183

سبل ومناهج

سبل ومناهج

ژانرونه

فناديت المعلم بأعلى صوتي: إذا كنت تعلمهم الضحك من الفقير البائس والاستهزاء به فما نفع تعليمك؟ ما فائدة العلم الذي لا يعرف الإنسانية؟ علم تلاميذك أن يكونوا بشرا قبل كل شيء، علمهم الإحسان وإن لم تكن أنت محسنا، فكثيرون هم الذين يعلمون بما لا يعملون به، وإن لم تقدروا على الإحسان فلا أقل أن ترثوا الفقير وترحموه.

فبهت الأولاد من حديثي، وأخذوا جميعا ينظرون إلي معجبين، فاسترسلت في الكلام وقلت: سمعت أن أكثر مدارس هذا الزمان تعلم الرفق بالحيوان، فما قولكم يا شباب بأخيكم الإنسان، أليس هو الأجدر بأن ترثوا له؟ يقول المثل: زاد واحد يكفي اثنين، وأنتم جمهور - بارك الله فيكم - أتعجزون عن أن تغدوا رجلا لم يمتع نظره اليوم برؤية وجه الرغيف؟! ...

وجاء الرئيس على صراخي فأمر بإخراجي؛ لئلا أضيع وقت طلاب مدرسته، فأجابه كبير منهم: دعه يتم خطبته فهو يلقي علينا درسا لا تأتي المدرسة على ذكره.

وأراد زائري الكريم أن ينثر ما بقي لديه من الدرر، فقاطعته قائلا له: كيف تجهل وأنت الحصيف الفصيح قول القدماء: السائل ذليل ولو ابن السبيل؟!

فقال: إننا نسأل لنعيش ولا نطلب إلا قوت من لا يموت، ولو كان السؤال حراما ما قال الله:

وأما السائل فلا تنهر ، وإني رأيت ذل السؤال أعز من خدمة الأنذال، فما قولك دام فضلك؟

فقلت: أراني أحدث فقيرا ولا كالفقراء، فمن أنت يا رجل؟

فزفر زفرة ملأت الغرفة وأجاب: أنا فلان رفيقك في المدرسة، نسيتني يا مارون؟!

فقلت: الله! أنت فلان؟!

فأجاب: نعم، أنا هو، وما أفقرني إلا عقلي!

ناپیژندل شوی مخ