166

سبل ومناهج

سبل ومناهج

ژانرونه

هذا ما قلته في الجوار، وقس على ما قيل ما لم يقل، واللبيب من اتعظ.

العفو حبيب الله

لولا استسلام الناس لغيظهم وغضبهم لما كان في الدنيا شر، ولو اتسعت صدورنا ما خربت دورنا، فرب غضبة يليها من الشرور ما لم يكن في الحسبان، أما تقول لجليسك إذا احتد أو احتدم: خذنا بحلمك؟ فترى أن هذه الكلمة أطفأت نار صدره المتأججة، وأغنت عن تكاليف كثيرة.

تدوس خطأ رجل إنسان في الطريق، فيقف ليرد لك الكيل كيلين، حتى إذا ما قلت له بلطف عفوا يا أخي أو يا سيدي، أجابك: لا بأس، ويمضي كل منكما في طريقه وينتهي كل شيء، فهذه هي الكلمة التي يجب أن نعلمها أبناءنا حين يشبون عن الطوق، فهي أمضى سلاح في معترك الحياة.

فالكتاب العزيز يعلمنا، بل يأمرنا بقوله:

خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين .

يظهر أن العفو سجية من سجايا العرب الأولى؛ ولذلك مدح بها الشعراء كل ذي فضل. كنت فيما مضى أستشهد بأعاظم من كل الشعوب، أما هنا فسأتكلم عن هذه المكرمة العربية مؤيدا ما أزعم بما أثر عن العرب من أحاديث تدل على محبتهم للعفو وتنافسهم فيه، وكم في القديم من عبر ودروس للمعاصرين! وربما كان الميت أوعظ لنا من الحي، فالدرس الذي نعلمه بصورة إيجابية لا يؤدي الفائدة التي تؤديها الدروس الإخبارية، فمن طبيعة الإنسان التشبه بمن سبقوه، وهكذا تتأصل أخلاق الشعوب.

وأشهر من اشتهر بالعفو في الخلفاء كان المأمون، الذي قال عن نفسه: لقد حبب إلي العفو حتى إني أخاف ألا أثاب عليه، وقال أيضا: لو علم أهل الجرائم لذتي في العفو لارتكبوها وتقربوا إلي بالجنايات.

وعمرو بن العاص - وهو المشهور بصلابة العود مع دهاء - روي أنه ركب بغلة له شهباء ومر على قوم، فقال بعضهم: من يقوم للأمير فيسأله عن أمه وله عشرة آلاف؟ فقال واحد منهم: أنا، وقام وأخذ بعنان بغلته وقال: أصلح الله الأمير! أنت أكرم الناس خيلا، فلماذا ركبت دابة اشهاب وجهها؟!

فقال ابن العاص: إني لا أمل دابتي حتى تملني. فقال الرجل: أصلح الله الأمير! أما العاص فقد عرفناه وعلمنا شرفه، فمن الأم؟

ناپیژندل شوی مخ