39

Study of the Science of Religions - Its Importance and Researchers' Approaches -

دراسة علم الأديان - أهميتها ومناهج الباحثين فيها -

ژانرونه

وعلى ضوء هذا النهج الموهن لنصوص الشرع المفرط في تعظيم العقل ناقش المتكلمون أتباع الأديان الأخرى فهذا القاضي عبد الجبار يقول في معرض نقاشه عقائد النصارى: "فأما من عول منهم في هذا الباب على إتباع من سلف والرجوع إلى الكتب وتقليد التلاميذ فقوله ساقط، لأن الكلام في صفة القديم ﷿ وما يصح عليه وما لا يصح لا يجوز أن يرجع فيه إلى السمع .. " (^١). بل نجده يصرح أن استدلاله للنصوص حتى في المسائل التي أورد فيها نصوصًا أنه أوردها من باب الاعتضاد لا الاعتماد، يقول القاضي في فصل " إثبات أنه ﷺ مبعوث إلى الناس كافة "بعد إيراده نصوصًا نقلية كثيرة" وإنما نذكر هذه الألفاظ تأكيدًا والعمدة ما ذكرناه من العلم الضروري بدينه وقصده .. " (^٢). ثالثًا: التأويل الكلامي: انطلاقًا من وجوب تقديم العقل على النقل ذهب المتكلمون إلى وجوب تأويل النصوص التي رأوا أن ظاهرها يخالف العقل، يقول الغزالي: "كلّ خبر مما يشير إلى إثبات صفة للباري ﷿ يشعر ظاهره بمستحيل في العقل، نُظِرَ إن تطرق إليه التأويل قُبِل وأول، وإن لم يندرج فيه احتمال تبين على القطع كذب الناقل" (^٣). أما الرازي فقد زعم أن المصير إلى التأويل أمر لابد منه (^٤) وجاء بـ "القانون الكلي" القائل بوجوب تقديم العقل وتأويل النقل أو تفويضه. وقد استعمل طوائف المبتدعة التأويل في مناقشاتهم مع غير المسلمين سواء في أجوبتهم عن الأسئلة الموجهة إليهم أو في النقد الذي كانوا يوجهونه للأديان الأخرى. فانظر أجوبة فخر الدين الرازي في مناظرته مع النصراني حين زعم النصراني أن في القرآن آيات موهمة للتشبيه ومثل بقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)﴾ [طه: ٥] (^٥) وقوله تعالى: ﴿رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)﴾ [الفجر: ٢٢] (^٦) وقوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] (^٧) وآيات من الآيات الدالة بصفات الرب الاختيارية (^٨)، فقال الفخر الرازي مجيبًا وفق مذهب النافي للصفات الاختيارية: "وأما الجواب عن الأحاديث والآيات الموهمة للتشبيه، فاعلم أنه إذا ثبت عند كلّ عاقل مثلا أن الجدار جماد لا حي ثم يوصف بعد ذلك بالإرادة في قوله تعالى: ﴿جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧] (^٩) علم قطعًا بضرورة العقل أن وصفه بالإرادة إنما هو على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة" (^١٠).

(^١) المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبدالجبار المعتزلي، تحقيق محمود محمد الخضري، ص ٥/ ١٤٢. (^٢) المصدر السابق ١٦/ ٤٢٤، تحقيق أمين الخولي. (^٣) المنخول من تعليقات الأصول، لأبي حامد الغزالي تحقيق محمد حسن هيتو ص ٢٨٦. (^٤) انظر: أساس التقديس لفخر الرازي تحقيق د. أحمد حجازي السقا ص ٩٥ دار الجيل - بيروت. (^٥) سورة طه الآية: ٥. (^٦) سورة الفجر الآية: ٢٢. (^٧) سورة الزمر الآية: ٦٧. (^٨) انظر: مناظرات في الرد على النصارى للرازي، تحقيق عبدالمجيد النجار، ص ٥٧ - ٥٨، دار الغرب الإسلامي، بيروت ١٩٨٦. (^٩) سورة الكهف الآية: ٧٧. (^١٠) مناظرات في الرد على النصارى ص ٦٩.

1 / 39