وفي ضحى اليوم التالي إذ كنت جالسا في بيتي جاء رسول الأمير في طلبي وقال يقول الأمير أرجو أن تكلف نفسك عناء الحضور إلى قصري فمضيت ولما دخلت عليه قام في وجهي وأجلسني في مكان أثير وأخذ يشتم وكلاءه ويلعنهم وينحي باللائمة عليهم قائلا إنهم هم الذين قصروا أما أنا فكنت مشغولا بخدمة الملك وقضاء أعماله ثم قال للموكل بالخزانة إلي بكيس ذهب وميزان ووزن مائتي دينار وناولينها فشكرت له ونهضت لأنصرف لكنه قال اجلس قليلا وأحضر الطعام وبعد أن أكلنا وغسلنا أيدينا همس في أذن أحد الخدم شيئا فذهب الخادم وأحضر خلعة في الحال وقال الأمير ألبسه فألبست جبة ثمينة وعمامة مقصبة ثم قال الأمير لي هل رضيت عني بقلب سليم قلت أجل قال أعد إلي سندي واذهب الان إلى الخياط العجوز وقل له لقد استرددت حقي كاملا وانني عن فلان لراض قلت سافعل لأنه هو نفسه طلب إلي أن أخبره غدا ومضيت من قصر الأمير إلى الخياط وقلت له لقد استدعاني الأمير وأكرمني ودفع إلي بقية ذهبي ووصلني بهذه الجبة وهذه العمامة وليس هذا في رأيي إلا من بركة كلامك فماذا يحدث لو قبلت مني مائتي دينار لكنه على الرغم من كثرة ما حاولت لم يقبل ثم نهضت وعدت إلى دكاني فرحا مسرورا
وفي اليوم التالي اعددت حملا وعددا من الدجاج المقلي وذهبت بها إلى الخياط ومعي طبق حلوى وكعك أيضا وقلت يا شيخ إنك لا تقبل ذهبا فأرجو لكي يدخل السرور على قلبي أن تقبل مني هذا القدر من المأكولات تبركا فهو من كسبي الحلال فقال قبلت ومد يده وشرع يأكل من طعامي ويناول أجيريه ثم قلت له ان لي عندك حاجة إن تقضها أقل قال قلت لقد كلم كل أشراف بغداد وأمرائها الأمير في أمري فلم يستمع لأحد ولقد عجز القاضي عنه أيضا فلم استجاب لكلامك ونفذ كل ما قلت حالا ورد ألي ذهبي ما سبب حرمتك هذه عنده قل لي لأعرفه قال أو ما تدري خبري مع أمير المؤمنين قلت لا قال أصغ إلي وهاك ما أقول
قال اعلم أنني أؤذن على مئذنة هذا المسجد منذ ثلاثين سنة وأكسب رزقي من الخياطة لم أشرب الخمرة ولم أرتكب الزنا أو اللواط أو أقترف الأعمال القبيحة قط
مخ ۹۱