Status of Prayer in Islam
منزلة الصلاة في الإسلام
خپرندوی
مطبعة سفير
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
٢٠
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
_
منزلة الصلاة في الإسلام
المفهوم، والحكم، والمنزلة، والخصائص، وحكم الترك، والفضائل
في ضوء الكتاب والسنة
ناپیژندل شوی مخ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في: «منزلة الصلاة في الإسلام»، بيّنت فيها بإيجاز مفهوم الصلاة، وحكمها، ومنزلتها، وخصائصها، وحكم تاركها، وفضلها، بالأدلة من الكتاب والسنة.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رفع الله درجاته في الفردوس الأعلى.
1 / 3
والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا، وخالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ضحى يوم الجمعة الموافق ١٨/ ٨/١٤٢٠هـ
1 / 4
المبحث الأول: مفهوم الصلاة
الصلاة لغة: الدعاء، قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (١). أي ادع لهم، وقال النبي ﷺ: «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصلِّ، وإن كان مفطرًا فليطعم» (٢). أي فليدع بالبركة والخير والمغفرة (٣).
والصلاة من الله حسن الثناء، ومن الملائكة الدعاء، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ١٠٣.
(٢) أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى الدعوة، ٢/ ١٠٥٤، برقم ١٤٣١.
(٣) انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، باب الصاد مع اللام، ٣/ ٥٠، ولسان العرب لابن منظور، باب اللام، فصل الصاد، ١٤/ ٤٦٤، والتعريفات للجرجاني، ص١٧٤، وانظر المغني لابن قدامة ٣/ ٥. وشرح العمدة لابن تيمية، ٢/ ٢٧ - ٣١.
1 / 5
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (١). قال أبو العالية: «صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء» (٢). وقال ابن عباس ﵄: «يصلون: يُبَرِّكون» (٣).
وقيل: إن صلاة الله الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار.
والصواب القول الأول (٤). قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمهْتَدُونَ﴾ (٥). أي عليهم ثناء من الله ورحمة (٦)، فعطف الرحمة على الصلوات والعطف يقتضي المغايرة (٧).
_________
(١) سورة الأحزاب، الآية: ٥٦.
(٢) البخاري معلقًا مجزومًا به، قبل الحديث رقم ٤٧٩٧.
(٣) البخاري معلقًا مجزومًا به، قبل الحديث رقم ٤٧٩٧.
(٤) انظر: تفسر القرآن العظيم لابن كثير ص١٠٧٦، والشرح الممتع لابن عثيمين
٣/ ٢٢٨ - ٢٢٩.
(٥) سورة البقرة، الآية: ١٥٧.
(٦) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير ص١٣٥.
(٧) الشرح الممتع لابن عثيمين ٣/ ٢٢٨، وسمعت هذا المعنى من الإمام عبد العزيز ابن باز أثناء تقريره على الروض المربع ٢/ ٣٥.
1 / 6
فالصلاة من الله الثناء، ومن المخلوقين: الملائكة، والإنس، والجن: القيام، والركوع، والسجود، والدعاء، والتسبيح، والصلاة من الطير والهوام: التسبيح (١).
والصلاة في الشرع: عبادة لله ذات أقوال وأفعال معلومة مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، وسميت صلاة لاشتمالها على الدعاء (٢).
فالصلاة كانت اسمًا لكل دعاء، فصارت اسمًا لدعاء مخصوص، أو كانت اسمًا لدعاء، فنقلت إلى الصلاة الشرعية لما بينها وبين الدعاء من المناسبة، والأمر في ذلك متقارب، فإذا أطلق اسم الصلاة في الشرع لم يفهم منه إلا الصلاة المشروعة (٣). فالصلاة كلها دعاء:
_________
(١) انظر: لسان العرب لابن منظور، باب الياء، فصل الصاد ١٤/ ٤٦٥.
(٢) انظر: المغني لابن قدامة ٣/ ٥، والشرح الكبير ٣/ ٥، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ٣/ ٥، والتعريفات للجرجاني ص١٧٤.
(٣) انظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ٢/ ٣٠ - ٣١.
1 / 7
دعاء مسألة: وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع، أو كشف ضر، وطلب الحاجات من الله وحده بلسان المقال.
ودعاء عبادة: وهو طلب الثواب بالأعمال الصالحة: من القيام، والقعود، والركوع، والسجود، فمن فعل هذه العبادات فقد دعا ربه، وطلبه بلسان الحال أن يغفر له، فتبين بذلك أن الصلاة كلها دعاء مسألة، ودعاء عبادة؛ لاشتمالها على ذلك كله (١).
_________
(١) انظر: شروط الدعاء وموانع الإجابة، للمؤلف، ص ١٠ - ١١، وفتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، ص ١٨٠، والقول المفيد على كتاب التوحيد، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ١/ ١١٧. وسمعت هذا المعنى من الإمام ابن باز أثناء تقريره على الروض المربع، ١/ ٤١٠.
1 / 8
المبحث الثاني: حكم الصلاة
الصلاة واجبة: بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، على كل مسلم بالغ عاقل، إلا الحائض والنفساء، أما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (١). وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ (٢).
وأما السنَّة؛ فلحديث معاذ ﵁ حينما بعثه النبي ﷺ إلى اليمن وقال له: «وأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة» (٣)؛ولحديث ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت» (٤).
_________
(١) سورة البينة، الآية: ٥.
(٢) سورة النساء، الآية: ١٠٣.
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، برقم ١٣٩٥، ومسلم، الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين ١/ ٥٠.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم، برقم ٨، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام، برقم ١٦.
1 / 9
وعن عبادة بن الصامت ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيِّع منهن شيئًا استخفافًا بحقّهنّ، كان له عند الله عهدًا أن يدخله الجنة ...» الحديث (١).
والآيات والأحاديث في فرضية الصلاة كثيرة.
وأما الإجماع، فقد أجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة (٢).
ولا تجب على الحائض والنفساء، لقوله ﵊: «أليست إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم» (٣).
_________
(١) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيمن لم يوتر، ٢/ ٦٢، برقم ١٤٢٠، وصححه الألباني ﵀ في صحيح سنن أبي داود ١/ ٢٦٦، ١/ ٨٦.
(٢) المغني لابن قدامة ٣/ ٦.
(٣) البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، ١/ ١٤٤، عن أبي سعيد ﵁، وعن ابن عمر ﵄، عند مسلم في كتاب الإيمان «وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر رمضان فهذا نقص الدين».
1 / 10
المبحث الثالث: منزلة الصلاة في الإسلام
الصلاة لها منزلة عظيمة في الإسلام، ومما يدل على أهميتها وعظم منزلتها ما يأتي:
١ - الصلاة عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، ففي حديث معاذ ﵁ أن النبي ﷺ قال: «رأس الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاةُ، وذروةُ سنامِه الجهادُ» (١). وإذا سقط العمود سقط ما بني عليه.
٢ - أول ما يحاسب عليه العبد من عمله، فصلاح عمله وفساده بصلاح صلاته وفسادها، فعن أنس بن مالك ﵁ عن النبي ﷺ قال: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة: الصلاة، فإن صلحت صلح سائرُ عمله، وإن فسدت فسد سائرُ عمله». وفي رواية: «أول ما يسأل عنه
_________
(١) الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، ٥/ ١١، برقم ٢٦١٦، وقال: «حديث حسن صحيح»،وأخرجه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، ٢/ ١٣١٤، وأحمد، ٥/ ٢٣١، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، ٢/ ١٣٨.
1 / 11
العبد يوم القيامة ينظر في صلاته، فإن صلحت فقد أفلح، [وفي رواية: وأنجح]، وإن فسدت فقد خاب وخسر» (١).
وعن تميم الداري ﵁ مرفوعًا: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله ﷿ لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تُؤخذ الأعمال على حسب ذلك» (٢).
٣ - آخر ما يُفقد من الدين، فإذا ذهب آخر الدين لم يبق شيء منه، فعن أبي أمامة مرفوعًا: «لتُنقضن عُرَى الإسلام عُروة عُروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس
_________
(١) أخرجه الطبراني في الأوسط، ١/ ٤٠٩ [مجمع البحرين] برقم ٥٣٢، ورقم ٥٣٣، وقال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: «وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع طرقه والله أعلم» ٣/ ٣٤٦.
(٢) أبو داود، كتاب الصلاة، باب قول النبي ﷺ: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تُتًمُّ من تطوعه) ١/ ٢٢٨ برقم ٨٦٤، ومن حديث أبي هريرة برقم ٩٦٦، وابن ماجه، من حديث أبي هريرة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في أول ما يحاسب به العبد: الصلاة، ١/ ٤٥٨، برقم ١٤٢٥، وأحمد، ٤/ ٦٥، ١٠٣، ٥/ ٣٧٧، وصححه الألباني في صحيح الجامع،٢/ ٣٥٣.
1 / 12
بالتي تليها، فأولهن نقضًا الحكم، وآخرهن الصلاة» (١). وفي رواية من طريق آخر: «أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة، ورب مصلٍّ لا خير فيه» (٢).
وعن أنس ﵁ مرفوعًا: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخره الصلاة» (٣).
٤ - آخر وصية أوصى بها النبي ﷺ - أمته، فعن أم سلمة ﵂ أنها قالت: كان من آخر وصية رسول الله ﷺ: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم»، حتى جعل نبي
_________
(١) أحمد ٥/ ٢٥١، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ١/ ٢٢٩.
(٢) أخرجه الطبراني في الصغير [مجمع البحرين]، ٧/ ٢٦٣، برقم ٤٤٢٥، وضعفه المحقق عبد القدوس بن محمد نذير عن عمر بن الخطاب ﵁، وله شاهد عن زيد بن ثابت أخرجه الحكيم الترمذي «أول ما يرفع من الناس الأمانة وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة، ورب مصلٍّ لا خلاق له عند الله تعالى»، وذكره الألباني في صحيح الجامع وحسنه، ٢/ ٣٥٣.
(٣) أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق، ص ٢٨، وتمام الرازي في الفوائد
(ق ٣١/ ٢)، والضياء في المختارة، ١/ ٤٩٥، وأخرجه الطبراني في الكبير، برقم ٧١٨٢ من حديث شداد بن أوس ﵁، بدون ذكر الصلاة، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ٤/ ٣١٩، برقم ١٧٣٩، وقال بعد أن ذكر شواهده وطرقه: «والحديث صحيح على كل حال؛ فإن له شواهد كثيرة ذكرت بعضها في الروض النضير، تحت الحديث رقم ٧٢٦».
1 / 13
الله ﷺ يجلجلها في صدره وما يفيض بها لسانه» (١).
٥ - مدح الله القائمين بها ومن أمر بها أهله، فقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ (٢).
٦ - ذم الله المضيعين لها والمتكاسلين عنها، قال الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ (٣).وقال ﷿: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ (٤).
٧ - أعظم أركان الإسلام ودعائمه العظام بعد الشهادتين، فعن عبد الله بن عمر ﵄، عن النبي ﷺ قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله،
_________
(١) أحمد، ٦/ ٢٩٠، ٣١١، ٣٢١، وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٧/ ٢٣٨.
(٢) سورة مريم، الآيتان: ٥٤ - ٥٥.
(٣) سورة مريم، الآية: ٥٩.
(٤) سورة النساء، الآية: ١٤٢.
1 / 14
وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت» (١).
٨ - مما يدل على عظم شأنها أن الله لم يفرضها في الأرض بواسطة جبريل، وإنما فرضها بدون واسطة ليلة الإسراء فوق سبع سموات.
٩ - فرضت خمسين صلاة، وهذا يدل على محبة الله لها، ثم خفف الله ﷿ عن عباده، ففرضها خمس صلوات في اليوم والليلة، فهي خمسون في الميزان، وخمس في العمل، وهذا يدل على عظم مكانتها (٢).
١٠ - افتتح الله أعمال المفلحين بالصلاة واختتمها بها، وهذا يؤكد أهميتها، قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي ﷺ: «بني الإسلام على خمس» ١/ ٩٢، برقم ٨، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام
١/ ٤٥، برقم ١٦.
(٢) متفق عليه من حديث أنس ﵁: البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في قوله ﷿: ﴿وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾، برقم ٧٥١٧، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله ﷺ وفرض الصلوات، برقم ١٦٢.
1 / 15
الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ (١).
١١ - أمر الله النبي محمدًا ﷺ وأتباعه أن يأمروا بها أهليهم، فقال الله ﷿: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ (٢).
وعن عبد الله بن عمر ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع» (٣).
_________
(١) سورة المؤمنون، الآيات: ١ - ٩.
(٢) سورة طه، الآية: ١٣٢.
(٣) أبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، ١/ ١٣٣، برقم ٤٩٥، وأحمد، ٢/ ١٨٠، ١٨٧، وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٢/ ٧، ١/ ٢٦٦.
1 / 16
١٢ - أُمِرَ النائم والناسي بقضاء الصلاة، وهذا يؤكد أهميتها، فعن أنس بن مالك ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «من نسي صلاةً فليصلِّها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك». وفي رواية لمسلم: «من نسي صلاةً أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها» (١). وأُلحق بالنائم المُغمى عليه ثلاثة أيام فأقل، وقد رُوي ذلك عن عمار، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب ﵃ (٢).أما إن كانت المدة أكثر من ذلك فلا قضاء؛ لأن المُغمى عليه مدة طويلة أكثر من ثلاثة أيام يشبه المجنون بجامع زوال العقل، والله أعلم (٣).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ١/ ١٦٦، برقم ٥٩٧، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، ١/ ٤٧٧، برقم ٦٨٤.
(٢) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة، ٣/ ٨، والمغني، ٢/ ٥٠ - ٥٢.
(٣) انظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، جمع الدكتور عبد الله الطيار، والشيخ أحمد بن عبد العزيز ابن باز، ٢/ ٤٥٧.
1 / 17
المبحث الرابع: خصائص الصلاة في الإسلام (١)
الصلاة لها شأن انفردت به على سائر الأعمال الصالحة، منها:
١ - سمى الله الصلاة إيمانًا بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (٢).يعني صلاتكم إلى بيت المقدس؛ لأن الصلاة تصدِّقُ عَمَلهُ وقَوْلَهُ.
٢ - خصها بالذكر تمييزًا لها من بين شرائع الإسلام، قال الله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ (٣)، وتلاوته اتباعه والعمل بما فيه من جميع شرائع الدين، ثم قال:
﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾، فخصها بالذكر تمييزًا لها، وقوله تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ﴾ (٤). خصها
_________
(١) انظر: شرح العمدة لابن تيمية، ٢/ ٨٧ - ٩١.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٤٣.
(٣) سورة العنكبوت، الآية: ٤٥.
(٤) سورة الأنبياء، الآية: ٧٣.
1 / 18
بالذكر مع دخولها في جميع الخيرات، وغير ذلك كثير.
٣ - قُرِنَت في القرآن الكريم بكثير من العبادات، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (١). وقال: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ (٢). وقال: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (٣)، وغير ذلك كثير.
٤ - أمر الله نبيه ﷺ أن يصطبر عليها، فقال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ (٤) مع أنه ﷺ مأمور بالاصطبار على جميع العبادات؛ لقوله تعالى: ﴿وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾ (٥).
٥ - أوجبها الله على كل حال، ولم يعذر بها مريضًا،
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ٤٣.
(٢) سورة الكوثر، الآية: ٢.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ١٦٢.
(٤) سورة طه، الآية: ١٣٢.
(٥) سورة مريم، الآية: ٦٥.
1 / 19
ولا خائفًا، ولا مسافرًا، ولا غير ذلك؛ بل وقع التخفيف تارة في شروطها، وتارة في عددها، وتارة في أفعالها، ولم تسقط مع ثبات العقل.
٦ - اشترط الله لها أكمل الأحوال: من الطهارة، والزينة باللباس، واستقبال القبلة مما لم يشترط في غيرها.
٧ - استعمل فيها جميع أعضاء الإنسان: من القلب، واللسان، والجوارح، وليس ذلك لغيرها.
٨ - نهى أن يشتغل فيها بغيرها، حتى بالخطرة، واللفظة، والفكرة
٩ - هي دين الله الذي يدين به أهل السموات والأرض، وهي مفتاح شرائع الأنبياء، ولم يُبْعَث نبيٌّ إلا بالصلاة.
١٠ - قُرنت بالتصديق بقوله: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ (١)، وخصائص الصلاة كثيرة جدًّا
_________
(١) سورة القيامة، الآيتان: ٣١ - ٣٢.
1 / 20
لا تقاس بغيرها (١).
_________
(١) انظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ٢/ ٨٧ - ٩١، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٢/ ٨٧.
1 / 21