكلب من يده فصاح به: خذه، إنك لا تعرف أن تطبخه، فالورقة معي!

ألستما سواء بسواء إذا كانت «شهادتك» لا تشهد لك إلا زورا؟ ...

ناپیژندل شوی مخ