180

سبل ومناهج

سبل ومناهج

ژانرونه

ليست آلام أمي وأمك بأخف من آلام أم الطائر الذي انتزعته أنت في أول الصيف من عشه، أتتذكر صراخها؟ هذي حال أمي وأمك. أتذكر العصفورة المفجوعة بولدها كيف كانت تحوم حول بيتنا؟ كانت تقع بحذر على عيدان القفص الذي أعددته أنت لابنها، هذه حال أمك اليوم، لا يزال قلبها يرافقك وعيونها ترف حول أسوار المدرسة، ودموعها جارية في وادي الوجنات، فبالله عليك لا تتوان، ادرس ليل نهار لتحول دمعتها الريانة إلى ضحكة رنانة.

لا بد من أن تبكي عندما ترى نفسك صغيرا بين أفراخ الإنسانية، ولا سيما عندما تحملك الذكرى على أجنحتها إلى عالم الأحلام، فتبدأ لأول مرة تتذكر أيام صبوتك الحلوة، ستتذكر أيام كنت تلعب مع عشرائك تحت سنديانة الضيعة، أيام كنتم تطوفون قاطفين الأزهار، قابضين على الفراشات اللطيفة المنكبة على الزهرة تصافحها وتناجيها، وتسر إليها ما لا يعلمه إلا المبدع الحكيم، قد كنت قاسيا أيها الصغير.

أنا عارف أنني أهيج شجونك ولا أعزيك في بليتك الجديدة، لا بد من الألم يا عزيزي فهو مهماز يحثنا على السير لنبلغ الواحات المرجوة، هكذا تألمت قبلك حين تذكرت ففاضت شئوني واتقدت شجوني. الذكرى مرة يا أخي الصغير، ولكنها لا تخلو من حلاوة، ولولا المر ما عرفنا قدر الحلو.

سوف لا يروقك هذا الطور الجديد، ولكن تصبر لتذوق طعم الحياة المدرسية، إن لها حلاوة خاصة لا تنساها طول عمرك فتمتع من شميم عرار نجد ...

لا تخش بأس المعلم فهو ليس غولا كما صوروه لك، إنه أخ وأب وصديق إذا أحسنت سياسته، فكن لبقا ولا تزعجه، فهذا المسكين يخشاك كما تخشاه، فاعرف أنت من أين تؤكل الكتف. إن «فلق» الخوري إبراهيم و«طبشته» لا وجود لهما في دنياك الجديدة، فبالكلام اللين يروضون اليوم أشبال الإنسانية، الضرب ممنوع، ولا يحظى بلقائه إلا صاحب المخ اليابس، فكن مطيعا تنجح وتسلم، لا تهتم بغير تقليب صفحات كتابك إذا شئت ألا يقلب لك المحيط صفحته، احفظ النظام يحفظك. لا تكن ثرثارا، واذكر قول والدتنا: لسانك حصانك إن صنته صانك.

النهار الصافي يعرف من صباحه، فلتزهر صبوتك ليثمر شبابك، الطريق الطويل، أما سمعت حكاية المرحومة ستي عن النعجة التي شردت من الصيرة فأكلها الذئب؟

إن في المدرسة طغمة هم غير رفاقك صغار الضيعة، فلا تعاشر إلا خيرهم لتعود إلينا كما خرجت من عندنا، لا تبال بقول من يزعم أنه يقوم اعوجاج رفيقه، فالخل لن يعود خمرا مهما حاولنا وتعبنا. الدرس الدرس! أنسيت كلمة والدنا: الدارس غلب الفارس؟ فاجتهد ترجع إلينا فائزا منصورا.

كان أبي يسأل عني بعض معلمي فيمتدحون عبقريتي حتى سموني فيلسوف المدرسة، أما حين دخلت العالم فوجدتني أجهل أبسط الأمور، قد كنت أضحك ما استطعت حين أسمع شهادة الزور في ... عفوا شهادة المبالغة التي تعودناها في أحاديثنا كلها، كنت أضحك من مديح معلمي ومغالاته وأقول في قلبي: مسكين والدي! إنه يجهل العلوم التي أتلقاها، فلو ألقى علي بعض أسئلة لأضحكه جهلي بالواقع، وعرف أن ابنه يتعلم ما لا يمس حياته ولو عن مسافة أميال. أما أنا والشكر لوالدي الذي باع «كرم الجورة» حتى علمني، فصرت لا أسأل عنك المعلم، بل أتولى فحصك بنفسي.

إن الطحان لا يغبر على الكلاس، فاجتهد لتحسن الإجابة على أسئلتي، وأدق لك على ظهرك أمام الأهل والجيران فتطول قامتك شبرين ...

نصيحة يا أخي، إن المدارس أمست تعلم الإسراف، وليس الذنب ذنبها، فالولد مطبوع على التشبه فلا تتشبه بسواك. كن مقتصدا لا مبذرا ولا بخيلا، فالمبذرون إخوان الشياطين، والإسراف وخيمة عواقبه. لا تتشبه بابن من هو أوفر ثروة منا، بل اجتهد لتفوقه أدبا وعلما، فالعلم سيكون رأس مالك الكافي لتعيش مثله في العالم. إن المدرسة التي أنت فيها توطئة لمدرسة أعلى منها، فتعلم جيدا ليسهل عليك دخول بوابتها، إنها بوابة العالم التي شبه بها طرفة فخذي ناقته بقوله: «كأنهما بابا منيف ممرد.»

ناپیژندل شوی مخ