ويروى عن أحد الأطباء العظام أنه ترجم كتابا نفيسا أثناء ركوبه جواده لعيادة مرضاه، فالكثيرون من أعاظم الرجال قد أحرزوا مقامهم الرفيع باستفادتهم من أوقات الفراغ القليلة التي يبددها غيرهم من الناس، فحياة رافائيل القصيرة وروائعه الكثيرة الخالدة هي خير أستاذ يعلمنا فوائد الوقت.
ولا ننس نابليون العظيم فإنه نموذج العمل الأعظم، حتى إنه لم يكن ينام أكثر من أربع ساعات. ولم يكن دانتي مكرسا كل وقته لنظم الشعر كبعض شعراء اليوم، بل كان يتاجر ليكسب معاشه نهارا وينظم الشعر في أوقات فراغه، وهكذا خلق منه الوقت الضائع شاعرا خالدا من أعاظم شعراء المسكونة.
ومع ذلك ترانا نتذمر دائما وأبدا من ضيق الوقت، نجلس جلسة واحدة للمسامرة أو المنادمة والثرثرة ساعات متوالية، ونقول لجلسائنا بلا خجل ولا حياء: «الوقت قصير.» فإذا كان الوقت قصيرا ونجلس هذه الجلسات الطويلة حتى تملنا الكراسي وتضيق بنا ذرعا صدور الجدران، فماذا كنا نفعل لو كان الوقت غير قصير؟!
إنها العادة يا أصحابي، العادة هي التي ألقتنا في هذا الجب، فلنغالب أنفسنا لننقذها من هذه النقيصة، لا تترددوا ولا تقولوا: بعد ساعة، بعد ربع ساعة نشرع في عملنا، باشروا حالا وإلا ضاعت الساعتان الذهبيتان المرصعتان بستين دقيقة من الألماس.
لا تدع التراخي يستولي عليك فتضيع نهارك، ابدأ بعملك فور نهوضك من فراشك، ومتى استيقظت اطرح اللحاف عنك وانتصب على قدميك، انهض حالا لا تتوان، الله معك.
وأنت يا عزيزي العامل - وكلنا عمال في هذه الحياة - إن الدقيقة التي لا تستعملها على حقها قد تطيح بك إلى حيث لا تدري، كما أن الدقائق التي تنقض فيها على عملك كجلمود صخر حطه السيل من عل، قد تكون رأس مال لك. اعلم أن أولياء الأمر يضعون مستخدميهم دائما في كفة الميزان، فإذا كنت ممن يحرصون على الدقائق والثواني رجحت كفتك وشال سواك في ميزانهم.
زن نفسك كل يوم قبل أن تشكو من الجور وعدم التقدير والإنصاف، فإذا ارتقى سواك في السلم درجات وبقيت أنت حيث كنت، فاعلم أنك كسلان متوان تضيع الوقت، واشكر أولياءك لأنهم لم يعزلوك.
إن الثروة والترقي وراحة البال تنتظر من يضن بالدقائق والثواني، فكن أيها العزيز ذلك الرجل.
البكالوريا بين المعلم والطالب
اسلم، وحييت أبا الملد
ناپیژندل شوی مخ