Statement of the Creed of Ahl al-Sunnah wa’l-Jama‘ah and the Obligation to Follow It in Light of the Qur'an and Sunnah
بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ولزوم اتباعها في ضوء الكتاب والسنة
خپرندوی
مطبعة سفير
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بيان عقيدة أهل السنة والجماعة
ولزوم اتباعها
في ضوء الكتاب والسُّنَّة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
ناپیژندل شوی مخ
بسم الله الرحمن الرحيم (١)
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ﴾ (٢)، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٣)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٤).
_________
(١) محاضرة اختار عنوانها وأمر بإعدادها وأشرف على إلقائها، وسمعها من أولها إلى آخرها، وأقرّها وعلّق عليها سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀، وذلك بعد صلاة المغرب من يوم الخميس الموافق ١٠/ ٥/١٤١٨هـ، في الجامع الكبير "جامع الإمام تركي بن عبد الله" ﵀ بمدينة الرياض.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٠٢.
(٣) سورة النساء، الآية: ١.
(٤) سورة الأحزاب، الأحزاب: ٧٠ - ٧١.
1 / 3
أما بعد فإنَّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (١).
لا شك أنَّ الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة، فإن كانت العقيدةُ فاسدةً غير صحيحة بطل ما يتفرع منها من أعمال، وهذا يؤكد أنَّ تعلُّم العقيدة الصحيحة من أهم المهمات وأعظم الواجبات؛ لأن قبول الأعمال موقوف عليها، والسعادة في الدنيا والآخرة لا تكون إلا بالتمسكِ بها والسلامةِ مما ينافيها، والعقيدةُ الصحيحةُ هي عقيدةُ الفرقةِ الناجيةِ المنصورة: أهل السنةِ والجماعة، وهي مبنية على الإيمان الصادق بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره وما يتبع هذه الأصول ويدخل فيها، وما يتفرع منها، وجميع ما أخبر الله به، وما أخبر به رسوله ﷺ.
والأصل في ذلك قول الله ﷿: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ (٢) الآية، وقال ﷿: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (٣)، وقال
_________
(١) انظر: خطبة الحاجة التي كان رسول الله ﷺ يعلمها أصحابه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، ص٣ - ٣٥.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٧٧.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢٨٥.
1 / 4
﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِالله وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا﴾ (١)، وقال ﷾: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله
يَسِيرٌ﴾ (٢)، وقال ﷿: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ (٣)، وفي حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ أن جبريل ﵇ سأل النبي ﷺ عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (٤)، هذه هي أصولُ عقيدةِ أهل السنةِ والجماعةِ إجمالًا. ولكن ما هو مفهومُ العقيدة؟ ومن هم أهلُ السنةِ والجماعة؟ وما أسماؤُهم وصفاتهم؟ وما أصولُ عقيدَتِهم تفصيلًا؟ وما الذي يدخل في هذه الأصول؟ وما الذي يتفرع منها من أمور العقيدة؟ وإلى الإجابة على ذلك بالتفصيل والاختصار في المباحث الآتية:
_________
(١) سورة النساء، الآية: ١٣٦.
(٢) سورة الحج، الآية: ٧٠.
(٣) سورة القمر، الآية: ٤٩.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي ﷺ عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة (رقم ٥٠)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (برقم ٨).
1 / 5
المبحث الأول: مفهومُ عقيدة أهلِ السنةِ والجماعة
أولًا: مفهوم العقيدة لغةً:
كلمة «عقيدة» مأخوذة من العقد والرَّبط والشّدِّ بقوة، ومنه الإحكام والإبرامُ، والتماسك والمراصّة، يقال: عقد الحبل يعقده: شدّه، ويقال: عقد العهدَ والبيعَ: شدّه، وعقد الإزارَ: شده بإحكام، والعقدُ: ضد الحل (١).
ثانيًا: مفهوم العقيدة اصطلاحًا:
العقيدة تُطلق على الإيمان الجازم والحكم القاطع الذي لا يتطرق إليه شكٌّ، وهي ما يؤمن به الإنسانُ ويعقد عليه قلبَه وضميرَه، ويتخذه مذهبًا ودينًا يدين به؛ فإذا كان هذا الإيمان الجازم والحكم القاطع صحيحًا كانت العقيدة صحيحة، كاعتقاد أهل السنة والجماعة، وإن كان باطلًا كانت العقيدةُ باطلة كاعتقاد فرق الضَّلال (٢).
ثالثًا: مفهوم أهل السُّنَّة:
السنة في اللغة: الطَّريقة والسِّيرة، حسنة كانت أم قبيحة (٣)، وهي في اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: الهدي الذي كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابُه: علمًا واعتقادًا، وقولًا، وعملًا، وهي السنة التي يجب اتباعها، ويُحمد أهلُها، ويُذمُّ من خَالَفها؛ ولهذا قيل: فلان من أهل السنة: أي من
_________
(١) انظر: لسان العرب لابن منظور، باب الدال، فصل العين، ٣/ ٢٩٦،والقاموس المحيط للفيروز آبادي، باب الدال، فصل العين، ص٣٨٣،ومعجم المقاييس في اللغة لابن فارس، كتاب العين، ص٦٧٩.
(٢) انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، للشيخ الدكتور ناصر العقل، ص٩ - ١٠.
(٣) لسان العرب، لابن منظور، باب النون فصل السين، ١٣/ ٢٢٥.
1 / 6
أهل الطريقة الصحيحة المستقيمة المحمودة (١).
رابعًا: مفهوم الجماعة:
الجماعة في اللغة مأخوذة من مادَّة جمع وهي تدور حول الجمع والإجماع والاجتماع وهو ضد التفرق، قال ابن فارس ﵀: «الجيم والميم والعين أصل واحد يدل على تضام الشيء، يقال: جمعت الشيء جمعًا» (٢)، والجماعة في اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: هم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين اجتمعوا على الحق الصَّريح (٣) من الكتاب والسنة (٤).
خامسًا: أسماءُ أهلِ السُّنَّة وصِفَاتُهُم:
١ - أهل السنة والجماعة: هم من كان على مثل ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابُه، وهم المتمسِّكون بسنة النبي ﷺ، وهم الصحابة، والتابعون، وأئمة الهدى المُتَّبِعون لَهُم، وهم الذين استقاموا على الاتِّباع وابتعدوا عن الابتداع في أي مكان وفي أيِّ زمان، وهم باقون منصورون إلى يوم
_________
(١) انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة، ص١٣.
(٢) معجم المقاييس في اللغة، لابن فارس، كتاب الجيم، باب ما جاء من كلام العرب في المضاعف والمطابق أوله جيم، ص٢٢٤.
(٣) وتطلق الجماعة على من وافق الحق، قال عبد الله بن مسعود ﵁: «الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك»، قال نعيم بن حماد: «يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ». ذكره الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان،
١/ ٧٠، وعزاه إلى البيهقي.
(٤) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، ص٦٨، وشرح العقيدة الواسطية، لابن تيمية، تأليف العلامة محمد خليل هراس، ص٦١.
1 / 7
القيامة (١)، وسمُّوا بذلك لانتسابهم لسنة النبي ﷺ، واجتماعهم على الأخذ بها: ظاهرًا وباطنًا، في القول، والعمل، والاعتقاد (٢).
فعن عوف بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فِرقةً فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقتِ النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون فرقةً في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسُ محمدٍ بيده لَتَفتَرِقَنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنة واثنتان وسبعون في النار»، قيل يا رسول الله، من هم؟ قال: «الجماعة» (٣)، وفي رواية الترمذي عن عبد الله بن عمرو ﵄: قالوا: ومن هي يا رسول الله، قال: «ما أنا عليه وأصحابي» (٤).
٢ - الفرقة الناجية: أي الناجية من النار؛ لأن النبي ﷺ استثناها عندما ذكر الفرق، وقال: «كُلُّها في النار إلاّ واحدة»،أي ليست في النار (٥).
٣ - الطائفة المنصورة: فعن معاوية ﵁ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تزالُ طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر الله لا يضرُّهم من خذلهم أو
_________
(١) انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل، ص١٣ - ١٤.
(٢) انظر: فتح رب البرية بتلخيص الحموية، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ص١٠، وشرح العقيدة الواسطية، للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ص١٠.
(٣) أخرجه ابن ماجه بلفظه، في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم ٣٩٩٢، وأبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم ٤٥٩٦، وابن أبي عاصم، في كتاب السنة، ١/ ٣٢، برقم ٦٣، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٢/ ٣٦٤.
(٤) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم ٢٦٤١.
(٥) انظر: من أصول أهل السنة والجماعة، للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ص١١.
1 / 8
خالفهُم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» (١)، وعن المغيرة بن شعبة ﵁ نحوه (٢)، وعن ثوبان ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» (٣)، وعن جابر بن عبد الله ﵁ نحوه (٤).
٤ - المعتصمون المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ -، وما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؛ ولهذا قال فيهم النبي ﷺ: «ما أنا عليه وأصحابي» (٥)، أي هم من كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي.
٥ - القدوة الصالحة الذين يهدون إلى الحق وبه يعملون، قال أيوب السختيَانِي ﵀: «إنَّ من سعادةِ الحَدَث (٦)، والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة» (٧)، وقال الفضيل بن عياض ﵀: «إن لله
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، بابٌ: حدثنا محمد بن المثنى، برقم ٣٦٤١، ومسلم بلفظه، في كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم»، برقم ١٠٣٧.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، بابٌ: حدثنا محمد بن المثنى، برقم ٣٦٤٠، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم»، برقم ١٩٢١.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم»، برقم ١٩٢٠.
(٤) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم»، برقم ١٩٢٣.
(٥) سنن الترمذي، برقم ٢٦٤١، وتقدم تخريجه.
(٦) الحَدَث: الشاب. النهاية في غريب الحديث والأثر، باب الحاء مع الدال، مادة: «حدث»،١/ ٣٥١.
(٧) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي، ١/ ٦٦، برقم ٣٠.
1 / 9
عبادًا يُحيي بِهمُ العباد والبِلادَ وهم أصحاب السنة ومن كان يعقل ما يَدخُلُ جَوفَه من حله كان من حزب الله» (١).
٦ - أهل السنة خيار الناس ينهون عن البدع وأهلِها، قيل لأبي بكر بن عياش: مَن السنّي؟ قال: «الذي إذا ذُكِرَتِ الأهواء لم يتعصب لشيء منها» (٢)، وذكر ابن تيمية ﵀: أن أهل السنة هم خيار الأمة ووسطها الذين على الصراط المستقيم: طريق الحق والاعتدال (٣).
٧ - أهل السنة هم الغرباء إذا فسد الناس، فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء» (٤)، وفي رواية عن الإمام أحمد ﵀ عن عبد الله بن مسعود ﵁، قيل: ومن الغرباء؟ قال: «النُّزَّاع (٥) من القبائل» (٦)، وفي رواية عند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄، فقيل: ومن الغرباء يا رسول الله، قال: «أُنَاسٌ صالحون في أُناسِ سوءٍ كثير من
_________
(١) المرجع السابق، ١/ ٧٢، برقم ٥١، وحلية الأولياء لأبي نعيم، ٨/ ١٠٤.
(٢) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي ١/ ٧٢، برقم ٥٣.
(٣) انظر: فتاوى ابن تيمية، ٣/ ٣٦٨ - ٣٦٩.
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، برقم ١٤٥.
(٥) النزَّاع: هو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته: أي بَعُدَ وغاب، والمعنى: طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم في الله تعالى. النهاية لابن الأثير، ٥/ ٤١.
(٦) أخرجه الدارمي في كتاب الرقاق، باب إن الإسلام بدأ غريبًا، برقم ٢٧٥٨، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب بدأ الإسلام غريبًا، برقم ٣٩٨٨، وأحمد في المسند، ١/ ٣٩٧، وأبو يعلى في المسند،
٨/ ٣٨٨، برقم ٤٩٧٥.
1 / 10
يعصيهم أكثر ممن يطيعهُم» (١)، وفي رواية من طريق آخر: «الذين يصلحون إذا فسد الناس» (٢)، فأهل السنة الغرباء بين جموع أصحاب البدع والأهواء والفرق.
٨ - أهل السنة هم الذين يحملون العلم ويَحزنُ الناسُ لِفِراقِهم، أهل السنة: هم الذين يحملون العلم، وينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ ولهذا قال ابن سيرين ﵀: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رجالكم، فيُنظَرُ إلى أهل السنّةِ فيؤخذ حديثُهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم» (٣)، وأهل السنة هم الذين يحزن الناس لفراقهم؛ ولهذا قال أيوب السّختياني ﵀: «إني أُخبَرُ بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي» (٤)،وقال: «إن الذين يتمنون موتَ أهلِ السُّنّةِ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتِمّ نوره ولو كره الكافرون» (٥).
_________
(١) المسند، ٢/ ١٧٧ و٢٢٢.
(٢) مسند الإمام أحمد، ٤/ ٧٣.
(٣) مسلم، في المقدمة، باب الإسناد من الدين، ١/ ١٥.
(٤) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي،١/ ٦٦،برقم ٢٩،وأبو نعيم في الحلية، ٣/ ٩.
(٥) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي، ١/ ٦٨، برقم ٣٥.
1 / 11
المبحث الثاني: أصولُ أهلِ السُّنّةِ والجماعة
إن أهل السنة يسيرون على أصول ثابتة وواضحة، في الاعتقادِ والعمل والسلوكِ، وهذه الأصول مُستمدَّةٌ من كتاب الله ﷿، وسُنةِ رسوله ﷺ، وما كان عليه سلفُ هذه الأمةِ: من الصحابة، والتابعين، ومن تبعهم من القرون الثلاثة المفضلة، ومن سار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذه الأصول على النحو الآتي:
الأصل الأول: الإيمان بالله ﷿ -:
الإيمانُ بالله تعالى: هو الاعتقاد الجازم الذي لا يتطرقُ إليه شك بأن الله ﷿ ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكه، وأنه المستحق للعبادة وحده دون ما سواه وأن يُفردَ بالعبادة مع كمال المحبة والذُّلِّ والخضوع، وأنه المتّصف بصفات الكمال فله الأسماءُ الحسنى والصِّفاتُ العُلا، وهو سبحانه منزَّهٌ عن كل عيب ونقص.
فظهر من ذلك أن الإيمان بالله ﷿ يتضمنُ أربعة أمور (١):
الأول: الإيمان بوجود الله ﷿ -، وقد دلّ على ذلك الفطرة، والعقل، والشرع، والحس.
١ - أما دلالة الفطرة على وجوده، فإنَّ كلَّ مخلوقٍ قد فُطِر على الإيمان بخالقه من غير تفكير أو تعليم؛ لقوله ﷺ: «ما من مولود إلا يولد على
_________
(١) انظر: شرح العقيدة الواسطيّة لشيخ الإسلام ابن تيمية، شرحه العلامة محمد بن صالح العثيمين، ١/ ٥٥ - ٥٩، ويرى سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀: أن الإيمان بوجود الله ﷿ يدخل في الإيمان بالربوبية، ذكر ذلك في تعليقه على هذه المحاضرة.
1 / 12
الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه» (١).
٢ - أما دلالة العقل على وجود الله ﷿؛ فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق أوجدها على هذا النظام البديع؛ ولهذا ذكر الله هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي فقال ﷿: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ*أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ (٢)، ولما سمع جُبير بنُ مُطعِم رسول الله ﷺ يقرأ هذه الآيات وكان مشركًا قال: «كاد قلبي أن يطير وذلك أولُ ما وقر الإيمان في قلبي» (٣).
٣ - أما دلالة الشرع على وجود الله ﷿؛ فلأن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب السماوية تنطق بذلك.
٤ - أما دلالة الحِسّ على وجود الله ﷿ فمن وجهين:
(أ) أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين وغوث المكروبين ما يدل دلالة قاطعة على وجود الله ﷿، قال ﷾: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يُصلَّى عليه؟ وهل يُعرض على الصبي الإسلام؟ برقم ١٣٥٨، ومسلم في كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطر، وحكم أطفال الكفار وأطفال المسلمين، برقم ٢٦٥٨.
(٢) سورة الطور، الآيات: ٣٥ - ٣٧.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، سورة الطور، بابٌ: حدثنا عبد الله بن يوسف، برقم ٤٨٥٤، ومسلم بنحوه في كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم ٤٦٣.
1 / 13
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ (١)، وغير ذلك.
وفي صحيح البخاري عن أنس ﵁ أن رجلًا أعرابيًّا دخل يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيالُ فادعُ الله يغيثنا، فرفع رسول الله ﷺ يديه ثم قال: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا» قال أنس ﵁: فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحابُ أمثالَ الجبالِ، ثم لم ينزل من منبره حتى رأيتُ المطرَ يتحادرُ على لحيته، فمطرنا فوالله ما رأينا الشمس سبتًا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسولُ الله ﷺ قائم يخطب فقال: يا رسولَ الله، هلكت الأموال وانقطعت السُّبُلُ فادع الله يمسكها عنا، فرفع رسول الله ﷺ يديه ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا»، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت (٢).
(ب) أن آيات الأنبياء التي تُسمَّى المعجزات دليل قاطع على وجود الله ﷿؛لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر يجريها الله تأييدًا لرسله ونصرًا لهم.
الثاني: الإيمان بالربوبية، وأن الله ﷿ هو الرب الخالق، المالكُ المدبر، قال ﷿: ﴿ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ (٣)، ولم يُعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله ﷾ إلا أن
_________
(١) سورة الأنبياء، الآية: ٧٦.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، برقم ١٠١٤، ومسلم، في كتاب الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، برقم ٨٩٧.
(٣) سورة فاطر، الآية: ١٣.
1 / 14
يكون مكابرًا، قال ﷿ عن آل فرعون: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ (١)، وهذا توحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بأفعاله.
الثالث: الإيمان بالألوهية، وأن الله ﷿ هو الإله الحق المستحق للعبادة دون ما سواه؛ لكونه خالق العباد والمحسن إليهم، والقائم بأرزاقهم، والعالم بسرهم وعلانيتهم، والقادر على إثابة مطيعهم، وعقاب عاصيهم؛ ولهذه العبادة خلق الله الثقلين، قال ﷿: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (٢)، وقال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لله أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (٣)،وقد أرسل الله ﷿ الرسل وأنزل الكتب لبيان هذا التوحيد «توحيد العبادة» والدعوة إليه، قال ﷿: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ الله وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ (٤)،وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ
_________
(١) سورة النمل، الآية: ١٤.
(٢) سورة الذاريات، الآيات: ٥٦ - ٥٨.
(٣) سورة البقرة، الآيتان: ٢١ - ٢٢.
(٤) سورة النحل، الآية: ٣٦.
1 / 15
فَاعْبُدُونِ﴾ (١)،وقال ﷿: ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (٢)،وكل من اتخذ إلهًا من دونه فإلهيته باطلة، قال ﷿: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ (٣)، وقال ﷿: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ (٤).
وقد أبطل الله ﷿ اتخاذ المشركين آلهة من دونه فبيّن ضَعفَها من كلِّ وجه، فقال: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ (٥)، فالعبادة حق الله ﷿؛ ولهذا قال ﷺ لمعاذ ﵁: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا» (٦)، وهذا كله: توحيد الألوهية: وهو إفراد الله تعالى بالعبادة.
الرابع: الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا:
أهل السنّةِ والجماعة يُثبتون ما أثبتَهُ الله ﷿ لنفسه، وما أثبتَه له رسولُهُ ﷺ،
_________
(١) سورة الأنبياء، الآية: ٢٥.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٨.
(٣) سورة الحج، الآية: ٦٢.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٦٣.
(٥) سورة سبأ، الآيتان: ٢٢ - ٢٣.
(٦) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب من جاهد نفسه في طاعة الله، برقم ٦٥٠٠، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، برقم ٣٠.
1 / 16
من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ويُمِرّونها كما جاءت مع الإيمان بما دلّت عليه من المعاني العظيمة، فكل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسولُهُ من جميع الأسماء والصفات أثبتوه على الوجه اللاَّئق به تعالى، إثباتًا مفصلًا على حدِّ قوله سبحانه: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ وينفون عنه ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله ﷺ نفيًا إجماليًّا غالبًا على حد قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء﴾ والنفي يقتضي إثباتَ ما يُضادُّه من الكمال، فكل ما نفى الله عن نفسه من النقائص فإن ذلك يدل على ضِدِّهِ من أنواع الكمال، وقد جمع الله النفي والإثبات في آية واحدة ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ فهذه الآية تضمنّتْ تنزيه الله من مُشابَهةِ خلقه: لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وفي أولها ردٌّ على المشبِّهَةِ وهو قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وفي آخرها ردّ على المعطلة وهو قوله تعالى:
﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ وفي أولها نفي مُجمل، وفي آخرها إثبات مفصل. وقال الله ﷿: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لله الأَمْثَالَ إِنَّ الله يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (١)،وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله ﷺ وأتباعهم بإحسان. نَقَلَها عنهم أئمةُ أهل السُّنّةِ (٢)،قال الوليد بن مسلم ﵀: سألت الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية فقالوا: «أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف» (٣)،وقد ذكر أهل السنة كلام الأئمة على قوله ﷿: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى
_________
(١) سورة النحل، الآية: ٧٤.
(٢) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي، ٣/ ٥٨٢، برقم ٨٧٥، و٩٣٠.
(٣) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ٣/ ٥٨٢.
1 / 17
الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ وأن ذلك يدل على علوِّ الله على خلقه كما قال ﷾: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (١)،وقال ﷿: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾ (٢)،قال أبو القاسم اللالكائي ﵀: «فدلت هذه الآية أنَّهُ تعالى في السماء وعلمه مُحيطٌ بكلِّ مكان من أرضه وسمائه، وقال: وروى ذلك من الصحابة: عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأمُّ سلمة ﵃، ومن التابعين ربيعةُ بن أبي عبد الرحمن، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان، وبه قال من الفقهاء مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل (٣).
وسئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟ قال: «الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول ومِنَ الله الرِّسالة، وعلى الرَّسول البلاغ، وعلينا التَّصديق» (٤)، وقال رجل للإمام مالك ﵀: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟ فقال: «الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فإني أخاف أن تكون ضالًاّ وأَمَر به فَأُخرِج» (٥).
_________
(١) سورة فاطر، الآية: ١٠.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ٦١.
(٣) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، ٣/ ٤٣٠.
(٤) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، ٣/ ٤٤٢، برقم ٦٦٥.
(٥) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، ٣/ ٤٤١ برقم ٦٦٤، وجوّد إسناده ابن حجر في فتح الباري، ١٣/ ٤٠٦.
1 / 18
وقيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل ﵀: الله ﷿ فوق السماء السابعة على عرشه بائنٌ من خلقه، وقدرتُه وعلمه في كل مكان؟ قال: «نعم على العرش وعلمه لا يخلو منه مكان» (١)، وفي رواية: «أنه سئل عن قوله:
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ فقال الكلام السابق.
وهذه النقولات تدل على أن أهل السنة يثبتون الأسماء والصفات وما دلَّت عليه من المعاني العظيمة مع إمرارها كما جاءت بلا كيف. والمعيَّة معيتان: معيَّة عامة لجميع الناس، ومعيَّة خاصة تقتضي التوفيق (٢).
الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة:
الإيمان بالملائكة يتضمَّن أربعة أمور (٣):
١ - الإيمان بوجودهم
٢ - الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه، ومن لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالًا
٣ - الإيمان بما علمنا به من صفاتهم، كصفة جبريل فقد أخبرنا النبي ﷺ أنه رآه على صفته التي خُلِقَ عليها وله ستمائة جناح كل جناح قد سدَّ الأُفق.
٤ - الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله ﷿ -. كتسبيحه تعالى كما قال ﷿: ﴿وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا
_________
(١) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، ٣/ ٤٤٦، برقم ٦٧٤.
(٢) والإلهام، والنُّصرة.
(٣) انظر: شرح أصول الإيمان، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ص٢٧.
1 / 19
يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ (١)، وعن أبي ذرٍّ ﵁ يرفعه: «إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطَّتِ السماء وحُقَّ لها أن تئِطَّ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله ..» (٢)، وهذا يدل على كثرتهم وقد ثبت أن النبي ﷺ رُفع له البيت المعمور في السماء يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك بلا رجعة (٣).
ومن أعمالهم: أن جبريل أمين الوحي، وإسرافيل الموكّل بالنفخ في الصور، وملك الموت الموكّل بقبض الأرواح وغير ذلك.
الأصل الثالث: الإيمان بالكتب:
يجب الإيمان بالكتب إجمالًا وأن الله ﷿ أنزلها على أنبيائه ورسله لبيان حقيقة التوحيد والدعوة إليه، قال ﷿: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (٤).
_________
(١) سورة الأنبياء، الآيتان: ١٩ - ٢٠.
(٢) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب قول النبي ﷺ: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا»، برقم ٢٣١٢، وحسنه، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء، برقم ٤١٩٠،وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي،٢/ ٢٦٨، وصحيح سنن ابن ماجه، ٢/ ٤٠٧.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم ٣٢٠٧، ولفظه: «فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم»، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله ﷺ إلى السموات وفرض الصلوات، برقم ١٦٤، ولفظه: «فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخله كُلَّ يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخرُ ما عليهم».
(٤) سورة الحديد، الآية: ٢٥.
1 / 20
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سَمَّى الله منها: كالتوراة، والإنجيل، والزَّبور، والقرآن العظيم، والقرآن أفضلُها وخاتَمها والمُهَيمِنُ عليها، والمصدِّقُ لها، وهو الذي يجب على جميع العباد اتباعه وتحكيمه، مع ما صحَّت به السُّنّة (١).
الأصل الرابع: الإيمان بالرسل:
الإيمان بالرسل، فيُصدّق المُسلم تَصدِيقًا جازمًا بأن الله ﷿ أرسل الرسل؛ لإخراج الناس من الظُّلمات إلى النُّور، فيجب الإيمان بهم إجمالًا وتفصيلًا، فيجب الإيمان بهم على وجه الإجمال، ويجب الإيمان بمن سَمَّى الله منهم على وجه التفصيل، قال الله ﷿: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ (٢)، فيؤمن العبد أن من أجاب الرسل فاز بالسعادة ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة، وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا محمد ﷺ (٣).
_________
(١) فظهر أن الإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور:
١ - الإيمان بأنها من عند الله ﷿.
٢ - الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه.
٣ - تصديق ما صحّ من أخبارها.
٤ - العمل بأحكام ما لم يُنسخ منها والرضا والتسليم به، وجميع الكتب منسوخة بالقرآن الكريم، فهو الذي يجب العمل بما فيه.
انظر: شرح أصول الإيمان، للعلامة العثيمين، ص٣٢.
(٢) سورة النساء، الآية: ١٦٥.
(٣) والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
١ - الإيمان بأن رسالتهم حق من عند الله ﷿.
٢ - الإيمان بمن علمنا اسمه منه باسمه.
٣ - تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
٤ - العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد ﷺ، فقد نَسَخَت شريعته جميع الشرائع السابقة.
انظر: شرح أصول الإيمان، للعلامة محمد العثيمين، ص٣٦.
1 / 21