179

سبل ومناهج

سبل ومناهج

ژانرونه

لأجلك اليوم أضع الحبر على الورق، وهما سميراك ونديماك، أنتم - جماعة الطلبة - غاية كل أمة، أنتم الحجارة التي نشيد بها صروح الأوطان، يسمونكم اليوم رجال الغد، وقد سماكم الشاعر من قبل أكبادنا التي تمشي على الأرض، فأنتم - كيفما دارت بكم الحال - رأس مال البيت الأصغر والبيت الأكبر، أي الأسرة والوطن، ومن لا تهمه صيانة رأس ماله وتنميته فاقرأ إذن غير مأمور كلمتي الموجهة إليك أيها العزيز في تشرين الأسود لا الأغر.

أرجو يا بني ألا تكون ضيعت اللبن في الصيف، فأمانيك الصيفية قد تناثرت أمنية أمنية، كما بدأ يتناثر ورق الشجر ورقة ورقة، فعسى أن تتعلم من الخيبة كما تتعلم من الفوز والنجاح.

غدا أو بعد غد، وإن امتد الأجل فبعد أسبوع، ستفتح بوابة المدرسة ذراعيها الكالحتين وتنطبق عليك كماشتها السوداء، فلا سراح ولا براح ... غدا سترانا، ولا إخالك مت شوقا إلينا، ولكن أخوك مكره لا بطل، كما قال المثل القديم، ومن يدري فلعلك قائل مع الذي استبشع وجه الحريري: وجه الحريري وجه قرد، والضرورات أحوجتنا إليه، فليكن، أما أنا الذي لا أكتم شيئا عنك فأقول لك ما قاله البدوي:

شكا إلي جملي طول السرى

صبر جميل فكلانا مبتلى

فهلم إذن يا عزيزي إلى مدرستك طيب النفس، مرتاحا إلى لقاء أساتذتك المتساوين معك بالعظمة والكرامة، فكلاكما تقولان معا: الله مع الصابرين ...

رويدك يا ولدي ولا تكن لجوجا ولا حرونا ولا شموسا، فالعلم لا يدرك إلا بالصبر، والصبر الطويل الجزيل، فاصبر على كل ما لا يرضيك ... فمنذ زمان لم أخصك بشيء، مع أنك يا عزيزي موضوعي المنشود، وعليك أبني الرجاء، فعسى ألا يكون بنياني على شفير هار، سوف لا أنقطع عنك بعد اليوم. وأما خير ما أزودك به الآن من نصائح الموسم، فهو رسالة أخ خرج من المدرسة كتبها إلى أخيه الصغير الداخل إليها حديثا.

إن عهد هذه الرسالة يرجع إلى ربع قرن تقريبا، وها أنا ذا أسردها لك بحروفها لترى أسلوبها، وتعلم أن الكتابة تسير سير الأزياء في موكب الزمان، فاسمع إلى المعاني المقصودة وأعر طرفك الصور، إن جدك لبس مثلك حريرا وصوفا وكتانا وقطنا، ولكن الهندازة تغيرت والتفصيل تنوع، فأصغ - حفظك الله - إلى ما كتبه ذاك الأخ، قال:

أخي الحبيب

أمس كان عقد شملنا منظوما، وملائكة الاتحاد ترفرف فوق رءوسنا. أما اليوم فقد انفرطت منه حبة صغيرة عزيزة على قلبنا وهي أنت. قد بت سجينا، والمدرسة سجن يدخله الولد طائعا مختارا. إن قفص المدرسة حلو، فكما يسجن الطائر الذي ترجى فصاحته ليطرب ويشجي، كذلك يسجن الفتى الذي مثلك ليسمع الوطن صوته في غد، فاجتهد لكي تبرع، فما نحن إلا طيور عابرة في فضاء التاريخ الهازئ.

ناپیژندل شوی مخ