وكان ستالين يحاول أحيانا الترويج للثورة بوسائل كان تروتسكي يصفها بالاستهتار والمغامرة، وحدث أحيانا أن تروتسكي كان يتعجل بناء الاشتراكية في روسيا بخطوات كان ستالين يعتبرها خطوات طائشة تؤدي إلى النكبات، وكلما ازدادت شقة الخلاف اتساعا ثبت الرأيان ثبوتا راسخا أكثر فأكثر، ففي النظام الستاليني كان إنشاء الاشتراكية في روسيا هو المقدم وتليه الثورة العالمية، أما في نظام تروتسكي فقد كان الأمر هو العكس.
إلا أن الخلاف بين الرجلين كان جوهره الخلاف في الطبع لا في النظريات. كان تروتسكي يعتقد أن أوروبا قد «نضجت للثورة»، والثورة الروسية من وجهة النظر هذه ما هي إلا مقدمة لثورة أعم كثيرا؛ ذلك أن تحقيق البناء الاشتراكي في روسيا وحدها يعد قليل القيمة إذا قورن بما يمكن تحقيقه بسياسة اقتصادية اشتراكية توضع على أساس أوروبي.
على أن ستالين لم يشاطر تروتسكي تفاؤله أبدا بما يتعلق «بنضوج» أوروبا للاشتراكية، وقدر أن قوة المقاومة في النظام الرأسمالي ما زالت عظيمة جدا.
أما ستالين فإن طراز الاشتراكية الخاص به كان عنده أهم بكثير من احتمال قيام الاشتراكية في الغرب، وقد رفض أن يعتبر روسيا قائمة على محيط الحضارة الغربية.
وكان مؤمنا بأنها أعدت لتكون حصن النظام الاشتراكي الجديد.
لقد كان هو الخلاف القديم بين المحبين للجنس السلافي بإيمانهم بعبقرية روسيا النوعية، والميالين إلى الغرب بإيمانهم بما تستطيع أوروبا أن تمدهم به.
وقد نشبت الحرب بين هؤلاء وأولئك في أعقاب الثورة.
وقد اضطرت روسيا بعد سنة 1921 أن تتبع سياسة مزدوجة، فقد استلزم التعمير الداخلي من ناحية عقد اتفاقيات مع الدول الرأسمالية، في حين أنها من ناحية أخرى راحت تعمل بوصفها زعيمة الكومنترن على قلب نظام الحكم في تلك الدول، وقد تحايل لينين خلال حياته على حفظ التوازن بين السياستين، ولكن اعتلال صحته اضطره في ربيع سنة 1923 إلى أن يعتزل الإشراف الفعلي. ولما مات في يناير سنة 1924 أول سلطانه إلى زينوفييف وكامينيف وستالين.
وفي سنة 1923 برز تروتسكي في المعارضة، وكان حديث عهد بالحزب، فلم يكن زعماء الصف الأول من البلاشفة يعتبرونه واحدا منهم، وكان يذهب إلى أن حكم الدولة إنما كان في أيدي رجال كان سجل أعمالهم - كمعارضين للثورة - كافيا لتفسير فشل الثورة في ألمانيا وفي كل مكان، ولذا فقد حرم من منصبه كوزير للحرب في سنة 1925، ولكنه عاد في سنة 1927 إلى الهجوم وقد أصبح يؤيده آخرون من زعماء الحزب، فحمل على سياسة ستالين الخارجية على أساس أنه أحل محل الماركسية مذهب «البورجوازية الدنيا»، أو رفع الطبقة الدنيا إلى مستوى الطبقة الوسطى في «اشتراكية الدولة الواحدة»، ولا داعي لأن نصدق أن تروتسكي كان خليقا بأن يكون أكثر توفيقا من ستالين في تحقيق الثورة لسبب بسيط؛ هو أنه ما من دولة من الدول الغربية لم تنشد الثورة كما تجلى عندما أعاد الألمان الذين كانوا أكثر الغربيين ميلا للثورة إلى الحكم في أول انتخابات بعد الحرب حكومة اشتراكية ديموقراطية معتدلة بأغلبية ساحقة، كذلك لم يكن تروتسكي - كما رأينا - محقا في اتهامه ستالين بالتخلي عن قضية الثورة العالمية.
ومع ذلك فإن سياسة ستالين أثرت في هذه القضية دون شك؛ فقد قام الحزب الشيوعي الروسي حتى سنة 1924 بدور هام في الكومنترن، ولكنه لم يكن دورا متسلطا، ومن سنة 1924 إلى سنة 1929 كشفت سياسة الكومنترن عن سلسلة من التكتلات المعارضة الداخلية كانت في البداية ضد تروتسكي ثم ضد بوخارين وراديكوف.
ناپیژندل شوی مخ