الفصل الأول في أحوال الناس وتقلب الأيام ومدح سلطان العالم خلد الله ملكه
يتخير الله تعالى في كل عصر وزمان واحدا من بين خلقه فيضفي عليه فضائل الملك ويزينه بها ويكل إليه مصالح البلاد وراحة العباد ويوصد به أبواب الفساد والاضطراب والفتنة ويبث هيبته ووقاره في أعين الورى وأفئدتهم ليقضي الناس أيامهم في ظل عدله ويعيشوا آمنين متمنين دوام ملكه
فإذا ما بدا والعياذ بالله من العباد عصيان واستخفاف بالشريعة أو تقصير في طاعة الله تعالى واتباع أوامره وأراد أن يعاقبهم ويجازيهم بأعمالهم لا أرانا الله مثل هذه الأيام وجنبنا هذا الإدبار فإنه تعالى يصب عليهم جام غضبه وخذلانه بأن يحرمهم من ملك صالح يختطفه من بينهم فتشب الفتن وتشرع السيوف وتهرق الدماء ويفعل الأقوياء ما يشاؤون إلى أن يهلك المجرمون والعاصون جميعا في أتون تلك الفتن ونزيف الدم ويخلو العالم منهم ويصفو ولا مناص من أن يهلك والحال هذه عدد من الأبرياء بجريرة المذنبين فحين تشتعل النار في المقصبة فإنها تلتهم اليابس كله وقسما كبيرا من الأخضر أيضا بالمجاورة
ومن ثم فإن الله بقدرته الربانية يختص أحد عبادة بالسعادة والملك ويمنحه ما هو أهله من ثروة ونعمه ويهبه عقلا وعلما وحكمة يرعى بها من هم في إمرته ويسيرهم كل بما يستحق ثم يضع كلا منهم في المحل والمكان والعمل الذي يليق به ويصلح له أما الوزراء والأكفاء من الرجال فيختارهم من وسط الرعية ويحلهم الدرجات والمنازل الرفيعة ويعتمد عليهم في المهام الدينية والدنيوية ليجنب الرعية التي سلكت سبيل الطاعة وانصرفت إلى شؤونها وأعمالها الخاصة المتاعب والآلام ليقضوا حياتهم في راحة وطمأنينة
مخ ۴۵