هذه بعض جراثيم الأمراض التي فشت في بلادنا، وتلك حال الكثيرين من أولادنا، وستأتي ساعة يندمون فيها كما ندم غيرهم على بيع زهرة العمر بيع السماح في أسواق اللهو، إنهم سوف يتذكرون أيام الشباب حين يلم برأسهم ذلك الضيف غير المحتشم، وتثقل عاتقهم وطأة السنين.
وإذا وقفت بوجه أحد هؤلاء السادرين الجامحين، ورخصت لنفسك زجره وردعه، صاح بك: أنا حر يا سيدي، أنا بالغ رشيد وغني عن وعظك، فأتحف سواي بآيات نصحك الذهبية.
نعم يا عزيزي أنت حر، أنت بالغ كما قلت، ولكنك والله غير رشيد؛ ولهذا ترفض النصيحة التي كانت في الزمن الغابر بجمل، ثم تملأ فمك بكلمة «أنا حر» لأنه لم يبلغك قول الشاعر:
يا رقيقا لذات خصر رقيق
برئت منك ذمة الحرية
أنت حر إذا كنت تتنعم وتنفق مما جنيت، وأما إن تبدد ما جمعه أبوك وجدك فأنت عبد أي عبد، عبد لشهواتك وميولك، عبد لنزوات الشباب التي جرك إلى حمأتها حنو أمك وعطف أبيك، ولو أنصفا لتركاك تقلع شوكك بيدك، فتقلع إذ ذاك عن هذا الجنون.
فلولا هذه البطالة التي أنت فيها، واليسر الذي متعك به أبواك لما اجتمعت فيك هذه المعايب: القمار والسكر والمجون ...
وما بلغت إلى هنا حتى دخلت علي آنسة عانس، أنثى جنت عليها كبرياؤها وعويناتها السوداء التي نظرت من خلالها إلى الشباب الطامعين بمالها وجمالها وعلمها، الآنسة بعد أن كانت «برسم الزواج» مدة انتزعت تلك الفكرة من رأسها وحل محلها حب الأدب، وقديما قالوا: أدركته حرفة الأدب.
قالت الآنسة حين شقت الباب دون أن تحيي أو تسلم: في ساحة من أنت نازل اليوم؟
فقلت على الفور: في ساحة الشباب يا آنستي.
ناپیژندل شوی مخ