وأخيرا نام أبو يوسف، ولكن فكره لم ينم، قلب أمر الرهن على جميع وجوهه، وفي الغد الباكر كان عند أبي مجيد، فدفع له المائة الذهبية نقدا وعدا، وأخذ منه تلك الشعرة الكريمة ولفها بورقة ووضعها في الصندوق موضع الذهبات وهو يقول: «قدرك الله على الوفاء!»
ولما دنا الأجل ساعدت الأحوال أبا يوسف ورجعت الشعرة إلى قواعدها سالمة من الأذى.
وسمع أحد أغنياء البلد - وكان معسورا - أن فلانا رهن شعرة برشاء وأخذ بها مائة صفراء، فذهب إلى أبي مجيد يستدين، فقال له أبو مجيد: «أنت تعرف أني لا أدين إلا برهن.»
فأجابه الرجل: «فلان رهن عندك شعرة من شواربه، وأنا مستعد أن أرهن لك شعرات» فما قولتك؟
فقال له المرابي: «هذي غير هاتيك، اعذرني يا سيدي.» - ولماذا؟ إذا لم أدفع فأملاكي نصف الضيعة.
فأجابه: «هذاك لا يملك غير الشرف، وأنت تملك الشرف والعقارات وتكون حرا إذ ذاك بتضحية أحدهما، وأنا لا أريد أن يكون مالي من الأضاحي.»
تلك كانت عقليتهم في معاملاتهم، أما اليوم فالتكالب على المادة يحملنا على رهن كل ما نملك وكل ما في حوزتنا من شعر، شرط أن نحصل على المال.
كان الصدق في الأقوال والأعمال مجدا وشرفا، وأمسى الكذب والاحتيال والنصب دهاء، والكذب ملح الرجال، وعدتك وما قدرت، أو قلت وبطلت، هكذا يقول الناس اليوم، وألف قلبة ولا غلبة.
أزمة التربية والتعليم
لا تنفرج هذه الأزمة عندما نحبر مقالات تظل حبرا على ورق، ومثل الحبر والورق مشهور عندنا فنحن محتاجون إلى ما قاله ذلك الأعرابي: «أنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال.»
ناپیژندل شوی مخ